الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الفلسفة / ابن جبیرول /

فهرس الموضوعات

ابن جبیرول


تاریخ آخر التحدیث : 1443/5/29 ۱۳:۴۳:۳۵ تاریخ تألیف المقالة

اِبنُ جَبیرول، أبو أیوب سلیمان بن یحیی بن جبیرول (ح 411-450هـ/1020-1058م)، شاعر و فیلسوف یهودي أندلسي.

حیاته

اسمه الأصلي (بالعبریة) شلومو بن یهودا، و ربما کان اسمه بالعربیة «جُبَیر» ثم أضیف إلیه علامة التصغیر اللاتینیة «أُول». وقد عرف في القرون الوسطی بسولومون بن جبیرول أو ابن جبیرول أو أڤیسبرون أو أڤنسبرول (EI2)، لاتتوفر عن حیاته سوی معلومات یسیرة، و یمکن الإشارة في هذا الخصوص إلی مصدرین رئیسین یتضمنان معلومات دقیقة إلی حدّما عن حیاته، الأول ماأورده الشاعر و الناقد الأدبي و الفیلسوف الیهودي موسی بن یعقوببن عزرا، الملقب في العربیة بابن هارون أیضاً (تـ530هـ/ 1135م)، فقد تحدث عن ابن جبیرول في کتابه الذي دوّن بالعربیة باسم کتاب المحاضرة و المذاکرة، ثم فقد و لاتزال ترجمته العبریة باقیة (ظ: مونک، 517-515، 264-262، 155)؛ فهو یصف ابن جبیرولفي ترجتنه المختصرة هذه بشاعر شاب عبري اللغة و بارع نشیط و بعبارات تفیض بالثناء الکثیر. و المصدر الثاني، ما أورده ابن صاعد الأندلسي من معلومات یسیرة عنه و ضبطه لسنة وفاته و سماه بابن جُبیر (ص 205).
و یبدو مما ورد في المصادر أن ابن جبیرول ولد في مالقة و نشأ في سرقسطة، و منها ذهب الی بَلَنسیة و توفي فیها. و یذکر الفیلسوف و المؤرخ الیهودي أبراهام بن داود (ح 504-576هـ/1110-1180م) أن ابن جبیرول توفي عام 462هـ و لکن لایمکن الرکون إلی هذا التاریخ بمقارنته بالتاریخ الذي أورده ابن صاعد، فالأخیر هذا معاصر لابن جبیرول و توفي في 462هـ بالضبط، و لذلک فهو أدق اطلاعاً علی سنة وفاة معاصره الفیلسوف.
عاش ابن جبیرول في أکثر فترات الحکم الإسلامي ازدهاراً و أشدها اضطراباً في الأندلس، وقد قضی سنوات حیاته الأخیرة في عهد عبدالعزیز بن عبد الرحمن، الملقب بالمنصور (تـ 452هـ/1060م)، و کانت بلنسیة في عهده تتمتع بالاستقرار  الهدوء و الازدهار الاجتماعي والاقتصادي و الثقافي.

آثاره

یعتبر ابن جبیرول شاعراً عاشقاً فحلاً و فیلسوفاً کبیراً، بقي من شعره حوالي 400 مقطوعة في أغراض مختلفة تتألق منها إشعاعات الإیمان و المشاعر العرفانیة العمیقة، أشهرها مجموعة باسمها العبري کِتِر ملخوت (التاج الملکي)، ولم یبق مما ینسب إلیه من الکتب الفلسفیة سوی اثنین لایشک في أصالتهما: الأول کتاب إصلاح الأخلاق، وأصله بالعربیة و لایزال متنه موجوداً (ظ: المصادر في هذه المقالة)، والثاني: أشهر کتبه الفلسفیة و أهمها باسم ینبوع الحیاة و أصله بالعربیة أیضاً ثم فقد. وقد ترجم هذا الکتاب إلی اللاتینیة في القرن 6هـ/12م و هو الآن موجود، والأثر الآخر المنسوب إلیه وأصله باعربیة أیضاً کتاب ربما کان اسمه مختار اللآلئ، ولاتزال ترجمته العبریة باسم مِبحَر پنینیم، ولکن یشک تماماً في نسبته إلی ابن جبیرول. و کان ینبوع الحیاة، یشتهر في القرون الوسطی بین الفلاسفة و العلماء باسمه اللاتیني فونس ڤیتاي، وقد أکمل المسیحیون و لیس الیهود ترجمته اللاتینیة في القرن 12 م، ذلک لأنه لم یرد في هذا الأثر إشارة إلی مصادرهم‌الدینیة أي التوراة والتلمود وأمثالهما. وقد شجع علی هذه الترجمة أسقف طُلیطلة الأعظم دون ریموند في منتصف القرن 12م. ولقیت ترجمة ینبوع الحیاة اللاتینیة عکسالترجمة العبری التي سترد الإشارة إلیها استقبالاً جدیراً في الأوساط الکنسیة – الفلسفیة في القرون الوسطی، ووجد له موافقون وکذلک معارضون ألداء. و کان ابن جبیرول یعرف في الأوساط المسیحیة في القرون الوسطی باعتباره فیلسوفاً عربیاً مسلماً أو مسیحیاً وبعد قرن تقریباً من الترجمة الکاملة لهذا الکتاب إلی اللاتینیة. ترجم المتفلسف والمترجم الیهودي فالاکراأو بالکوئرا منتخبات من ینبوع الحیاة إلی العبریة من الأصل العربي باسم لیکوتي سِفِرحَیّیم. و ترجم هذه المنتخبات إلی الفرنسیة مونک، ونشرها مع شرح و تعالیق ذات فوائد جمة وهو أول من اکتشف شخصیة هذا الفیلسوف واسمه الأصلي وعرّفه (ظ: مونک، 306-152، 148-5).
ومن ناحیة أخری ألف ابن جبیرول کما یذکر في ینبوع کتاباً آخر عن الإرادة [الإلهیة] ینبغي مطالعته کما یصرح بنفسه بعد هذه الکتاب (ص 315). وبالنظر إلی اسم الکتاب اللاتینیي فأغلب الظن أن اسمه الأصلي في العربیة هو ینبوع الجود و علّة الوجود.

مصادر ابن جبیرول الفلسفیة المهمة

یعتبر ینبوع الحیاة أول أثر فلسفي مهم ظهر في إسبانیا إبّان الحکم الإسلامي. ولم تکن تراجم کتب الفلاسفة المسلمین الکبار دمثال الفارابي و ابن سینا (ن.ع.ع) قد وصلت إلی الأندلس و أوروبا المسیحیة کما ینبغي. وکان ابن جبیرول معاصراً تقریباً لابن سینا (تـ 428هـ/1037م)، ولابد من التأکید أولاً علی أن ابن جبیرول عالم یهودي مؤمن بدینه، ولکنه أکثر تأثراً کما سنری بالنظرة العالمیة لنزعات الفلسفة الأفلاطونیة المحدثة. وتعتبر هذه عوامل حاسمة في بناء و تکوین نظام تفکیره الفلسفي، ولابد أن یضاف إلی هذه العوامل تأثیر العناصر العرفانیة لتفکیر أفلاطون و الفیلسوف الیهودي. لإسکندراني، فیلون (ح 20-50م)، والمصدر العرفاني الیهودي المهم یُفِر یصیره (سفر الخلق) الذي هو مزیج بعض نظریات الأفلاطونیة المحدثة والتوحید الیهودي، ولکنلایعني هذا غض النظر عن العناصر و الدوافع المهمة و الرئیسة من فلسفة أرسطو و النظرة المشائیة في نظام فلسفته. وإنما علی العکس فإن لهذه العناصر و الحوافز أثراً حاسماً في نهج ابن جبیرول و حتی في مضمون فلسفته و لاسیّما في نظرته الکونیة، ولکن یمکن القول باطمئنان الآن أن الکتابات الأصیلة والمنحولة أو المختلفة في المدرسة الأفلاطونیة المحدثة، وکذلک العقائد و الآراء المنحولة والمنسوبة إلی الفلاسفة الیونان القدماء التي ترجمت سابقاً من مصادر یونانیة مختلفة إلی العربیة، و نشرت في المنطقة الشرقیة من العالم الإسلامي، هي المصادر و البواعث الأصلیة لنظرته الفلسفیة.
و تجدر الإشارة هنا – کما توصل إلیه کاتب المقالة – أن ابن جبیرول أخذ علی أغلب الظن اسم کتابه الفلسفي الرئیس من کتاب کان قبله یعتبره الجمیع في ذلک الوقت للفارابي واسمه رسالة في العلم الإلهي، وقد ذکر فیه عن الله تعالی «ذلک أنه ینبوع الحیاة والعقل و الجوهر والهُویّة»، بینما هذا الکتاب في الحقیقة ترجمة عربیة بتصف لمختارات من الکتاب الخامس من التُّساعات (أي الکتب التسعة) لأفلوطین (تـ270م) أکبر مؤسسي الفلسفة الأفلاطونیة المحدثة (بدوي، أفلوطین…، 182). والحقیقة أنه لایمکن الیوم بما لدینا من شواهد تاریخیة ضئیلة وناقصة الحکم بشکل قاطع علی کل من المصادر التي کان ابن جبیرول یستطیع أن یجد فیها المعلومات الضروریة لتکوین آرائه الفلسفیة في الأفلاطونیة المحدثة – المشائیة، ولکن بالنظر إلی أن ابن جبیرول یستطیع أن یجد فیها المعلومات الضروریة لتکوین آرائه الفلسفیة في الأفلاطونیة المحدثة – المشائیة، ولکن بالنظر إلی أن ابن جبیرول کان متضلعاً باللغتین العبریة و العربیة فقط، یمکن التأکید علی أنه استقی جمیع علومه و دراساته من خلال هاتین اللغتین، ولاسیما اللغة العربیة. ذلک أن العربیة کانت تعتبر في تلک الفترة أي القرن 5 هـ/11م أهم اللغات. فقد ترجم إلیها قسم مهم و کبیر جداً من التراث العلمي و الفلسفي الیوناني القدیم، إما مباشرة عن الیونانیة، أو غیر مباشرة عن السریانیة. و نعلم من ناحیة أخری أن الأندلس الإسلامیة کانت تعتبر في ذلک القرن مرکزاً مهماً لتنمیة المعارف و الثقافة الإسلامیة و نشرها باختلاف یسیر مع الخلافة الإسلامیة الشرقیة. و کان کل ما یظهر في منطقة الخلافة الإسلامیة الشرقیة في هذا الخصوص ینتقل إلیالأندلس. ولذلک یمکن القول باطمئنان أن ابن جبیرول کان علی اطلاع تام خلال فترة حیاته القصیرة علی بعض آثار الفارابي و ابن سینا و إخوان الصفا (ن.ع)، وبالتأکید علی بعض ماترجم لأفلاطون و أرسطو و فلاسفة الأفلاطونیة المحدثة في مدرسة الإسکندریة أیضاً المنحول منه و الأصیل، و کذلک علی عقائد و آراء فلاسفة الیونان القدماء الأصیلة و المنحولة، واستشف منها في نظام فلسفته.
ومن المصادر المختلفة التي یمکن أن یکون لها دور حاسم في تکوین آرائه و لاسیما نظرته العالمیة الأفلاطونیة المحدثة، یمکن أن نذکر هنا عدداً من الکتب الأخری فضلاً عن آثار أرسطو، و خاصة ماکتبه في المنطق. فلیس من شک في أن ابن جبیرول لم یکن مُطّلعاً علی تُسّاعات أفلوطین و کتاب بُرقُلُس (410-485م، فیلسوف الأفلاطوینة المحدثة الکبیر) المهم باسم «عناصر الإلهیات». ونحن هنا سنقتصر علی سرد أسماء المصادر التي استشف منها ابن جبیروللعدم استطاعتنا الحدیث عن کل من هذه المصادر التي أخذ منها بالتأکید أو ربما مباشرة أو غیر مباشرة؛ وسنشیر في الحدیث عن عقائده الفلسفیة – ما أمکن – عن المواضع المعادلة أو المشابهة لما في هذه المصادر.
1. الأثولوجیا، المنسوب إلی أرسطو (بدوي، أفلوطین، 21-158).
2. رسالة في العلم الإلهي، وینسب إلی الفارابي. وقد سبق ذکره (ن.م، 167-183).
3. أقوال الحکیم الیوناني أو أفلوطین (ن.م، 184-194).
وهذه الکتب الثلاثة هي في الحقیقة ترجمة بتصرف وبدون ترتیب لمختارات من التّسساعات الرابع و الخامس و السادس لأفلوطین.
4. کتاب الإیضاح في الخیر المحض، أو کتاب العلل (م. ن، الأفلاطونیة…، 3-33).
5. کتابات منحولة و منسوبة إلی انبادُقلس (492-432 ق.م) أحد الفلاسفة قبلسقراط، ولاسیما کتاب باسم «کتاب الجواهر الخمیس» الذي فقد أصله العربي، ولکن توجد ترجمة أقسام منه بالعبریة (ظ: کاوفمان، في المصادر اللاتینیة؛ الشهرزوري، 72-75؛ اشلانغر، 77-76؛ مونک، 3، الهامش 1). ولابد من إضافة العقائد المنسوبة إلی فلاسفة الیونان الأوائل التي یعثر علیها في المصادر العربیة المختلفة ونصوصها أیضاً، مثل غایة الحکیم المنسوب للمجریطي و الملل و النحل للشهرستاني، ومن أقدم مصادرهما و أهمها کتاب آراء الفلاسفة لآمونیوس (توجد المخطوطة الوحیدة منه الآن في مکتبة أیا صوفیا، رقم 2450).
6. رسائل إخوان الصفا.
7. مادوّنه إسحاق بن سلیمان الإسرائیلي (ح220-320هـ/835-932م)، في الفلسفة و لاسیما کتابه المشهور في الحدود و الرسوم، الذي فقد أصله العربي، ولکن لاتزال ترجمته العبریة و اللاتینیة الکاملة موجودة (ظ: آلتمان، في المصادر اللاتینیة؛ ابن صاعد، 203).
و یبدو من بحوث ینبوع الحیاة أن أکثر اقتباس ابن جبیرول من أثولوجیا، و کتاب الإیضاح في الخیر المحض و رسالة في العلم الإلهي التي تعتبر في الواقع من أهم المصادر للنزاعة و النظرة العالمیة عند الأفلاطونیة المحدثة في العالم الإسلامي.

عقائده الفلسفیة

دُوّن ینبوع الحیاة الذي یعتبر أهم کتب ابن جبیرول الفلسفیة علی شکل محاورة بین «أستاذ و تلمیذ و یضم 5 رسائل، و تقسم کل رسالة إلی عدة فصول. و الرسالة الثالثة منها أکثرها تفصیلاً و تضم 58 فصلاً. والمحور الأساس لفلسفة ابن جبیرول في هذا الکتاب، إیراد مسألتین أساسیتین و البحث حولهما: المادة الکلیّة و الصورة الکلیّة، ومعرفتهما وسیلة لمعرفة الذات الأولی (أو کما کانت في النص العربي – علی أغلب الظن- الهویة الأولی، أو Ean primum (باللغة اللاتینیة)، والتي یسمیها ابن جبیرول «اللّه»، فیقول: إن المعرفة التي خلق الإنسان من أجلها هي معرفة جمیع الأشیاء کما هي، و قبل کل شيء معرفة الذات الأولی التي هي الحافظة و المحرکة له (ص 72)، بید أن قدرة الإنسان للوصول إلی معرفة الذات الأولی محدودة. و ما لایمکن معرفته ذات ذاته (أو هویته) بدون مخلوقاته. و یمکن معرفته فقط عن طریق آثاره و أفعاله، فالعلم هو إدارک العالِم لمعلوم، والذات الأولی غیر متناهیة، ولیس لها أیة صلة وشبه بعقلنا، ولکن کیف یمکن إدراک وجود الذات الأولی؟ وهنا و بالنظر إلی الأسئلة الأربعة التقلیدیة في الفلسفة (والتي ترجع في أصلها إلی أرسطو)، أي «إنَّ» و «مطلب هل» و «مطلب لِمَ» و «مطلب ما» و «مطلب أي» - و هنا لابد من الإشارة إلی أن المطلبین الأخیرین، یعتبران واحداً عند أرسطو – فإن ابن جبیرول یعالج السؤال الأول فقط، ویعتبر وجود الذات الأولی حقیقة لایسأل عنها و مسلّم بها. ویری أن الطریقة للوصول إلی هذه الحقیقة هي أولاً في دراسة ماهیة «الوجودالکلي» و عوارضه الممکنة، ثم دراسة الحرکة والإرادة التي هي حافظة لذات کل الأشیاء و نافذة فیها. و هنا لابد من التأکید علی أن مراد ابن جبیرول من «الوجود الکلي» لیس اللّه تعالی، بل وجود المخلوق أو المبتدع المتکثر. غیر أن هذا الوجود الکلي مهما کان مختلفاً و متکثراً، فإنه یقوم علی أساسین یحفظ بهما وله وجود باعتبارهما، و هما «المادة الکلیة» و «الصورة الکلیة». فهذان أصل وجود کل الموجودات، وکل ماهو موجود منهما (ص 74-73). و لابد أن الهدف الأصلي من وجود الإنسان في هذا العالم، هو الوصول إلی المعرفة. ولکن الأکثر ضرورة في هذا المسیر، هو معرفته لنفسه و معرفةالعلة الغائیة لوجوده، و هو ما خلق الإنسان للوصول إلیه، و یستطیع أن یصل إلی السعادة عن طریق هذه المعرفة فقط؛ ولکن ماهي العلة الغائیة لخلق الإنسان؟ إنه اتصال روحه – بالعالَم الأعلی، لأن کل شيء یعود إلی مشابهه، ویمکن الوصول إلی هذا الهدف الغائي عن طریق العلم والعمل، لأن الروح یمکن أن تصل إلی العالم الأعلی بواسطتهما، فالعلم یؤدي إلی العمل في النهایة. و العمل یسوق الروح إلی أبعد من تضادها و یعیدها إلی طبیعتها و جوهرها والخلاصة أن العلم والعمل یحرران الروح من أسر الطبیعة، ویطهرانهامن کدورتها، و ظلماتها، و بذلک تعود الروح إلی عالمها الأعلی (ص 70-69؛ قا: بدوي، أفلوطین، 21، 117). والآن وکما ذکر: لمّا کانت کل الأشیاء تعود إلی أساسین أو أصلین، أي المادة الکلیة والصورة الکلیة، لذلک فإن إحداهما حاملة و الثانیة محمولة، و علی هذا فإن دراستهما و معرفتهما مفیدة و ضروریة لمعرفة الإرادة [الإلهیة] و معرفة الذات الأولی. و علی هذا الأساس یقسم ابن جبیرول مجموع المعارف إلی 3 أقسام: «معرفة المادة و الصورة، و معرفة الإرادة، و معرفة الذات الأولی»؛ لأنه لایوجد في عالم الوجود شيء سوی المادة و الصورة، والذات الأولی، والإرادة التي هي الواسطة بینهما، ذلک لأنه لابد أن یکون لکل مخلوق علة و واسطة، والذات الأولی في ساحة الوجود هي العلة، و مخلوقها هي المادة و الصورة، والإرادة واسطة بینهما و بعبارة أخری فإن المادة والصورة فرع من الإرادة أو مخلوقتاها (ص 77/75).
وهنا یبادر ابن جبیرول إلی القول: لابد لمعرفة المادة الکلیة و الصورة الکلیة من استعمال أسلوبین أو نهجین: الأول أسلوب الکلي العام والآخر أسلوب الجزئي الخاص؛ ذلک أنه یمکن فقط معرفة کل موضوع عن  طریق الصفات و الخصائص التي لاتنفصل عنه و یمکننا بعد الوصو إلی وجود هذه الصفات و الخصائص القول بوجود شيء تتعلق به هذه الصفات و الخصائص. قلنا إن لجمیع المخلوقات مادة کلیة واحدة، والصفات و الخصائص عبارة عن: قائم بالذات، له ذات أو ماهیة واحدة، حامل للتنوع والتکثّر، و یعطي کل شيء ذاتاً واسماً. إذن توجد مادة، لأنها إن لم توجد لایمکن أن تکون موضوعاً لموجود. و یجب أن تکون هذه المادة قائمة بذاتها و توجد في ذاتها. وإلا فإن البحث و الاستدلال سیبقی إلی الأبد؛ ینبغي أن یکون لها ذات واحدة، ذلک لأننا نبحث عن مادة واحدة لکل الموجودات. و یجب أن تحمل هذه المادة الاختلاف أیضاً و التنوع والتکثّر، لأنهذه کلها تظهر بواسطة الصور فقط، ولا وجود للصوربذاتها؛ و ینبغي لهذه المادة الکلیة أن تعطي کل الأشیاء ذاتاً واسماً أیضاً، لأنها یجب أن توجد في کل الأشیاء کما أنها حاملة لکل الأشیاء وحافظة لها، وبما أنها توجد في کل الأشیاء، فلابد أن تعطیها کلها ذاتاً واسماً؛ لأن کل شيء مرکب من مادة، هو موضوع [والمراد هو الاصطلاح الأرسطوئي] لصورة ذلک الشيء و علی هذا فإن الأسلوب الکلي العام عبارة عن دراسة صفات و خصائص المادة الکلیة و الصورة الکلیة اللتین ینسب إلیهما العقل، وبالتالي دراسة نس هذه الصفات و الخصائص في الأشیاء الموجودة؛ أما الأسلوب الجزئي الخاص فهو عبارة عن دراسة کل الجواهر المحسوسة والمعقولة و تجزئة کل من هذه الجواهر إلی صورته و مادته في العقل، و من ثم ترکیب کل منهما، أي المادة والصورة، في جمیع تلک الجواهر، وأخیراً إثبات وجود المادة الکلیة و الصورة الکلیة (ص 272، 46-45). وقد استعمل ابن جبیرول هذا الأسلوب الجزئي الخاص في کل الکتاب، حیث إنه یبدأ بدراسة الأشیاء المحسوسة، أي: المصنوعات و المعدنیات و النباتات و الموجودات الحیّة، ثم یبادر إلی الأرکان أو العناصر لیصل إلی الجسم، ویسعی دائماً لإثبات أن الأشیاء العلیاهي موضوع للدشیاء السفلی، و في کل من الموجودات توجد مادة جزئیة طبیعیة أو مادة جزئیة مصنوعة، و یصل ابن جبیرول، بتجر یدکل من الأشیاء الجزئیة، إلی أربعة عناصرت صیر ترکیباتها المختلفة علة لترکیب الأشیاء الجزئیة الطبیعیة و المصنوعة. ولابد أن یکون لکل هذه العناصر الأربعة أساس مشترک، هو المادة، التي تحدث بها کل الأشیاء الطبیعیة و المصنوعة تحت فلک القمر، وکذلک کل کون و فساد. و یطلق ابن جبیرول علی هذه المادة في کثیر من الحالات اسم «الهیولی» التي هي في الواقع «الهیلولي الأولی» أي المادة الأولی عند ارسطو (ص 53-49).
ونحن الآن لانواجه في الطبیعة الأشیاء المعرضة للکون و الفساد فقط، بل نجد الأجرام أو الأجسام السماویة، فلابد من وجود مادة مشترکة بینها أیضاً غیر المادة الموجودة في الأشیاء المعرضة للکون و الفساد، وأقسام المادة عبارة عن: المادة الجزئیة المصنوعة و المادة الجزئیة الطبیعیة و المادة الکلیة الطبیعیة و أخیراً ما أسماه ابن جبیرول بـ «المادة الفلکیة» (ص 55-54؛ قا: رسائل إخوان الصفا، 2/6). و من ناحیة أخری فإن لکل من هذه المواد صورة حملت علیها کما یقول ابن جبیرول، إذن ففي کل المحسوسات مادة کلیة هي الجسم، و صورة کلیة هي کل ما حمل علی الجسم، و صورة الأشیاء الجزئیة المصنوعة تنبعث من الصور الکلیة للعناصر. و هذه تنبعث أیضاً من الصورة الکلیة المعرضة للکون و الفساد، و هذه الصورة الأخیرة أو الصورة الفلکیة تنبعث من الصورة الکلیة للموجودات المحسوسة. و علی هذا فإن مواد جمیع الأشیاء الجزئیة المحسوسة و صورها تتصل بمادة واحدة هي الجسم المطلق، و بصورة واحدة یمکن تسمیتها. کل ما هو موجود في جسم.
و لابد الآن لمعرفة المادة الجسمانیة أي الجوهر المحافظ للجسمیة العالم و الحامل لها من دراسة المواد التي ذکرناها آنفاً. إن العالم المحسوس موجود جسماني؛ و کما أن الجسم موجود مصوَّر بصوره الخاصة یمکن اعتباره مادة للصور التي تحمل علیه، مثل الأشکال والألوان و جمیع الأعراض الأخری، فلابد من وجود شيء یکون مادة للجسمیة و تکون الجسمیة صورة له، و اعلاقة بین الجسمیة و بین المادة الحاملة لها کالعلاقة بین الصورة الکلیة المحسوسة أي مجموع الشکل و اللون و الجسمیة الحاملة لها. إذن لابد من وجود مادة محسوسة حاملة لصورة الجسم. و علی هذا نصل إلی إدراک «مادة کلیة مطلقاً» یجب أن تتعین بواسطة الجسمیة لتصیر جسماً، و هي المادة الکلیة المحسوسة. ونصل من هذا الطریق أیضاً إلی إدراک «صورة کلیة مطلقاً» أدخلت الجسمیة فیها کحالة جزئیة (ص 58-57). ولذلک تحتاج المادة الکلیة إلی تعیّن خاص یمنحها الجسمیة و یعرض الأساس المشترک لما هو جسم و مالیس جسماً. ذلک أن مالایکون جسماً فهو روح. و علی هذا فالصورة الکلیة، بنفسها تشتمل علی کل الصور، ما کان منها صوراً للجواهر الروحانیة و ما کان صوراً موجودة في الأشیاء المحسوسة. و هنا یعرض ابن جبیرول إحدی أکثر نظریاته جرأة فیقول: إن المادة الکلیة مشترکة بین الجواهر الجسمانیة والجواهر العقلیة؛ ذلک انه لایعثر في الجواهر المعقولة أیضاً إلا علی المادة و الصورة، کما لایمکن أن یعثر في جمیع المخلوقات أیضاً إلا علی هاتین الاثنتین، و غیر أننا نلاحظ أن «الفاعل الأول» عزّوجلّ لامادة له، و لاصورة (لاشک في أن ابن جبیرول اقتبس اسم «الفاعل الدول» أیضاً من أثولوجیا، ظ: بدوي، أفلوطین، 51، 52، 62، 98)، ذلک أنه «لایوجد خارجاً عن «الفاعل الأول» سوی المادة له و الصورة» (ابن جبیرول، 229-228). فللجواهر العقلیة أو المعقولة إذن مادة کلیة وصورة کلیة أیضاً، و بعبارة أخری إن کلاً منها مرکب من المادة و الصورة أیضاً. والجواهر العقلیة و حتی ألطفها لیست مادة محضة ولاصورة محضة، بل هي مرکبي منهما (م. ن، 218-217)، ذلک لأنها کالجواهر الأخری في الجوهریة، واختلافها في المعرفة و الکمال فقط. و بالطبع لایمکن للجوهر العقلي أن یکون سوی شيء واحد، و علی هذا النحو لایمکن أن یکون من مادتین أو صورتین. فیجب إذن أن یکون مادة و کذلک صورة، و لمّا کان مفهوم الروحانیة مقابل مفهوم الجسمیة و ینبغي أن یحمل المفهوم الأخیر علی شيء آخر یتعیّن به، فلابد أن یکون الجوهر الروحاني علی هذا النحو مرکباً، أي إن انقسام الجوهر الروحاني إلیعقل وروح (نفس)، و انقسام الروح و العقل في الأجسام، هو دلیل علی انقسامها إلی مادة و صورة. و بین الجواهر الروحانیة ماهو أبسط و أکمل من غیره، و علی هذا یوجد فوق الروحانیة التي تأتي بعدالأجسام، روحانیة أکمل (م. ن، 219).
 

الصفحة 1 من2

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: