آسیا الصغری، الاسم القدیم للجزء الآسیوي من ترکیا.

تسمیتها

وردت أسماء أخری لهذه المنطقة في المصادر المختلفة هي الأناضول و لاد الروم و رومیة الصغری والروم الشرقیة (بیزنطیة). وآسیا الصغری اسم أطلقه الیونانیون علی الجزءالآسیوي من بلاد ترکیا الحالیة. وقد طرحت أراء مختلفة حول کلمة آسیا. فکانوا یعتقذون قدیماً بأن لفظة آسیا مفتبسة من اسم آسیة زوجة برومتئوس و اُمّه أو من اسم آسییس بن ‌کوتیس، ویری البعض أنهامشتقة من لفظة عبریة مماثلة تعني «البلاد المرکزیة» أو«البلاد الحانبیة» أومن الکلمة الاشوریة «اسو» بمعنی المَشرق (پاولي، مادة Asia Minor). وکان الیونانیون یطلقون علی شبه جزیرة الأناضول آسئوس أو آسیا. وأطلقوا علیها آسیا الصغری بعد معرفة قارة آسیا الکبری. وقد جاءت لفظة الأناضول التي یلفظها الأتراک «آنادولو» عن الکلمة الیونانیة «آناتوله» التي تعني المَشرق أو مطلع الشمس.

وتعني الأناضول التي وردت في المصادر الاسلامیة بلفظ الناطلوس (ابن خرداذبه، 107)، والناطلیق (قدامة بن جعفر، 257)، و ناطلیق (حدود العالم، 184)، وناطوس (باطوس) (ابن خلدون، 1/137) الشرق، وکانت أکبر مناطق الروم. کما ذکرت آسیا الصغری في المصادر الاسلامیة باسم بلاد الروم أو الروم، وهو الاسم الذيکان یطلقه المسلمون علی بلاد الروم الشرقیة المسیحیة أو الامبراطوریة البیرنطیة. وأطلق العرب فیما بعد اسم الروم أیضاً علی أراضي آسیا الصغری التي أصحبت جزءاً من البلاد الاسلامیة بعد استیلاء السلاجقة علیه في القرن 5ھ/11م.

طبیعتها الجغرافیة

الحدود والموقع الجغرافي

تبلورت الحدود الجغرافیة لآسیا الصغری شیئاً فشیئاً علی مدی التاریخ. ویدل علی تباین سعة رقعتها خلال العصور المختلفة إطلاق أسماء الأناضول والروم الشرقیة و بیزنطة أو بلاد الروم علیها. ففي العصر البیزنطي کانت الأناضول منطقة عسکریة في غرب شبه جزیرة آسیا الصغری، وبعبارة أخری کانت تطلق علی منطقتي قونیة وعموریة الاداریتین. وقد حدّد الاصطخري (ص 7) بلاد الروم بالبحر المحیط من الغرب والجنوب، وأعمال الصین من الشمال ودیار الاسلام من الشرق. وبناءً علی روایة حدود العالم (184) فقد کانت بلاد الروم تتکون من 14 ولایة، تقع 3 منها غربي القسطنطینیة أي في الجزء الأوروبي الحالي و 11 منها شرقیّها أي في الجرء الآسیي. ویری حمدالله المستوفي (ص 94) أن بلاد الروم تضم 60 مدینة تمتد حدودها الی ولایات جیورجیا و أرمینیا و سیس والشام وبحر الروم. وفي أوائل العصر العثماني أُطلقت لأناضول علی الولایات الواقعة في الجزء الآسیوي و کانت تشمل الأجزاء الشمالیة والغربیة لشبه الجزیرة إضافة الی أراضي أرمینیا وبین النهرین العلیا آنذاک. وقد ورد في المصادر الجغرافیة التي تتناول دراسة البلدان علمیاً کـ «علوم الأرض» لـ «هارمز» أنّ آسیا الصغری (الأناضول وأرمینیا) هي عبارة عن بلاد الأناضول، أي الجزء الآسیوي من ترکیا مع جزء من أرمینیا، والتي تفصل حدود ترکیا الحالیة عن البلدان المجاورة، والأناضول عند الأتراک تعني ذلک الجزء من بلادهم والذي یضم هضبة أرمینیا أیضاً والواقع شرقي مضیقي البوسفور والدردنیل.

تنطبق الحدود الجغرافیة والاقلیمیة لآسیا الصغری علی الأناضول أکثر منها علی الروم الشرقیة أو بیزنطیة، وذلکَ لأن لآسیا الصغری والأناضول مفهوماً إقلیمیا وجغرافیاً بینما للروم الشرقیة وبیزنطیة أورومیة الصغری مفهوماً سیاسیاً، حیث کانت تطلق علی الحکومات التي کانت تسیطر علی جمیع أو جزء من تلک المناطق الجغرافیة. تقع آسیا الصغری بین خطي العرض   شمالاً و خطي الطول   شرقاً. ویبلغ أکبر طول لها، من بحر إیجة الی الحدود الشرقیة، حوالي 1800کم، وأکبر عرض لها من سواحل البحر الأسود الی البحر المتوسط، حوالي، 700کم. وتشمل آسیا الصغری الحالیة التي تبلغ مساحتها 576/756کم2 القسم الأعظم (حوالي 97%) من الأراضي الترکیة التي تقدر مساحتها بـ 587/780کم2. و یحیط بشبه الجزیرة هذه من الشمال البحر الأسود وبحر مرمرة، ومن الغرب بحر إیجّه، ومن الجنوب البحر المتوسط. ویفصلها عن الجزء الأوروبي من ترکیا وبالتالي عن أوروبا کل من مضیق البوسفور و مضیق الدردنیل و بحر مرمرة. أما حدودها البرّیة فایران من الشرق، وجمهوریتا أرمینیا و جیورجیا السوڤیتیتان من الشمال الشرقي، والعراق و سوریة من الجنوب. وقد أثر هذا الموقع الجغرافي علی ظروف البیئة الطبیعیة کالمناخ والنباتات وشبکة المیاه؛ کما أثر علی المظاهر الحیاتیة والمعیشیة کنوع السکن والنشاطات الاقتصادیة و توزیع المجتمعات القوریة والمدنیة وشبکة المواصلات والترکیب الاجتماعي وکذلک المظهر القومي والثقافي. ونتیجة لهذا الموقع فقد أضحت آسیا الصغری ملتقی لثقافة الشرق القدیمة الغنیة والثقافة الأوروبیة القدیمة والحدیثة منها، وتتجلی نتائج هذا الاحتکاک الحضاري في العلاقات القومیة واللغویة والدینیة والفنیة. وقد أدت أهمیة المواصلات الناجمة عن هذا الموقع الجغرافي الی أن یُطلق علیها «منطقة العبور».

التضاریس: کانت شبه جزیرة آسیا الصغری متصلة بأوروبا في یوم ما، ولکن ذلک الاتصال انقطع في العصر الجیولوجي الرابع إثر حدوث صدع في بحر إیجة واجتیاج المیاه لوادي نهري البوسفور والدردنیل. وتنتشر الجبال في الأقسام الشمالیة والجنوبیة من آسیا الصغری، ویزداد ارتفاعها من الغرب الی الشرق. وقد أثرت طبیعة هذه التضاریس علی مسار بعض الأنهار فجعلتها من الشرق الی الغرب. و تقسم بیئة آسیا الصغری الطبیعیة من حیث الترکیب والتضاریس الی 4 مناطق هي: المنطقة المتموّجة الشمالیة والهضبة الوسطی أو الداخلیة لآسیا الصغری (الأناضول) والمنطقة المتموجة الجنوبیة، وبالتالي امتداد درع الجزیرة العربیة (گودرزي نژاد، 9).

تحیط بشبه جزیرة آسیا الصغری من الشمال والجنوب سلسلتان جبلیتان متموجتان. فمن الشمال جبال بونتوس التي یطلق علي امتدادها الغربي جبال بیتیني (بیتینیا)، ومن الجنوب جبال طوروس التي تکوّن التضاریس الجبلیة. یطلق علی الجزء الشمالي الشرقي من جبال طوروس الذي ینتهي عند هضبة أرمینیا آنتي طوروس. ویبلغ ارتفاع الکثیر من قمم هذه الجبال أکثر من 3000م. أما جبال أرارات فتقع في شمال شرقي آسیا الصغری و علی الحدود المتاخمة لایران وأرمینیا السوڤیتیة. وتسمی هذه الجبال باللغة الأرمنیة ماسیس وبالترکیة آغري داغ ولها قمتان الأولی أرارات الکبری ویبلغ ارتفاعها 5156م والثانیة أرارات الصغری ویبلغ ارتفاعها 3914م. وقد ورد اسم القمتین في المصادر الاسلامیة باسم الحارث والحویرت (قدامة بن جعفر، 232).

وتوجد في أطراف المناطق الشمالیة والجنوبیة لآسیا الصغری أراض منخفضة و سهلیة. تضیق عند سواحل البحر الأسود  تتسع عند مصب نهري قزل إیرماق ویشیل إیرماق، بینما توجد عندالسواحل الجنوبیة وخاصة عند سواحل خلیجي أنطالیة والاسکندرونة أراضٍ سهلیة واسعة وخصبة، ومن بینها سهل جوکوروڤا الذي تقع فیه مدن أدنة ومرسین وطرسوس.

یتباین ارتفاع الهضبة الوسطی، حیث یبلغ معدل ارتفاعها في الغرب 800م و یزداد حتی یبلغ في الشرق 1200م. وتتکون من هذه الهضبة عدة آحواض داخلیة تقع مدینة أنقرة في إحداها. وتغطي بحیرات الملح قسماً من سطح الهضبة الوسطی. وهذه البحیرات هي بقایا بحر کبیر نسبیاً کان قدیماً یغمر هذه المنطقة. وأهم هذه البحیرات هي طوزجولو أو بحیرة الملح حیث تصل ملوحتها الی 32% وکذلک آق شهر، وبي‌شهر، وآغریدیر، وتتمیز جمعیها بمیاهها المالحة.

ولاتعتبر المنطقة الجنوبیة الشرقیة من ترکیا الحالیة مرتفعة اذا ماقیست بالمناطق الجبلیة. ویفصل بین هذه الهضبة الصلبة والمنطقة الشمالیة خط یمر عبر أنطاکیة ودیار بکر و سورت.

المناخ

یتمیز مناخ آسیا الصغری بتنوع کبیر بسبب الموقع الجغرافي وطبیعة التضاریس. فمناخ الهضبة الوسطی التي تحیط بها الجبال، قاريّ. أي حارجاف صیفاً وباردشتاءً کما یرتفع معدل هطول الأمطار والصقیع شتاء في الهضبة کلما ازداد ارتفاعها، أي کلما اتجهنا من الغرب الی الشرق، ویهبط بنفس النسبة المعدل الشهري والسنوي اللحرارة في هذا الاتجاه. وتعتبر سواحل البحر الأسود أکثر نقاط آسیا الصغری مطراً. وتتمیز بهواء معتدل فیما تزداد الحرارة علی طول الساحل من الغرب الی الشرق، ویبلغ سقوط الأمطار ذروته في فصل الشتاء، ولکن الصیف لایتمیز بجفاف کامل. ویزید هطول الأمطار في السفوح المطّلة علی الشمال الغربي مثل ریزة، وزونعولداغ عمّا في السفوح المطلّة علی الشمال الشرقي مثل سامسون وذلک لهبوب الریاح الشمالیة الغربیة. وبصورة عامة فان مناخ سواحل البحر الأسود معتدل ورطب ولاتختلف معدلات درجات الحرارة بین الصیف والشتاء کثیراً. وتمتاز سواحل بحر إیجة والبحر المتوسط، بصیف جاف وطویل نسبیاً وشتاء غزیر الأمطار. کما تتمتع السواحل الجنوبیة وخاصة المناطق السهلیة منها بصیف حار، وتهب في الشتاء والربیع ریاح باردة تعمل علی تلطیف الجو.

شبکة المیاه

تتکون شبکة المیاه في آسیا الصغری من بعض الأنهار الکبیرة والصغیرة وتنبع کلها من الهضبة الوسطی و تجري بهدوء في الأجزاء العلیا بسبب استواء سطح الأرض، ثم ترداد سرعتها عند أطراف الهضبة وتصب في أحواض داخلیة وخارجیة. وفي آسیا الصغری 6 أحواض: 1. حوض البحر الأسود مع أنهار قزل إیرماق، ویشیل ایرماق، و ساکاریا؛ و فیلیوس؛ 2. حوض بحر مرمرة مع نهر سیماڤ؛ 3. حوض بحر إیجة مع أنهار مریج، وإرکِنة، وبکر، ومِندِرِس أو میاندِر؛ 4. حوض البحر المتوسط مع أنهار کوجا، ودالامان، وآق‌سو، وگوگ‌سو، وسیحان، وجیحان؛ 5. حوض دجلة والفرات حیث تتجمع فیه روافد دجلة والفرات اللذین یصبان في الخلیج‌الفارسي؛ 6. الأحواض الوسطي مثل ڤان، وتوز جولو، وقونیة.

النباتات

تبلغ مساحة غابات آسیا الصغری حوالي 5/10 ملیون هکتار، منها 5/6 ملیون هکتار تغطیها أشجار إبریة الأوراق. أما الغابات الممتدة علی سواحل جبال طوروس وبونتي فذات أشجار عریضة الأوراق علی الأغلب مثل الدُلب، والجوز، والبلوط. وتنمو في سواحل بحر إیجة والبحر المتوسط بصورة عامة الأنواع النباتیة والأشجار الخاصة بمنطقة البحر المتوسط. وأغلب أشجار و سواحل البحر الأسود هي من النوع الأوروبي مثل الصنوبر والمرّان. وقد بدأت کثافة النباتات تقل في المنطقة الوسطی من آسیا الصغری لتحل محلها نباتات الأدعال المناسبة للجفاف.

تاریخها

عصر ماقبل التاریخ والعصر القدیم: کانت الهضبة الوسطی لآسیا الصغری والسهول الساحلیة وشواطئ وادي نهر هالیس (قزل إیرماق) والفرات موضعاً لسکنی الانسان القدیم منذ الماضي البعید. وتفید التنقیبات الأثریة حول سهل قونیة الخصب عن وجود حضارة عریقة في العصر الحجري الحدیث. ویبدو أنّ أول قوم استوطنوا آسیا الصغری هم قوم لوڤي (دولاندلن، 1/43). وربما هم نفس تلک الأقوام التي کانت تعیش في العصر الحجري الحدیث في أماکن من منعطف نهر هالیس وأمتهم کتب التاریخ بأقوام ماقبل الحثّیین (مشکور، 32). وقد نشأت حضارة الحثّیین في العصر البرونزي الأوسط فسکنوا وهم من الأقوام الآریة حوالي عام 2000 ق.م في آسیا الصغری (دولاندلن، 1/43).

وقد وصلت حضارة الحثّیین وقدرتهم الی دروتها في القرنین 14 و13 قم.م. واتخذوا من مظاهر الطبیعة آلهة لهم. وحکموا هذه المنطقة حتی القرن 8 ق.م؛ ویُلاحظ من بین أسماء آلهتهم أسماء آلهة ایرانیة و هندیة أیضاً (شي یرا، 126). و بعد أن أسس الحثیّون دولتهم اتخذوا مدینة هاتوسا عاصمة لهم و عملوا علی توسیع نفوذهم، ولکن ظهور دولة میناني الجدیدة حال دون تقدمهم في الجزء الجنوبي مدةً من الزمن. ولم تکن حضارتة الحثّیین أقل أهمیة من حضارات مصر ومابین النهرین وإیجة. وقد عثر في عام 1304ھ/1887م في (تل العَمارِنة) بمصر علی ألواح حجریة بالخط المسماري وباللغة البابلیة. تشیر إلی العلاقات القائمة بین مختلف مدن الشام ومابین النهرین وجزیرة قبرص. کما عثر علی مجموعة من القوانین تتعلق بهم وتنص علی لوائح حقوقیة خاصة في المیادین الاجتماعیة والاقتصادیة والتجاریة والجزائیة والآداب والأخلاق. وقد استولی الفریجیون الذین قدموا من تراقیا في القرن 12ق.م، علی جمیع الأجزاء الوسطی لآسیا الصغری. وادّی غزو الفریجیین لهذه المنطقة الی سقوط الامبراطوریة الحثیّة. ولکن بعض الدویلات الحثّیة بقیت في سوریة حتی القرن 8 ق.م. وقد حکم آسیا الصغری خلال الفترة التی أعقبت سقوط الامبراطوریة الحثیّة وتأسیس مملکة لیدیا أقوام مختلفة. وتمکنت حکومة لیدی في عهد الملک جیجس أول ملوک سلالة مرمناد من الحصول علی ثروة طائلة عن طریق تطویر التجارة. وقد وسع الملوک الذین خلفوه حدود لیدیا من الشرق، وأصبحت لهم حدود مشترکة مع المیدیین واعتبر نهر هالیس الحد الفاصل بین الدولتین. وأدی استخراج الذهب من باکتول الی ازدیاد ثروة‌الدولة اللیدیة وقدرتها. ویبدو أن اللیدیین ابتکروا سک النقود. وکان الملک کریسوس آخر ملوک لیدیا، قد أقام لنفسه بلاطاً مهیباً في عاصمته سارد (ساردیس)، ولکن اللیدیین ورغم ماکانوا یمتلکونه من قدرة وثروة، لم یستطیعوا الصمود امام الأخمینیین فسقطت حکومتهم في عام 546 ق.م. علی ید کورش. بعد أن استولی الأخمینیون علی آسیا الصغری قاموا بتوسیع و ترمیم طریق «شاهي» المعروف. والذي یربط بین مدینة سارد (ساردیس) وایران. وقد استمر حکمهم لآسیا الصغری مدة 200 عام. وقسموا البلاد الی عشر مقاطَعات لیسهل علیهم ادارتها وهي: 1. لیدیة (لیدیا)، 2. إیونیة (ایونیا)، 3. کاریة (کاریا)، 4. میسیة (میسیا)، 5. فریجیه (فریجیا)، 6. کابادوکیة (کابادوکیا)، 7. بافلاجونیة (بافلاجونیا) 8. بیتینیة (بیتینیا)، 9. لیکیة أو لیسیه (لیکیا أولیسیا أولوکیا)، 10. سوریه (سوریا). وکانت تتمتع هذه المقاطعات باستقلال نسبي. وقد عمل الیونانیون – الذین کان یسؤوهم سیطرة الایرانیین علی آسیا الصغری – باستمرار علی تحریض سکان هذه الأقالیم للقیام ضد ایران. وأدت هذه التحریضات بالنهایة الی نشوب الحروب المیدیة، حیث هاجم خلالها کل من داریوش و خشایارشا الیونان. وأصبحت آسیا الصغری مدة قرنین من الزمن میداناً للصراع بین ایران و الیونان، وأخیراً استطاع الاسکندر المقدوني احتلال آسیا الصغری بعد أن هزم الأخمینیین في عام 334 ق.م. وقسمت تلک البلاد الی حکومات یونانیة مستقلة ومسوطنات للأهالي القدامی اهمها پرغامون حیث کانت مرکزاً للثقافة الهیلینیة.

ولم تستمر سیطرة الیونانیین علی شبه جزیرة آسیا الصغری طویلاً حیث زحف الغلاطیون في القرن 3 ق.م من شمال البلقان علی آسیا الصغری و استقروا فیها واستمر حکم السلوقیین علی مناطق شرقي آسیا الصغری حتی انتصار الروم في عام 190م.

عصر الامبراطوریة الرومانیة الشرقیة أو البیزنطیة

انفصلت الامبراطوریة البیزنطیة في 395م عن الامبراطوریة الغریة وکانت قاعدتها بیزنطة. وکان قسطنطین الکبیر أول امبراطور تخلّی عن العقیدة الیونانیة واعتنق المسیحیة، واعترف رسمیا بالدیانة المسیحیة إثر اتفاقیة میلانو، عام 313م (الیعقوبي، 1/186). وفي380م أعلن تیودوسیوس الأول المسیحیة الأرثوذکسیة دیناً رسمیاً للامبراطوریة. وکانت آسیا الصغری في عصر الروم من مناطق العالم القدیم العامرة والمکتظّة بالسکان و توجد فیها مدن کبیرة وغنیة، کما کانت مسرحاً للصراعات بین الأشکانیین والساسانیین. وقد أحدث الروم شبکة منظمة من الطرق والنُزل ربطت المدن بعضها ببعض وازدهرت الزراعة نتیجة لوجود شبکة منظمة للري، وتمتع التجار برخاء نسبي. وقد تأثر سکان آسیا الصغری خلال حکم الروم، والی ماقبل انتشار الاسلام،بالثقافة الیونانیة. وکانت الیونانیة واللاتینیة لغة المثقفین الرسمیة والاداریة؛ أما عامة الناس فکانوا یتکلمون باللغات اللیکیة، والغلاطیة، والفریجیة. وقد أدی تقسیم الامبراطوریة الرومانیة الی تضاؤل أهمیة طریق مصر التجاري وتحوّل الاهتمام نحو طریق الدول الآسیویة البري مثل الهند والصین والمؤدي الی آسیا الصغری والبوسفور عبر ایران وأفغانستان، وقد اقتصرت تجارة الحریر علی ایران شیئاً فشیئاً (کرزن، 2/631). واستطاعت الامبراطوریة البیزنطیة – التي کانت مزیجاً من الأنظمة الرومانیة والثقافة الیونانیة – الهیلینیة والدیانة المسیحیة – أن تحکم آسیا الصغری أکثر من 10 قرون. وأثرّت المسیحیة خلال هذه الفترة علی جمیع الجوانب الثقافیة، والفنیة، والأدبیة. کما أدی التأثیر السلجوقي ومن ثم تأسیس الامبراطوریة العثمانیة إلی التمهید لنشر الثقافة الاسلامیة هناک.