الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / التاریخ / ابن الجراح /

فهرس الموضوعات

ابن الجراح


المؤلف :
تاریخ آخر التحدیث : 1443/6/5 ۱۳:۳۰:۰۰ تاریخ تألیف المقالة

ولعل هذا الأمر کان السبب في أن یعتقد أنصار حامد بن العباس بأن علي بن عیسی هو الذي افتعل هذه الاضطرابات (ابن الأثیر، ن.ص)، ولکنه من المستبعد أن یقوم علي بن عیسی بمثل هذا العمل بغیة الوصول إلی الوزارة، و لاسیما أنه کان قد رفض الوزارة التي اقترحها علیه الخلیفة (309هـ) و امتنع من ارتداء خلعة الوزارة التي کان الخلیفة قد أرسلها إلیه، و اکتفی بدراعته (القرطبي، ن.ص).
وقد أدی ضعف حامد بن العباس و سیطرة علي بن عیسی علی الأمور إلی جانب عوامل أخری کوشایة محسّن بن الفرات بالوزیر و رئیس الدواوین و عداء بعض المتنفذین من رجال البلاط لحامد، بالإضافة إلی شکوی أهل الحرم و الخدم و أبناء الخلیفة و حاشیته من تأخیر دفع رواتبهم و اقتطاع شهرین من رواتب موظفي‌الدولة (أبوعلي مسکویه، 1/85-86)، إلی عزل الخلیفة لحامد بن العباس و علي بن عیسی (311هـ) و استیزاره لابن الفرات للمرة الثالثة.
في هذه الدثناء هاجم أبوطاهر القرمطي البصرة و عاد بعد أن قتل و غنم کثیراً. وقد ادعی بُنَيّ بن نفیس الذي بعثه ابن الفرات إلی البصرة نقلاً عن بعض القرامطة أنعلي بن عیسی کان قد حثّهم علی هذه الحملة و جهزهم. ولهذا فقد أمر المقتدر بإحضار ابن الجراح، و جرت مناظرة طویلة بحضور ابن الفرات و بعض القرامطة الذین کان ابن النفیس قد أرسلهم إلی بغداد (م.ن، 1/105-106؛ الصابي، ن.م، 105-110) وکان دفاع علي بن عیسی إلی درجة أن القضاة الذین کانوا حاضرین في المجلس، لم یدلوا بآرائهم ضد ابن الجراح بالرغم من إصرار ابن الفرات (یاقوت، 2/146-147))، بل و دافع عنه القاضي أبو جعفر أحمد بن إسحق بن بهلول (الصابي، ن.م، 318-320)، ومع کل هذا فقد حکم علی ابن الجراح بدفع 300,000 دینار بشرط أن یؤدي 100,000 دینار خلال مدة شهر لیطلق سراحه من السجن (أبوعلي مسکویه، 1/109) و من ثم یدفع الباقي (الصابي، ن.م، 320). ویقال إن محسّن بن الفرات ابن أبي الحسن بن الفرات ألحق أذی بالغاً بابن الجراح لأخذ ذلک المال. و یقال إن ذلک کان بأمر من الخلیفي إلی درجة أن الوزیر أظهر استیاءه من عمل ابنه و أشار إلی أن علي بن عیسی قد ساعده أیام حکمه (ابن الأثیر، 8/142). ثم تشفّع لدی الخلیفة و طالب برفع القید عن رجلیه  خلع الجبة الصوفیة عن جسمه. و علی الرغم من أن المقتدر کان یعتقد باستحقاق علي بن عیسی لأکثر ممّا جری علیه، إلّا أنه دعا إلی فک القید من رجلیه (أبوعلي مسکویه، 1/111)، ثم سلّمه إلی الوزیر. و قام ابن الفرات بعد ذلک بمدة (قا: یاقوت، 14/69-71) بإبعاده و نفیه إلی مکة و من هناک إلی صنعاء في الیمن (أبو علي مسکویه، 1/113؛ الصابي، ن.م، 333-335؛ المسعودي، 2/229) و لم تنجح مؤامرة قتله التي یشک في صحتها و التي حیکت أثناء توجهه من العراق إلی مکة (القرطبي، 113). و یبدو أن یاقوت (14/69) قد اعتبر هذه الأیام الفترة الثانیة من وزارة ابن الجراح، أو أنه خلط قضیة إبعاده إلی مکة مع نهایة فترة وزارته الثانیة. وقد أدی عزل علي بن عیسی و نفیه إلی اضطراب أمر الوزارة و انفراط عقد الأمور کما ذکر الکاتب جعفر بن قدامة (م.ن، 7/179). و تم في 312هـ/924م إلقاء القبض علی ابن الفرات و ابنه محسّن و من ثم قتلهما، و تولّی الوزارظ أبو القاسم عبدالله بن محمد الخاقاني (أبوعلي مسکویه، 1/138، 139). ولم ینس مؤنس الخادم هذه المرة میثاقه القدیم مع علي بن عیسی الذي ذهب من الیمن إلی مکة بجهود الأول (م.ن، 1/141) فعینه أیضاً رئیساً لدیوان إشراف مصر و الشام براتب شهري قدره 2,000 دینار (الصابي، ن.م، 335هـ). و عزل الوزیر الخاقاني في 313هـ و سعی مؤنس لیوفّر الظروف الملائمة لتولي ابن الجراح الوزارة مرة أخری (الهمداني، 47، وقد وقع في تناقض حول تاریخ عزل الخاقاني)، ولکنأبا العباس الخصیبي تولی الوزارظ في النهایة بسبب رغبة الحاجب نصر و ثمل القهرمانة و السیدة أم الخلیفة في ذلک (القرطبي، 126-127). وأبقی الوزیر الجدید علي بن عیسی فيمنصبه (الصابي، ن.م، 335)، ولکن وزارظ الخصیبي لم تدم نتیجة لانغماسه في المحرمات و إهماله شؤون الحکم، حیث عزل في 314هـ باقتراح من مؤنس و بأمر من الخلیفة (ابن الأثیر، 8/164).
وکان علي بن عیسی یعیش هذه الأیام في دمشق و رشحه الخلیفة للوزارة بإشارة من مؤنس، و تولّی أبوالقاسم عبید الله بن محمد الکلوذاني الأمورنیابظ عنه ببغداد (أبو علي مسکویه، 1/149). ووصل علي بن عیسی بغداد في 315هـ، و علی الرغم من أن قدومه إلی العراق کان بسبب تولیه الوزارة، إلّا أنه رفض في البدایة قبول خلعة الوزارظ ثم وافق علیها في النهایة و أمسک بزمام الأمور (القرطبي، 129). و قام هذه المرة، کما في السابق، بتعیین کتّاب الدواوین المعتمدین لدیه و قلّل من رواتب الموظفین الحکومیین و المقرّبین إلی الخلیفة، و رفض حتی الإقطاع الخاص بالوزراء، حیث أرجعه علی الرغم من إلحاح الخلیفة و إصراره علیه و أشرف بنفسه مباشرة علی العاملین في الدواوین (أبو علي مسکویه، 1/152، 157، 159)، و کان یجلس کل ثلاثاء في دیوان المظالم (القرطبي، 130).
ومن الأحداث المهمة في هذه الأیام، اقتدار بعض رؤساء الدیلم و معارضتهم لبغداد، و خروج أبي طاهر القرمطي و تغلّبه علی جیش الخلیفة بقیادة ابن أبي الساج و تهدیده بغداد (الهمداني، 51-53)، حیث أدی ذلک إلی شدة تدهور الأوضاع السیاسیة. و من جهة أخری فقد دعاه للاستقالة (316هـ) عدم نجاح علي بن عیسی في إیجاد توازن و تعادل بین الواردات و المصروفات بسبب إسراف المقرّبین من الخلیفة و معارضة الحاجب نصر له، إلّا أن المقتدر رفضها واستشار مؤنس في هذا المجال. و دعا مؤنس الخلیفة إلی استرضاء الوزیر و لم یجد المرشحین للوزارة و هم: الفضل بن جعفر بن حِنزابة و أبوعلي ابن مُقلة و محمد بن خلف النیرماني مؤهلین لهذا المنصب (أبو علي مسکویه، 1/184). ومع کل هذا فقد استقال علي بن عیسی من الوزارظ في 316هـ و تولی ابن مُقلة زمام الأمور (القرطبي، 123؛ أبو علي مسکویه، 1/185)، و حُبس علي بن عیسی مع أخیه عبد الرحمن في منزل زیدان القهرمانة. ثم ادعی الحاجب نصر أن رجلاً یدعی الجوهري قد اعترف بأنه کان وسیطاً بین علي بن عیسی و أبي طاهر القرمطي و أن علیاً کان یکاتب أبا طاهر بواسطة هذا الرجل. و طلب الخلیفة، و هو غضبان من هذه الحادثة، أن یُجلد علي بن عیسی أمام القضاة و الفقهاء و أصحاب الدواوین، إلّا أن السیدة والدة المقتدر التي کانت قد اطلعت علی حقیقة الأمر نهت المقتدر عن القیام بهذا العمل (أبوعلي مسکویه، 186-187).
وفي منتصف محرم 317 خلع المقتدر نتیجة للعصیان الذي قام به کل من نازوک رئیس شرطة بغداد و أبي الهیجاء الحمداني ضده و تولّی القاهر الخلافة. و رغم استیاء مؤنس من المقتدر، إلّا أنه أخذه و عائلته إلی بیته و أخرج ابن الجراح من السجن أیضاً و أنزله عنذه (القرطبي، 141؛ قا: التنوخي، 2/52-53). و بعد یومین انتخب علي بن عیسی معاوناً لابن مقلة بعد مقتل کل من نازوک و أبي الهیجاء و عودة المقتدر إلی الخلافة ثانیة (م.ن، 2/55) و عهد إلیه بدیوان المظالم أیضاً (الهمداني، 60-63). و اشتد الخلاف في 318 هـ بین مؤنس و الخلیفة إلی درجة أن الخلیفة استغل فرصة غیاب مؤنس في جمادی الأولی من تلک السنة فسجن الوزیر ابن مقلة بتهمة انحیازه إلی مؤنس و أراد أن یقتله ردّاً علی اعتراض الأخیر، ولکنه تراجع عن هذا العمل نتیجة للجهود التي بذلها علي بن عیسی في الوساطة بین الخلیفة و مؤنس. و أراد الخلیفة أن یعیّن الحسین بن القاسم بن عبید الله وزیراً و عارض مؤنس ذلک مرة أخری. واقترح الخلیفة علی علي بن عیسی تولي الوزارة، ولکن الأخیر رفض ذلک و طلب إبقاء ابن مقلة في منصبه، غیر أن الخلیفة رفض ذلک أیضاً و عیّن و أخیراً سلیمان بن الحسن بن مخلد وزیراً، کما اختار علي بن عیسی للإشراف علی الدواوین و مساعدة الوزیر (أبو علي مسکویة، 1/202-205). و بقي ابن الجراح في منصبه بأمرٍ من الخلیفة أیام وزارة أبي القاسم الکلوذاني التي استمرت عدة أشهر (من رجب – رمضان 319). ولکن الحسین بن القاسم عندما تولی الوزارة في رمضان من تلک السنة اشترط ألّا یتدخّل ابن الجراح في الأمور و ألّا یجلس في دیوان المظالم، و وافق الخلیفة علی شرطه هذا (م. ن، 1/219). و أراد الوزیرالجدید أن ینفي ابن الجراح إلی مصر، ولکن مؤنس انبری للدفاع عنه (الهمداني، 65)، ولکن تمّ نفیه في شوال 319 إلی دیرفُنّی (القرطبي، 165)، وفي روایة إلی الصافیة (الهمداني، 65؛ ابن الأثیر، 8/232). وبقي ابن الجراح هناک حتی السنة التالیة قتل فیها المقتدر. وفي بدایة خلافة القاهر (320هـ/932م) سعی مؤنس مرة أخری لتولي علي بن عیسی الوزارة، ولکنه أخذ بتوصیة علي بن بلیق حاجب الخلیفة الذي کان یعتقد بضرورة أن یکون الوزیر في مثل هذه الظروف رجلاً کریماً سمح الأخلاق، و وافق علی تولي ابن مقلة الوزارة، وولکنه أعاد علي بن عیسی من منفاه إلی بغداد، حیث أکرمه الخلیفة (الهمدااني، 171). أما روایة تعیین الخلیفة له حاکماض علی واسط في 321هـ (م.ن، 79) فإنها تتعارض إلی حدّما مع هذه الروایة التي مفادها أن ابن مقلة و بعد موت «تکین خاصة» والي مصر أراد إرسال ابن الجراح حاکماض علیها، غیر أن الأخیر رفض ذلک بذریعة شیخوخته و عجزه (أبو علي مسکویه، 1/258) ولکنها لاتستبعد. ومع کل هذا فإن علي بن عیسی کان من الذین شارکوا القاضي ابن أبي الشوارب في خلع القاهر (الهمداني، 82)، کما قیل إنه ساهم في سمله (أبوعلي مسکویه، 1/291). و یحتمل أن هذا هو السبب الذي دفع الراضي بعد استلامه الحکم (322هـ/934م) إلی دعوة کل من علي بن عیسی و أخیه عبد الرحمن للتشاور في أمور الخلافة و اقترح علی علي تسنّم الوزارة، ولکن الأخیر رفض ذلک ورشّح ابن مقلة لتولي هذا المنصب (الصولي، 40؛ ابن الأثیر، 8/282-283).
ویذکر الهمداني (ص 91) أن ابن مقلة کان قد اتهم في 323 هـ علي بن عیسی بتشجیع ناصر‌الدولة الحمداني علی قتل عمه أبي العلاء بن حمدان. و لهذا السبب فقد صادر 50,000 دینار من أمواله و نفاه إلی الصافیة. و مع ذلک فإ« الخلیفة استدعی علي بن عیسی لتولي الوزارة في 324 هـ بعد عزل ابن مقلظ و أنه رفض ذلک رغم إلحاحه علیه و اقترح أن یتولّی هذا المنصب أخوه عبد الرحمن الذي صار وزیراض (أبوعلي مسکویه، 1/336). وبعد مدظ قصیرة قبض الخلیفة علی عبدالرحمن الذي أظهر عجزاً واضحاً في إدارة الأمور و علی أخیه علي و صادر منهما مبلغاً کبیراً (الهمدانيف 95). و یبدو أن علي بن عیسی لم یتول منذ هذا التاریخ و حتی 329 هـ أيّ منصب حکومي. و استناداً إلی روایة الصولي فإن علي بن عیسی في هذه السنة و بعد جهوده التي بذلها من أجل تولي المتقي الخلافة و أخذ البیعة له، امتنع من قبول اقتراح تولیه الوزارة کما منع أخاه عبد الرحممن من قبول هذا المنصب (ص 187، 203). ولکن یقال إن عبدالرحمن و بأمر من الخلیفة أخذ بیده زمام الأمور دون أن یِعیِّن وزیراً بصورة رسمیة أبو علي مسکویه، 2/18)، ولاتتوفّر معلومات تذکر عن ابن الجراح منذ هذا التاریخ وحتی وفاته. ویبدو أنه عاش خلال هذه السنوات ببغداد بعیداً عن فوضی السیاسة و کان یحظی باحترام کبیر. و عندما وصل معزالدولة الدیلمي إلی بغداد بالغ مستشاره و صاحبه أبوجعفر الیمري في إکرام ابن الجراح و حمل معز‌الدولة علی احترامه و تبجیله أیضاً (الهمدانيف 154-155). و یذکر ابن الندیم (ص 142) أن ابن الجراح توفي في منتصف تلک اللیلة التي دخل في نهارها معزالدولة بغداد في التسعین من عمره و دفن في بیته.
حظي علي بن عیسی الذي یذکره الصولي (ص 187) بألقاب کتاج‌الدولة و جمال‌الدولة بمکانة خاصة من بین وزراء الخلفاء في القرن 4هـ/10م و رغم عدم أهمیة هذه المنزلة من الناحیة السیاسیة، إلّا أنها تحظی بأهمیة اجتماعیة و من البعد الوزاري علی الأقل، حیث کانت الوزارة في تلک الأیام و سیلة لبلوغ المصالح الشخصیة و کان الذین یرومون هذا المقام لایدّخرون وسعاً للدسّ کلّ علي الآخر، ولذلک فإنه لم یظهر رغبة واضحة في هذا العمل و حیث یبدو أنه یعتزل الوزارة إن لم یجد نفسه قادراً علی إصلاح الأمور (الصابي، ن.م، 308) ثم إنه اعتزلها تماماً فیما بعد. و رغم أنه قبلها مکرهاً في 314هـ (القرطبي، 129)، إلّا أنه رفضها بعد ذلک عدة مرات (ظ: علی سبیل المثال الصولي، 4، 203). وإن کان هذا الموضوع نابعاض من حبه الاعتزال و طلب الراحة (الصابي، ن.م، 32؛ ابن الأبار، 168؛ قا: أبو حیان، البصائر، 4/138) إلّا أنه یدل علی سلامة نفسه أیضاً. و لما وصل إلی الوزارة ثانیة في 314هـ فإنه عفا عن کل أولئک الذین أساؤوا إلیه خلال فترة وزارته الأولی و سعوا لعزله و القبض علیه (أبوعلي مسکویه، 1/151) وأنه و بعد سنین من تولیه الوزارة فقد امتنع عندما عاد إلی العمل في الدیوان عن التآمر ضد الوزیر ابن مقلّه و اعتبر نفسه من أتباعه  أصحابه (التنوخي، 2/56)؛ و مع کل هذا فقد کان متشدداً جداً في تعامله مع موظفي الحکومة (القرطبي، 75، 78؛ أبوحیان، ن.ص) و یسعی أن یختارهم من بین الناس العدول و الأمناء (الهمداني، 12)، إلا أن معارضته للمصروفات الزائدة و تقلیل الرواتب و إقطاعات (علی سبیل المثال أبوعلي مسکویه، 1/27-28) صارا سبباً في أن یعد رجلاً بخیلاً (القرطبي، 51)، في الوقت الذط کان ینفق السم الأعظم من دخله في الصدقات (یاقوت، 14/68)، و کان یفعل ذلک في منفاه أیضاً (الصابي، ن.م، 311؛ الهمداني، 154).
و قد قام ابن الجراح في فترة وزارته الأولیبالإصلاحات الاقتصادیة و سعی لإیجاد توازن بین الواردات و المصروفات (الصابي، ن.م، 216؛ العش، 163)، إلا أن إعداده میزانیة الحکومة، الذي کان من أعماله الفریدة، قد تمّ بعد انتهاء فترة وزارته الأولی و في أیام رئاسته للدواوین (الصابي، رسوم، 21 و مابعدها)، ولم یسع عندما کان وزیراً أو رئیساً للدواوین لإلغاء بعض الضرائب التي کانت تثقل کاهل المزارعین و الکسبة خاصة فحسب (أبو علي مسکویه، 1/28؛ ماهر حمادة، 3/138، 249-250)، حیث کان یسعی في إلغاء الرسوم المجحفة و تشجیع العدالة (العیون، 4(1)/253). ویقال إنه أمر بتهدیم طواحین إقطا عیته التي کانت سبباً في منع المیاه إلی مزارعي المنطقة و بناء مسجد في مکانها (الصابي، الوزراء، 311). و کان یهتم اهتماماً خاصاً بتشیید المستشفیات و تعمیرها و توظیف الأطباء و الترفیه اهتماماً خاصاً بتشیید المستشفیات و تعمیرها و توظیف الأطباء و الترفیهعن المرضی (ابن أبي أصیبعة، 2/202-203؛ ابن الأثیر، 8/68-69)، و أنه علی الرغم من تشدده في مجال النفقات الحکومیة، إلّا أنه لم یتخلّ عن تشیید الأبنیة و إیجاد الأماکن المعموردة (الهمداني، 12؛ العیون، ن. ص).  نتیجة لذلک تم تشبیهه بین الوزارء بععمر بن عبد العزیز بین الخلفاء (الذهبي، العبر، 2/48)، و قیل: «إنه کان یضع کل شيء في موضعه المناسب و کانت أیامه أکثر رفاهاً و أحسن حالاً من أیام جمیع وزراء العباسیین» (هندوشاه، 206). کما دفع ابن الجراح المقتدر لیوقف أملاکه ببغداد التي کانت تَدُرّ حوالي 100,000 دینار شهریاً (یاقوت، 14/70) علی الحرمین، و أنشأ دیوان البرّ لهذا الغرض (التنوخي، 1/221). کما أوجد دواوین مؤقتة عدیدة أخری کدیوان الارتفاق لاستلام و صرف الأموال التي کان علی موظفي‌الدولة أن یدفعوها إلی الوزراء قبله (ن.ص) و دیوان «المقبوضات عن أم موسی» و ذلک لضبط الأموال الوفیرة و المصادرة من أم موسی القهرمانة التي کانت من ذوات النفوذ في دار الخلافة (أبو علي مسکویه، 1/83-84)، بید أن سلوکه القویم کان یحول دون الاستفادة من هذه الأموال الطائلة لصالحه علی الرغم من أنها کانت تصرف تحت إشرافه. فضلاً عن أنه قد غض الطرف عن قبول الإقطاع الخاص بالوزراء والذي کان یدرّ 170,000 دینار لأنه لم یکن من أهل الرفاه و طلابه (أبو علي مسکویه، 1/159؛ الهمداني، 51).
و کان ابن الجراح مشهوراً بالتدین و التمسک بالرائض (الخطیب، 12/14؛ ابن الجوزي، 6/351) و یعد من حفظة القرآن (یاقوت، 14/96؛ ابن الأبّار، 186). و یبدو أن تدینه کان السبب في انخراطه في صفوف المعارضین بشدة للحلّاج و التدخل في محاکمته (ابن کثیر، 11/217؛ هندوشاه، 199). و کان علي بن عیسی محدثاً بارعاً ووصفه الذهبي (سیر، 15/298) بأنه «إمام محدث صادق ووزیر عادل». وقد أخذ الحدیث عن أحمد بن بدیل الکوفي واحلسن بن محمد الزعفراني و حمید بن الربیع و عمر بن شّبّة. وروی عنه أشخاص کسلیمان بن أحمد الطبراني و القاضي أبي طاهر محمد بن أحمد اذهلي (الخطیب، ابن الجوزي، ن.ص). ویقال إن ابن الجراح وبّخ أهالي بغداد بشدة عندما توفي محمد بن جریر الطبري في 310هـ/922 م و أرادوا منع دفنه لاتهامه بالرافضیة (ابن الأثیر، 8/134). وإن اهتمامه هذا بالأدباء و الکتّاب و العلماء قد أدی بأشخاص کابن قدامة (یاقوت، 7/179) و أبي سهل بن زیاد بن القطان (التنوخيف 2/378) و الصابي (الوزراء، 306 و مابعدها) و ابن درید (أبوحیان، البصائر، 4/137) إلی الإشادة به کثیراً. وبالإضافة إلی ذلک فإن علي بن عیسی کان یعد من الکتّاب و الأدباء. فقد نسب إلیه القلقشندي کتاباً في علم المناظر (1/476) و اعتبر ابن الندیم (ص 142) کتب جامع الدعاء و معاني القرآن و تفسیره و الکتّاب و سیاسة المملکة و سیرة الخلفاء من تصانیفه. کما ألّف أحمد بن یوسف، المعروف بابن الدایة کتاب مختصر المنطق باسم علي بن عیسی (یاقوت، 5/160)، و نشر سوردل رسالة له (ص 90-80). و یتضح من توقیعانه التي تربو علی 30,000 (ظ: یاقوت، 14/72) أنه کان رجلاً بلیغاً وفصیحاً له باع طویل في الأدب العربي (علی سبیل المثال أبوحیان، البصائر، 2/56، 65، 768، المقابسات، 221، 237).

6. أبو القاسم عیسی بن علي بن عیسی بن داود بن الجراح

(302-391هـ/ 914-1001م)، راوٍ و أدیب و عارف بعلم المنطق و دیواني مشهور و هو ابن الوزیر الذي سبق ذکره آنفاً، لاتتوفر معلومات عن أساتذته في الفقه و الأدب، و لکنه درس المنطق عند یحیی بن عدي (القفطي، 163) و برع فیه (ابن الندیم، 143). و کانت له منزلة سامیة في الحدیث و الروایة، حیث اعتبر «ثبت السماع و صحیح الکتاب» (ابن الجوزي، 7/218) و وصفه الذهبي (تذکرة، 3/1023) بأنه «مسند بغداد». و أخذ الحدیث عن أبي القاسم عبدالله بن محمد البغوي و أبي بکر بن أبي داود السجستاني و یحیی بن محمد بن صاعد و غیرهم، وروی عنه الأزهري و حسن بن محمد الخلّال و أبو عبد الله الصیمري و أبو القاسم التنوخي (الخطیب، 11/179)، و حضر أمالیه في الحدیث أشخاص کأبي بکر محمد بن موسی الخوارزمي و غیره (الروذراوري، 397-398). و من الجدیر بالملاحظة أن محدّثاً في مثل هذه المانة، کان یهتم بعلوم لاترتبط مباشرة بالشریعة، بل کان یعد من أعلامها (الشهرزوري، 2/150؛ ابن الندیم، ن.ص). و ربما کان هذا هو السبب في سعي جماعة من الذین کتبوا حول الحفاظ و الوراة أن ینفوا عنه اشتغاله بالفلسفة (علی سبیل المثال الذهبي، میزان، 3/308). و کان عیسی بن علي ممن یحضرون مجلس الوزیر ابن سعدان یتعاطی البحث في المسائل العلمیة المختلفة. وقد أعد أبوحیان، الذي کان صدیقاً له و نقل کثیراً من آرائه الفلسفیة، تقریراً عن إحدی هذه الجلسات (المقابسات، 85). ومع ذلک فقد اعتبره بخیلاً في تعلیم علومه (الإمتاع، 1/36-37)، في حین أن القفطي (ن.ص) و الشهرزوري (ن.ص) قد تتحدثا عن تدریسه و عن طلابه الکثیرین.
واشتغل عیسی بنعلي مدة کاتباً للخلیفة الطائع في دیوان الرسائل (ابن الجوزي، 7/217 و نقل کل من الصابي (الوزراء، 357، 374، 376) و التنوخي (1/206) اللذین کانا معاصرین و مصاحبین له روایات عنه حول الأحداث السیاسیة علی عهد أبیه علي بن عیسی.
وکان القفطي (ن.ص) قد رأی نسخة من کتاب السماع الطبیعي بشرح یحیی بن عدي الذي کان عیسی بن علي قد قرأه یحیی و کتب علیه الحواشي. کما یقال إنه له کتاباً في اللغة الفارسیة (ابن الندیم، ن.ص). و یتضح من هذا أنه کان ملماً بالفارسیة. و توجد بضع أوراق من القسم الثاني من أمالیه في مکتبة تشستر بیتي (آربري، II/ 908-109).
وقد صلّی القاضي أبو عبیدالله الضبي علی جنازته، و دفن في بیته (الروذراوري، 397؛ ابن الجوزي، 7/219).

المصادر

ابن الأبّار، محمد، إعتاب الکتّاب، تقـ صالح الأشتر، دمشق 1380هـ/1960م؛ ابن أبي أصیبعة، أحمد، عیون الأنباء، بیروت، 1377هـ/1957م؛ ابن الأثیر، الکامل؛ ابن الجراح، محمد، الورقة، تقـ: عبدالوهاب عزّام و عبدالستار أحمد فراج، القاهرة، 1953م؛ ابن الجوزي، عبدالرحمن، المنتظم، حیدرآبادالدکن، 1357هـ/ 1938م؛ ابن حزم، علي، جمهرة أنساب العرب، بیروت، 1403هـ/1983م؛ ابن خلّکان، وفیات ؛ ابن شاکر الکتبي، محمد، فوات الوفیات، تقـ: إحسان عباس، بیروت، 1972م؛ ابن الندیم، الفهرست؛ أبوحیان التوحیدي، علي، أخلاق الوزیرین، تقـ: محمدبن تاویت الطنجي، دمشق، 1965م؛ م.ن، الإمتاع و المؤانسة، تقـ: إبراهیم الکیلاني، دمشق، 1385هـ/ 1965م؛ م. ن، المقابسات، تقـ: محمد توفیق حسین، بغداد، 1970م؛ أبوعلي مسکویه، أحمد، تجارب الأمم، تقـ: هـ. ف. آمدروز، القاهرة، 1332هـ/1914م؛ التنوخي، محسن، الفرج بعد الشدة، تقـ: عبود الشالجي، بیروت، 1398هـ/1978م؛ الثعالبي، عبدالملک، تحفة الوزراء، تقـ: حبیب علي الراوي و ابتسام مرهون الصفار، بغداد، 1977م؛ الجهشیاري، محمد، الوزراء و الکتّاب، تقـ: عبدالله الصاوي، القاهرة، 1357هـ/1938م؛ الخطیب البغدادي، أحمد، تاریخ بغداد، القاهرة، 1349هـ/1930م؛ الذهبي، محمد، تذکرة الحفاظ، حیدرآبادالدکن، 1333-1334هـ؛ م.ن، سیر أعلام النبلاء، تقـ: شعیب الأرنؤوط و إبراهیم الزیبق، بیروت، 1404هـ/1984م؛ م. ن، العبر، تقـ: أبو هاجر محمد السعید بن بسیوني زغلول، بیروت، 1405هـ/1985م؛ م. ن، میزان الاعتدال، تقـ: علي محمد البجاوي، القاهرة، 1383هـ/1962م؛ الروذراوري، محمد، ذیل تجارب الأمم (ظ: همـ، أبوعلي مسکویه)؛ السخاوي، محمد، الإعلان بالتوبیخ، تقـ: فرانتزروزنتال، بغداد، 1382هـ/1962م؛ الشهرزوري، محمد، نزهة الأرواح وروضة الأفراح، تقـ: خورشید أحمد، حیدرآبادالدکن، 1396هـ/1976م؛ الصابي، هلال، رسوم دارالخلافة، تقـ: میخائیل عواد، بغداد، 1383هـ/1963م؛ م.ن، الوزراء، تقـ: عبد الستار أحمد فرّاج، القاهرة، 1958م؛ الصفدي، خلیل، الوافي بالوفیات، تقـ: س. دیدرینغ، دمشق، 1952م؛ الصولي، محمد، أخبار الراضي، تقـ: هیورث دن، القاهرة، 1935م؛ الطبري، تاریخ؛ عزام، عبدالوهاب، مقدمة علی الورقة (ظ: همـ، ابن الجراح)؛ العش، یوسف، تاریخ عصر الخلافة العباسیة، تقـ: محمد أبو الفرج العش، بیروت، 1387هـ/1967م؛ العیون و الحدائق، تقـ: نبیلة عبد المنعم داود، النجف، 1392هـ/1972م؛ فرّاج، عبد الستّار أحمد، مقدمة علی الوزراء (ظ: همـ، الصابي)؛ فروخ ، تاریخ الأدب العربي، بیروت، 1401هـ/1981م؛ القرطبي، عریب، صلة تاریخ الطبري، تقـ: دي خویه، لیدن، 1897م؛ القفطي، علي، إخبار العلماء، تقـ: محمد الخانجي الکتبي، القاهرة 1326هـ/ 1908م؛ القلقشندي، أحمد، صبح الأعشی، القاهرة، 1383هـ/1963م؛ کحالة، عمررضا، معجم المؤلفین، بیروت، 1957م؛ ماهر حمادة، محمد، الوثائق السیاسیة و الإداریة، بیروت، 1406هـ/1986م؛ المرزباني، محمد معجم الشعراء، تقـ: عبدالستار فراج، القاهرة، 1960م؛ المسعودي، علي، مروج الذهب، تقـ: یوسف أسعد داغر، بیروت، 1385هـ/1965م؛ الهمداني، محمد، تکملة تاریخ الطبري، تقـ: البرت یوسف کنعان، بیروت، 1961م؛ هندوشاه بن سنجر، تجارب السلف، تقـ: عباس إقبال، طهران، 1357ش؛ یاقوت، الأدباء؛ الیغموري، یوسف، نورالقبس المختصر من المقتبس، تقـ: رودلف زلهایم، قیسبادن، 1384هـ/1964م؛ وأیضاً:


Arberry; EI2; GAL, S; Sourdel, Dominique, «Une lettre inédite de Ali b. Ϊsā, Arabica, 1956, vol. III.
صادق سجادي

الصفحة 1 من2

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: