الصفحة الرئیسیة / المقالات / الاوزاعی /

فهرس الموضوعات

الاوزاعی


تاریخ آخر التحدیث : 1442/5/19 ۰۷:۵۴:۵۳ تاریخ تألیف المقالة

الأوزاعي،   أبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو (88-2 صفر 157ق / 707-22 ديسمبر 773 م) الفقيه والمحدث الشهير في الشام ورئیس أحد المذاهب الفقهية البائدة، حيث كان له أتباع في الشام والأندلس لبعض الوقت.
حسب بعض المصادر فإنه ينحدر من الأسرى اليمنيين (المسعودي، 3 / 304) أو من السند (الذهبي، سير ... ، 7 / 109)، لكن من المرجح أنه يعود إلى قبيلة حمير ومن عشيرة السيبان وعلى هذا، فإن نسبة الأوزاعي لديه تعود فقط لإقامته في حارة الأوزاع  في ريف دمشق (للمزيد ظ: البخاري، 1(3) / 326؛ ابن عساكر، 10 /  68؛ النـووي، 1(1) /  298-299)، حیث كانت موطن أبيه من قبله (ظ: الذهبي، تاريخ، 486). 
تفيد بعض المصادر أن الأوزاعي ولد في مدينة بعلبك، لكنه نشأ وترعرع في الکرْك وفقد والده في أيام طفولته، حيث انتقل بعـد حين مع والدته إلى بيروت (ظ: م.ن، سيـر، 7 / 107؛ أيضـاً ابن أبي حاتم، تقدمة ... ، 210). وفي هذه الفترة بالذات تبناه أحد كبار الشيوخ العرب وأفسح المجال لتربيته (ظ: الذهبي، تاريخ، ن.ص) وعلی أغلب الظن أنه وبعد فترة رحل إلى دمشق، حيث أقام هناك. ما يدفعنا نحو القبول بذلك هي الرواية التي تتحدث عن مجالسة الأوزاعي العالم الدمشقي المكحول (تـ 118ق) لمدة 14 عاماً (ابن أبي حاتم، ن.م، 206).
وتتلمذ الأوزاعي على يد قاسم بن مخيمرة (تـ 100 ق) العالم الكوفي المقيم في الشام (الذهبي، سير، 7 /  108) ما يدل على أنه ومنذ نعومة أظفاره كانت قد أتيحت له فرصة الدراسة في مراحل متقدمة، كما تتلمذ فقهياً على يد كل من ربيعة بن يزيد القصير وبلال بن سعد الدمشقي ومطعم بن مقدام الصنعاني الشامي وعمير بن هاني الدمشقي وابن عامر القاري (ظ: ن.ص).
انضم الأوزاعي بفضل نفوذ من تبناه إلى الديوان الأموي بصفته كاتباً (م.ن، تاريخ، ن.ص) ما يدل على أنه وفي أولى مراحل تعلمه كان قد نال حظاً وافراً من الأدب، الأمر الذي جعله يتسم بسمة الذوق الأدبي حتى آخر أيام حياته وذلك إلى جانب علم الحديث والفقه (عن إلمامه بفن الکتابة والترسل، ظ: ن.م، 488، م.ن، سير، 7 / 109). وفي أوائل أيام تسلمه منصب الكتابة، عندما لم يكن يتجاوز عمره العشرين، توجه برفقة وفد ديواني إلى اليمامة واتصل هناك بالعالم الكبير يحيى بن أبي كثير، ما أحدث تطوراً في حياته، بحيث تنحى عن عمله ككاتب وانهمك في اكتساب العلم بكل ارتياح. تفيد بعض إشارات الأوزاعي أن رفضه لبعض تصرفات الحاكم الأموي لليمامة، كان له الأثر في ذلك التنحي (ظ: أبو نعيم، 3 / 312-313).
وقضى الأوزاعي بعض أيام حياته ينتهل من منهل العلم والمعرفة لدى يحيى وسائر شيوخ اليمامة بما فيهم أبو كثير السحيمي وحفص بن عفان اليمامي، قبل أن يتوجه إلى البصرة عام 110ق، بتوصية من يحيى، بغية إكمال دراساته، عند حسن البصري وابن سيرين، لكنه وعندما بلغ البصرة، كان قد مضى أربعين يوماً على وفاة حسن البصري، فيما كان ابن سيرين يحتضر على فراش الموت (ظ: ابن سعد، 7 /  488؛ أحمد بن حنبل، 1 / 306؛ أبو زرعة، 1 / 263-264؛ ابن أبي حاتم، تقدمة، 186؛ قا: ابن زيد، 61). لكن يبدو أنه وخلال زيارته هذه إلى البصرة، تعلم العلم من قتادة بن دعامة العالم البصري الكبير (تـ  118ق) لکنه وکما يتبين بوضوح ومن خلال مشایخه أنه لم يرغب تماما في عرض تعاليمه على البصرین، بحيث أنه ورغم ورود أسماء علماء الكوفة في قائمة مشايخة (الذهبي، ن.ص، 7 /  108) إلا أنه كان ينظر بريبة إلى الكوفة.
توجه الأوزاعي إلى الحرمين الشريفين قبل عام 114ق، وسمع من كبار الأئمة والمشايخ في المدينة المنورة منهم الإمام محمد بن علي الباقـر عليه السـلام (تـ 114ق) ونـافع مولـى ابن عمر(تـ 117ق) وعبـد الرحمن بـن قاسم (تـ 126ق) إضافـة إلى مشايخ مكـة المكرمة منهم عطاء بن أبي رباح (تـ 115ق). وقد ورد في قائمة أسماء مشايخه في مكة والمدينة، أسماء وجوه مرموقة منها الإمام جعفر الصادق (ع) ومحمد بن شهاب الزهري (الذهبي، ن.ص، عن الإمام الصادق (ع) ظ: الكليني، 2 / 519؛ الطوسي، 231). علاوة على هؤلاء العلماء، لم یهمل الأوزاعي فرصة اكتساب المعارف من مناهل المعرفة في الشام، إذ قضى جزءاً كبيراً من دراسته عند المكحول الدمشقي، بعد أن عاد إلى الشام خلال العقد الأول من القرن الثاني للهجرة. ولدى عودته من رحلاته العلمية، كان الأوزاعي قد أصبح رجل علم، بل أكثر من ذلك، فقيهاً، في عام 113ه‍ حسب بعض المصادر(ظ: البسوي، 2 / 409؛ أبوزرعة، 1 / 262؛ قا: أبو إسحاق، 71: تحوير 113ه‍ إلى 13 عاماً).
في هذه المرحلة من حياته الاجتماعية، كان يرفض الأوزاعي قبول الأعمال الديوانية، بحيث أنه وعندما حثه يزيد بن وليد الأموي علی قبول منصب القضاء في جند دمشق، تولى المنصب مرة واحدة فقط قبل أن يتنحى عنه بالإلحاح والإصرار (ظ: الوكيع، 3 / 207؛ الذهبي، تاريخ، 491).
وفي هذه المرحلة التاريخية، حيث كانت تتزامن مع تقهقر السلطة الأموية، رأى الأوزاعي دمشق غير ملائمة للإقامة، فغادرمنزله في حارة الأوزاع الدمشقية، متجهاً إلى بيروت، حيث بقي هناك (ابن عساكر، 10 / 66) ويرى البعض أنه لم يعد إلى دمشق منذ ذلك الحين (ن.ص). لكن ثمة رواية أخرى تتحدث عن أنه عاد إلى دمشق، تلبية لدعوة ابن سراقة الحاكم العباسي للشام عام 136 للهجرة (البسوي، 2 / 393؛ ابن أبي حاتم، تقدمة، 187). مهما يكن فإنه قضى الأعوام الأخيرة من حياته في بيروت، حيث توفي هناك (ظ: ابن خلكان، 3 / 127؛ أيضا نصر الله، 295).

منهجه الفقهي

  يمثل الأوزاعي حلقة رئيسية في نقل الفقه لدى أصحاب الحديث من طوره الأول مرحلة الصياغة والتدوين لدى الشافعية. وقد انتبه يوزف شاخت إلى هذه الخصوصية باعتبارها خطوة نحو البرهنة والاستدلال (صص 288-289)، حيث يبين في دراسته المقتضبة بشأن المنهج الفقهي طريقة البرهنة والصورة شبه المنسجمة لتلك البرهنة لدى الأوزاعي.
أما عند الحديث عن الصلات المدرسية في الفقه لدى الأوزاعي، لابد من وضع فقهه وبصراحة في سياق فقه أصحاب الحديث، حيث تكوّن وظهر في مرحلة ظهور مذاهب فقهاء الأمصار في القرن الثاني للهجرة. ومن حيث المصادر الروائية ومنهج صلات أصحاب الحديث بالعلماء الماضين، فالأوزاعي قد استعان بالمشايخ من شتى الأمصار كالشام والحجاز والعراق واليمامة (ظ: السطور أعلاه)، كما كان هو أحد رواد التصنيف والتدوين في مجال الفقه والسنن أيضا. وإن كان في عصرنا هذا، أهم ما نمتلك من أعماله الفقهية، هو مقتبسات اقتبسها أبو يوسف مما صاغه الأوزاعي في باب «السير» (ظ: قسم المصنفات والأعمال).
وفي مقارنة بين تعاليمه الفقهية والفقهاء من أصحاب الحديث في الشام في عصره بما فيهم عباد بن عباد الخواص، نجد أن كان له باع طويل في تدوين الفقه في الشام وإعطاء دور أساسي للتفكير والدراية في البراهين الفقهیة (ظ: الدارمي، 1 / 160-163: النص الكامل؛ أبو نعيم، 8 / 282: جزء من النص).
أما بالنسبة لتراثه المعرفي فالوقوف عند موروثه ودراسته بدقة يظهر أن منهجه الفقهي في النقاط العامة والخطوط العريضة تقترب إلى حد ما من منهج المالک، باعتباره فقيهاً من أصحاب الحديث ومعاصراً له. ولمعرفة مكانة تفكيره ورؤاه الفقهية، فسوف يساعدنا إلى حد بعيد الكشف عن خواص تلك الرؤى مقارنة مع الفقه المالكي من جهة والفقه الشافعي من جهة أخرى. 
ويأتي في مقدمة سمات مقاربته الفقهية، أسلوب تعامله مع السنة النبوية الشريفة، حيث لعب دوراً محورياً في تكوين منهجه الفقهي، لاسيما وأنه كان يميل إلى أصحاب الحديث. على سبيل المثال، كان مالك يعتمد علی أحاديث أهل المدينة، بينما تتبنى المقاربة الشافعية، تقويم الأحاديث الفقهية دون اعتبار نطاق جغرافي محدد. هذا في وقت نرى الأوزاعي يقف إلى جانب مالك عند التعاطي مع ما وضعه الصحابة والتابعين من مؤلفات واعتبارها حجة كافية في الدراسات الفقهية وبذلك يبتعد الأوزاعي عن الشافعي في مقاربته الضيقة والمحدودة للسنة النبوية. وفي دراسة تطبيقية لبراهين الأوزاعي يتبين أنه وكما هو الحال بالنسبة لجماعة من الفقهاء الماضين من أصحاب الحديث، لم يورد إشكالية على اتباع الصحابة وتقليدهم أو تفضيل أقوالهم أحياناً، على الأحاديث المرفوعة (ظ: أبو يوسف، مخ‍( تأييداً لذلك يمكننا رصد عبارات نقلت عنه، حيث اعتبر في بعض الأحيان، «مؤلفات الماضين» حجة كافية (ظ: الذهبي، سير، 7 / 120، العلو ... ، 102). كما يؤكد أحيانا على حجية قول الصحابة (ن.ص). مع كل ذلك، يبدو لنا أن دور أحاديث التابعين وأقوالهم في منهجه الفقهي لاتزال بحاجة إلى بعض الإمعان والنقاش (قا: أبو نعيم، 6 / 142).
وبالنسبة لتحديد العلاقة بين الكتاب والسنة النبوية الشريفة، فالأوزاعي هو من أول الفقهاء الذين عرضوا نظریة واضحة في هذا الصدد، ما فتح الطريق أمام ظهور نظریة الشافعي، فهو وبكل وضوح وصراحة يعتبر السنة «قاضية» بالنسبة إلی الكتاب، نافيـاً العكس (ظ: حاكم، 65). ونستطيع المقارنة بين هذه الرؤية والرؤية الشافعية المنسجمة والمنتظمة التي تقول بأن السنة النبوية هي تفسير لظاهر الكتاب (ظ: الشافعي، الرسالة، 56 وما بعدها، أيضا: ن.د، 8 / 446).
وفضلا عن توثيقات الأوزاعي من السنة النبوية، كثيراً ما نراه يستند إلى السيرة والسنة السائدة لدى المسلمين لكامل الكشف عن السنة النبوية في براهينه واستدلالاته. وبالمقارنة مع المنهج الفقهي المالكي، فقد كان الأوزاعي يسعى إلى إعطاء طابع خارج حدود بيئة جغرافية معينة إلى السيرة النبوية ولم يعط مكانة مميزة مثلا لسيرة أهل المدينة أو أهل الشام، إلا أن بوناً شاسعاً كان يفصل بينه وبين رؤية الشافعي حول رفض الحجية لهذه السيرة (مثلا ظ: أبو يوسف، 5، 17، مخ‍ ). 
وعن موقف الأوزاعي من الإجماع، فإنه في المقتطفات المتبقية من مكتوباته الرافضة لـ سير أبي حنيفة قد استند إلى الإجماع بشتى الأشكال (مثلا ظ: م.ن، 17، 23، 83، 91). وفي بعض تلك المقتطفات ينظر تارة إلى الإجماع باعتباره برهاناً مستقلاً، فيما يعتبره تارة أخرى عامل تأكيد على المدلول الآخر للأدلة والبراهين. فيما نستشف من بعض أقواله أنه رأى في الإجماع حكماً شرعياً (إبن أبي حاتم، تقدمة، 200).
خلافا لتركيز مالك على إجماع أهل المدينة، فالإجماع عند الأوزاعي لا يتسم بأي سمة محلية. فيما تظهر مختلف الإرهاصات، كما يؤكد على ذلك الشافعي (ظ: الشافعي، ن.م، 457) أن استقصاء الرؤى والمقاربات لم یکن موضع اهتمام الأوزاعي وأنصاره، إذ كان يعتقد أن كل من يؤيد «نوادر العلماء» (أي ما يخالف موقف الأغلبية) سيخرج عن منهج الإسلام (الذهبي، ن.م، 7 / 125).
وفي تعامله مع مناهج الدراية، فإن الأوزاعي وكالعديد من الفقهاء المحدثین في القرن 2ه‍ كان يؤيد الرأي والقياس إلى حد بعيد ومن هنا، فقد كان ابن قتيبة في تصنيفه علماء الدين إلى فئتيـن، فئة أصحاب الرأي وفئة أصحاب الحديـث ــ وبالطبع في تحديده الخاص به وخلاف التحديد السائد ــ كان يضع الاوزاعي في قائمة أصحاب الرأي من العلماء (ظ: المعارف ... ، 496). لا ريب في أنه لم یکن بينه وبين أبي حنيفة خلاف بشأن شرعية الرأي، والاحتجاج الوحيد هو بشأن الحالات التي قد اتجه فيها أبو حنيفة نحو توظيف الرأي، ما يتعارض وحديث عن الرسول الأعظم (ص) في هذا الصدد (ظ: ن.م، تأويل ... ، 52؛ المفید، 294).
أما بشأن الاستحسان بصورته الأولية وغير المنسجمة، فثمة نماذج من هذا القبيل في فقه الأوزاعي، فإنه في موضوع «الجارية المغنية» مثلا يتحدث عن بطلان البيع، بينما يصرح أن هذا [الحكم هو على أساس] الاستحسان وأن القياس يقتضي صحة البيع (ظ: السبكي، 3 / 191).

انتشار مذهب الفقهي

  لقد استطاع الأوزاعي في عصره أن يحتل موقعاً حيوياً باعتباره زعيماً فقهياً في الشام، حيث لقي مذهبه أنصاراً وتلامذة من الشام والأندلس، لعبوا دوراً أساسياً في الترويج لمذهبه هناك. مع هذا وذاك، فإن مذهبه الفقهي وخلال مدة دوامه، لم يخرج عن نطاق الشام والأندلس ولم يجد إقبالاً ملحوظاً خارج تلك المنطقتين.
في الشام، فتح المذهب طريقه وانتشر بسرعة عند الكثير من سكان المدينة، حيث بات مذهب الأغلبية هناك، إذ كان المذهب النسخة المتكاملة من الفقه المحلي في الشام، ولذلك، عند الدراسات التاريخية، لاينبغي البحث عن أسباب انطلاقته ودوافعه هناك. وقد واصل المذهب حياته في الشام على مدى نحو 200 عام، لكنه تقهقر أمام سائر المذاهب لاسيما المذهب الشافعي أثناء القرن 4ه‍ وقـد لعب القاضي الدمشقي أبو عثمان محمد الثقفي (تـ 302ه‍( دوراً حيوياً في تقویض مذهب الاوزاعي في الشام، حيث كان منهمكاً على إشاعة المذهب الشافعي وجعله أساساً لإصدار أحكام القضاة، خلال توليه منصب القضاء (ابن طولون، 22).
قد يكون من الصعب أن نؤيد رؤية من كانوا يؤمنون بعجز مذهب الأوزاعي عن التماشي مع التطورات المتواصلة في الشام، ولكن لابد من الإذعان أن تسرب الضعف في الأوساط الفقهية المؤيدة للاوزاعي في الشام، قد ساهم في تراجع قوة المذهب نفسـه. ولعل القاضي أبا الحسن ابـن حذلم (تـ 347ه‍(. الفقیه كان الحلقة الأخیرة من مشاهیر مذهب الأوزاعي خلال النصف الأول من القرن 4ه‍ (ظ: م.ن، 31) غير أن آخر معاقل هذا المذهب قد كانت قائمة في الشام حتى النصف الثاني من القرن ذاته وبعض سنوات القرن 5 (مثلاً ظ: المقدسي، 153؛ البغدادي، 36، 277).
أما في الأندلس، فقد فتح المذهب طريقه إلى هناك على يد بعض تلامـذة الأوزاعي كصعصعة بـن سلام الأنـدلسي (تـ 192ق) (ظ: الحميدي، 1 / 379) وأضحى مذهب الأغلبية حتى بضعة أعوام من القرن 3ه‍ ، قبل أن يحل محله المذهب المالكي (ظ: القاضي عياض، 1 / 80؛ ونشريسي، 6 / 356؛ أيضا ظ: الضبي، 294؛ قا: المقري، 4 / 217- 218). 
وقد حدد الذهبي نحو عام 220ه‍ كمحطة وقوف هذا المذهب في الأندلس ( تاريخ ... ، 498)، بيد أن بعض دعاة مذهب الأوزاعي مثل زهير بن مالك البلوي (تـ قبل 250ق) كانوا يسعون للحفاظ على موقع المذهب هناك، حتى بعد هذا التاريخ (ظ: الحميدي، 1 / 343).
أما من حيث الأهمية، فمكانة مذهب الأوزاعي في الدراسات الفقهية الاختصاصية كانت تتخطى ساحتها الحقیقیة أی حدود الشام والأندلس آنئذ. فالكتاب الذي وضعه الفقيه الكبير القاضي أبو یوسف، من أصحاب الرأي رداً علی کتاب السير للأوزاعي (ظ: المصادر) ورؤى أحمد بن حنبل الفقيه المحدث في بغداد بشأن الأوزاعي ومذهبه الفقهي (ظ: أبو داود، 277) كانت من المؤلفات التي تظهر مدى أهمية هذا المذهب في ساحات أبعد من الأندلس والشام. وفي القرن 3ه‍ ، ومع انطلاقة تصنيف المؤلفات في مجال الفقه المقارن، كان فقه الأوزاعي ضمن أهم المذاهب الفقهية التي أثارت اهتمام کتّاب هذه المصنفات (مثلا ظ: آثار الترمذي، والمروزي والطبري). الأوزاعي وسائر فروع المعارف الإسلامية. 

الأوزاعي ومجالات اعتقادیة أخری


ألف‌ ‌ـ المباحث الاعتقـادیة

  کان الأوزاعي باعتباره أحد المتقدمين من أصحاب الحديث، يحرص على التصدي لمعتقدات كانت بدعاً في الدين الحنيف، حسب رأيه. ومن بين العدد الضئيل للكتب والمصنفات عند المتقدمين من أصحاب الحديث، لابد من الإشارة إلى رسالة في القدر للأوزاعي (ظ: الذهبي، ميزان ... ، 2 / 311)، التي لم يصلنا منها شيء. مهما يكن، فالنقاط العامة من مقاربته عن القدر، نجدها في بعض أقواله المنقولة عنه منها مناظرة وجيزة بينه وبين غيلان الدمشقي (مثلا ظ: البسوي، 2 / 390-391؛ المقري، 7 / 289؛ أيضا ابن زيد، 104-106).
ومن السمات العامة لأصحاب الحديث بشأن المعتقدات، التصدي للإرجاء والاستناد إلى دور الأفعال في تحقيق الإيمان، وهذا ما نجده في الأفكار المروية عن الأوزاعي أيضا (ظ: أبو نعيم، 6 / 144؛ أيضا عن الزيادة والنقصان في الإيمان، ظ: الشعار، 39).
وفي المناقشات المرتبطة بالإمام والقيام بالسيف، فقد ألح الأوزاعي على المنهج التقليدي لأصحاب الحديث، أي ضرورة اتباع الجماعة في ذلك (ظ: أبو نعيم، 6 / 142). وفي تعامله مع قضية الخلافة والإمامة لعثمان وعلي (ع)، فنعرف عنه رفضه للمنهج السائد في العهد الأموي بشأن التبرؤ عن الإمام علي (ع) (ظ: م. ن، 3 / 312-313: تلويحا) كما كان يرفض الموقف الشيعي من جهة والعثماني من جهة أخرى، وبحثاً عن حل وسط في هذا الصدد كان يرى أن حب علي وعثمان لا يجتمع في قلب مؤمن (ظ: الذهبي، سير، 7 / 120؛ عن أخبار منه بشأن الإمارة، ظ: الشعار، 626 ومابعدها، عن رؤاه الخاصة به بشأن الأمر بالمعروف وتقييده، ظ: ابن بطة، 2 / 541).

ب‌ ـ الزهد والأخلاق

  لقد عکف الأوزاعي علی الزهد والتعبد في حياته الفردية وقد شغل ذلك حيزاً كبيراً من كتب السير والتراجم التي تناولت سيرته (لاسيما، ظ: ابن زيد، كل الكتاب). ولذلك فقد أورد ابن النديم اسم الأوزاعي في عداد المتعبدين والزهاد (ص 235)، كما أورد أبو نعيم الأصفهاني ترجمته في كتابه حلية الأولياء (6 / 135 وما بعدها). وكان الأوزاعي يبدي إعجابه بوجوه معروفة من الزهاد وفي إحدى مقارناته، كان قد وضع إبراهيم الأدهم في مكانة أعلى من سليمان الخواص (ظ: ابن أبي حاتم، تقدمة، 206).
 

الصفحة 1 من2

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: