الانفاق

الإنْفاق،   لفظة قرآنية تعني إنفاق المال في الصالحات من الأعمال. وقد أكد القرآن الكريم على الإنفاق باعتباره أحد الأركان الرئيسية للأعمال الصالحة وإحدى سمات المؤمنين. ورغم أن معظم المفسرين في العصر الحديث قد نظروا إلى الإنفاق من منظور توزيع المال وتقليص حدة الحرمان الاقتصادي في المجتمع، بيد أن القرآن الكريم، قد أكد على جانبه التربوي أكثر من أي جانب آخر. ومن هذا المنطلق، قد رأى فيه عنصر يكتمل به إلإيمان.

يدخل الجزء الأهم من تعاليم القرآن بشأن الإنفاق في نطاق الآيات التي تعطي صورة عن الإنسان الذي هدى الله قلبه للإيمان. على سبيل المثال، نجد في مستهل سورة البقرة أن سمات المتقين تتمثل في الإيمان بالغيب وإقامة الصلوة والإنفاق مما رزقهم الله (البقرة،  / 2 / 2-3). في آيات أخرى نرى الإنفاق ملازماً للإيمان بالمعتقدات الدينية الأساسية أو أعمال كالصلاة (مثلاً النساء  / 4 / 39؛ الفاطر / 35 / 29).

وفقا لبعض الآيات القرآنية، فإن الإنفاق وسيلة لبلوغ الكمال الإنساني والتقرب إلى الله، حيث نجد أن القرآن الكريم يؤكد أن من ينفقون أموالهم «لوجه الله» وابتغاءً لمرضاة الله، ستؤتي أكلها ضعفين وسيضاعف لهم الله في ذلك (ظ: البقرة / 2 / 265، 272؛ التوبة / 9 / 99). وتأكيدا على هذا الجانب من الإنفاق، قد ورد في إحدى آيات سورة آل عمران (3 / 92) أن الإنسان لن ينال «البر» حتى ينفق مما يحب.

ويرى القرآن الكريم أن الغاية الرئيسية من وراء الإنفاق هي الإرتقاء بالجانب الروحي لدى الإنسان، إذ لا معنى لذلك لو لم تكن النوايا حسنة ومن هنا فإن من ينفقون أموالهم رئاء الناس، سوف لـن يحصدوا من وراءه سـوى أن يكـون لهم الشيطـان قرينـاً (ظ: البقرة / 2 / 264). ومن هنا، فإن الدعوة الإلهية للإنفاق لم تستثن ذوي الدخل المحدود حتى، وقد تقرر الأمر الإلهي على أن من أصابهم النقص في الأموال، ينبغي أن ينفقوا مما رزقهم الله قدر المستطاع.

إن دعوة القرآنية إلى الإنفاق يتخللها التحذير أيضا، حيث يقول: «الذِينَ يكْنزون الذّهب والْفضّة ولا ينْفقونها في سبيل اللَه فبشِّرْهمْ بعذاب ألِيم» (التوبة، 9 / 34). مع ذلك، فإن القرآن الكريم يوصي بالإعتدال بدلا من الإكثار في الإنفاق (الإسراء / 17 / 29؛ الفرقان / 25 / 67).

وعلى ضوء ظهور علم الفقه في القرنين الأوليين من الهجرة ومع وضع التشريعات والأحكام لأشكال معينة من الإنفاق، بات الإنفاق في سبيل الله أمراً واجباً فقهياً وما لم يدخل في نطاق الأحكام الفقهية، إنضم إلى قائمة الأوامر الأخلاقية وعموماً ما یختلف ذلك عن الأحكام الملزمة. وإننا في التراث الإسلامي المكتوب على مدى أكثر من ألف عام، نرى العديد من الكتب الأخلاقية التي تناولت الإنفاق تحت هذا العنوان أو بعناوين مثل البر والصدقات. وفي الفقه الإسلامي فقد ورد موضوع الإنفاق إلى جانب الخمس والزكاة أو تحت مظلة عناوين بنطاق أضيق مثل الفدية والكفارة والنذور.

المصدر:

القرآن الکریم.               

     قسم الفقه وعلوم القرآن والحدیث / غ.