الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الادب العربی / ابن عمار، أبوبکر /

فهرس الموضوعات

ابن عمار، أبوبکر

ابن عمار، أبوبکر

تاریخ آخر التحدیث : 1442/11/28 ۱۵:۲۰:۴۳ تاریخ تألیف المقالة

اِبْنُ عَمّار، أبو بكر محمد بن عمار بن الحسین بن عمار (422-477هـ/ 1031-1084م)، الملقب بذي الوزارتین، شاعر ووزیر عصر ملوك الطوائف بالأندلس. ورغم ما واجهت هذه الشخصیة المغامرة من صنوف الإقبال والإدبار، إلا أنه یمكن تحدید مرحلتین متمیزتین في حیاته: الأولی مرحلة الطفولة والشباب وإلی أن بلغ أكثر من عشرین عاماً، وقد أمضاها خامل الذكر فقیراً، والثانیة مرحلة تألقه السیاسي والاجتماعي المصحوبة بكثیر من الأحداث والتي انتهت بمقتله المؤلم علی ید المعتمد بن عباد وهو في الخامسة والخمسین من العمر. والنقطة الجدیرة بالاهتمام هي تضارب المصادر في نقل بعض الأخبار ذات الصلة بحیاة ابن عمار. فالخلط والاشتباه في بعض الأحداث الواردة في روایات المؤرخین المتأخرین من جهة، والعداء وسوءالظن لدی البعض من جهة أخری، یجعل من الصعب الاعتماد علی كافة المصادر والروایات. وسنشیر خلال البحث إلی بعض ذلك التضارب.

ولد ابن عمّار في أسرة مغمورة بقریة صغیرة تدعی شنتبوس أو شنبوس بالقرب من شلب (المراكشي، 114؛ ابن الأبار، 2/131؛ ابن سعید، 1/389؛ خالص، 19). لایُعرف نسبه علی وجه الدقة، غیر أن البعض نسبه إلی مَهرة، وهي طائفة من قبیلة قضاعة الیمنیة (ابن الأبار، ن.ص؛ المقري، 1/283؛ خالص، ن.ص). أخذ الأدب عن جماعة منهم: أبو الحجاج یوسف بن عیسی الأعلم، ثم رحل إلی قرطبة فتأدب بها ومهر في صناعة الشعر (المراكشي، ن.ص)، لكن یبدو أن علمه لم یتجاوز هذا الحد ولم یمتد إلی الحقول العلمیة الأخری (خالص، 23؛ ضیف، 120). فنراه كباقي الشعراء المجهولین الباحثین عن الشهرة والثروة، یبحث عن ممدوح محب للشعر ومبسوط الید، حیث كان كثیر الوفادة علی ملوك الطوائف بالأندلس یعرض علیهم شعره وفنه (ابن ظافر، 74؛ المراكشي، ن.ص؛ ابن الأبار، 2/131، 134؛ خالص، 24-25؛ قا: بیریس، 56). ولاتتوفر معلومات وافیة عن تفاصیل حیاته في هذه الفترة، غیر أننا نعلم أنه كان یخالط الأوساط المتواضعة وأرباب المهن ویأخذ من أدبها (ابن بسام، 2(1)/369؛ ابن ظافر، 74-75؛ أیضاً ظ: الركابي، 76؛ بیریس، ن.ص). فاستبدبه الفقر إلی درجة أنه كان لایملك إلا دابة لایجد علفها، فكتب بشعر إلی رجل من وجوه أهل السوق، فملأ له المخلاة شعیراً ووجه بها إلیه (ابن بسام، 2(1)/369-371؛ المراكشي، ن.ص؛ خالص، 24-27؛ قا: دوزي، III/83؛ بیریس، 68). وهذه القصة هي لیست أكثر من أسطورة، توضّح نشأته الاجتماعیه وحیاته المتدهورة قبل انضمامه إلی بني عباد. والمثیر للانتباه أنه قام بإتلاف أشعاره التي أنشدها في هذه الفترة بعد أن أصبح ذا مقام وسلطان (ابن الأبار، 2/133-134). ویبدو أنه كان مستاءً من كل ما یتصل بماضیه المعتم في المیدانین الشعري والاجتماعي (ظ: خالص، ن.ص). وقد وضع قدومه إلی إشبیلیة ونفوذه إلی بلاط المعتضد بن عباد (ربما في 445هـ/1053م) حداً لذلك الارتباك.

فالمعتضد الذي هزم في تلك الفترة بعض الأمراء الصغار والكبار في الأندلس ووسع رقعة دولته وتحول إلی قوة كبری في الجنوب الغربي لشبه الجزیرة، كان بحاجة إلی شعراء وفنانین یشیدون بالانتصارات والنجاحات التي حققها (م.ن، 30-31). وامتحن ابن عمار حظه في قصیدة امتدح بها المعتضد (المراكشي،115؛ خالص، 31). وهذه القصیدة التي لاتختلف عن مدائح تلك الفترة سوی بتركیب ألفاظها (ظ: ابن عمار، 189-194؛ خالص، 33-35؛ قا: نیكل، 156-154)، تعد مطلعاً لتألقه الأدبي والسیاسي. فقد استحسن المعتضد قصیدته وخلع علیه وأمر أن یُكتب اسمه في دیوان الشعراء (المراكشي، 117؛ أیضاً ظ: بیریس، 80؛ نیكل، 156) وارتبطت حیاة ابن عمار منذ تلك اللحظة بأسرة بني عباد.

وفتح تعرّف الشاعر إلی المعتمد بن المعتضد – الذي تم علی ما یبدو في تلك الفترة بإشبیلیة (ظ: خالص، 32-33؛ قا: ابن بسام، 2(1)/371؛ ابن الأبار، 2/131؛ جنثالث پالنثیا، 89؛ دوزي، III/84) – فصلاً جدیداً في حیاته وسرعان ما تحولت تلك العلاقة بین ابن عمار والمعتمد الذي كان شاباً یافعاً آنذاك، إلی صداقة حمیمة جداً، حتی لم یعد بإمكان أيّ منهما تحمل الافتراق عن الثاني (المراكشي،ن.ص؛ خالص، 46-47؛ دوزي، ن.ص). وبعد سنوات خضعت شلب أیضاً لسلطة المعتضد فولی علیها ابنه المعتمد وصحبه ابن عمار إلیها وأمضی في قصره (قصر الشراجیب) فترة حافلة باللذة والسعادة كوزیر وندیم (الفتح بن خاقان، 5؛ المراكشي، ن.ص؛ خالص، 47). غیر أن العلاقة الحمیمة بین الاثنین ونزواتهما في شلب التي أثارت الشائعات علی ألسن الناس حولهما (قا: بیریس، 342)، لم تظل خافیة علی المعتضد. فبعد أن قُتل إسماعیل شقیق المعتمد الأكبر ووليّ عهد المعتضد في مؤامرة دبّرها ضد أبیه، استدعی المعتضد ولده المعتمد إلی إشبیلیة لیحل ولیاً للعهد محل أخیه القتیل (المراكشي، 97، 100؛ ابن عذاري، 3/244). ولما كان المعتضد خائفاً وسمتاءً من العلاقة بین ولده وابن عمار، وتأثیر الأخیر علی ابنه الشاب، قرّر نفي ابن عمار – الذي عاد لتوه إلی إشبیلیة مع المعتمد – خارج بلاده (المركشي، 111، 117؛ جنثالث بالنثیا، 90). وهناك روایة تقول بأن ابن عمار خاف غضب المعتضد فهرب من إشبیلیة (ابن بسام، ن.ص).

وینفي ابن عمار عن إشبیلیة بدأت مرحلة جدیدة من التغرّب في حیاته دامت حتی وفاة المعتضد في 461هـ/1069م (المراكشي، 117؛ خالص، 69). وكانت أعوام النفي التي یبدو أنه أمضاها في شرق الأندلس (ابن بسام، المراكشي، ن.ص؛ خالص، 54)، فترة مثمرة لابن عمار علی الصعید الأدبي رغم إقصائه سیاسیاً واجتماعیاً. فبعد الشاعر عن إشبیلیة لهفته للعودة إلیها من جهة، وسعیه المتواصل لاسترضاء المعتضد من جهة أخری، كانت معیناً لشعره الرائع في هذه الفترة (مثلاً ظ: ابن عمار، 207-224؛ خالص، 54-68)، غیر أن كافة محاولاته ومدائحه في استرضاء المعتضد فشلت تماماً وظلّ منفیاً حتی نهایة حكمه. وعندما حكم المعتمد استدعی ابن عمار وجعله في عداد المقربین، حتی إنه – علی رأي المراكشي – كان یشاركه فیما لایشارك فیه الرجل أخاه ولا أباه (ن.ص). ثم ولاه المعتمد – بطلب من ابن عمار – ولایة شلب وجعل إلیه جمیع أمورها (م.ن، 118-119؛ ابن الأبار، 2/133؛ جنثالث پالنثیا، 90-91). وقصد ابن عمار شلب في موكب عظیم وأمسك بزمام الأمور فیها (خالص، 82-83؛ المراكشي، 119؛ دوزي، III/91-92). ولم یمكث طویلاً إذ سرعان ما اشتد شوق المعتمد إلیه فاستدعاه إلی إشبیلیة (المراكشي، ن.ص؛ دوزي، ن.ص). ویری خالص أن دوافع المعتمد وابن عمار السیاسیة هي التي أدت بالشاعر للعودة إلی إشبیلیة (ص 83-84). ثم أصبح وزیراً للمعتمد وسرعان ما سیطر علی كافة شؤون البلاد لذكائه وطموحه. ولم یشتهر أمره في بلاد بني عباد فحسب، بل في سائر أرجاء الأندلس وحتی بین مسیحيي شمال البلاد (المراكشي، ن.ص؛ خالص، 84-85؛ قا: ابن الأبار، ن.ص، الذي تحدث عن سفارة ابن عمار في دول الأندلس المسیحیة)، وفي العام التالي (462هـ/1070م) غزا المعتمد قرطبة وألحقها ببلده، ورافقه ابن عمار في ذلك الغزو (خالص، 87-88).

وكانت غرناطة مسرحاً لمؤامرات ابن عمار وألاعیبه السیاسیة، وأهم مصادرنا في هذا الشأن هو مذكرات عبد الله الزیري (حكـ 466-483هـ) آخر سلطان زیري بالأندلس وأمیر غرناطة آنذك. ورغم أنه ظلم ابن عمار في حكمه عليه وكان قاسیاً معه، لكن لابد من الرجوع إلی ما كتبه عنه، فقد كان في مركز الأحداث وشاهد عیان لها. وبعد أعوام من استیلاء المعتمد علی قرطبة أوفد ألفونسو السادس – إمبراطور قشتالة القوي – رسولاً إلی عبد الله الزیري الذي كان فتی آنذاك یطلب منه الخراج، فأبی علیه. ویبدو أن ابن عمار كانت تخامره منذ زمن فكرة الاستیلاء علی غرناطة وضمها إلی إشبیلیة، ولهذا التقی رسول ألفونسو في طریق عودته من غرناطة واتفق معه علی إعطائه مالاً أكبر بكثیر من المال الذي طلبه ألفونسو من أمیر غرناطة، شریطة أن تدعم قوات ألفونسو بالمقابل جیش إشبیلیة في احتلال غرناطة وعلی أن تكون كافة كنوز وغنائم قصورها من نصیب قوات ألفونسو. وإثر هذا الاتفاق تحرك ابن عمار علی الفور لإخضاع غرناطة، فبنی علیها قلعة بلیلش الحصینة وحاصر المدینة، واشترك المعتمد أیضاً في ذلك الحصار. واشتد الأمر علی أهل غرناطة وضاق الخناق علی عبد الله، فلجأ إلی الاعتذار من ألفونسو بوساطة المأمون بن ذي النون أمیر طلیطلة، ووافق علی شروطه التي سبق أن رفضها. ومن جانب أخر فقد حدث ما أربك مخطط ابن عمار في استیلائه علی غرناطة، وهو حدوث تمرد في قرطبة عام 467هـ بزعامة ابن عُكاشة ویتدخل المأمون بن ذي النون أدی إلی مقتل أمیرها عباد بن المعتمد قائد الجند وابن مرتین. واضطر ابن عمار إلی فك الحصار عن غرناطة والإسراع نحو قرطبة لمواجهة المتمردین فاستولی أهل غرناطة علی قلعة بلیلش ورفع الخطر مؤقتاً عنها (عبد الله الزیري، 70-71؛ قا: خالص، 88-90). وعندما هدأت الأوضاع بقرطبة، زحف ابن عمار ثانیة نحو غرناطة، وتعاقد – كالسابق – مع ألفونسو علی احتلالها وكیفیة تقسیم الغنائم. واجتمع أهل الرأي والمشورة علی عبد الله وأشاروا علیه بالذهاب إلی ألفونسو للحیلولة دون وقوع الحرب. فالتقی به وأقنعه بعد مداولات طویلة أن یقدم له مالاً أقل مما طلبه بادئ الأمر وأن یدفع له ضریبة سنویة عن غرناطة (عبد الله الزیري، 72-76؛ قا: خالص، 90-96). وبذلك تخلصت غرناطة من الخطر نهائیاً وفشل مخطط ابن عمار في ضمها إلی رقعة نفوذ بني عباد، ولم یتمكن إلا من إلحاق بعض حصون غرناطة بإشبیلیة (عبد الله الزیري، 75؛ قا: خالص، 97).

وبعد هذه الحادثة بقلیل زحف ألفونسو نحو بلاد بني عباد مهدداً إشبیلیة وقرطبة، غیر أن ابن عمار استطاع بفطنته الحیلولة دون هجوم المسیحیین علی هاتین المدینتین. ولاتتضح طبیعة هذه الحادثة بدقة، إلا أن روایة المراكي الشبیهة بالأسطورة ترسم لابن عمار في تلك الحادثة صورة سیاسي لعوب وخبیر یدخل المیدان في الأوضاع الصعبة، وینتصر علی ألفونسو وجیشه الجرار لا في میدان الحب، بل في رقعة الشطرنج، ویقنعه عبر مداولات ذكیة بالعودة إلی بلده (ص 119-121؛ قا: خالص، 98-101؛ جنثالث پالنثیا، 91؛ دوزي، II/102-104؛ بیریس، 344). ولایسعنا وضع حد فاصل بین الحقیقة والأسطورة في هذه الروایة، ومما لاشك فیه تأثیر خدع ابن عمار السیاسیة في هذه الحادثة (ظ: خالص، 101-102).

كانت مرسیة الهدف الآخر لحكومة إشبیلیة، ویبدو أن ابن عمار هو الذي زرع فكرة الاستیلاء علیها في ذهن المعتمد (ظ: ابن الأبار، 2/144؛ مؤنس، 2/144؛ نیكل، 158) وكانت آنذاك بید الأدیب المعروف أبي عبد الرحمن ابن طاهر، وكان محباً للدعة ومسالماً (المراكشي، 121-122؛ خالص، 109-110). وكان ابن عمار قد نزل ضیفاً علی ابن طاهر في صعوده إلی الكونت رایموند برنجر الثاني صاحب برشلونة، فاستبان ضعفه، فتحدث مع بعض معارضیه وسعی لتحشیدهم ضده، ثم وصل إلی رایموند وعاقده علی أن یعینه في حصاره وأن ینحدر بعسكره إلی مسرسیة، وبذل له عن ذلك مالاً طائلاً. ورهن كل واحد منهما مُعاقِده مایثق به. وحاصر الجیشان المتحدان مرسیة، غیر أن المدینة – وخلافاً لما هو متوقع – صمدت مما كان سبباً في نشوء خلافات بین الجانبین وعندما وجد رایموند أن الأمر لیس كما قال ابن عمار، وأن الانتصار علی مرسیة لیس سهلاً، بالإضافة إلی عدم وفاء حلیفه بالتزاماته المالیة، غضب وأمر بالقبض علی رهینته الرشید بن المعتز وعلی ابن عمار أیضاً، وطالب بمال كبیر لإطلاق سراحهما وعندما سمع المعتمد بذلك – وكان في طریقه إلی مرسیة – قام هو الآخر بالقبض علی ابن عم رایموند، وبعد فترة وجیزة أطلق سراح ابن عمار فوصل إلی مشارف جیان منكسراً خائفاً، وكان المعتمد قد توقف هناك، فاستعطف الأمیر في قصیدة طافحة بالخوف والرجاء وعزا فیها هزیمته إلی الأوضاع والظروف، فعفا عنه المعتمد ودعاه إلیه في قصیدة تنضح بالحنان. وانتهی هذا الحادث بدفع بعض المال للنصاری وإطلاق الرهینتین (عبد الله الزیري، 79-80؛ ابن الأبار، 2/120-122؛ خالص، 108-119؛ دوزي، III/105-107). وقد ربط الفتح بن خاقان خطأً اعتذار ابن عمار بتمرده في مرسیة وماتلاه من أحداث، بل أورد أیضاً أن ابن عمار ورغم عفو المعتمد عنه، لم یصدق عفوه لغلبة سوء الظن علیه، فالتحق بسرقسطة (ص 90-91). ویبدو أن ابن بسام أخطأ أیضاً في هذا المضمار (2(1)/407-409).

وعلی أي حال لم یهدأ بال ابن عمار، فأشار علی المعتمد بتجهیز عسكر ثان إلی مرسیة، فلم یخالفه، فتقدم إلیها عبر قرطبة، فحاصرها بمساعدة ابن رشیق عامل «حصن بلج» الذي انضم إلیه، وصدر هو إلی إشبیلیة. ولم تلبث مرسیة أن خضعت نتیجة تمرد داخلي حدث فیها (ابن الأبار، 2/123-124؛ ابن الخطیب، 210؛ خالص، 122؛ قا: دوزي، III/107-109). وعندما وصلت أنباء سقوط مرسیة إلی ابن عمار استأذن المعتمد وخرج إلی مرسیة في موكب عظیم أشبه بمواكب الملوك وجلس علی عرشها كالأمراء (الفتح بن خاقان، 83؛ ابن الأبار، 2/140-141). ولم یكن تصرف ابن عمار وزهوه بعیداً عن مرأی المعتمد، وهو تصرف ناجم عن طمعه بالسلطة علی رأي البعض (م.ن، 2/134- 135، 140-141؛ خالص، 123، 124-127؛ جنثالث پالنثیا، 92). ویُعد دخول ابن عمار لمرسیة بدایة فترة مهمة جداً، لكنها قصیرة في حیاته، بدأت بتمرده علی بني عباد وانفصاله عنهم، وانتهت بسقوطه السریع وتبدد آماله وحیاته. بدأ تمرد ابن عمار واستقلاله عن المعتمد بعد فترة وجیزة من فتح مرسیة (ابن بسام، 3(1)/25؛ الفتح بن خاقان، ن.ص؛ ابن الخطیب، 160، 201)، رغم أن عدوه عبد الله الزیري یدعي أنه كان منذ البدایة یجدّ لنفسه لكي یتخذ مرسیة معقلاً یرأس فیه (ص 79). كما یقول في موضع آخر إن العداوة التي وقعت بینه وبین المعتمد كانت علی یدي الرشید ابنه، الذي ضاق ذرعاً بتكبره علی أولاد المعتمد وتضییقه علیهم (ص 81). ومما یؤید ادعاء عبد الله الزیري، السلوك الذي سلكه ابن عمار عند دخوله مرسیة. غیر أنّ ابن عمار عزا في قصیدته التي أنشدها رداً علی بیتي المعتمد اللذین عاتبه فیهما علی تغیره بعد فتح مرسیة، تأزم العلاقة بینهما إلی نمائم الأعدادء، وهو ما ینسجم مع رأي دوزي (III/109-112) الذي ذهب إلی أن العامل الرئیس في فتور العلاقة بین الأمیر والوزیر وانقطاعهما في النهایة هو منافسو ابن عمار وباغضوه (ظ: ابن عمار، 284-285؛ ابن بسام، 2(1)/405-406؛ جنثالث پالنثیا، 93؛ قا: عبد الله الزیري، ن.ص؛ خالص، 127-131). ولاشك في أن غرور ابن عمار وعناده یُعدان من العوامل المهمة في تمرده، إلا أن السبب المباشر في ذلك، كما یبدو، هو الحادث الذي وقع بینه وبین ابن طاهر أمیر مرسیة المعزول: فبعد فتح هذه المدینة قال ابن طاهر كلاماً نال فیه من ابن عمار (ابن بسام، 3(1)/26) فاعتُقِل في حصن مُنت أَقوط، لكنه هرب بتدبیر أمیر بنلسیة أبي بكر ابن عبد العزیز ولحق بیلنسیة (ابن الأبار، 2/124؛ خالص، 132-133؛ قا: دوزي، III/110-111)، فغضب ابن عمار ونظم قصیدة هاجم فیها هذین الشخصین وحضّ أهل بلنسیة علی القیام علی بني عبد العزیز، كما افتخر فیها بنفسه وأطراها (ص 287-290؛ ابن الأبار، 2/155-156؛ خالص، 132-136؛ قا: دوزي، III/ 111-112). واتصل هذا الشعر بالمعتمد الذي كان قد طالبه من قبل بتسریح ابن طاهر (ابن الأبار، 2/124)، وضاق بغروره وتبجحه، فعارضه في قصیدة لاذعة معرِّضاً به وزاریاً علیه نسبه الوضیع وأسرته الفقیرة (المعتمد بن عباد، 72-73؛ ابن بسام، 2(1)/413). وأحدثت هذه الأشعار اللاذعة رد فعل عنیف لدی ابن عمار الذي أغضبه ذلك التحقیر، فأنشد قصیده طافحة بالهجو نال فیها من المعتمد وأسرته لاسیما زوجته الرُمَیكیة التي یحبها، والتي كانت هي الأخری من أسرة وضیعة. كما أشار بوقاحة إلی العلاقة السریة التي كانت بینه وبین المعتمد الشباب خلال السنوات السالفة، بل هدد بإماطة اللثام عن كل شيء (ابن عمار، 291-292)، لكن یبدو أنه احتفظ بالقصیدة ولم یطلع علیها أحداً عدا المقربین منه خوفاً من غضب المعتمد، غیر أن نسخة منها وصلت إلی ابن عبد العزیز ومنه إلی المعتمد (ابن الأبار، 2/157-158؛ خالص، 139-140؛ دوزي، III/112-113) وكان هذا كافیاً لقطع كافة الوشائج بین الأمیر والوزیر وملء قلب المعتمد بالحقد العمیق علی صدیقه السابق.

الصفحة 1 من2

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: