الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الادیان و التصوف / ابن سبعین /

فهرس الموضوعات

ابن سبعین

ابن سبعین

تاریخ آخر التحدیث : 1442/11/15 ۰۰:۰۵:۰۶ تاریخ تألیف المقالة

اِبْنُ سَبعین، أبو محمد قطب ‌الدين عبد الحق بن إبراهیم بن محمد ابن نصر بن سبعین المرسي الرقوطي، عارف وزاهد وفیلسوف أندلسي. ذكر أغلب المؤرخین ولادته في 614هـ/1217م (الیونیني، 2/460؛ ابن كثیر، 13/261؛ الفاسي، 5/355). ولد في رَقوطة من نواحي مُرسیة فلقّب بالمرسي والرقوطي (ابن تغري بردي، 233؛ ابن كثیر، ن.ص؛ الفاسي، 5/326؛ ابن العماد، 5/329). كما لقب بالغافقي (ابن حجر، 3/392) والعكي (ابن الخطیب، 4/31؛ المقري، 2/196)، ویبدو أنها إشارة إلی انتماه إلی قبیلة بني عك وغافق بن الشاهد بن علقمة بن عك ابن الدیث بن عدنان من قبائل عرب الأندلس التي كانت تقیم في نواحي إشبیلیة (ظ: الغنیمي، 30-31) وربما كان لقب بالإشبیلي الذي أطلقه علیه بعض المؤلفین (ابن العماد، ن.ص) یعود إلی ذلك. ولقّبه الذهبي في تاریخ الإسلام وابن شاكر الكتبي في عیون التواریخ بالقرشي المخزومي (ظ: الغنیمي، 31 وهامشها)، ولكن هذا اللقب لایبدو صحیحاً ویظهر أن أتباعه أرادوا بذلك أن یرفعوا نسبه إلی النبي‌(ص) (الفاسي، 5/334؛ أیضاً ظ: الغنیمي، 31-32). ویشاهد ذلك واضحاً في الرسالة التي ألفها أحد تلامذته باسم الوراثة المحمدیة والفصول الذاتیة تكریماً وإجلالاً له والتي نقل بعضها المقري التلمساني في نفح الطیب (2/198-200)، وأورد التلمیذ فیها شرحاً مبالغاً فیه حول أستاذه وكراماته وذكر أنه قرشي وهاشمي وعلوي واعتبر أجداده وأسرة بني سبعین من أشراف المغرب ورجالها.

اشتغل ابن سبعین في بدایة حیاته بتعلّم المنطق والحكمة والكلام والریاضیات بمرسیة، ثم اتجه إلی العرفان وقیل الطب والكیمیاء والسیمیاء وعلم الحروف أیضاً (الفاسي، 5/327؛ ابن شاكر، 2/254؛ ابن كثیر، ن.ص). وعدّه بعض المؤلفین تلمیذ العارف والمتكلم الأندلسي الشهیر أبي إسحاق إبراهیم بن یوسف بن محمد بن دهاق، المعروف بابن المرأة (الفاسي، 5/330-331؛ ابن الخطیب، 4/33؛ المقري، 2/202)، إلا أن وفاة ابن دهاق كانت في 611هـ/1214م قبل ولادة ابن سبعین. ویظهر أن هذا القول هو في الأصل إشارة إلی الارتباط الفكري وتأثر ابن سبعین بعقائد ابن دهاق. ومن جهة أخری فقد انتشرت بالأندلس في أواخر القرن 6 وأوائل القرن 7هـ أفكار أبي عبد الله الشوذي الفلسفیة والعرفانیة عن طریق تلمیذه ابن دهاق وتلمیذ الأخیر ابن أحلی، ولایستبعد أن ابن سبعین الذي قد نشأ في هذا الجو الفكري وتأثر به (ظ: ابن تیمیة، «سبعینیة»، 107؛ ابن الخطیب، ن.ص) أخذ العلم في مرسیة عن ابن أحلی، كما أشارت إلی ذلك بعض المصادر (ظ: الفاسي، 5/330). ولیس صحیحاً ما قاله المناوي في الكواكب الدریة (ظ: الغنیمي، 37) ونقله عنه ابن العماد في شذرات الذهب (5/320) أنه كان تلمیذ أبي الحسن الحراني وأبي العباس البوني، لأن وفاة الحراني كانت في 538هـ (ظ: البوني، 532) والبوني في 622هـ (حاجي خلیفة، 2/1062)، أي في السنة الثامنة من عمر ابن سبعین، ویستبعد أن یبادر طفل في هذه السن إلی تعلم علم الأسماء وأسرار الحروف وموضوعات من هذا القبیل، هذا بالإضافة إلی أننا لاندري هل رحل البوني من إفریقیة إلی الأندلس، أو أنه كان مقیماً بمرسیة. ولعل هذه الإشارات تعود إلی اهتمامه بمؤلفات البوني والحراني، ویمكن استنتاج ذلك من بعض آثاره ومما قال حوله ابن خلدون (شفاء السائل، 63).

رحل ابن سبعین في شبابه –وعلی رأي ابن شاكر الكتبي (ن.ص) في الـ 30 من عمره– مع جمع من أصحابه وتلامذته إلی المغرب. وتوقف في الطریق مدة من الزمن في زاویة بالقرب من غرناطة (ابن الخطیب، 4/37).

ویبدو أن السبب في هجرته من مسقط رأسه هو مخالفة الفقهاء وأصحاب الشریعة لآرائه وأقواله (ظ: م.ن، 4/33-34؛ ابن خلدون، تاریخ، 6/634-635؛ ابن شاكر، 2/254-255). واختار الإقامة بعد وصوله إلی المغرب في سبتة الواقعة علی الساحل الجنوبي لمضیق جبل طارق واشتغل بالدعوة لعقائده، وترویجها بین أتباعه، وبالدراسة والبحث والتألیف. وعلی الرغم من أنه كان شاباً إلا أن شهرته استطارت آنذاك في الآفاق، عندما وصلت الأسئلة العلمیة والفلسفیة التي وجهها إمبراطور صقلیة فردریك الثاني (1194-1250م) لعلماء البلاد الإسلامیة إلی المغرب، أرسلها الخلیفة عبد الواحد الرشید (حكـ 630-640هـ/1233-1242م) إلی سبتة وطلب من ابن سبعین الإجابة عنها. ویبدو أن شهرته هذه بالفلسفة وربما الإقبال الذي كانت تواجهه عقائده أدبا إلی مغادرته تلك المدینة والتوجه إلی العدوة ومن ثم إلی بجایة. فأقام بها بضع سنوات واشتغل بنشر أفكاره الخاصة هناك، واجتمع حوله عدد كبیر من الأتباع والمریدین من طبقات مختلفة، قاموا بنشر أفكاره وعقائده وإیصالها إلی مناطق أخری. وهنا أیضاً أوغرت أفكاره وعقائده وأقواله وأتباعه وتصرفاتهم صدور الفقهاء وأصحاب الشریعة (ابن الخطیب، ن.ص؛ الشعراني، 1/17) فراحوا یتهمونه بالكفر والإلحاد وأجبروه علی مغادرة ذلك المكان (ابن خلدون، ن.ص). ویبدو أنه غادر المغرب في حدود 648هـ قاصداً الحجاز عن طریق شرق إفریقیة (الفاسي، 5/334). إلا أن شهرته سبقته قبل أن یصل إلی تلك المناطق، فقد أرسل فقهاء المغرب رسائل إلی أهالي مصر جعلتهم یشكون في أفكاره وأقواله ویسیئون الظن به (ظ: الشعراني، ن.ص). ویبدو أن مناقشات ومناظرات جرت في شرق إفریقیة بینه وبین علماء تلك الدیار (ابن الخطیب، 4/34). وقد أجبرته مخالفة الفقهاء وأهل الظاهر له وعدم ملائمة الظروف علی التوجه إلی مكة.

ولكننا لانعرف تاریخ قدومه مكة، غیر أنه كان موجوداً فیها في السنین الأولی من حكم أبي نُمي محمد الأول عندما كان شریفاً علی مكة (652-702هـ/1254-1303م) وكان یعدّ من أصحابه المقربین (الفاسي، 5/329؛ ابن خلدون، ن.ص) وقیل إنه كان أستاذه ومعلمه أیضاً (ابن الخطیب، ن.ص). وأفادت بعض المصادر أنه عالج شریف مكة عندما كان مریضاً أو جریحاً، وهذا الأمر هو الذي أدی إلی التقرب منه (ابن شاكر، 2/254؛ الفاسي، ابن حجر، ن.ص). ویذكر عبد الحق البادیسي في المقصد الشریف (ظ: الغنیمي، 52-53) أن أبا نمي جرح في إحدی الحروب وبلغ الجرح رأسه وأن ابن سبعین عالجه ووضع لرأسه غطاء یخفي جرحه. كما قیل إنه استمال الشریف إلیه وجعله یؤمن به بما قام به من سحر وشعوذة (ظ: الفاسي، 5/331). ویحتمل أن السبب الأساس في تقربه إلی أبي نمي هو وجود نوع من الانسجام الفكري بینهما، لأن أبا نمي كان ینتمي في نسبة إلی آل البیت، ومن أحفاد الحسن بن علي‌(ع) (ابن خلدون، ن.م، 6/634) وكان ابن سبعین یمیل إلی الشیعة والفاطمیین. وقیل إنه أظهر نزعاته الشیعیة بمكة في ظل حمایة شریفها له (الغنیمي، 52، نقلاً عن عبد الحق البادیسي).

وكانت حیاة ابن سبعین في مكة هادئة تحفل بالتكریم وله أتباع كثیرون، ویشتغل بنشر آرائه العرفانیة وبالتألیف. ویؤدي في كل عام مناسك الحج والعمرة في أوقاتهما (الغبریني، 238؛ ابن الخطیب، 4/33) ویعتكف أحیاناً في غار حراء (ابن كثیر، ن.ص؛ الفاسي، 5/334). ویستنتج من الإشارات الواردة في المصادر التاریخیة عنه في هذه الفترة أن آراءه ونظریاته غیر المألوفة بالإضافة إلی كلامه الرمزي والغامض قد أثارت ضدّه المجتمع الملتزم بالشریعة والسنة. ویقول ابن ابن دقیق العید (625-702هـ) والذي صار فیما بعد قاضي القضاة بمصر: «جلست [في مكة] مع ابن سبعین من ضحوة إلی قریب الظهر وهو یسرد كلاماً تعقل مفرداته ولاتعقل مركباته» (ظ: ابن شاكر، 2/253-254؛ الفاسي، 5/329؛ ابن حجر، ن.ص). ویبدو أن مكة كانت المكان الآمن الوحید الذي كان ابن سبعین یستطیع العیش فیه بفارغ البال لأنه كان یخاف أمیر المدینة (ابن الخطیب، 4/34؛ المقري، 2/200)، ومن أعدائه وزیر أمیر الیمن الذي كان حشویاً وظاهریاً (ابن شاكر، 2/254؛ الفاسي، 5/333). وكان الملك الظاهر بیبرس، حاكم مصر، متألماً من علاقة ابن سبعین الوثیقة بأشراف مكة وسجن ابنه في مصر للكلمة المنقولة عن أبیه (الفاسي، 5/334). وقیل إن الملك الظاهر لمّا حج في 667هـ طلب ابن سبعین غایة الطلب، ولكنه اختفی (ن.ص). ولذلك یبدو أنه كان یقصد الهجرة إلی الهند (ظ: ابن تیمیة، مجموعة الرسائل، 1/182). ومع كل هذا ورغم أن الخصومة والعداء كانا قائمین بینه وبین علماء مكة ومبالغة تلامیذه وغلوهم فیه مما شدد من تلك الخصومة (الفاسي، ن.ص)، إلا أن حمایة شریف مكة له أدت إلی إضعاف أثر تلك الخصومة. وتحكي الأساطیر التي حیكت حوله (ظ: م.ن، 5/331، 334؛ المقري، ن.ص) عن شهرته واتجاه عامة الناس نحوه، وبلغت قدرته في مكة حداً أجبرت العالم والعارف الشهیر قطب ‌الدين القسطلاني (614-686هـ/1217-1287م) وكان من معارضیه، إلی مغادرة مكة والرحیل إلی مصر خوفاً من عداءه له (الیافعي، 4/171).

ویبدو أن ابن سبعین كان یتدخل في القضایا السیاسیة آنذاك ویرشد شریف مكة في مثل هذه الأمور وینصره. ویذكر ابن خلدون (ن.م، 6/635) أن بیعة أبي نمي لأبي عبد الله المستنصر حاكم إفریقیة كان بتحریض من ابن سبعین وأن كتاب البیعة الذي ورد نصه في تاریخ ابن خلدون (6/635-651) كان من أوله إلی آخره من إنشاء ابن سبعین وبخطه (ظ: الزركشي، 33، 37).

لاتتوفر عن حیاة ابن سبعین الخاصة سوی معلومات یسیرة. ویذكر عبد الحق البادیسي في المقصد الشریف (الغنیمي، 45) أن امرأة غنیة من أهل سبتة اعتقدت به بعد رحیله إلی هذه المدینة وطلبت إلیه التزوج منها، فتزوجها. ونعلم أنه كان صاحب ولد بمصر سجنه الملك الظاهر بیبرس بسبب الكلمة المنقولة عن أبیه ویبدو أنه نفس الولد الذي توفي في حیاته سنة 666هـ (ظ: الفاسي 5/334)، ولكن یستنتج من الإشارات الواردة في رسائل ابن سبعین (ظ: «رسالة»، 285، 297) أنه كان له ولدان أحدهما یسمی شهاب ‌الدين أبا جعفر أحمد الذي نال من أبیه إجازة الإرشاد، والآخر یسمی نور الدین الذي كتب «الرسالة النوریة» باسمه كما یصرح فیها (ص 184-185).

وورد في الكتب التاریخیة اسم أخ لابن سبعین، یدعی أبا طالب ابن سبعین، وقیل إن السلطان أبا عبد الله ابن هود (تـ 635هـ/1238م) أوفده إلی الروم لإجراء محادثات مع البابا (القومس الأعظم برومة) حول نقض سلطان النصاري العهد (ابن الخطیب، 4/34-35). ویذكر الفاسي (ن.ص) أن أخا ابن سبعین كان من رجال مرسیة وأشرافها وله مكانة فیها.

وذكرت أغلب المصادر التاریخیة الموثوقة وفاة ابن سبعین في 669هـ/1271م وهو في الخامسة والخمسین من عمره وقیل إنه فصد یدیه، كما أشیر إلی أنه قد تسمّم (الفاسي، 5/334-335؛ ابن شاكر، ن.ص). وذكر البادیسي أن حاكم الیمن الملك المظفر هو الذي أوعز بسمّه وتواطأ علی قتله (ظ: الغنیمي، 64-65). ویقع قبره بالمعلاة بالقرب من مكة وكان علیه حجر وقُلع «لانكباب جهّال الغرباء علی زیارته» (الفاسي، 5/335).

وأكثر ما تحدث به تلامذة ابن سبعین ومریدوه حول سلوكه وشخصیته مبالغ فیه، ولكنه یمكن الحصول علی صورة –وإن كانت غیر واضحة تماماً– عن سجایاه من الإشارات المختصرة والعابرة حول ذلك في الكتب التاریخیة. وقد ذكر ابن عبد الملك (ن.ع)، الأدیب والمؤرخ المغربي (تـ 703هـ) ابن سبعین في التكملة التي كتبها علی كتاب الصلة لابن بشكوال، مشیداً بحسن خلقه وصبره تجاه أذی المخالفین وبالإنفاق والإیثار (ابن الخطیب، 4/32؛ ابن حجر، ن.ص؛ المقري، 2/196). وكان أهل مكة یقولون إنه أنفق علیهم 80 ألف دینار (ابن شاكر، ن.ص). ووصفه الغبریني (تـ 714هـ) في عنوان الدرایة (ص 237-238) بالعلم والمعرفة والفضل، وذكر أن أصحاب مكة ورجالها كانوا یهتدون بأفعاله ویعتمدون علی مقاله. كما اعتبره ابن خلدون (ن.م، 6/634) حافظاً للعلوم الشرعیة والعقلیة.

ومما لاشك فیه أن ابن سبعین كان ملماً بعلوم عصره من الفقه والحدیث والكلام والفلسفة والعرفان وحتی الكیمیاء وأسرار الحروف وعلم الأرقام والأعداد، ویمكن الإحاطة بمقدار علمه في هذه الموضوعات من الآثار التي تركها، ولكن اعتقاده بنفسه تجاوز هذه الحدود. ویشیر ما ورد في أحادیثه عن ابن سینا والغزالي وابن رشد وغیرهم من العلماء إلی أنانیته واعتداده بنفسه المفرطین، والقریب إلی نوع من الاضطراب الروحي والفكري، فقد اعتبر ابن سینا ممّوهاً ومسفسطاً وكثیر الطنطنة وقلیل الفائدة؛ كما اعتبر ابن رشد مقلداً لأرسطو قصیر الباع وقلیل المعرفة وبلید التصور وغیر مدرك (ظ: ابن سبعین، بد العارف، 143-144). وقال عن إمام الحرمین (الجویني) إنه ثالث أبي جهل وهامان (ن.م، 152)؛ وانتقد الغزالي لعدم ثباته علی المذهب واعتبر إدراكه للعلوم القدیمة أوهن من بیت العنكبوت (ن.م، 144، «رسالة الفقیریة»، 6، 14)، وعدّ كلام ابن عربي فلسفة عفنة (ابن تیمیة، «سبعینیة»، 7). وذكر أنه قال عند مقارنة نفسه بأبي مدین شعیب ابن الحسین، العارف الأندلسي الكبیر (تـ 594هـ) إن «شعیب عبد عمل ونحن عبید حضرة» (ابن الخطیب، 4/35). كما قیل إن العارف المصري نجم ‌الدين ابن إسرائیل بعث إلیه برسالة إلی مكة صدّرها بقصیدة جمیلة، ولكن ابن سبعین لم یجب عنها إظهاراً لمكانته العالیة (ظ: الغنیمي، 54).

ومما لاشك فیه أن مثل هذه التصرفات آذت معاصریه، ویبدو أن كثیراً من التهم التي ألصقت به كانت ناشئة عن هذه التصرفات وتزداد نتیجة مبالغة تلامیذه وغلوّهم فیه (الفاسي، 5/334). ویظهر أن بعض ما نسب إلیه في الكتب التاریخیة من الكفر (ظ: ابن شاكر، ن.ص؛ الفاسي، 5/329، 333؛ ابن حجر، ن.ص) لاأساس له؛ وأن مخالفیه وأعداءه اختلقوا ذلك وأشاعوه، وذلك أولاً لأن شخصاً كقطب ‌الدين القسطلاني الذي كان معاصراً لابن سبعین ومعارضاً له (ظ: الیافعي، ن.ص؛ المقري، 5/247) لم یتعرض إلی مثل هذا القول في الشرح الذي أورده حوله ونقله الفاسي في العقد الثمین (5/327-329). كما لم ینسب إلیه مثل تلك الأقوال الغبریني في عنوان الدرایة (ن.ص) والیونیني في ذیل مرآة الزمان (2/460) وأبو العباس المیورقي في إشاراته الواردي في العقد الثمین للفاسي (5/334-335)، والمؤرخ المغربي ابن عبد الملك فیما أوردوه عنه حول ابن سبعین، وأخیراً ابن الخطیب في الإحاطة (4/31-38) والذین كانوا جمیعاً إما من معاصري ابن سبعین، أو من القریبین جداً إلی عصره، كما أن الذین نقلوا مثل ذلك الكلام كالذهبي (ظ: الفاسي، 5/333؛ ابن شاكر، ن.ص) والفاسي (5/329) لم یذكروه بشكل قاطع، بل بعبارات مثل «حكي» و«اشتهر». وثانیاً إن آثار ابن سبعین الموجودة وكذلك وصایاه ورسائله المذكورة في الكتب التاریخیة (ظ: ابن الخطیب، 4/35-37؛ المقري، 2/202) تشتمل جمیعها كما یصرح ابن الخطیب (4/35) علی تعظیم مكانة النبوة وعلی إظهار الاعتقاد بالشارع والشریعة.

ثم إن بعض ما ینسب إلی ابن سبعین یبدو بوضوح أنه مختلفة وغیر صحیح. وقیل عنه إنه متی ماذهب إلی مسجد النبي(ص) سال الدم منه ولذلك فقد حرم من زیارة ذلك المكان المقدس (ظ: الفاسي، 5/334؛ المقري، 2/200)، بینما نراه لم یذهب إلی المدینة بسبب الخوف الذي تملكه من أمیر المدینة (ابن الخطیب، 4/34؛ المقري، ن.ص). وقیل عنه إنه كان یری النبوة أمراً مكتسباً، فكان یذهب إلی غار حراء ویجلس هناك منتظراً نزول الوحي علیه (ابن كثیر، ن.ص)، وهذا الكلام لاأساس له من الصحة لأن ابن سبعین كان یعتقد اعتقاداً راسخاً بخاتمیة النبوة وكان یری في «رسالة في أنوار النبي» (ص 205، 207) عند توضیحه الأنوار النبویة الثلاثة والثالثین أن نور النهایة، هو النور الذي به ختمت النبوة، وأن النور السابقة، كان یدل علی نبوة محمد‌(ص) في الأزل وقبل وجود العالم. ولكن كما قیل آنفاً فإن آراءه وعقائده في التوحید الوجودي وإن أقواله غیر المألوفة والمعقدة والرمزیة فضلاً عن كنایاته وتأویلاته الغریبة أدت بالفقهاء وعلماء الظاهر وحتی بعض المتصوفة ألاینثنوا عن انتقاده وتتبّع عیوبه ومعاداته وتكفیره. فعلی سبیل المثال كان قطب ‌الدين العسقلاني یقول: إنه ظهر في المائة السابعة من المفاسد العظام ثلاث: مذهب ابن سبعین، وتملك الططر للعراق، واستعمال الحشیشة (المقري، 5/247)؛ أما أمثال ابن تیمیة وابن خلدون الذین تعرضوا لعقائده فإنهم قد وجهوا جل انتقاداتهم إلی الأبعاد المختلفة من آرائه حول الوحدة المطلقة (ظ: ابن تیمیة، ن.م، 4/93، 94، 100، 116؛ ابن خلدون، شفاء السائل، 62، 110)، ولهذا السبب فقد أورد كثیر من المؤلفین المتقدمین اسمه ضمن أسماء أشخاص أمثال الحلاج وابن عربي وابن الفارض (ظ: ماسینیون،665-668 ).

أما النقطة الأخری المؤثرة في مثل هذه الأحوال والظروف فهي الترتیب الخاص الذي ذكرته السبعینیة لطریقتها، فخلافاً لبقیة الطرق التي تختم سلسلتها بالرسول الأكرم‌(ص) فإن هؤلاء أوردوا ضمن طریقتهم أشخاصاً أمثال: هرمس وسقراط وأفلاطون وأرسطو والإسكندر من الیونان، والحلاج والشبلي وابن سینا والغزالي والسهروردي المقتول وابن عربي ومجموعة أخری من الحكماء المسلمین (ظ: ابن الخطیب، 4/210-211، قصیدة أبي الحسن الششتري تلمیذ ابن سبعین؛ ماسینیون، 666؛ الغنیمي، 169). وبالإضافة إلی ذلك یظهره أن سلوكه الظاهري وأعماله لم تكن عادیة ومألوفة (ابن الخطیب، 4/33-34؛ المقري، 2/203) وكانت له تصرفات وحركات خاصة به، ككتابة اسمه بشكل عبد الحق بن o أي أنه كان یرسم بدل السبعین دائرة صغیره هي حرف o الیوناني والذي یعادل السبعین في حساب الأرقام، ولذا فقد اشتهر بین تلامذته وأصحابه بـ «ابن الدارة» (ظ: ابن خلكان، 6/321؛ المقري، 2/196؛ العباسي، 582).

وقد نقل تلمیذه الششتري (ن.ع) طریقة ابن سبعین (السبعینیة) في أواخر حیاته إلی مصر، ولكنها لم تشع وزالت بسرعة. ویعود سبب ذلك في الدرجة الأولی إلی تعقیدها وعدم فهم أفكار ابن سبعین واختلاطها الشدید بالفلسفة الیونانیة أو الحسابات الرمزیة للأرقام والحروف وصعوبة لغتها وبیاتها ورمزیتهما، وفي الدرجة الثانیة إلی ظهور مدرسة ابن عربي ورواجها والتي تبدو علی كل حال أوضح وأكثر انسجاماً وشمولیة، بالإضافة إلی توسع الطریقة الشاذلیة والتي كانت تمتلك أسلوباً أكثر اعتدالاً وقبولاً من وجهة نظر مسلمي تلك المناطق. كما لایمكن إغفال الأثر الذي تركته في هذه الظروف انتقادات أشخاص أمثال ابن تیمیة الذي انبری في الكثیر من رسائله للرد العنیف علی أقوال ابن سبعین وعقائده وطریقة السبعینیة.

الصفحة 1 من2

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: