الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الادب العربی / ابن شهید الأشجعي /

فهرس الموضوعات

ابن شهید الأشجعي

ابن شهید الأشجعي

تاریخ آخر التحدیث : 1442/11/18 ۲۲:۰۰:۰۳ تاریخ تألیف المقالة

استلهم ابن شهید العنوان الأصلي للروایة من مفهوم «التابعة» (أو «التابع» وهو یقابل الرَّئيّ تقریباً) و«الزوبعة» وتعني رئیس الجن أو اسماً شیطانیاً، وكذلك من «شیاطین الشعراء». و«التابعة» جنّیة تتبع الرجل، وقد یتبع «الجنيُّ» المرأة فیقع في حبها. وقیل إن أول من أخبر بهجرة الرسول‌(ص) إلی المدینة امرأة كان لها تابع من الجن (مثلاً ظ: ابن منظور، مادة تبع). وهذا الجني المُحسِن إنما یعني «الشیطان» عند شعراء الجاهلیة وبعض شعراء الإسلام، لكن یبدو أنه لاینطبق دائماً علی شخصیة الشیطان في القرآن الكریم. ولشیاطین الشعراء أسماء غریبة في الروایات الأدبیة (مثلاً الهوجل، والهوبر، وجهنّام، وعند أبي العلاء المعرّي الخیتعور والشیصبان، ظ: البستاني، فؤاد، 341). ولشیطان أو تابع ابن شهید اسم مستساغ وهو «زهیر بن نمیر»؛ أما «توابع» الشخصیات الأخری في كتابه فلها أسماء عادیة. وهذا الجني هو الذي كان، حسب زعمه، یلهمه الشعر الذي تقصر عنه قدرة الإنسان وطاقته، كما أنه كان یشقّ له الطریق إلی عالم الجن. ورأی ابن شهید من الضروري أن یوضح بعض النقاط في البدایة قبل سرد قصته، فخاطب صدیقاً له یدعی «أبا بكر» كان منبهراً نبوغ الشاعر في الكلام والعلم قائلاً إن «تابعة» تنجده و«زابعة» تؤیده. ثم بیّن كیف استطاع في طفولته بقلیل من المطالعة أن یختزن علماً كثیراً، وكیف رثا حبیباً له مات فارتجّ علیه، وإذا بجنّي یدعی زهیر یطل علیه ممتطیاً جواداً فیلقي إلیه تتمة الأبیات ثم یقفز بجواده من فوق جدار البیت ویختفي. فأصبح كلّما شعر بعجز یأتي إلیه وینجده.

ویورد ابن شهید في مستهل الفصل الأول من الكتاب أنه تحادث یوماً مع زهیر وتذاكر أخبار الشعراء والخطباء وسأله أن یحتال له في لقائهم، فحمله زهیر علی متن جواده واخترق به الأجواء حتی وصل به إلی أرض الجن. وهنا تظهر الرسالة في 4 مجالس علی ضوء ما وصل إلی أیدینا منها. وعلی هذا الأساس یمكن تقسیمها إلی 4 فصول: «توابع الشعراء»، و«توابع الكتّاب»، و«نقاد الجن» و«حیوان الجن». ویلتقي في الرحلة الأولی بتوابع عدد من الشعراء الجاهلیین، ومنهم امرؤالقیس، وبعض الشعراء العباسیین كأبي تمام والمتنبي، فیعارضهم ویساجلهم خیر معارضة ومساجلة، فیأخذ «الإجازة» بالشعر منهم. وفي الرحلة الثانیة یأخذه زهیر إلی مرج اجتمع فیه كافة الكتاب وتوابعهم، فتحدث مع تابعي عبد الحمید والجاحظ، ودافع عن نفسه عندما أخذا علیه شغفه بالسجع، كما انتقد أسلوب عبد الحمید. وقد انبسط التابعان عندما قرأ علیهما رسالة «الحلواء»، وفي هذا الفصل یغتنم ابن شهید الفرصة لیشكو منافسیه وحاسدیه سیما أبا القاسم ابن الإفلیلي (ن.ع) ویصف تابعه – الذي یرید به ابن الإفلیلي نفسه – في شكل قبیح ومثیر للسخریة، ثم یخرجه من المیدان بأجوبة متهكمة وعبارات طغی علیها التصنع، إلا أنها مفعمة باهزل. وفي النهایة یجیزه تابعا الكاتبین الكبیرین شعراً وخطابة. أما المجلس الثالث فهو مجلس الجن الذین اجتمعوا لنقد أبیات شعریة لبعض الشعراء الكبار. وكان فحوی الكلام یدور حول معنی السرقة الأدبیة وأفضل أنواعها. ومن البدیهي أن تكون آراء ابن شهید في كافة الأحوال قاطعة ومقبولة من الجمیع. ویدور المجلس الرابع حول تحكیم ابن شهید في باب الشعر: یدخل ابن شهید نادیاً لحمیر الجن ویغالهم، وقد وقع الخلاف بینهم في شعرین لحمار وبغل عاشقین، فیدعونه للفصل في أمرهما. وبعد أن یعطي رأیه، تتصدی له أوزة تابعة لأحد النحویین ترید مناظرته ومعارضته في باب النحو واللغة، إلا أنه بدلاً من ذلك یستهزئ بها ویذكرها بسخف تلك العلوم.

وتتجلی كافة ملامح شخصیة ابن شهید الاجتماعیة والأدبیة ودوره في النقد الأدبي في هذا الجزء الیسیر الباقي من رسالة التوابع والزوابع. فیری أن الاستعداد والذوق السلیم یشكلان سرّ الشعر. فاللحن الحاصل من تركیب الكلمات یعطي شعراً واقعیاً عندما یمتزج بالخیال السائغ والبدیع، ولن یصبح المرء شاعراً بالنحو والعروض. ویعتقد أن البیان نفحة سماویة لایغني عنها الدرس والتحقیق، وسرّ البلاغة یجب البحث عنه في طبیعة الإنسان لا في الدقائق اللغویة (قا: ضیف، أحمد، 54-55؛ مبارك، 1/230، 2/67؛ مونرو، 142-139). ولهذا السبب نراه یلقي كتاب الخلیل في زنبیل وكتاب سیبویه في الخراء (التوابع، 124). ویتعرض في موضع آخر إلی النحویین الذین عدّهم في مقدمة من أفسد الأدب، وجعل تابعتهم أوزة بلهاء عاجزة، فیأمرها أن تتطلب «عقل التجربة»، إذ لاسبیل لها إلی «عقل الطبیعة»، ثم شرع بالمناظرة (ن.م، 149-152؛ قا: البستاني، بطرس، 54-62).

لقد أشرنا في بدایة البحث أنه بعث برسالته إلی شخص یدعی أبا بكر. وتصور ابن بسام أنه أرید به أبو بكر ابن حزم نظراً للعلاقة المتنیة بین الشاعر وأسرة ابن حزم (1(1)/245؛ قا: ابن سعید، 1/79)، إلا أن أبا بكر هذا قد توفي في 401هـ كما أشار إلی ذلك أخوه أبو محمد ابن حزم في طوق الحمامة (ص 116-117)، ولهذا لایمكن أن یكون هو ذلك الشخص الذي خاطبه ابن شهید في رسالته، حیث إنه ربما ألفها بعد سنوات من وفاته، ولهذا فمن العسیر، تحدید تاریخ تألیفها. ولاشك في أن معرفة تاریخ تألیفها یحظی بأهمیة خاصة، ذلك لأننا لانجد في الأدب العربي سوی كتاب واحد یشبه إلی حد كبیر أثر ابن شهید وهو رسالة الغفران لأبي العلاء المعري التي ألفت في 424هـ (البستاني، بطرس، 67؛ هیكل، 384). فإذا اتضح لنا تاریخ تألیف التوابع أصبح بمقدورنا أن نطرح السؤال التالي وهو: أيّ الكاتبین قلّد الآخر، ثم هل كان هناك تقلید حقاً؟ لقد أشار أحمد ضیف لأول مرة إلی أن التوابع ألفت بعد رسالة الغفران، واعتقد أن ابن شهید قلّد المعري في ذلك (ص 47-48)، إلا أن زكي مبارك سرعان ما فنّد هذا الرأي لأنه یری أن التوابع أُلفت قبل 420هـ/1/318-320). ویری بروكلمان أیضاً أن التوابع ظهرت إلی الوجود قبل رسالة الغفران بـ 20 عاماً (حول هذه البحوث، ظ: پلا، 98؛ زكي، 43)، هذا في حین یری بطرس البستاني أن التوابع ألفت بعد 414هـ بقلیل اعتماداً على القصائد التي جاءت فیها (ص 67-70)، إلا أن پلا (ص 99) یصرّ علی تأیید رأي بروكلمان مستنداً في ذلك إلی أن أبا بكر الذي ورد اسمه في مطلع التوابع – وكما تصوره ابن بسام– هو نفسه ابن حزم المعروف، لكن پلا یقدم رأیاً جدیداً لحل هذه المشكلة فیقول إن الشاعر كتب الروایة مرة إبان شبابه، أي قبل 401هـ بقلیل، ثم أضاف إلیها نصوصاً جدیدة فیما بعد (ظ: ص 97). ویبدو أن هذه البحوث العویصة قد حلّتها روایة الحمیدي في الجذوة (ن.ص)، لأنها تشیر بصراحة إلی أن أبا بكر الذي ورد في التوابع هو یحیی بن حزم، والذي لاتربطه أیة رابطة بأسرة ابن حزم المعروفة (ظ: زكي، 44؛ مونرو، 139).

والنقطة الأخری التي ثار حولها الجدل بین الباحثین هي: هل اطلع المعري علی رسالة التوابع؟ وإذا كان قد اطلع علیها فكیف وصلت إلی المشرق بعد سنوات قلیلة من تألیفها في المغرب؟ فالثعالبي الذي توفي بعد ابن شهید بثلاث سنوات فقط، أورد في یتیمته بعض أشعار ابن شهید وقطعاً من التوابع التي تشكل المادة الأساسیة للرسالة (كوصف الحلواء والبرغوث واgثعلب والماء) (2/40-43)؛ ولهذا فلا یستبعد أن یكون أبو العلاء المعري قد اطلع علیها أیضاً. ومع ذلك فإن العلما المتأخرین لایعتقدون أن أبا العلاء حاكی ابن شهید، نظراً لتباین أهداف رسالة الغفران ومحتواها، ویرون أن أوجه الشبه بین الرسالتین – لاسیما الرحلة إلی أرض الجن– ناشئة عن المصادفة، وكذلك استیحاء من مصدر ثالث كروایة المعراج (ظ: البستاني، بطرس، 75؛ البستاني، فؤاد، 342 وما بعدها؛ زكي، 44، مخـ).

ولم یبق من هذا الكتاب سوی ما نقله ابن بسام، ولانعرف الیوم حجمه الأصلي. طبع هذا الجزء المتبقي لأول مرة ببیروت عام 1951م علی ید بطرس البستاني مع مقدمة وافیة تضم ترجمة ابن شهید وآثاره ودراسة حول التوابع. كما نُشرت تراجم لهذه الرسالة بالإنجلیزیة (لـ مونرو في بركلي، 1971م) والإسبانیة (لـ باربرا في سانتاندر، 1981م).

ولابن شهید رسائل كثیرة في فنون الفكاهة، أورد ابن بسام أجزاء منها (1(1)/192). ونُسب إلیه أثران آخران هما كشف الدك وإیضاح الشك وحانوت عطار، لم یعثر علی أي منهما (الحمیدي، 1/209؛ عماد الدین، 3/555؛ ابن خلكان، 1/16). وما أورده فروخ حول طبع حانوت عطار (4/460)، لایعدو كونه خلطاً وخطأً. وتنبئ المختارات التي أوردها الثعالبي عن ابن شهید في یتیمته (2/30-44) عن سرعة اشتهاره في المشرق إبان حیاته.

 

المصادر

ابن الأبار، محمد، إعتاب الكتاب، تقـ: صالح الأشتر، دمشق، 1380هـ/1961م؛ ابن بسام، علي، الذخیرة، تقـ: إحسان عباس، لیبیا/ تونس، 1981م؛ ابن حزم، علي، طوق الحمامة، تقـ: حسن كامل الصیرفي، القاهرة، 1369هـ/ 1950م؛ ابن خلكان، وفیات؛ ابن دحیة، عمر، المطرب من أشعار أهل المغرب، تقـ: إبراهیم الأبیاري وآخرون، القاهرة، 1374هـ/1955م؛ ابن سعید، علي، المغرب، تقـ: شوقي ضیف، القاهرة، 1953م؛ ابن شهید، أحمد، التوابع والزوابع، تقـ: بطرس البستاني، بیروت، 1387هـ/1967م؛ م.ن، دیوان، تقـ: یعقوب زكي، القاهرة، دار الكاتب العربي؛ ابن عذاري، احمد، البیان المغرب، تقـ: لیفي بروفنسال، بیروت، 1948م؛ ابن ماكولا، علي، الإكمال، تقـ: عبد الرحمن المعلمي الیماني، حیدرآباد الدكن، 1385هـ/1966م؛ ابن منظور، لسان؛ البستاني، بطرس، مقدمة التوابع والزوابع (ظ: همـ، ابن شهید)؛ البستاني، فؤاد أفرام، مقدمة التوابع والزوابع لابن شهید، بیروت، 1968م؛ پلا، شارل، ابن شهید الأندلسي، عمان، 1965م؛ الثعالبي، یتیمة الدهر، القاهرة، 1352هـ/1934م؛ الحمیدي، محمد، جذوة المقتبس، تقـ: إبراهیم الأبیاري، بیروت، 1403هـ/1983م؛ زكي، یعقوب، مقدمة دیوان ابن شهید (ظ: همـ، ابن شهید)؛ ضیف، أحمد، بلاغة العرب في الأندلس، القاهرة، 1342هـ/1924م؛ ضیف، شوقي، الفن ومذاهبه في النثر العربي، القاهرة، 1971م؛ م.ن، المقامة، القاهرة، 1973م؛ عباس، إحسان، تاریخ الأدب الأندلسي، بیروت، 1985م؛ عماد الدین الكاتب، محمد، خریدة القصر [قسم شعراء المغرب والأندلس]، تقـ: آذرتاش آذرنوش، تونس، 1972م؛ الفتح بن خاقان، مطمح الأنفس، تقـ: محمد علي شوابكة، بیروت، 1403هـ/1983م؛ فروخ عمر، تاریخ الأدب العربي، بیروت، 1984م؛ مبارك، زكي، النثر الفني في القرن الرابع، بیروت، 1352هـ/1934م؛ المقري التلمساني، أحمد، نفح الطیب، تقـ: إحسان عباس، بیروت، 1388هـ/1968م؛ هیكل، أحمد، الأدب الأندلسي، القاهرة، 1986م؛ یاقوت، الأدباء؛ وأیضاً:

Dickie, lames, «Ibn Šuhayd. A Biographical and Critical Study», Al-Andalus, Madrid/ Granada, 1964, vol. XXIX; Dozy, Reinhart, Spanish Islam, tr. F. G. Stokes, London, 1913; Lévi-Provençal, E., Histoire de l’Espagne musulmane, Paris, 1950-1953; Monroe, James T.,«Hispano-Arabic Poetry during the Caliphate of Cordoba», Arabic Poetry, ed. G. E. von Grunebaum, Wiesbaden, 1973; Nykl, A. R., Hispano-Arabic Poetry, Baltimore, 1946; Pérès, Henri, La Poésie andalouse en arabe classique, Paris, 1953.

آذرتاش آذرنوش – مهران أرزنده/ت.

الصفحة 1 من2

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: