آچة [آتشه]، آتجه، أتجین، أتجیه، أتشه، آچن، آشي، اتشم، آچین، (اشن) تقع في أقصی القسم الشمالي من جزیرة سومطرة بأندونیسیا، و تعد أول قاعدة إسلامیة في مجموعة جزر جنوبي شرق آسیا حیث انطلق الاسلام منها إلی کافة أرجاء أندونیسیا - أکثر البلدان الاسلامیة في العالم نفوساً -. وتعتبر آچة الیوم إقلیماً یتمتع بحکم ذاتي في أندونیسیا بعد أن کانت في الماضي دولة إسلامیة قویة.

سبب التسمیة

هناک أسطورة شائعة علی ألسنة الناس حول سبب تسمیتها، فیقال إن عدداً من التجار الهنود داهمتهم أمطار غزیرة أثناء دخولهم إلی هذه البلدة فاستظلوا بأشجار ضخمة وصرخوا لفرحتهم آچاخ، أي یا للروعة و منذ ذلک الوقت جرت کلمة آچة علی ألسنة الناس واتخذت صوراً مختلفة علی مرالزمن (تورین، 16).

طبیعتها

معظم أراضي آچة جبلیة تنتهي في أقصی شمالها بسهل ساحلی ضیق نسبیاً. و تبدأ سلسلة جبال بارسیان الشاهقة التي تمتد علی شکل سنامٍ من منطقة آچة إلی جمیع أنحاء جزیرة سومطرة. و لهذه السلسلة 35 قمة في آچة أهمها لوزر (3466 م) و أبونع أبونغ (3015 م). و یتکون من میاه هذه الجبال 73 نهراً صغیراً وکبیراً تصب في البحار المجاورة. أما السهول الساحلیة في آچة فهي قلیلة التضاریس ومستویة لاسیما عند مصبات الأنهار الشمالیة و هي أراض صالحة للزراعة، و تغطي الأهوار والمستنقعات 8% من أراضیها (هورجونو، 79).

و مناخ آچة إستوائي حار، تتساقط علیها الأمطار خلال فصلین من فصول السنة (الخریف و الربیع). و تختلف کمیة الأمطار السنویة المتساقطة حیث تتراوح بین 150-200 سم في السواحل الشمالیة و الشرقیة، و تصل حتی 400 سم في الغرب و الجنوب، کما تتساقط أکثر الأمطار فیها في شهري تشرین الأول و تشرین الثاني. أما الفصل الجاف نسبیاً فیشمل الفترة الواقعة بین شهري حزیران و أیلول (تورین، 13). و تغطي الغابات الخاصة بالمناطق الاستوائیة الحارة و الرطبة غالبیة أراضي آچة حیث تعد منتجاتها من مصادر الثروة فیها. و تعیش في هذه الغابات حیوانات کالدببة و الفیلة و النمور و أنواع القردة مثل گیبون و أورانغ أوتان. (هورجونو، 79).

آچة الکبریٰ و ظروفها الاجتماعیة

یطلق اسم آچة علی المنطقة الواقعة في الشمال الغربي من جزیرة سومطرة التي یمر منها نهر آچة، و فیها میناء باسمها. و قد سمی الهولندیون (الذین استعمروا آچة فترة من الزمن) هذه المنطقة بـ «آچه الکبری»، کما أطلقوا تسمیة کوتاراجه (قلعة الأمیر) علی عاصمتها، و اعتبروا بقیة المناطق الواقعة في السواحل الغربیة و الشمالیة و الشرقیة لسومطرة تابعة لها (دانشنامۀ ایران و اسلام [دائرة‌المعارف الاسلامیة، مادة آچة]).

لیس لدینا معلومات دقیقة عن أصل سکان آچة، سوی أنهم یختلفون في السمات الظاهریة عن باقي سکان سومطرة فهم أقصر قامة و أکثر سمرة. یبدو أنهم خلیط سکاني من الباتیین و الملایوئیین و الچولیین و بعبارة أخری من سکان غربي الهند (آسیاتیکا).

و ینتسب أهالي آچة في لغتهم إلی الأقوام المالیزیة – الپولینزیة، إلا أن الرقیق (من جزیرة نیاس وغیرها) و الأجانب کالتجار الهنود قد ترکوا بصماتهم علی التکوین السکاني لأهالیها إلی حدَّما. و للّغة الآچیة لهجات کثیرة.

وکان أهالي آچة في الماضي ینقسمون إلی أربع قبائل، وما تزال آثار هذا التقسیم السکاني واضحاً للعیان. فأفراد کل قبیلة أو عائلة (و تسمی في اللغة الآچیة: کووم = القوم بالعربیة) یعتقدون بانتمائهم إلی جد واحد ویتمتعون ببعض الحقوق و الواجبات المشترکة في حالات القصاص و دفع الدیات؛ وحیثما استوطنوا اختاروا رئیساً لرعایة مصالحهم.

ویعد شیخ القریة في آچة عمدتها، حیث یقوم باستشاره کبار القوم عند الضرورة. و یقوم بالفرائض‌الدینیة فیها کإمامة صلاة الجماعة «التوِنکوموناساه». و لقب توِنکو یختص بالذین یتولون القضایا ‌الدینیة و لهم إلمام بالأحکام الشرعیة. وکانت آچة في الماضي منقسمة إلی عدة نواح صغیرة، حیث کان رؤساؤها بالوراثة یتمتعون بلقب أوله بالانغ او القائد العام و کانوا في حالة حرب مستمرة فیما بینهم، إلا أنهم جمیعاً کانوا خاضعین لأمیر آچة باعتباره الاله المشترک لهم. وکان یطلق علی أمیر آچة في الوثائق الرسمیة المالیزیة السلطان، إلا أن أهالي آچة کانوا یطلقون علیه عادة اسم راجه أو پوتو (إلهنا). أما السلاطین و-أقاربهم الذکور فکانوا یلقبون بـ «توانکو»؛ و یلقب أقارب أوله بالانغ من الرجال بـ «تئوکو» (دائرة‌المعارف الاسلامیة).

و کان أمراء آچة یفرضون إلأتاوة والضرائب علی المناطق الساحلیة المجاورة، کما کانوا یفرضون علی العاصمة ضرائب المیناء، و کانت قدرة بلاطهم و  رفعته و عظمته و ثروته تعتمد عل هذه الموارد المالیة. و قد استقطبت آچة في فترات ازدهارها و عمرانها وعظمة بلاطها العلماء و الأدباء الأجانب من الهند و مصر و الشام و أقاموا فیها (ومنهم نجل ابن حجر الهیتمي) (ن. م). کما کان بحارة آچة الشجعان یعدون أسیادالبحر بلامنازع، ولایستطیع أحد ان یعارضهم فیما یفرضون من أتاوات. أما المقاطعات الداخلیة فلم تحظ باهتمام الأمراء، وبالتالي فقد کان نفوذ السلطان یقتصر علی النواحي المتصلة بالعاصمة.
وفي أواخر القرن 11ه/17م قام الأوله بالانغیون قادة آچة الکبری بتأسیس اتحاد ثلاثي في المراکز الثلاثة لآچة الکبری التي کانت علی شکل مثلث أطلق علی کل منها اسم ساگي (ضلع) و ذلک للمحافة علی مصالحهم المشترکة، و لکل مقاطعة حاکم یعی پانگلیما ساگی. وکان هؤلاء الحکام ینتخبون السلطان الذي کان ینحدر عادة من العائلة المالکة. و یلاحظ أحیاناً ان الأجانب کانوا ینتخبون کسلاطین أیضا. وکان یتم تعیین کل أوله بالانغ (قائد المقاطعة) بمرسوم سلطاني.

الاسلام في آچة

کانت العلاقات التجاریة قائمة بین آچة و الهند منذ القدیم، کما کان للغة والحضارة الهندیة تأثیر کبیر علی لغة و أدب آچة. و قد انتشرت الدیانة الاسلامیة في سواحل آچة في الفترة ما بین 232-339ه/847-950م، و ربما تمت علی أیدي التجار الهنود، و بدأت تتأصل تدریجیا هناک (لوب، 218). و یروی أیضا أن أهالي آچة اعتنقوا الاسلام في 603ه/1207م (آسیاتیکا). وهم من السنة إلا أن المذاهب السائدة في آچة و سائر مناطق أندونیسیالها میزات خاصة یجب دراستها و ذلک بالعودة إلی أصل نشوئها في الهند. و من هذه المیزات وجود الخلاف بین التصوف و السنة (دائرة‌المعارف الاسلامیة) و ذلک لوجود بعض خصائص المذهب الشیعي في التصوف إلی درجة أنها جعلت بعض الباحثین یعتقدون بأن بعض أهالي آچة هم من أتباع المذهب الشیعي. و من الخصائص‌الدینیة عندهم أنهم یطلقون تسمیة «اَسَنُ اُسَین» علی أول شهر من السنة و هو اسم مشتق من اسمي الحسن و الحسین (ع). کما توجد صورة لسیف علي (ع) المدعوبدي الفقار علی الرایة التي غنموها من أهالي آچة في الحرب وعلی حاشیتها ما یدل علی العقائد الشیعیة (ن. م). أما حجاج آچة الذین کانوا یتشرفون بزیارة مکة المکرمة فقد کانوا یشترکون غالباً في حلقات الصوفیة للطریقتین القادریة و-النقشبندیة و غیرهما، ولدی عودتهم إلی آچة یقومون بنشر ما استلهموه من العقائد الصوفیة في هذه الحلقات (تورین، 19).

وکان لعلمائها (کلمة علماء جمع عالم في العربیة إلا أنها تستخدم في اللغة الآچیة مفردة و تعني المجتهد) مکانة في الأوساط ‌الدینیة. أما المجتهد فکان یعد حجة في الفقه و الأصول و یحظی باحترام کبیر لدی عامة الناس. و هذه الجماعة من علماء ‌الدین تتقن العربیة و تفهم نصوص الکتب ‌الدینیة الاسلامیة فهماً جیداً (ن. م، 39). و یأتي «العلماء» بعد المجتهدین، حیث کانوا یدرسون الکتب ‌الدینیة و یعتبرونها غیر القرآن. و-کانت هناک جماعة أخری تدعی لوبه أفرادها من ‌الزهاد المتعصبین في تأدیة فرائضهم‌ الدینیة. وبالاضافة إلی هؤلاء کان السادة والقضاة و خدمة المساجد (ومنهم الامام و الخطیب وبلال أي المؤذن) حیث کانوا یسمون أنفسهم «تئوگو» أو رجل دین. وکانت الحوزات و المدارس ‌الدینیة المراکز الأساسیة للتعلیم، حیث کان یدرس فیها بالاضافة إلی أبناء الأعیان و النبلاء، أبناء عامة الناس سیما أبناء الطبقات الریفیة العلیا.

أما أشهر المدارس ‌الدینیة فکانت في پیدي حیث کان یقیم فیها أشهر أساتذة‌ الدین و أعلمهم. وکانت هذه المدارس ‌الدینیة تزود الحرب، إذا ماحدثت، بأشجع المقاتلین الذین یسمون بالمسلمین، حیث کانوا یؤدون واجبهم عادة في مراکز المقاومة ضد الهولندیین (م.ن، 43).

وکما أن العلماء کانوا أرباب «الحکم»، کان الأوله بالانغیون «قادة المقاطعات» یمثلون «الأعراف و التقالید»، إلا أن الرئاسة ‌الدینیة للناحیة الخاضعة لهم کانت -  في نفس الوقت – وفقاً لـ «القانون والشریعة» بأیدیهم، ولکن العلماء کانوا یحظون باحترام أکبر.

وقد اعتبر إسنوک هور خرونیة (العالم الهولندي الذي قام بدراسات واسعة حول لغة و أدب أچة و ألف کتاباً بعنوان «الآچیون» طبع أولاً باللغة الهولندیة في عام (1894م) ثم باللغة الانجلیزیة فة (1906م) في لیدن اعتبر التعاون اللازم بین «العادة» و «القانون» هو المحور الأساس في المجتمع الآچي، غیر أن العلاقة بین هاتین الظاهرتین، علی حد تعبیره، یجب أن ینظر إلیهما وکأن «العادة» هي السیدة و «القانون» الخادم المطیع. ومتی وجد القانون الفرصة المناسبة انتقم لعبودیته من سیدته (دائرة‌المعارف الاسلامیة).

تاریخها

لیس لدینا معلومات وافیة عن تاریخ آچة قبل مطلع القرن 10ه/16م. ولاشک في أن سومطرة الشمالیة کانت منذ القدم من أرقی مناطق جزر جنوب شرقي آسیا، و آچة تقع علی الطریق البحري المهم الذي یربط بین الهند و هذه الجزر. و ربما کان ما ذکره بطلمیوس باسم تاروس، و ماجاء في المصادر الصینیة المتعلقة بالقرنین 5 و 6 م باسم یولو أو پولي یتعلق بهذه المنطقة. واستناداً إلی هذه المصادر فان حکومة پولي في شمالي سومطرة کانت تشتمل علی 136 قریة یحصد فیها الرز مرتین سنویاً. وکان سکانها یرتدون الملابس القطنیة في حین أن حکامهم کانوا یرتدون الحریریة منها. کما أن الناس کانوا آنذاک یدینون بالدیانة البوذیة (لوب، 218).

وفي القرون الأولی من عصرنا الحاضر أقامت الدولة عدة مدن علی سواحل آچة و رغم أنها کانت تابعة لامبراطوریتي فوفاني و سري ڤیجایا القویتین، إلا أنها کانت تعد من «المراکز الحضاریة المهمة» آنذاک. و یجدر الاشارة من بینها إلی میناء لاموري أو رامین الذي ذکر أیضاً في المصادر الجغرافیة الاسلامیة للقرن 3/9. کما أورد جغرافیان صینیان أیضا اسم لاموري کمرکز تجاري مهم في سومطرة (تورین، 15). و تدل جمیع هذه الوثائق و الشواهد علی وجود مراکز تجاریة مهمة في سومطرة الشمالیة.

و بعد استقرار المسلمین العرب في شمالي سومطرة، أي في آچة، اعتنق الأوله بالانغیون ‌الدین الاسلامي. ولم یعمل هذا‌الدین علی توثیق صلات هؤلاء الحکام بالتجار العرب و الهنود فحسب، بل أصبح سلاحاً عقائدیاً قویاً في الجهاد من أجل توحید الأوله بالانغیین و إیجاد مراکز تجاریة مهمة (ن. م، 16).

وفي بدایة القرن 8ه/14م تأسست دولة میناء پاسي في الشمال الشرقي من سومطرة، حیث کانت أحد مراکز التجارة و نشر العلم و الفن المهمة في منطقة مالیزیا، إلا أن هذه المکانة و الأهمیة انتقلت في بدایة القرن التالي من «پاسي» إلی «مالاکا» التي سقطت في 917ه/1511م إثر الضعوط التي مارسها البرتغالیون الذین کانوا قد قدموا المنطقة قبل سنتین من التاریخ المذکور.

وقد أدی استقرار البرتغالیین وسیاستهم القائمة علی الاحتکار التجاري في المنطقة إلی إتاحة ظروف ملائمة لتأسیس سلطنة آچة. والتي لم تکن حتی سقوط مالاکا سوی میناء لاأهمیة له یقع في کوتاراجه الحالي، ولم یکن هذا المیناء مستقلاً بل کان خاضعاً لدولة پاسِه (پاسي).

وقام البرتغالیون بمنع التجارة الحرة في جمیع الأماکن ومنها پاسِه، و کانت النتیجة أن اضطر أهالي المنطقة إلی إیجاد مرکز تجاري خاص لهم في آچة. ولم تتغلب آچة علی پاسِه في عام 931ه/1521م فحسب، بل تعلبت أیضاً علی البرتغالیین و أجلتهم من المنطقة وتحولت إلی سلطنة مستقلة. فامتازت هذه السلطنة بأنها قاعدة معادیة للبرتغالیین حیث اتحد حکامها مع التجار الهنود في النضال ضد المستعمرین البرتغالیین.

و ظهرت دولة آچة إلی الوجود في موضع لامري القدیمة. حیث کانت قاعدتها میناء دارالسلام، الواقع عند مصب نهر آچة. وکان أول سلطان لها علي مُغایَت شاه الذي استطاع السیطرة علی الأراضي المجاورة لسلطنته، أي لامبري ومنطقة بیار الواقعة بین آچة وپیدیة (بیهوئه بلغة آچة). ثم استطاع اخضاع دایا و پیدیه و پاسِه و إجلاء البرتغالیین عن سومطرة الشمالیة. و یعد علي مُغایَت شاه المؤسس الحقیقي لدولة آچة (دائرة‌المعارف الاسلامیة).

و في 937ه/1531م توفي علي مُغایَت شاه، و تولی بعده، ولداه صلاح‌الدین (937-944ه/1531-1537م) وعلاءالدین رعایت شاه المعروف بالقهار (944-979ه/1537-1571م) فبذلا جهودهما الحثیثة في سبیل تثبیت دولة آچة و استقرارها. وکان علاءالدین رعایت شاه القهار سلطاناً قویاً. استطاع أن یبني أسطولاً بحریاً قویاً وأن یوحّد حکام سواحل سومطرة ضد البرتغالیین. کما حاول عدة مرات السیطرة علی مالاکا، إلا أن البرتغالیین استطاعوا الوقوف بوجهه بعد عناء کبیر والاحتفاظ بمالاکا (تورین، 17). وفي 973ه/1563م أرسل علاءالدین رعایت شاه سفیراً إلی استانبول لیستعین بالسلطان العثماني ضد البرتغالیین، و یعلمه بأن الدولة العثمانیة إذا ما قامت بمساعدة الحکام الکافرین في جنوب شرقي آسیا للوقوف بوجه البرتغالیین، فان الکثیر من هؤلاء الحکام سوف یعتنقون‌الدین الاسلامي. و أقام سفیر آچة سنتین في استانبول و إثر جهوده اتجهت سفینتان مجهزتان بالأسلحة و-المستشارین العسکریین من الدولة العثمانیة إلی آچة. و یبدو أن هؤلاء قد  دخلوا في طاعة سلطانها و أقاموا فیها (دائرة‌المعارف الاسلامیة).

إمبراطوریة آچة

یعد النصف الأول من القرن 11ه/17م عصر ازدهار سلطنة آچة و عظمتها حیث بلغت ذروة ازدهارها أیام حکم اسکندرمودا (الشاب) (1016-1046ه/1607-1636م) الذي منح بعد موته لقب «موکاتا عالَم» أي «تاج العالم» (ن.م). ففي أیام هذا السلطان تواجد المستعمرون الهولندیون والانجلیز في المنطقة و بدأت منافسة تجاریة شدیدة بین المستعمرین الجدد والمستعمرین البرتغالیین والاسپان، استغلها الحکام المحلیون لصالحهم (تورین، 18). و بلغت آچة ذروة قوتها أیام اسکند مودا و خلیفته الاسکندر الثاني (1946-1074ه/1636-1663م).

أدت الأهمیة التجاریة و القدرة العسکریة المتنامیة، و الزیارات المتبادلة مع الدول الاسلامیة، إلی رفع معنویات أهالي آچة حیث انعکست علی ثقافة المجتمع و عقائدهم الاسلامیة. وکان حجاج آچة المسلمون لدی عودتهم من بیت‌اللَّه یقومون بنشر المبادیء الاسلامیة وتوطیدها إلی درجة أن الدفاع عن الاسلام والدعوة إلیه، کان واضحاً في تبلور العقائد السیاسیة لسلاطین آچة في القرن 11ه/17م. و کان سلاطین آچة في حرب مع النصاری و-الملحدین وحتی المسلمین غیرالملترمین. و کانوا یسعون لإِضعاف عملائهم، ویستغلون الأحکام‌الدینیة بدل العرف و التقالید لتحقیق أغراضهم؛ کما کانوا یرفعون من صلاحیات علماء‌الدین و نفوذهم إلی مستوی موظفي الحکومة المرکزیة وممثلیها (م.ن، 19).

انحطاط الامبراطوریة

تکونت دولة آچة من أقالیم غیرمتناسقة، کل منها تتمتع بوضع اجتماعي ونظام حکم خاص بها، وحافظت إلی حد ما علی وضعها هذا، حتی في زمن اقتدار دولة آچة، و بسط نفوذها بحیث کانت کل منها تدفع الضرائب للدولة المرکزیة فقط. و کان من البدیهي أن تستمر مثل هذه الدولة طویلاً. إلا أن عطمة امبراطوریة آچة و ازدهارها کانا یعود ان الی الظروف السیاسیة الملائمة التي أشیر إلیها وعندما تغیرت تلک الظروف بدأت دوله آچة، التي لم تکن تمتلک قاعدة اقتصادیة منسجمة، بالانهیار.

وفي 1051ه/1641م حل المستعمرون الهولندیون محل البرتغالیین في شبه جزیرة مالاکا و استطاعت شرکة الهند الشرقیة الهولندیة أن تزید من سیطرتها علی شبه الجزیرة هذه و علی مجموعة جزر الهند الشرقیة. و بدأ المحتکرون الهولندیون صراعهم ضد دولة آچة حیث رأوا فیها عائقاً أمام توسع سیطرتهم الاقتصادیة في المنطقة. فبادروا کخطوة أولی للقضاء علی نفوذ آچة التي کانت تفرضه علی حکام غربي شبه جزیرة مالاکا (مرکز إنتاج الزیتون)، ثم سددوا في 1073ه/1663م ضربة قاضیة إلی آچة، و ذلک بتوقیع معاهدات مع عدد من الأوله بالانغیین في سومطرة الغربیة واستطاعوا بموجبها احتکار تجارة الفلفل و التخلص من دفع الضرائب لآچة، وفقدت آچة، التي لم تستطع أن تحتفظ بسیطرتها علی سومطرة الغربیة، مناطق زراعة الفلفل وإنتاجه أیضاً (تورین، 20). وتزامنا مع هذه الفترة (العقد الأخیر من القرن 11ه/17م) وقعت آچة بید 4 أمیرات حکمتها علی التوالي. ولم یستطعن إدارة البلاد ولا الوقوف بوجه الصراعات الداخلیة، فازداد استیاء الأهالي و أعلنوا عدم شرعیة حکمهن بموجب فتوی حصلوا علیها من مکة. کما نشبت في السنین الأخیرة من هذه القرن و أوائل القرن التالي سلسلة من الحروب في آچة، و تصاعدت حدة الصراعات الداخلیة في السلطنة إلی درجة أن کل جزء منها خضع لسلطان مستقل (ن.م).

وکان بعض من ادعی السلطنة في آچة سادة من أحفاد الامام الحسین (ع) کانوا قد ولدوا فیها. و أشهرهم جمال (1115-1139ه/1703-1727م) الذي وقف فترة طویلة بوجه السلاطین الذین خلعوه، منهم أحمد ونجله جهان شاه (1148-1174ه/1735-1761م).

و کان المستعمرون الأوروبیون یستغلون سوء الأوضاع في آچة ویسعون لاذکاء نار الاختلاف کي یصطادوا في الماء العکر. کما فکرت شرکة الهند الشرقیة الانجلیزیة، التي مدت جذورها في الهند، بایجاد قاعدة لها في المنطقة الواقعة شرق خلیج البنغال، حیث قام الضابط الانجلیزي المدعو فورست في 1178ه/1764م بزیارة آچة لاجراء محادثات في هذا المجال. وفي 1186ه/1772م قام حاکم مَدارس بارسال سفیر إلی آچة یدعی مونکتون للغرض ذاته، و أخیراً أوقد الحاکم الانجلیزي العام علی الهند هستینجز وفداً عسکریاً إلی المنطقة عام 1199ه/1784م. ثم استطاع السیطرة علی جزیرة پینانع. و تمکن الغزاة الانجلیز من انتزاع شبه جزیرة مالاکا من الهولندیین و غضوا الطرف موقتاً عن آچة.