الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الادب العربی / ابن شهید الأشجعي /

فهرس الموضوعات

ابن شهید الأشجعي

ابن شهید الأشجعي

تاریخ آخر التحدیث : 1442/11/18 ۲۲:۰۰:۰۳ تاریخ تألیف المقالة

اِبْنُ شُهَیدِ الأَشجَعيّ، أبو عامر أحمد بن عبد الملك بن أحمد بن شهید (382-426هـ/992-1035م)، الشاعر والكاتب الشهیر في أواخر العصر الأموي بالأندلس. وهو آخر شخص معروف في أسرة كبیرة سبق لها أن هاجرت من الشام إلی الأندلس في عهد عبد الرحمن الداخل (حكـ 138-172هـ/756-788م)، وتولت مناصب سیاسیة وعلمیة رفیعة (ظ: ن.د، ابن شُهید، أسرة).

وُلد ابن شهید في محلة منیة المغیرة بضواحي قرطبة (ابن بسام، 1(1)/196؛ عباس، 272؛ پلا، 23؛ زكي، 13). وأتاحت له وزارة أبیه أن یدخل منذ طفولته بلاط الحجّاب العامریین وأن یحظی باهتمامهم وحبهم. ولهذا نراه یشیر فیما بعد خلال رسالة وجهها لمؤتمن العامري (حفید المنصور) إلی الوشائج القریبة بین أسرة بني شهید والعامریین، وما أغدقوا علیه من عطف ومحبة، سیما المنصور بن أبي عامر (ابن بسام، 1(1)/193-197؛ قا: پلا، 24-27؛ هیكل، 368؛ عباس، 272-273). ولایُعرف أساتذته، لكننا نعلم أنه تربی تربیة حسنة، وذكر أنه تدارس ضروب العلم من أدب وتاریخ وفقه وطب وصنعة وحكمة (ابن بسام، 1(1)/220؛ قا: یاقوت، 3/221-223). ومع هذا یبدو أنه كان یفصل الدعة والحیاة المرفهة ونظم الشعر علی العلم والعناء في طلب العلوم المتداولة. ویمكن أن نفهم من تنویهاته المبعثرة في مصنفاته أن ثقافته لم تكن عمیقة في كثیر من علوم عصره (ابن شهید، التوابع، 88؛ پلا؛ 28-30؛ هیكل، 369؛ عباس 293).

بدأ یقول الشعر في مرحلة مبكرة ولما یبلغ من العمر 12 عاماً (پلا، 30-31؛ هیكل، ن.ص؛ زكي، 14-15). وتنحی والده مروان عن الوزارة ونَسك وهو ما یزال طفلاً، فضیّق الخناق علیه وأقصاه عن الحیاة المرفهة وألبسه ثیاباً خشنة، إلا أن الوزیر ابن مسلمة توسط له لدی المظفر العامري (حكـ 393-399هـ) وكان آنذاك ولیاً للعهد فنفّس عنه ووضع حداً لآلامه وعقد له علی الشرطة، ولم یَعدُ كونه عقداً صوریاً نظراً لحداثة سنه (ابن بسام، 1(1)/194-195؛ قا: البستاني، بطرس، 9؛ عباس، 273؛ پلا، 26-27). وتوفي والد الشاعر بعد فترة وجیزة (393هـ)، ویحتمل أنه قد استمتع بصداقة المظفر وكبار الموظفین وحمایتهم (بلا، 30).

ولاشك أن الفتنة التي اندلعت والشاعر في السابعة عشرة من عمره واستوعبت أكثر سني عمره حساسیة، قد تركت آثاراً مؤلمة علیه، حیث عصفت بحكم العامریین الذین كانا أصدقاءه وحماته، وأحدثت مجازر فظیعة وألحقت دماراً مهولاً في محلات قرطبة العامرة الزاهیة كالمدینة الزاهرة ومنیة المغیرة (پلا، 33). لاتتوفر معلومات دقیقة عن حیاة ابن شهید في هذه الفترة، وجلّ ما نعرفه مقتبس عن آثاره المنظومة والمنصورة. ویستشف من رقعته التي خاطب بها المؤتمن أنه كان تقریباً طیلة هذه السنوات في قرطبة یراقب عن كتب التطورات السیاسیة في العاصمة (ابن بسام، 1(1)/197؛ البستاني، بطرس، 13-14). ومدح المؤتمن الذي كان والیاً علی بلنسیة (ابن عذاري، 3/164-165) بقصیدة طویلة تحدث فیها عن الفتنة والاضطرابات الناجمة عنها، ودعاه لتجهیز جیش إلی قرطبة لنجدة أنصاره الصقالبة (الذین عبّر عنهم بالأعاجم البیض) وطرد أعدائه البربر (الذین عبّر عنهم بالأعاجم السود) (ابن بسام، 1(1)/199-203؛ البستاني، بطرس، ن.ص؛ قا: دیوان، 155-160). ویبدو أنه لم یغفل عن مصالحة قط، فنراه في هذه الرسالة یسأل المؤتمن في استنجاز ما وعده به عباس، وزیر عبد الرحمن العامري بصرف ضیعة له حالت الفتن دونها (ابن بسام، 1(1)/197-198). ودعاه المؤتمن في رده علیه أن یقدم إلی بلنسیة، لكنه أحجم عن ذلك لما یبدو من آمال عقدها علی أوضاع العاصمة، معتذراً إلیه بتعلقه الشدید بقرطبة (م.ن، 1(1)/ 207-208؛ قا: زكي، 20).

ویبدو أن ابن شهید ابتعد عن المهدي (حكـ 399-400هـ) (البستاني، بطرس، 16؛ پلا، 34) الذي كان یعد باب الفتنة (ابن عذاري، 3/50)، إلی أن بویع للمستعین (حكم المرة الأولی: ربیع الأول– شوال 400، والمرة الثانیة: 403-407هـ) فالتحق ببلاطه ومدحه (دیوان، 132-133؛ قا: پلا، ن.ص). ولم تمض فترة حتی أعرض عنه بسعایة من معارضیه كما یبدو، وقد أشار الشاعر نفسه إلی ذلك بقصیدة ذبّ بها عن نفسه التهم التي وُجّهت إلیه (دیوان، 114-115، التوابع، 123). كما تذمّر في قصیدة أخری من الأوضاع التي كان یمر بها، وحذّر المستعین – بلهجة تنمّ عن العتاب– من الندم إذا رحل عنه إلی أمراء آخرین معروفین بالكریم والنُبل (دیوان، 151-152؛ قا: البستاني، بطرس، 17؛ زكي، 27). والظاهر أنه كان یلمّح إلی علي بن حمّود (ن.ص). وحدث أن سقطت قرطبة في 407هـ یبد علي بن حمود (حكـ 407-408هـ)، وقُتل المستعین (ابن عذاري، 3/117، 119-120).

لم یكن موقف علي بن حمود الذي كان لایمیل إلی الشعر الأدب بأفضل من موقف سلفه حیال ابن شهید الذي لم یحرم من رعایته فحسب، بل تعرض أیضاً لغضبه وألقي به في السجن (الفتح بن خاقان، 198؛ زكي، 30). ولم یتضح بدقة سبب سجنه، لكن یفهم من قصیدة معروفة له أنشدها في هذا المجال، أن أعداءه اتخذوا مما اشتهر به من فجور وفسق أساساً لهجماتهم، فحرضوا – كما یبدو– علیه الأمیر الذي عُرف بالتعصّب والشدة (دیوان، 99-102؛ زكي، ن.ص؛ قا: بیریس، 66-65, 96-95). هذا فیما رأی بعضهم أنه سُجن في أیام القاسم بن حمود (حكـ 408-412هـ) (پلا، 37-38)، وإن كان ابن الأبار یری أنه اعتُقل في أیام یحیی بن حمود (حكـ 412-413هـ)، ثم صفح عن وخلّی سبیله (ص 203-204)، وغالب الظن أنه قد أطلق سراح ابن شهید بعد فترة وجیزة وربما في عهد القاسم الذي كان أكثر نبلاً من أخیه (زكي، 31). وبعد سنوات فرّ القاسم من قرطبة وأعلن ابن أخیه یحیی بن حمود نفسه خلیفة واتخذ لنفسه لقب المعتلي وأصبح ابن شهید علی أحسن صلة به ومدحه (دیوان، 107-109، 136-137؛ زكي، 34). وعندما هزم یحیی جیش البربر بزعامة القاسم بالقرب من إشبیلیة (414هـ)، مدحه ابن شهید مرة أخری بقصیدة هنأه فیها بذلك النصر (دیوان، 131-132؛ پلا، 49).

كانت الحوادث تجري بسرعة خلال تلك الفترة، بحیث قلما وَجَد أمیرٌ في نفسه القدرة علی مواجهتها. وفي 414هـ استولی الأمویون ثانیة علی الخلافة وتولی زمان الأمور عبد الرحمن بن هشام الملقب بالمستظهر (حكـ رمضان– ذو القعدة 414هـ) فأجری تعدیلاً علی سیاسة الحكومة ونحّی أصحاب المناصب القدماء وأحلّ محلهم أصدقاءه وأقرباءه الذین كان معظمهم من الأعیان الشباب. وكان ابن شهید وصدیقه الشهیر ابن حزم (ن.ع) من بین المسؤولين الجدد، فتولی ابن شهید الوزارة (ابن الأبار، 205؛ ابن سعید، 1/85)، لكن دولته انقضت سریعاً. فالسیاسة الظالمة التي انتهجتها الحكومة أوجدت سخطاً عاماً أعقبته اضطرابات أدت إلی سقوط الخلیفة، فتولی الأمر أموي أخر یلقب بالمستكفي (حكـ 414-416هـ) قام بقتل المستظهر (ابن بسام، 1(1)/50-52؛ المقري، 1/489؛ قا: دوزي، 581؛ لیفي بروفنسال، II/334)؛ وبهذا التطور تقوّضت أیضاً وزارة بن شهید التي لم تستمر سوی 47 یوماً والتي كانت ذروة مجده السیاسي (هیكل، 370). فاستاء من ذلك الفشل وخشي تدهور الأوضاع، فأبدی رغبته في الهجرة من قرطبة إلی مالقة عند یحیی بن حمود في قصیدة طفحت بتذمره من تلك الأوضاع (دیوان، 153-154؛ قا: ابن بسام، 1(1)/321؛ زكي، 41؛ پلا، 45). ثم هاجر إلی مالقة وحرّض یحیی علی فتح قرطبة في قصیدة مدحه بها وشجعه علی وضع حد للفتنة (دیوان، 130؛ زكي، 41-42؛ قا: دوزي، 583؛ لیفي بروفنسال، II/335).

وأخیراً خرج یحیی إلی قرطبة في 416هـ، ففر المستكفي منها واستولی یحیی علی زمام الأمور (ابن عذاري، 3/143)، ثم غادرها إلی مالقة في السنة التالیة. أما ابن شهید فقد عاد إلی قرطبة لیتفرغ – كما یبدو– لتألیف بعض آثاره (هیكل، 371؛ زكي، 43). وفي 418هـ قرر أعیان قرطبة بزعامة أبي الحزم ابن جهور اختیار أموي آخر یدعی هشام ابن محمد الملقب بالمعتد بالله (حكـ 418-422هـ) لیتقلد منصب الخلافة، إلا أن هشاماً استوزر شخصاً لم تكن له سالفة بشرف ولا جاه متقدّم یعرف بحكم بن سعید القزّاز، وسرعان ما بغضه أعیان قرطبة وأصحاب النفوذ للسیاسة التي انتهجها، وخابت ظنونهم بالحكومة (ابن عذاري، 3/145-146؛ زكي، 45). وكان ابن شهید ممن اصطفاهم المعتد (ابن سعید، ن.ص)، ویُعدّ صدیقاً حمیماً للحَكم رغم كونه من طبقة الأشراف (ابن بسام، 3(1)/520-521؛ زكي، ن.ص). وعندما وجدت الحكومة نفسها علی أبواب الإفلاس، دخلت في عملیة صراع مع فقهاء قرطبة حول مصادرة أوقاف المساجد وهاجمهم ابن شهید الذي كان من جلساء الخلیفة (ابن سعید، 1/85، 123) بأمر منه في مقطوعة لاذعة ألقاها علی الناس في القصر أولاً، ثم بعد ذلك في المسجد الجامع. ویُستشف من وصف ابن حیان لأثر ذلك الهجاء بأنه كان عنیفاً ووقحاً (ابن بسام، 3(1)/519-520؛ زكي، 46-47؛ قا: دوزي، 587)، لكن الحكومة لم تفلح في محاولاتها. وفي 422هـ قتل حكم علی ید أحد الأمویین.

ومع ظهور مجلس مؤلف من أشراف المدینة بزعامة أبي الحزم ابن جهور إلی الوجود، عزل هشام عن الخلافة وانقرضت السلالة الأمویة (ابن عذاري، 3/148-152؛ زكي، 48). وبسقوط هشام تبددت آخر آمال ابن شهید: ومع ذلك فقد عامله الحكام الجدد بلطف (پلا، 52)، ویبدو أنه استمر في حیاته الأرستقراطیة بقرطبة (زكي، 48-50). ولم یصفُ له العیش طویلاً، إذ أصیب بالفالج في ذي القعدة من عام 425 ولازم الفراش (ابن بسام، 1(1)/328). واستمر مرضه العضال مدة سبعة أشهر أي حتی وفاته، وأخذت تتدهور حالته وتسوء صحته (الفتح بن خاقان، 200)، حتی إنه صار في أیامه الأخیرة حَجراً لایبرح ولایتقلب ولایحتمل أن یُحرَّك لعظیم الأوجاع (ابن بسام، ن.ص). وكانت فترة مرضه وضعفه، والتي فكر فیها مرة بالانتحار بسبب الألم الیأس (ابن بسام، ن.ص؛ زكي، 55)، فترة ازدهار ذوقه وأدبه أیضاً (عباس، 287؛ زكي، 51)، وفیها ألّف بعض أشهر قصائده، ومنها مقطوعة قصیرة نسبیاً أنشدها قبل وفاته بأیام مخاطباً بها صدیقه الحمیم ابن حزم؛ وتعد من أروع القصائد الأندلسیة التي امتزجت فیها صراحة الشاعر وصدقه في مواجهة موت لابدّ منه مع أسیً عمیق، وخلقت صوراً جذابة ساحرة (دیوان، 133-135؛ زكي، 56-57). وعندما توفي ابن شهید صلّی علیه حاكم المدینة أبو الحزم ابن جهور (الحمیدي، 1/212). ولم یشهد علی قبر أحد ما شهد علی قبره من البكاء والعویل (ابن بسام، 1(1)/335).

لقد قیل الكثیر عن شخصیته وسجایاه. وقال جُلّهم فیه إنه كان مدمناً علی الخمر وماجناً أمضی حیاته باللهو والمتعة (ابن بسام، 1(1)/193؛ الفتح بن خاقان، 191؛ ابن سعید، 1/85)، حتی إن الفتح بن خاقان تحدث – وهو بحاجة إلی تأیید المصادر الأخری – عن بیتوتته لیلة بإحدی كنائس قرطبة منغمساً باللذة (ص، 194-195؛ پلا، 74-75؛ قا: بیریس، 278-277؛ لیفي بروفنسال II/223)، لكنه عُرِف بالكرم والنبل أیضاً. وأدی إسرافه في الكرم – الذي كان یجره إلی الإملاق أحیاناً – إلی جانب صدقه وإخلاصه في مودته، إلی ذیوع قصص وأساطیر مشهورة عنه (ابن بسام، ن.ص؛ ابن دحیة، 158-159؛ ابن خلكان، 1/116-117؛ قا: عباس، 291). ورغم هذا كله فقد كان مغروراً ومتكبراً. فعزة النفس المصحوبة بالعُجب الناجمة عن أصله العبي ونسبه الرفیع من جهة (ابن شهید، دیوان، 87، البیت 1) وحدة طبعه واقتداره الأدبي من جهة أخری (ابن بسام، 4(1)/40؛ قا: عباس، ن.ص)، قد تجلّت في المیدان السیاسي بالولاء لحكم الأمویین والعامریین، وفي الساحة الأدبیة بمعارضة كبار الشعراء والأدباء. وكان میله إلی الفكاهة والهزل مما یؤجج من تلك المعارضة (عباس، 292)، ویستشف من بعضه كلامه في التوابع أنه كان یری في نفسه العبقریة، ولو امتد به العمر لتمكن بقریحته الملتهبة أن یصوغ آثاراً قیمة جداً ولوضع قدمه علی أعلی القمم (ص 114؛ عباس، 292، 296، 300-301). ویبدو أن الشاعر كان یری أنه لایعمر طویلاً، وفي الحقیقة فإن اعتقاده الراسخ بنبوغه من جهة، وخشیته من كید أعدائه من جهة أخری، قد أوجدا لدیه قلقاً دائماً من عدوان زمانه علیه وعدم تقدیره لعبقریته وكفاءته (مبارك 1/327-328؛ عباس، 274، 292)، إلا أن عُجبه واعتداده بنفسه لایتناسبان مع ثقافته. فهو بالأساس لم یكن رجل علم وفضل، ولم تكن ثقافته عمیقة ولاواسعة الأطراف إلا في الشعر والأدب (عباس، 293). ولیس اعتباطاً أن یَعتبر الشعر – خلال بحثه لهذا الموضوع – موهبة طبیعیة لایمكن الحصول علیها من خلال الفنون الأدبیة والصناعة الشعریة (ظ: تتمة المقالة).

ویبدو أن منافسیه وخصومه الذین ضاقوا ذرعاً بمركزه وسلوكه اتخذوا من نقاط ضعفه ذریعة لتسویة حسابات أدبیة وسیاسیة معه، فانبری رداً علیهم بشن حملات من الطعن والتهكم (هیكل، 371؛ زكي، 22-23). ولاتخرج عن هذا الإطار تلك الهجمات القاسیة اللاذعة التي قادها ضد بعض أدباء قرطبة ونمط تفكیرهم (ابن بسام، 1(1)/239-240؛ قا: مبارك، 2/58-60). ورسالة التوابع والزوابع في الحقیقة ما هي إلا نوع من النضال للبرهنة علی أفضلیته في میدان الأدب والبلاغة (قا: مبارك، 1/328؛ البستاني، بطرس، 70-71)، إلا أن زمانه قد أساء إلیه؛ فالفتنة التي انتهت بسقوط الخلافة الأمویة وتبدّد التطلعات والأهداف السیاسیة لأشراف قرطبة، قتلت طموحات ابن شهید وأصبحت مصدر یأس وتشاؤم له (عباس، 274؛ زكي، 71)، خاصة وقد أمضی الشطر الأعظم من حیاته في هذه المرحلة. ولهذا عُدّت المراحل المختلفة من حیاته وشعره مرآةً لأحداث ذلك العصر ووقائعه (زكي، 19). وهناك عوامل ذاتیة تتعلق بابن شهید نفسه كان لها تأثیر في نظرته السلبیة للحیاة مثل ثقل سمعه (ابن سعید، 1/123)، الذي قصّر به – باعتراف الشاعر– عن مناصب مهمة كالكتابة (ابن بسام، 1(1)/243؛ زكي، 15)، وجعل حیاته وسلوكه عرضة للأزمات والاضطرابات المستمرة (عباس، 290؛ زكي، 16)، هذا فضلاً عن معاناته من فقدان الولد (عباس، 292-293). ولعل انصرافه إلی اللذة وتبطّله، مقترن بیأسه (عباس، 292). وآثار تشاؤمه التي قارنها البعض (زكي، 70) بتشاؤم أبي العلاء المعري (ن.ع)، والبعض الآخر بالرواقیة عند سینیكا (بیریس، 467؛ قا: نیكل، 105؛ زكي، 55-56)، قد برزت في شعره (كنموذج ظ: دیوان، 91، 97-98، 142-145؛ زكي، 71-73).

كان ابن شهید شاعراً وكاتباً محافاً ورغم أنه كابن حزم یُعدّ من الأدباء الشباب بقرطبة، الذین كانت تخامرهم فكرة منافسة المشرق والاعتزاز بشعر بلادهم وأدبها، إلا أن نسبه الأرستقراطي والتزامه الشدید بالتقالید الشرقیة صیّرا منه تابعاً حقیقیاً للشعر والأدب الشرقیین (مونرو، 139-138). وعُدّ ابن شهید شاعراً كثیر الشعر (الحمیدي، 1/209)، ورغم ذلك لم نقف إلا علی یسیر من قصائده. وقد أنشد في أغلب الأغراض الشعریة، إلا أن جلّ ما وصلنا كان في المدح والوصف والغزل، وأهم الملامح التي تمیز بها شعره هي قدرته القائقة علی التصویر، وتناول القدیم بطریقة جدیدة، والأخذ بأسلوب القصّ والحوار مع الحیوانات، واستخدام البدیع بشكل كبیر مع سهولة اللفظ ووضوح المعنی (هیكل، 372)، كما قرأ كثیراً من الشعر والنثر. ورغم بُعده عن علوم زمانه بل واشمئزازه منها، إلا أنه كان قدیراً في میدان الشعر والنثر، وعلی معرفة بآثار كبار الشعراء والكتّاب وأفاد منها كثیراً (عباس، 293) وتنبئ معارضته لكبار شعراء المشرق واستخدامه الواسع لألفاظهم ومعانیهم وبحورهم وقوافیهم عن نزوعه واعتماده الكامل علی شعر المشرق. وقد اكتشف ابن بسام المتضلّع من الشعر العربي والخبیر به، والمعروف بترصّده للسرقات الأدبیة لشعراء الأندلس، حسب عادته، مصدر كثیر من التعابیر والمعاني التي وردت في شعر ابن شهید (1(1)/ 307-326؛ قا: البستاني، بطرس، 40-42؛ پلا، 106). ولم یتهمه منافسوه وخصومه في أغلب الأحیان اعتباطاً بأخذه عن غیره (البستاني، بطرس، 42). ولاشك فإن التزامه بأسالیب الشعر القدیم وأُسُره قد حال دون نظمه للموشحات التي لاتتلاءم مع ذوقه (قا: مونرو، 139).

ورغم هذا فلم یكن شعر ابن شهید كله تقلیداً واقتباساً؛ فكم أضفت قریحته المتّقدة وطبعه الحادّ علی شعره لوناً ونكهة خاصة، وكأن اندفاعه الجامع ینطلق من ضمیره أحیاناً كالسیل العارم علی شكل تعابیر فنیة تضفي علی شعره حدة غاضبة (عباس، 294؛ قا: البستاني، بطرس، 43؛ زكي، 72؛ مونرو، 145-144). ولیس اعتباطاً أیضاً أن یری بعض الباحثین المعاصرین في بعض شعره رنة من الأسرار الغامضة وكأنها من نتاج العصور الحدیثة (زكي، 66-67). وما وصلنا الیوم 75 قصیدة من قصائد ابن شهید أغلبها ناقصة ومبعثرة. ویعد بعضها من أروع نماذج الشعر الأندلسي، إلا أن أكثر شعره صناعة مجردة وصور خیالیة غریبة (زكي، 72). وأشعاره الغزلیة أقوی وأكثر أصالة من مدائحه (عباس، 302؛ زكي، ن.ص)، لكن موضع القوة الحقیقیة فیه إنما هي قدرته الفائقة علی الوصف في صور مرئیة كثیرة الإیحاء. وتعد قصیدته التي نظمها إبان مرضه من أكثر قصائده عمقاً وتأثیراً (زكي، ن.ص).

طُبع دیوان ابن شهید مرتین حتی الآن: الأولی ببیروت عام 1963م وقد عني بجمعه شارل پلا، والثانیة بالقاهرة وبتحقیق یعقوب زكي مع مقدمة تحقیقیة في أحوال ابن شهید وآرائه. وسبق أن نُشرت هذه المقدمة بالإنجلیزیة بشكل مستقل في مجلة الأندلس (دیكي، 310-243).

ویعدّ النثر أهم جزء في التراث الأدبي لابن شهید، سیما رسالة التوابع والزوابع. وهذا الأثر- الذي یتمیز بالسجع ویحتل الوصف مكاناً مهماً فیه – متأثر بنصر الجاحظ وابن العمید وبدیع الزمان (ابن ماكولا، 5/90؛ ابن بسام، 1(1)/192؛ هیكل، 387؛ عباس، 293). وربما أمكننا القول إنّ النثر قد ازدهر بالأندلس في فترة «الفتنة» وكان حظه أعظم من حظ الشعر (مبارك، 2/379؛ هیكل، 377)، وصُنّفت الكتب الكثیرة في ترجمة كبار الشخصیات ووردت فیها خطبهم ورسائلهم وباقي نتاجاتهم. ولمّا كان أساس هذه المجموعة العظیمة الافتتان بالإطناب والسجع والمحاكاة الزائدة لأدباء المشرق، فقد تمیزت بالرتابة، بحیث قلما نجد شخصاً یمكن أن یُقال عنه إنه صاحب مذهب خاص (ضیف، شوقي، الفن، 320-321). ولایختلف اسلوب كتابة ابن شهید وكذلك ابن حزم في طوق الحمامة عن هذه المجموعة في التصنّع، إلا أن الأهداف والمواضیع التي توخاها هذان في آثارهما، قد أدت إلی ظهور أثرین قلّ نظیرهما في الأدب العربي. وینفذ ابن شهید في رسالة التوابع والزوابع والتي أسماها شجرة الفكاهة (الحمیدي، 2/597)، إلی عالم ماوراء الطبیعة، ویلتقي بالجن والشیاطین. ونحن لانعرف من أین استلهم مضمون روایته: أمن بعض القصص الدینیة التي كانت تدور علی ألسنة الناس، أو عن «شیاطین الشعراء» المعروفین في الأدب العربي سیما بین شعراء الجاهلیة، أو عن «المقامة الإبلیسیة» لبدیع الزمان (قا: ضیف، شوقي، المقامة، 31)، ومهما كان فرسالة التوابع تعدّ من أروع نماذج النثر العربي.

الصفحة 1 من2

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: