الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الجغرافیا / ابن فضلان /

فهرس الموضوعات

ابن فضلان

ابن فضلان

تاریخ آخر التحدیث : 1442/11/29 ۲۱:۰۵:۳۰ تاریخ تألیف المقالة

اِبْنُ فَضلان، أحمد بن فضلان بن العباس بن راشد بن حمّاد، عاش في النصف الثاني من القرن 3 والنصف الأول من القرن 4هـ، وله رحلة عبّر عنها یاقوت مرة بـ «كتاب» (1/112) وأخری بـ «رسالة» (2/436). غیر أن مخطوطة هذا الأثر في آستان قدس (مكتبة الروضة الرضویة في مشهد) تحمل اسم «كتاب» بشكل صریح (ابن فضلان، ط سزكین، 390). وهناك اضطراب حول اسمه: فقال یاقوت إنه أحمد (ن.ص)، لكنه ورد في مخطوطة كتاب ابن فضلان علی صورتین. ففي مستهل الكتاب (ص 390) باسم «أحمد بن فضلان»، وفي متن الكتاب دعی المؤلف نفسه باسم آخر: «ولقد أسلم علی یديّ رجل یقال له طالوت فأسمیته عبد الله، فقال أرید أن تسمیني باسمك محمد ففعلت» (ن.م، 412). وربما كان هذا خطأ من الناسخ لأن كافة المؤلفین – ومنهم مؤلف كتاب عجائب المخلوقات الذي عاش في القرن 6هـ/12م وقبل یاقوت بقلیل – أجمعوا علی «أحمد بن فضلان» (الطوسي، 414). وهناك بعض التضارب حول جده. فذكر یاقوت في موضع أنه «راشد» (ن.ص)، وفي آخر أنه «أسد» (1/723)، ویرجَّح أنه خطأ من الناسخ، لأنه ورد باسم «راشد» في كتاب ابن فضلان نفسه (ن.م، 347، 390).

وعُدّ ابن فضلان في مطلع الكتاب مولی لمحمد بن سلیمان، كما أطلق علیه یاقوت في عدة مواضع «مولی محمد بن سلیمان» (2/484، 834). ووصفه یاقوت أیضاً ضمن حدیثه عن باشغرد بأنه مولی أمیر المؤمنین، ثم مولی محمد بن سلیمان (1/468). وقد أثارت هذه القضیة تساؤلات حول قومیة ابن فضلان عربیة هي أو غیر عربیة. فیری كوفالفسكي أن اسم ابن فضلان الكامل یؤید أنه عربي، كما یعتقد المحیطون به أنه عربي أیضاً (ص 20). ورغم أن اسمه عربي الصیغة، غیر أن الاسم وحده لایكفي لإثبات عربیته، هذا في حین لم یُعرف اسم «فضلان» بین الأسماء المشهورة آنذاك (الدهان، 38). وكتب فرن اسم فضلان بضم الفاء (المقدمة، 53)، واعتبار ابن فضلان مولی من الموالي یزید من صعوبة بحث هذه النقطة أیضاً. ففي العهود المتقدمة كانت كلمة «الموالي» تطلق علی الجماعة التي لم تتمتع بكامل حقوق العرب وتخضع لحمایة القبیلة، أو أحد أشراف العرب. وكان یُعرف بالموالي في العصر الأموي كل مَن كان خاضعاً للعرب، وكذلك العبید الذین تحرورا من ربق العبودیة. وفي القرنین 4 و5هـ/10 و11م وبعد تحسن أوضاع الموالي في العهد العباسي، لعبوا أدواراً مهمة علی الصعید السیاسي، وكان موالي الخلیفة آنذاك یحتلون مناصب أعلی من الأحرار نتیجة الدعم الذي یحظون به من الخلیفة نفسه. وكان ینظر إلی لقب «مولی الخلیفة» أحیاناً كلقب محترم (كوفالفسكي، 21)، حتی إن ملك البلغار أمر أن یُخطب له باسم «مولی أمیر المؤمنین» (ابن فضلان، ن.م، 405).

كان العرب في العصر العباسي قد فقدوا تفوقهم وبالتالي كان من الممكن أن یكون فقراء القبائل العربیة في وضع یماثل أوضاع الموالي ومكانتهم الاجتماعیة، وربما كان ابن فضلان من بین هؤلاء (كوفالفسكي، 22-21). وقد ذكر یاقوت وكذلك مخطوطة الروضة الرضویة ابنَ فضلان باعتباره مولی لمحمد بن سلیمان. وهناك نقطة غامضة وهي لقب «الهاشمي» الذي تلا اسم محمد بن سلیمان في مخطوطة الروضة الرضویة (ابن فضلان، ن.م، 347)، فهل المقصود به محمد بن سلیمان قائد المكتفي العباسي الذي قمع الثورة الكبری التي قام بها القرامطة في سوریة عام 290هـ/903م وأخضع مصر بعد سنتین عندما قمع الطولونیین؟ فإذا كان كذلك فیجب الإشارة إلی أنه لم یكن هاشمیاً، وهناك شخص آخر قبله یُدعی محمد بن سلیمان بن علي وهو من بني هاشم، قاتل في عصر الهادي العباسي الحسین بن علي بن الحسن بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب(ع) عام 169هـ (الطبري، 8/192-204؛ المسعودي، 3/326؛ ابن الطقطقی، 190)، وتوفي في عهد هارون الرشید عام 173هـ/789م. ولو أخذنا بنظر الاعتبار فترة الـ 122 عاماً – وهي الفترة حتی بدء خلافة المقتدر في 295هـ/908م – لأدركنا أن ابن فضلان لایمكن أن یكون من موالي محمد بن سلیمان هذا. ولهذا یمكن القول: إن ابن فضلان من موالي محمد بن سلیمان المنفق الكاتب فاتح مصر الذي قُتل علی باب الري (304هـ) في معركة دارت بینه وبین أحمد بن علي شقیق محمد بن علي صعلوك (ابن الأثیر، 8/103-104). وعلی ضوء هذه المقدمات، یقول كوفالفسكي: المراد بالهاشمي ابن فضلان لاغیر، وربما أطلق علیه ذلك لكونه من موالي الخلیفة (ص 23). وهذا ما ینطبق مع ما ذهب إلیه یاقوت من أنه كان مولی لأمیر المؤمنین (1/468). ولایُعرف حتی الیوم مسقط رأسه وقومیته. والنقطة الجدیرة بالتأمل هي خطاب ملك الصقالبة لابن فضلان: أنا لاأعرف هؤلاء، إنما أعرفك أنت وذلك أن هؤلاء قوم عجم (ابن فضلان، ن.م، 406). فهل یرید بذلك أنه عربي اللسان، أم عربي الجنس؟ أم أن الملك یجهل أصله فدعاه بذلك (الدهان، 38).

ولم یكن ابن فضلان من الرحالة، والحادثة الوحیدة التي دفعته للرحلة إلی بلاد الصقالبة عند نهر الفولغا مع عدد من رسل المقتدر العباسي هو وصول كتاب في ربیع 309هـ/921م من ملك الصقالبة إلی المقتدر حمله عبد الله بن باشتو الخزري یسأله فیه أن یبعث إلیه ممن یفقهه في ‌الدین ویعرفه شرائع الإسلام ویبني له مسجداً وینصب له منبراً ویبني له حصناً یتحصن فیه من الملوك المخالفین له (ابن فضلان، ن.م، 390-391). وكان هذا الملك حاكماً علی البلغار القاطنین علی ضفاف نهر الفولغا (إتل). وسُمّي ملك البلغار في كتاب ابن فضلان بـ «ملك الصقالبة» أیضاً (ن.م، 404، 405)، لكنه وافق علی لقب «أمیر البلغار» بعد لقائه برسل الخلیفة واقتراح ابن فضلان (ن.م، 406). وتسترعي الانتباه هنا قضیتان:

1. لماذا بعث ملك البلغار سفیراً من الخزر، في حین أن ملك الخزر كان عدواً له وقد تدیّن أشرافهم وأعیانهم بالدیانة الیهودیة؟ ویُفهم مما كتبه ابن فضلان أن ملك البلغار كان یدفع الخراج لملك الخزر، وكان ابنه أسیراً لدیه، كما كان قد أخذ ابنته بالقوة (ابن فضلان، ط كوفالفسكي، 319). ویستشف من كتاب ابن فضلان أن عبد الله بن باشتو الخزرة كان لاجئاً ومهاجراً سیاسیاً من الخزر وممثلاً لمسلمي تلك البلاد، وكان یسعی تحویل بلاد الخزر إلی بلد إسلامي (كوفالفسكي، 15).

2. هل كان البلغار من الصقالبة؟ هناك اختلاف في الرأي حول هذه القضیة بین ابن فضلان وابن رسته المعاصر له تقریباً، فابن فضلان كان یری أن أرض البلغار هي بلد الصقالبة وأن البلغارهم من الصقالبة (ن.م، 319)، في حین یعتقد ابن رسته أن البلغار یقطنون بین الخزر والصقالبة (7/141) وهو بهذا لایعد البلغار من الصقالبة. ویقول كوفالكفسكي: لاشك في أن المقصود بالصقالبة «السلافیون» الذین یُعدّ السكان الأصلیون للأراضي الشمالیة منهم أیضاً (ص 159، ها 9)، غیر أن بارتولد لم یقدم رأیاً واضحاً حول بلغار ضفاف الفولغا ومنشئهم (V/509).

وأوردت المصادر أسماء مختلفة لملك البلغار: فذكر یاقوت – الذي كانت لدیه رسالة أحمد بن فضلان – أنه «المس بن شلكي بلطوار» (1/723)، في حین جاء بعدة صور في كتاب ابن فضلان مخطوطة الروضة الرضویة فمرة «الحسن بن بلطوار» (ط سزكین، 391)، وأخری «المش بن شلكي» (ن.م، 402) وفي موضع ثالث «الملك بلطوار» (ن.م، 405). أما ابن رسته فذكر أنه «أَلمُش» (7/141)، وگردیزي أنه «املان» (ص 273). وأورد كوفالفسكي أن اسمه «أَلمُش بن شِلكي» ویلق بـ «یلطوار»، وذكر أن من الممكن قراءة اسمه «إلمُش» (ص 160، 13)، ورأی أیضاً أن كلمة «یلطوار» صحیحة، واحتمل أن تكون اسماً قبلیاً لعلاقتها بكلمة «إیل» التي تعني «القبیلة» (ص 160). وذكر كوفالفسكي أیضاً أن تسمیة ابن فضلان لملك البلغار بـ «ملك الصقالبة» ناجم عن جهله بالنشأة القومیة واللغویة لسكان الشمال. وقد یكون الدافع وراء تسمیة ملك البلغار لنفسه بـ «ملك الصقالبة»، محاولته رفع مكانته عند الخلیفة وحاشیته (ص 15).

واستجابة من المقتدر العباسي لرغبة ملك البلغار، فقد بعث وفداً إلیه بصحبة عبد الله بن باشنتو الخزري سفیر ملك البلغار. وكان الوفد یتألف من: 1. سوسن الرسي مولی نذیر الحرمي الذي ان یتولی رئاسة شؤون حرم الخلیفة، ویحتل بعد الوزیر حامد بن عباس أرفع مقام في بلاط المقتدر. وقد أنیطت بسوسن رئاسة الوفد (م.ن، 161). وسوسن من أسماء الغلمان، ویُعزی ترؤسه لوفد الخلیفة إلی المكانة التي كان یتمتع بها سیده نذیر الحرمي (م.ن، 164). 2. تكین وهو غلام تركي من خدم الخلیفة وممّن یعتمد علیهم. أمضی شطراً من حیاته في خوارزم یمتهن الحدادة كما ذكر ذلك ملك خوارزم فیما بعد، وعدّه إنساناً ماكراً ومحتالاً (ابن فضلان، ط سزكین، 393). ویستشف من المعلومات التي قدمها تكین حول البلغار (ن.م، 413) أنه أقام هناك لبعض الوقت (كوفالفسكي، 14). 3. بارس الصقلابي، وهناك شك في أن یكون هذا الاسم اسماً صقلبیاً. وربما هو اسم خاص ببلغار ضفاف نهر الفولغا (م.ن، 15)، أو أنه تلفظ آخر لكلمة بوریس والتي یتلفظها الروس «باریس»، أو أنه التلفظ البلغاري – التشوفاشي لكلمة باریس كما ذهب إلی ذلك كوفالفسكي (ص 164). 4. أحمد بن فضلان، وكان بمثابة رجل‌ الدین في الوفد.

وهناك اختلاف في وجهات النظر بین ابن فضلان وابن رسته حول قدم الإسلام في بلاد بلغار ضفاف الفولغا. وقد قال ملك البلغار لابن فضلان حول الخلطبة باسمه واسم أبیه: «إن إبي كان كافراً» (ابن فضلان، ن.م، 406). ویُفهم مما ذكره ابن فضلان حول طلب ملك البلغار إیفاد وفد لبناء مسجد وتبلیغ الشعائر الإسلامیة وحدیثه عن كفر والده، أن ‌الدین الإسلامي لم یكن منتشراً في بلد البلغار قبل هذا الملك، غیر أن لابن رسته رأیاً مخالفاً، إذ یقول إن أكثرهم ینتحلون دین الإسلام وفي محالهم مساجد وكتاتیب ولهم مؤذنون وأئمة (7/141). والتقی ملك البلغار بوفد الخلیفة في 12 محرم 310هـ/12 أیار 922م، غیر أن زمن تصنیف كتاب الأعلاق النفیسة لابن رسته كان قبل 290هـ/903م. وأورد بارتولد نقلاً عن دي خویه أن ابن رسته لم یذكر في كتابه أي حادثة وقعت بعد هذا العام، وأنه ذكر اسم المعتضد العباسي (تـ 22 ربیع الثاني 289هـ/5 نیسان 902م) مشفوعاً بعبارة «أطال الله بقاءه»، وهو یعني أن الكتاب صُنّف قبل هذا التاریخ (بارتولد، V/511؛ ابن رسته، 7/74).

ویعد طول رحلة وفد الخلیفة وطول الطریق الذي قطعه من النقاط المهمة الأخری والجدیرة بالبحث. فقد غادر هذا الوفد بغداد في یوم الخمیس 11 صفر 309هـ/ 21حزیران 921م، وبعد مسیرة طویلة عبر همدان والري ونیسأبور ومرو وبخاری وخوارزم وضواحي بحیرة آرال واوست یورث و یاییك (في قازاخستان الحالیة)، وحوض الفولغا، وصل إلی بلد البلغار في یوم الأحد 12 محرم 310، بعد أحد عشر شهراً (كراتشكوفسكي، IV/185).

ومن الممكن التساؤل لماذا اختار الوفد هذا الطریق الطویل عبر آسیا الوسطی وشرق وشمال بحر الخزر، وأطراف بحیرة آرال وبلاد الغز والبجناك بدلاً من المرور عبر آذربیجان والقفقاس؟

ویبدو أن هناك عدة عوامل رفعت إلی اختیار هذا الطریق الأبعد: الأول، اضطراب طریق آذربیجان والقفقاس لتمرد یوسف بن أبي الساج في آذربیجان (القرطبي، 64-71)، كما أن القفقاس كانت تحت سیطرة إمبراطوریة الخزر القویة التي كانت الحكومة العباسیة الضعیفة عاجزة عن مواجهتها (حول ضعف الجهاز الحاكم آنذاك، ظ: ابن الأثیر، 8/83، 89، 155؛ القرطبي، 97؛ ابن الطقطقی، 363)، خاصة أن الخزر والروس كانوا قد شنوا حملات قتل ونهب علی مناطق واسعة في آذربیجان وسواحل بحر الخزر (كوفالفسكي، 16؛ المسعودي، 1/205-206). هذا فضلاً عن أن التقارب بین الروس والخزر كان من الممكن أن یؤدي إلی قلق الخلافة ببغداد. وربما كان من أسباب اختیار هذا الطریق رغبة بغداد في التقرب من الغز وبالتالي تقویة البلغار في مواجهة الروس والخزر بصفتهما خطراً مشتركاً، لأننا نلاحظ ارتفاع أصوات الاعتراض وسقوط الحكومة السامانیة وعودة الدولة العلویة علی ید الحسن بن علي الأطروش بعد غزو الروس لشمال إیران مباشرة (كوفالفسكي، 17). وقد دخل الأطروش طبرستان بُعید غزو الروس وكان ذلك في أول یوم من المحرم سنة 301 (المسعودي، 4/217).

والعالم الآخر الذي شجع الخلیفة علی كسب قوة الغز والبلغار المتحدة، هو مصاهرة قائد جیش الغز ورجلها القوي أترك بن القطعان لملك البلغار ألمش بن شلكي (ابن فضلان، ط سزكین، 401-402). فلو أسلم الغز وتحالفوا مع البلغار في قتال الخزر، لكان ذلك انتصاراً كبیراً لجهاز الخلافة في فرض نفوذه علی آسیا الوسطی وخراسان والقفقاس، وربما علی آذربیجان وطبرستان والدیلم. ویری كوفالفسكي أن اتحاد الغزو البلغار كان من الممكن أن یؤدي أیضاً إلی توجیه ضربة قاصمة لأعیان الخزر الیهود، وبالتالي سیطرة مسلمي الخزر علی زمام الأمور هناك (ص 16). وكان مركز الخلافة یعلّق أهمیة كبیرة علی انتصار مسلمي الخزر ودخلوا الغز إلی‌ الدین الإسلامي، لأن في مقدورهم إطفاء نیران التمردات، وإخراج الدولة السامانیة والخوارزمیة في أسیا الوسطی من التبعیة الصوریة إلی التبعیة الحقیقیة (م.ن، 17). وفضلاً عن تأمین سلامة الوفد المذكور، یبدو أن هناك أهدافاً سیاسیة أیضاً من وراء اختیار ذلك الطریق الوطیل.

والقضیة الأخری وراء إیفاد وفد الخلیفة عبر آسیا الوسطی، هي مشكلة تأمین نفقات الوفد المالیة، لأن علي بن الفرات وزیر الخلیفة أعلن قبل سفر الوفد عن إفلاس الخزانة. ورغم استعادة بعض تلك الأموال بمصادرة أموال الوزیر، إلا أن الخزانة ظلت خالیة (ن.ص). كما أشار ابن الطقطقی أیضاً إلی خلو بیوت الأموال في عهد المقتدر (ص 262). ویستنبط مما أورده ابن فضلان أنه تقرر تأمین نفقات السفر من أمراء بخاری وخوارزم (ن.م، 392).

واقترن عبور وفد الخلیفة بإیران بشيء من القلق. فیشیر ابن فضلان إلی أنهم صادفوا في دامغان ابن قارن ممثل الداعي الحسن بن قاسم، فتنكروا في القافلة للحفاظ علی حیاتهم حتی قدموا نیسابور (ن.م، 319). وأسمی كوفالفسكي هذا الشخص «شروین بن رستم بن سهراب ابن قارن» (ص 167)، وقطع وفد الخلیفة الطریق من نیسابور إلی بخاری براحة بال. ویبدو أن هذا الوفد كان أول وفد للخلیفة المقتدر إلی نصر بن أحمد الأمیر الساماني الشاب. وكما التقی الوفد الجیهاني الجغرافي المشهور ووزیر آل سامان (ابن فضلان، ن.م، 392).

ومن هناك انطلق الوفد إلی خوارزم والجرجانیة. وكذّب یاقوت بعض ما جاء في سفر ابن فضلان إلی خوارزم. ویُفهم من كلام ابن فضلان أن خوارزم فضلاً عن أنها كانت اسماً لبلد، فقد كانت اسماً لمدینة أیضاً. وذكر بأن المسافة إلی خوارزم من الموضع الذي اكتروا منه السفینة تبلغ أكثر من مائتي فرسخ. ویقول أیضاً: انحدرنا من خوارزم إلی الجرجانیة وبینها وبین خوارزم في الماء خمسون فرسخاً (ن.م، 393). ویعلّق یاقوت علی ذلك: ولا أدري أي شيء عنی بخوارزم لأن خوارزم هو اسم الإقلیم بلاشك (2/484). وفي الأدب الجغرافي للقرنین 4 و5هـ/10 و11م – والذي لایجهله یاقوت – كانت أغلب المدن الرئیسة والعواصم تسمی بأسماء بلدانها. ویشیر لسترنج – استناداً إلی ابن الأثیر الذي عاصر یاقوت – إلی بنا مدینة جدیدة بجوار خوارزم القدیمة في 628هـ، لم تلبث أن أصبحت مركزاً للإقلیم (ص 448؛ ابن الأثیر، 12/495). وأشار ابن بطوطة في القرن 8 هـ إلی مدینة خوارزم، ولابد أنه یعني بها المدینة الجدیدة (ص 359). ویشیر ابن فضلان ضمن حدیثه عن نهر جیحون والبرودة الشدیدة وجماد النهر من أوله إلی آخره، إلی أن سمك جلید النهر قد بلغ 17شبراً، حتی إن الخیل والبغال والحمیر والأبقار والعجول كانت تجتاز علیه كما تجتاز علی الطرق وهو ثابت لایتخلخل (ط سزكین، 394). ورفض یاقوت ذلك ووصفه بالكذب وقال: إن الماء أكثر ما یجمد خمسة أشبار، وهذا یكون نادراً. فأما العادة فهو شبران أو ثلاثة شاهدته وسألت عنه أهل تلك البلاد. ولعله ظن أن النهر یجمد كله، ولیس الأمر كذلك، إنما یجمد أعلاه وأسفله جار (2/484-485). ویشیر كوفالفسكي إلی أن ابن فضلان ربما بالغ بعض الشيء في وصف سمك الجلید. وهذا بالطبع یتأثر بشدة البرودة التي لیست واحدة في كافة الفصول. والنقطة الأخری أنه سمع ذلك من أهل البلاد. كما لایمكن أن یصح لتصوره لانجماد النهر بأسره، وربما أراد انجماد النهر من تلك المنطقة وحتی الجبال القربیة (ص 68). أما عن جریان ماء النهر، فرغم أن ابن فضلان بالغ في سمك الجلید، لكن لایُفهم من كلامه أبداً أن نهر جیحون لم یكن یجري في الأعماق، وعندما یتناول ابن فضلان برودة خوارزم والجرجانیة، یقول: «ولایسقط الثلج إلا ومعه ریح عاصف شدیدة» (ن. ص). ویصف یاقوت هذا الكلام بالكذب أیضاً (2/ 485). ویُستشف من كلام كوفالفسكي أن ابن فضلان كان یثق بأقوال أهل تلك البلاد، ولهذا یمكن اعتبار ما دونه مبالغاً فیه، ولایمكن اعتباره كذباً محضاً، لأن ابن فضلان – علی أي حال – كان قریباً من تلك الأحداث وشاهداً لها (ص 69).

وهناك تباین بین ما ذكره یاقوت وبین ما جاء في مخطوطة الروضة الرضویة حول حطب التاغ (الطاغ). وربما كان هذا وراء وصف یاقوت لهذه الفقرة التي أوردها ابن فضلان بالكذب أیضاً. فقد جاء في المخطوطة: «إلا أن الله تعالی قد لطف بهم في الحطب وأرخصه علیهم، حمل عجلة من حطب الطاغ بدرهمین من دراهم تكون زهاء ثلاثة آلاف رطل» (ط سزكین، 394)، في حین ورد في معجم البلدان: «إلا أن الله عزوجل قد لطف بهم في الحطب وأرخصه علیهم حمل عجلة من حطب الطاغ وهو الغضا بدرهمین یكون وزنها ثلاثة آلاف رطل» (2/ 485). والتباین في النص واضح بحیث أدی إلی ظهور اضطرابات في أقوال الباحثین. فقد كتب البعض جملة «من دراهم» التي جاءت في مخطوطة الروضة الرضویة، وأسقطها یاقوت، بشكل «من دراهم» (الدهان، 84، ها 1). وأصلح سامي الدهان هذه الجملة – نقلاً عن زكي ولیدي طوغان – كالتالي «بدرهمین من دراهمهم»، وقال إن الصواب كما ورد عن طوغان، أي «من دراهمهم» (ن.م). ونقل یاقوت في موضع آخر عن ابن فضلان قوله: «وزنها ثلاثة آلاف رطل» (2/ 485)، غیر أن كلمة «وزنها» غیر موجودة في مخطوطة الروضة الرضویة (ط سزكین، 394). ویعلل كوفالفسكي ذلك بأنه ربما نجم هذا النقص من المخطوطة التي اعتمدها یاقوت، أو أنه أضاف ذلك من عنده. وبذلك تغیر معنی الجملة وأصبح وزن الحطب ثلاثة آلاف رطل، في حین أن ابن فضلان لم یكن یرید وزن الحطب، بل كان یتحدث عن قیمة النقود (ص 69).

الصفحة 1 من2

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: