الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / التاریخ / أبو مخنف /

فهرس الموضوعات

أبو مخنف

أبو مخنف

تاریخ آخر التحدیث : 1443/1/12 ۱۶:۴۱:۴۱ تاریخ تألیف المقالة

أَبو مِخنف، لوط بن یحیی بن سعید بن مخنف بن سُلَیم، أخباري کبیر عاش في القرن 2هـ / 8م. و مما یثیر العجب حوله، عدم توفر معلومات عن دحواله و حیاته رغم شهرته الواسعة، بحیث لانستطیع أن نرسم بدقة ولوصورة بسیطة عنهما.و قد أی هذا إلی أن یصب الجمیع اهتمامهم علی الأخبار المنقولة عنه. وفي هذه الأخبار أیضاً – وسنری کیف نقلها المؤلفون اللاحقون من آثاره کلّ بشکل – بندر وجود المعلومات التي تساعد علی تسلیط الضوء علی حیاته، ولذا الابد من الاحتیاط بخصوصها.

ینحدر أبومخنف من أسرة عریقة في المجد و شهیرة من بني غامد و من قبیلة الأزد الیمنیة الکبیرة في الکوفة (الکلبي، 2/481-482). ورغم أن المعلومات التي وردت حول أسرته متناثرة، إلا أنها لیست بقلیلة. أسلم جدّه منف بن سلیم علی حد قول أبي مخنف نفسه (ظ: ابن سعد، 1(3)/30) في 6هـ عندما قام النبي (ص) بدعوة أبي ظَبیان الدزدي. ولذا عدوه صحابیاً لروایته أحادیث عن النبي (ص) (ظ: الطبراني، 20/310-311؛ أبوالشیخ، 1/279-282؛ ابن عبدالبر، 4/1467؛ أبونعیم، معرفة ...، 2/ الورقة 206 ألف؛ المزي، تحفة ...، 8/367-368؛ ابن حجر، الإصابة، 6/72). و المعلومة الوحیدة التي تقدمها لنا المصادر عن حیاة مخنف بن سلیم قبل خلافة أمیرالمؤمنین علي (ع)، مشارکته في فتوح العراق (الدینوري، 114). شهد معرکة الجمل مع معسکر العراقیین و حمل لواء الأزد و بعض القبائل الأخری (نصر بنمزاحم، 117؛ البلاذري، أنساب...، 2/236؛ الدینوري، 146) وقد قتل أخواه عبدالله وصَفْعَب في هذه المعرکة (ظ: الطبري، تاریخ، 4/521، «المنتخب»، 547؛ أیضاً ظ: البلاذري، ن.م، 2/241). وتولی بعد ذلک من قبل الإمام (ع) إمارة أصفهان و همدان (نصر بن مزاحم، 11؛ أبوالشیخ، 1/277- 278؛ أبونعیم، ذکر أخبار...، 1/72)، واستدعاه الإمام علي (ع) إبان وقعة صفین طي رسالة أورد نصر بن مزاحم نصها (ص 104-105)، فشهدها (ن.ص). کان مخنف یسکن الکوفة، تنسب إلیه جبّانة فیها (خلیفة، 1/280، 309؛ الطبري، تاریخ، 7/183؛ أبونعیم، ن.ص). وطبقاً لما رواه ابن حجر فقد قُتل في 64 هـ خلال ثورة التوابین بقیادة سلیمان بن صُرَد الخُزاعي (تهذیب...، 10/78).

ویعتبر عبدالرحمان أشهر أبناء مخنف، وقد شهد صفین (نصر بن مزاحم، 261)، وشارک في بعض الأحداث الأخری بعد وقعة صفین (البلاذري، ن.م، 2/446؛ إبراهیم، 302، 314-315؛ الطبري، ن.م، 5/133). کما نعلم أنه کان خلال الأحداث المتعلقة بثورة المختار الثقفي، من معارضیه (البلاذري، ن.م، 5/224، 227، 231، 253). وقد قتل في 75هـ في معرکةمع الخوارج (الطبري، ن.م، 6/211- 212؛ أیضاً ظ: المبرّد، 3/1299، 1302، 1318- 1319).

والابن الآخر لمخنف هو محمد، وقد شهد صفین أیضاً (الطبري، ن.م، 4/570)، وقد جاء ذکر معیته لأخیه عبدالرحمان (ظ: ن.م، 5/ 261). کما ذکر إبراهیم بن محمد الثقفي، عبدالله بن مخنف أیضاً في خبر (ص 312)، ویبدو أنه کان حیاً حتی 77 هـ علی الأقل (ظ: الطبري، ن.م، 6/295، وقد سقط اسم مخنف من نسبه فينسخة المصحح، قا: «المنتخب»، ن.ص). ونقل حبیب، الابن الآخر لمخنف أحادیث عن طریق أبیه (المزي، تهذیب...، 27/347؛ أیضاً ظ: أحمد بن حنبل، 5/76). وفیما یتعلق بابنه الآخر سعید الذي کان جد أبي مخنف، لاتلاحظ أیة معلومات عنه في المصادر الموجودة. ولانعرف یحیی والد أبي مخنف، إلا عن طریق بضع روایات نقلها أبومخنف عنه في بعض الأحداث التاریخیة. ویعود آخر تاریخ لتلک الروایات إلی 96هـ (ظ: الطبري، تاریخ، 6/124، 295، 500؛ أیضاً ظ: أبوالفرج، 34-35). ورغم أن اسم أبي مخنف جاء في المختصر الذي بین أیدینا الآن من المقتبس للمرزباني ضمن فهرس أسماء الرواي و العلماء الکوفیین الذین تم الحدیث عن حیاة کلّ منهم (الیغموري، 235)، لکننا لم نلاحظ وللأسف في النسخة المتوفرة لدینا الآن أثراً عن ترجمته.

وفیما یتعلق بتاریخ ولادة أبي مخنف، علینا أن ندرس ثانیة و بدقة تخمینات الباحثین له. وبناء علی مایقوله سزگین: فإن أبا مخنف وُلد حوالي سنة 70هـ/ 689م، لأنه روی بعض روایات تاریخیة عن عبدالله بن علقمة الخثعمي آخر صحابي للنبي (ص) و المتوفی في الکوفة (87هـ/ 706م) (ص 5؛ أیضاً ظ: الطبري، ن.م، 5/565، 6/230، 290-291). ولکن مما لاشک فیه أنه قد حدث خلط بین عبدالله بن علقمة الخثعمي هذا و بین عبدالله بن أبي أوفی الأسلمي، آخر صحابي للنبي (ص) و المتوفی في الکوفة (ظ: الذهبي، سیر...، 3/428 و مابعدها). کما قال ولهاوزن إنه کان کهلاً في 82هـ، ویعد صدیقاً لمحد بن السائب الکلبي (الدولة...، 1). وإذا ما کان مستند قوله الخبر الذي نقله أبومخنف عما قاله محمد بن السائب الکلبي في وقائع ثورة ابن الأشعث في82هـ (ظ: الطبري، ن.م، 6/349، 364)، فیجب القول أولاً إنه من المحتمل أن تکون الروایات المذکورة قد نقلت بعد سنوات من ذلک، کما یجب الأخذ بنظر الاعتبار أن أبا مخنف قد روی الروایة المتعلقة بأحداث سنة 82هـ عما نقله محمد بن السائب الکلبي، وإذا ما کان في سن الکهولة خلال هذه الواقعة – کما نص و لهاوزن – فما الحاجة إلی الروایة عنه؟ و علی أیة حال، فإن مثل هذه الروایات لاتفید کثیراً في تخمین سنة ولادة أبي مخنف، ذلک لأنه روی – علی سبیل المثال – الأحداث المتعلقة بواقعة کربلاء (61هـ) بواسطة واحدة أحیاناً (مثلاً ظ: ن.م، 5/434-435)، ومن المسلّم به أنه لایمکن القول استناداً إلی مثل هذا الاستدلال إنه کان کهلاً في هذا التاریخ. ولکن مما یجدر ذکره أیضاً أن الطبري نقل من حوالي سنة 97 هـ فصاعداً روایات عن أبي مخنف حول بعض الأحداث التاریخیة (ن.م، 6/523، 542، 564، 578)، وقد نقلها دون واسطة، کما نقل أخباراً تتعلق بسنة 96هـ بواسطة أبیه (ن.م، 6/500) وبسنة 97 هـ بواسطة الآخرین (ن.م، 6/524، 527). وآخر خبر نُقل عن أبي مخنف یعود إلی الطبري (ن.م، 7/417- 418) ویتعلق بثورة محمد بن خالد القسري في 132هـ، قبیل دخول جیش خراسان إلی الکوفة، إلا أنه قد تم الحط من دور أبي سلمة الخلال (ن.ع) إلی حدّ کبیر في الروایة المنقولة عن أبي مخنف وذلک قیاساً بروایة أکمل عن هذه الحادثة في أخبار الدولة العباسیة (ص 367-368)، ولذا فلیس من المستبعد کثیراً أن یعود تاریخ روایة أبي مخنف هذه إلی مابعد حادثة مقتل أبي سلمة الخلال.

وعلی أیة حال، فإن النقل المباشر و غیر المباشر لأبي مخنف عن أشخاص مثل جابر بن یزید الجعفي (الطبري، تاریخ، 4/500، 512)، ومالک بن أعین الجُهَني (ن.م، 5/13، 14، 25، 39، 84، أیضاً ظ: 7/129)، وأبي خالد الکابلي (ن.م، 5/423، بواسطة واحدة)، وأبي الجارود (ن.م، 6/63) الذین کانوا یحملون أفکاراً خاصة في التشیع، و کذلک روایاته التي نقلها حول الخوارج من المصادر القریبة منهم مثل أبي المخارق الراسبي (ن.م، 5/564، 620، 6/319، 322)، أو أبي زهیر العَبسي (ن.م، 6/168)، تشیر إلی العلاقة الواسعة التي کانت تربطه بهم لجمع الأخبار. کما أن التفصیلات الدقیقة التي قدّمها عن الحوادث التي سبقت سنة 132هـ مثل ثورة زید بن علي (ع) وأسبابها (ن.م، 7/171، 180، 186) أو ثورة الضحّاک بن قیس الخارجي في الکوفة (ن.م، 7/327، 345)، من شأنها أن تدل علی توفره الکامل علی مثل هذه الأخبار.

ولایُعلم تاریخ مبادرة أبي مخنف إلی جمع مثل هذه الأخبار المرتبطة بأحداث صدر الإسلام التاریخیة التي أدی البعض منها فیما بعد إلی ظهور معتقدات خاصة بین المسلمین، إلا أن الباحثین قد سعوا للوصول إلی بعض النتائج استناداً علی نصوص بعض الأخبار المنقولة عن أبي – مخنف نفسه؛ وعلی سبیل المثال فإن ماسینیون اعتبر زمان جمعه للأخبار بعد انتصار العباسین في 132هـ/ 750م، وذلک استناداً إلی التغیّر الذي حدث في تلفظ بعض المفردات – و هي في الحقیقة أسماء أمکنة – بعد دخول جیش خراسان الکوفة، و إلی عثوره علی مثل هذه المفردات في الروایات المنقولة عن أبي مخنف (ظ:III/ 45). ورغم أنه لاتتوفر أدلة قاطعة لتعیین الزمن الدقیق لتألف هذه الأخبار، إلا أنه یجب التنبه إلی ملاحظة أساسیة: وهي إن نشاط المحدّثین و الأخباریین في العصر الأموي کان مقتصراً علی روایة السیرة النبویة، و إن تألیف الأخبار التاریخیة المتعلقة بالعصر الأموي مثل سرد أحداث العراق و ذکر الثورات و تدوین کتب «المقاتل» المتعددة أو بیان ثورات الخوارج، کان قد بدأ إبان السنوات الأولی من حکم العباسیین، وذلک بتألیفات أفراد مثل ابن إسحاق وأبي معشر السندي (ن.ع.ع) و أبي مخنف و سیف بن عمر التمیمي. وفي هذا العصر فقط نصادف بعد عنوان السیرة النبویة – التي کانت ماتزال تشکل القسم الأکبر من نشاط الأخباریین – عناوین مثل تاریخ الخلفاء لابن إسحاق و أبي معشر السندي، وخاصة الرواة الکوفیین مثل عوانة بن الحکم (تـ 147هـ/ 764م9 الذي نسبت إلیه مؤلفات مثل التاریخ و سیرة معاویة و بني أمیة (GAS, I/ 307-308) وکذلک أبومخنف الذي یدل فهرس آثاره علی جهد واسع في مجال تدوین الأخبار التاریخیة. ولذلک فإن المؤلفین اللاحقین، ورغم کل سوء ظنهم بأبي مخنف، نهلوا کثیراً من آثاره باعتباره أحد أسبق هؤلاء الأشخاص. وفي الحقیقة أن هذه الحرکة قد بلغت ذروتها بعد النصف الثاني من القرن 2هـ، وذلک بظهور أشخاص مثل هشام الکلبي وأبي الحسن المدائني والواقدي. وبشکل عام یجب النظر إلی الاهتمام الذي کان یبدیه العراقیون – و خاصة الکوفیین – بالکتابات المفردة المخصوصة بوقائع مثل الجمل وصفین و کربلاء، من منظار نزعتهم العامة إلی أهل البیت (ع) و حفظ اتفاصیل المرتبطة بتلک الأحداث (لمزید من التفصیل، ظ: الدوري، 118 و مابعدها).

وعلی حدّ علمنا، فإن یاقوت وحده هو الذي ذکر تاریخ وفاة أبي مخنف في 157هـ/ 774م (الأدباء، 17/41؛ أیضاً ظ: الذهبي، سیر، 7/302، تاریخ ...، 581؛ ابن شاکر، فوات ...، 3/225). بما أنه نقل کل ترجمة أبي مخنف و فهرس آثاره من ابن الندیم تقریباً، وإن موضع تاریخ وفاة أبي مخنف خالٍ في النسخة الحالیة من الفهرست (ص 105)، فمن المحتمل جداً أنه نقل هذا التاریخ من النسخة التي کانت بین یدیه. و قد ذُکر تاریخ وفاة أبي مخنف قبل 170هـ أیضاً (الذهبي، میزان ...، 3/420). ورغم أن هذه التواریخ لیست دقیقة للغایة، ولکن حیث إن أباالحسن المدائني قد روی عن أبي مخنف (الطبري، تاریخ، 4/558، 6/500)، و مع الأخذ بنظر الاعتبار تاریخ ولادته في 135هـ، فیمکن الوثوق بتاریخ وفاة أبي مخنف في السنوات التي سبقت 170هـ (أیضاً ظ: الیعقوبي، 2/403، الذي أورده ضمن فقهاء عهد المهدي العباسي).

وقد وُجَّهت إلی أبي مخنف طعون کثیرة في کتب الرجال، فلم یعدّه یحیی بن معین «ثقة» (2/500؛ العقیلي، 4/19)، کما اعتبره ابن أبي حاتم «متروک الحدیث» (3(2)/182). ونصادف أیضاً مثل هذه التعابیر في مصادر الرجال الأخری (أیضاً ظ: ابن عدي، 6/2110؛ الدار قطني، 146؛ ابن الجوزي، 1/406؛ الذهبي، ن.م، 3/419؛ ابن حجر، لسان...، 4/492). إلا أن من الواجب بحث مثل هذه الآراء علی ضوء الموقف العام الذي کان المحدثون یتخذونه حیال الأخباریین: فلم یسلم تقریباً أي من المؤلفین الأخباریین المتقدمین الذین وصلتنا أخبار تلک العصور التاریخیة بواسطتهم، من الطعون التي کان یوجهها أهل الحدیث إلیهم، کمیولهم الشیعیة و ما إلی ذلک، مثل ابن إسحاق (ن.ع) وعوانة بن الحکم (ن.م، 4/386) و هشام بن محمد الکلبي (الذهبي، سیر، 10/101-102) والواقدي (کمثال، ظ: الخطیب، 3/12-16). إن التطرق إلی الأحداث التي کانت تؤثر بشکل وآخر علی ثبات البناء العقائدي وخاصة لشخص مثل أبي مخنف الذي تضم آثاره أغلب تفاصیل فترة خلافة أمیر المؤمنین علي (ع) و کذلک وقائع کربلاء، لم یکن مستساغاً من وجهة نظر الکثیر من رجال الحدیث. و فضلاًعن ذلک فإن أسلوب الأخباریین في سرد الأحداث التاریخیة لم یکن یتلاءم مع معاییر رجال الحدیث الدقیقة، مثل الضبط الصحیح لکلمات الخبر و الاطلاع علی «منازل الرجال». و کما کان سائداً لدیهم فإنهم کانوا یأخذون أخبار الأحداث من الشهود العیان فقط دون الاکتراث بتلک المقاییس الدقیقة التي کان معمولاً بها في نقل الحدیث، ولأن أیّاً من أولئک الشهود لم یکونوا یُعتَبرون من طائفة المحدثین، وبطبیعة الحال لم یرد لهم اسم في کتب الرجال – وإن ورد فلا طائل منه – فإن الأخباریین کانوا یُتَّهمون بالروایة عن «المجاهیل» أو جعل الأخبار. ولهذا اتخذ أشخاص مثل الجاحظ (2/225) أو ابن تیمیة (1/13) هذه المعانيذریعة رئیسة للطعن بأبي مخنف و غیره وآخرین ممن کانوا یعتمدون علی الأخبار المنقولة عنهم (أیضاً ظ: الذهبي، ن.م، 7/301-302). ونلاحظ هذه الظاهرة بوضوح في المصادر و خاصة فیما یتعلق ببعض شیوخ أبي مخنف؛ و علی سبیل المثال فقد اعتُبر لَقیط المُحاربي (م.ن، میزان، ن.ص)، أو أبوالمخارق الراسبي (ن.م، 4/571)، أو النضر بن صالح (ن.م، 4/258) وجعفر بن حذیفة (ن.م، 1/405) و نمیر بن وَعلة (ن.م، 4/273) أو معاذ ابن سعد (ن.م، 4/132) کلهم مجاهیل و ضعفاء (عن روایات أبي مخنف عنهم، ظ: الطبري، تاریخ، 4/301، 5/69، 375، 401، 564، 6/590). في حین أن أکثر الأشخاص الذین نقل أبومخنف الروایات عنهم، إما أن کانوا قد شهدوا الأحداث بأنفهسهم، أو نقلوها عن شاهد عیان بواسطة أو واسطتین؛ وعلی سبیل المثال فإن روایة أبي مخنف عن صقعب بن زهیر الأزدي في وقعة صفین (ن.م، 5/38)، أو ثورة مسلم بن عقیل في الکوفة تنتهي إلی واسطة واحدة عن شاهد عیان (ظ: ن.م، 5/369)، وکذلک روایته في واقعة کربلاء کانت عن زوجة زهیر بن القین (ظ: ن.م، 5/396). وروایاته المتعددة عن حمید بن مسلم الذي شهد في کربلاء وقائع کثیرة، ونقل تفاصیل دقیقة عنها (مثلاً ظ: ن.م، 5/446-448؛ بالنسبة للأحداث الأخری، ظ: ن.م، 5/600، 606-607)، وکذلک نقله روایة في نفس الموضوع عن أهل البیت (ع) مثل الإمام الصادق (ع) (ن.م، 5/453)، أو فاطمة بنت الإمام علي (ع) (ن.م، 5/461)، کل ذلک یدل علی دقته في أخذ الأخبار من شهود الوقائع العیان، وبصورة عامة ممن کان یثق بهم. کما یلاحظ نفس النهج في سرده للأحداث الأخری أیضاً مثل تقریره عن ثورة التوابین (ن.م، 5/480)، ومقتل مُصعَب بن الزبیر (ن.م، 6/10)، ومقتل شمر (ن.م، 6/53) وأحداث أخری کثیرة.

وقد نقل أبومخنف روایات عن مؤرخي طبقته مثل محمد بن إسحاق (ظ: البلاذري، أنساب، 1/585؛ الطبري، ن.م، 5/69؛ ابن أبي الحدید، 2/187)، وسیف بن عمر التمیمي (الشیخ المفید، الجمل، 128؛ أیضاً ظ: الطبري، ن.م، 4/432) والشرقي بن القُطامي الکلبي (ظ: البلاذري، فتوح...، 243).

وبذلک یحتل أبومخنف مکانة الرئاسة في مدرسة أخباریّي العراق، علی أن اهتمامه الواسع بنقل أحداث العراق قد منعه بطبیعة الحال من التطرق إلی الأحداث الأخری في بلاد إیران و مصر و الشام. وإذا ماوُجد في آثاره المتبقیة عنه شيء حول هذه المواضیع، فإنه دون شک لایمکن قیاسه بأخباره حول وقائع العراق. ویمکن أن یُحمل هذا إلی حدما علی تعصبه القبلي والمحلي. وإن روایاته الاُسریة عن أبیه و خاله و ابن أخیه (الطبري، ن.م، 5/37، 600)، واعتماده الرئیس علی الروایات المنقولة عن قبیلة الأزد، وروایاته عن أفراد بعض القبائل الأخری مثل تمیم، وهَمدان، وطي، وکندة – و کلها کانت مجتمعة في الکوفة – قد أضفی کل ذلک وبشکل ما علی الروایات المنقولة عنه «طابعاً کوفیاً» في نظرته للأحداث، ومع ذلک فلایمکن النظر إلی هذه الروایات من منظار التعصب القبلي فحسب، و ذلک خلافاً لروایات بعض الرواة الآخرین من نفس طبقته مثل سیف ین عمر التمیمي، فقد بلغ بهم الأمر حد اختلاق الأبطال التاریخیین (لمزید من التفصیل، ظ: الدوري، 35-37، 132-133).

وقد آثار البحث عن وثاقة أبي مخنف، نقاشات حول مذهبه. فقد کان مما یقوي احتمال تشیعه، ماضیه العائلي ومیله إلی نقل وجمع الأخبار المتعلقة بأمیر المؤمنین علي (ع) والإمام الحسین (ع) إلی الحد الذي حدا بالبعض إلی عدّه شیعیاً إمامیاً (ظ: GAS, I/308)؛ ومع ذلک فلم یعتبره ابن أبي الحدید شیعیاً (1/147). وقد أکد الشیخ المفید الذي کان من مصادره کتاب الجمل لأبي مخنف (ظ: قسم آثاره)، علی أخذه الروایات من مصادر «العامة» لا «الخاصة» في واقعة الجمل (ن.م، 423). کما ذکر المجلسي أیضاً اسمه و کتابه في فهرس «کتب المخلافین» (1/24-25). وقد تطرق بعض علماء الرجال المعاصرین لی موضوع انتسابه إلی التشیع، أو ردّ کونه إمامیاً (ظ: المامقاني، 2/44؛ قا: الشوشتري، 7/446-447). وقد نقل الشیخ الطوسي في کتابه رجال (ص 57) عند حدیثه عن طبقة أصحاب الإمام علي (ع) عبارة عن الکشّي اعتُبر فیها کما یبدو أبو مخنف من أصحابه (ع)، وقد ردّ الشیخ هذا الانتساب معتبراً یحیی والد أبي مخنف من أصحاب الإمام علي (ع) (ظ: م.ن، الفهرست، 155)، ثم وُضع أبومخنف بعد ذلک في طبقة أصحاب الإمام الحسن و الإمام الحسین (ع) (م.ن، رجال، 70، 79)، کما أُشیر إلیه ثانیة في طبقة أصحاب الإمام الصادق (ع) (ن.م، 279؛ أیضاً ظ: ابن شهرآشوب، معالم...، 83، قا: مناقب...، 4/40).

ولایبدو مستبعداً أن یکون قول الشیخ الطوسي بخصوص إدراک أبي مخنف أمیر المؤمنین والإمامین الحسن و الحسین (ع) ناجماً عن خلطه مع جدّه مخنف بن سلیم (لمزید من التفصیل، ظ: الخوئي، 14/137- 138؛ الشوشتري، 7/445- 446). وقد روی أبومخنف عن الإمام علي ابن الحسین (ع) بواسطة (ظ: الطبري، تاریخ، 5/387، 420)، إلا أن روایته عن الإمام الباقر (ع) لم تُعتبر صحیحة (ظ: النجاشي، 320)، في حین أننا نعلم أنه أدرک الإمام الصادق (ع) و روی عنه (ظ: ن.ص؛ بشأن أصل الروایة، ظ: الطبري، ن.م، 5/453).

وقد وردت عن أبي مخنف روایات في آثار الإمامیة کالکلیني (4/31)، وابن بابویه (ص 278)، والشیخ المفید (الأمالي، 127، 159، 169؛ أیضاً ظ: الاختصاص، 13). وقد استُند فیما بعد إلی الروایات المنسوبة إلیه بخصوص واقعة کربلاء وثورة المختار في مؤلفات علماء الشیعة (ظ: آثاره). ومع کل ذلک، فبشأن میوله المذهبیة، لابد وأن یؤخذ معها بعین الاعتبار بیئة مدینة الکوفة والزمن الذي عاصره: فالکوفیون کانوا دوماً وبشکل عام یظهرون الولاء لأهل بیت النبي (ص)، کما أن خلافة بني العباس قد نشدت أولاً في هذه المدینة، ولم یکن العباسیون حتی استقرارهم الکامل علی مسند السلطة یتبعون سیاسة دینیة واضحة کل الوضوح، وکانوا یتظاهرون بأن حکمهم في الواقع إنما تحقق لإحقاق حق أهل البیت (ع). والقول المنسوب إلی عبدالله بن علي العباسي عند القضاء المبرم علی الأمویین في الشام، والذي أشار فیه إلی الانتقام من قَتَله الإمام الحسین (ع) و زید بن علي (ع) (ظ: الأزدي، 139)، وأیضاً البیت الذي أنشده أحد أعوانه في هذه الحادثة و یدعی شبل ابن عبدالله، کل ذلک یشیر إلی هذا المعنی بشکل کامل (ظ: ابن الأثیر، 5/430)، ومن شدنه أن یدّل إلی حدّ ما علی اتباع هذه السیاسة. إلا أن روایة الطبري (ن.م، 7/166، 180 و مابعدها) عن أبي مخنف بشأن ثورة زید بن علي (ع) في الکوفة، و النظر بدقة في مضامینها، لایمکن أن تثبت اتباعه آراء الإمامیة.

آثاره: تعد مؤلفات أبي مخنف في الحقیقة کتابات في موضوعات خاصة، أصبحت فیما بعد أساساً وقاعدة لتدوین التاریخ. ففي المرحلة التالیة راجت کتابات «تواریخ الخلفاء» و «الطبقات» و تدوین التاریخ علی أساس الأنساب و الحولیات، وفي الحقیقة فإن القسم الأکبر من فصولها في الحالات المذکورة مقتبسة، وفي بعض الأحیان متطابقة کل التطابق مع مؤلفات المراحل الأولی المفردة لموضوع واحد، بحیث یمکن العثور علی عناوین من مؤلفات أبي مخنف و بعض آخر من کتّاب طبقته في العناوین الرئیسة لمؤلفات البلاذري و الطبري؛ و علی سبیل المثال فإن بالإمکان العثور في مؤلفات أبي مخنف و أخباریّي طبقته، عناوین فصول وردت في أنساب الأشراف للبلاذري، مثل: «خبر الجمل» (2/221) و «أمر صفین» (2/275) و«مقتل عمار بن یاسر العنسي ...» (2/310) و «أمر واقعة النهروان» (2/359) و «أمر الخِرّیت ابن راشد السامي في خلافة علي علیه السلام» (2/411) و«أمر الخِرّیت ابن راشد السامي في خلافة علي علیه السلام» (2/411) و«أمر الشوری وبیعة عثمان» (5/15) و «خبر یوم مرج راهط» (5/136) و«أمر التوابین و خبرهم بعین الوردة» (5/204) و «خبر مصعب بن الزبیر بن العوام ومقتله» (5/331).

الصفحة 1 من2

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: