الانشقاق

الاِنْشِقاق،   اسم السورة الرابعة والثمانين من سور القرآن الكريم، تشتمل على 25 (أو 23) آية، 119 كلمة و436 حرفاً وسماها العلماء أحياناً «إذا السماءُ انْشَقَّتْ» أو «انشقّتْ» على سبيل الاختصار (ظ: ابن بابویـه، 121؛ النائطـي، 7 / 689؛ السیوطـي، الدر ... ، 6 / 328-329؛ أیضاً ظ: الأندرابي، الورقة 51 ألف).

تعد سورة الانشقاق، حسب التواتر السورة الثالثة والثمانين في ترتیب النزول (ظ: دروزه، 1 / 15؛ ابن الندیم، 28-30؛ الطبرسي، 10 / 405؛ السیوطي، الإتقان، 1 / 40-43). ولذلک تعتبر من أواخر مانزل في مكة، رغم أن التماثل الموجود بینها وبین أوائل السور المکیة من حیث الأسلوب والمضامین أثار تشکیک بعض المعاصرین في تریتب نزولها في أواخر العهد المکي (دروزه، 6 / 282؛ أیضاً ظ: رامیار، 681). یقترب مطلع السورة مضموناً ومعنی من سورة الانفطار التي تقع قبلها، من حیث النزول وتفصل بینهمـا سـورة واحـدة حسب تـرتیـب السـور فـي المصحـف (ابن الجوزي، 154). کما یوجد التماثل بینها وبین سور الزلزال والتكوير والواقعة. یدور البحث في هذه السور الخمس حول تقسیـم الناس فـي یوم البعث ــ کما تـدل أسماؤهـا وخاصـة «الانشقـاق» عليه (ظ: البقـاعـي، 21 / 335)  ــ إلى فريقيـن هما الأخیار والأشرار (الزلزال / 99 / 7- 8) وأهل الجنة وأهل النار (التکویر / 81 / 7، 12-13) وأصحاب اليمين وأصحاب الشمال (الواقعة / 56 / 27، 41؛ الانشقاق / 84 / 7، 10) والأبرار والفجّار (الانفطار / 82 / 13-14) ولکل من هذه السور أسلوبها الخاص في بیان الموضوع وماتتمیز به سورة الانشقاق وتماثلها  فیه سورة الانفطار هو أن المضامين التحذيرية التي تم بيانها في غیرها من السور المذكورة (مثلاً ظ: التکویر / 81 / 1-14) بلهجة عارمة صارمـة، ذكـرت في هذه السورة بایقـاع هادئ ومرونـة أکثـر (ظ: قطب / 6 / 3865).

إن سورة الانشقاق سورة قصیرة قلیلة الألفاظ ورغم أن بعض التعابير تكررت فيها (ظ: الآیات 2، 5، 7، 10)، إلا أنها تضم نطاقاً دلالیاً واسعاً للغاية. فتبدأ السورة (الآيات 1 إلى 5) بذکر ماسیحدث في الأرض والسماء من الانشقاق على مشارف القيامة، ثم استقرار كل شيء في موضعه؛ واستسلام الأرضین لله رب العالمین في طواعیة وخشوع لإزالة صدأ الغفلة عن ذهن الإنسان. وهذا المطلع الجلیل تمهید لخطاب الإنسان (الآية 6 إلى 15) وإلقاء الخشوع في قلبه لربه بعبارة «يا أيها الإنسان» التي لم ترد سوى ذلك، إلا مرة واحدة أخری في القرآن الكريم (الانفطار / 82 / 6؛ عبد الباقي، 93-94) تذکیره بمصیره المحتوم ونهایة رحلته في الحیاة الدنیا ثم تذکر السورة أحوال المؤمنین والکافرین یوم القیامة ومعاقبة کل فریق منهم حسب أعمالهم الدنیویة ویأتي المقطع الأخیر من السورة تعجیباً من أحوال الناس الذین لایؤمنون ولایخضعون لما یأمرهم به القرآن فیبشرهم بعذاب ألیم ویستثنی منهم الذین آمنوا وعملوا الصالحات (الآیات 20-25).

إن سورة الانشقاق وسورة المطففين متماثلان، حیث تشتمل   کل منهما علی مقدمة ومقطعین وخاتمة (ظ: المطففین /  83 / 1-6، 7-17، 18- 28، 29-36). ومما يسترعي الانتباه فیهما الاشتراك في المضامين وتشابه العبارات، بل وحتى تكرار الألفاظ في آياتهما (ظ: الانشقاق / 84 / 7، 9، 10، 13؛ المطففین / 7، 9، 18، 20، 24، 31). کما یوجد هذا التشابه بین سورة الانشقاق وسورة البروج التي تأتي من حيث الترتيب في المصحف بعدها وتتباعد عنها من حيث تـرتيـب النـزول (ظ: رامیـار، 680- 681؛ قـا: دروزه، 6 / 282؛ ظ: الانشقاق / 84 / 22؛ البروج / 85 / 19). وبعبارة أخری یمکن القول إن السور الست من التكوير حتى الطارق تشکل وحدة متفقة المعاني والمضامین، مما یثیر الظن بأن ترتیبها في النزول کان متقاربـاً مع ترتیبها المعتاد فـي الصحـف مع شيء من التغييـر (ظ: دروزة، ن.ص).

رأی علماء الشیعة أن الآية 21 من سورة الانشقاق من الآیات التي تکون السجدة عندها مستحبة (ظ: أبو الفتوح، 5 / 499) بینما یعتقد أئمة أهل السنة بوجوب ذلک (ظ: ابن العربي، 4 / 369-370؛ إسماعیل حقي 10 / 381-382؛ أیضاً ظ: القرطبي، 19 / 280- 281).

المصادر

   ابن بابویه، محمد، ثواب الأعمال، تق‍ : محمد مهدي الخرسان، النجف، 1392ه‍ ؛ ابن الجوزي، عبد الرحمن، فنون الأفنان، تق‍ : محمد إبراهیم سلیم، القاهرة، 1408ه‍ / 1988م؛ ابن العربي، محمد، أحکام القرآن، تق‍ : محمد عبد القادر عطا، بیروت، 1408ه‍ /  1988م؛ ابن الندیم، الفهرست؛ أبو الفتوح الرازي، الحسین، روح الجنان، قم، 1404ه‍ ؛ إسماعیل حقي البروسوي، روح البیان، إستانبول، 1389ه‍ ؛ الأندرابي، أحمد، الإیضاح في القراءات، النسخة المصورة الموجودة في مکتبة المرکز؛ البقاعي، إبراهیم، نظم الدرر، حیدرآباد الدکن، 1984م؛ دروزه، محمد عزت، التفسیر الحدیث، القاهرة، 1381ه‍ / 1962م؛ رامیار، محمود، تاریخ قرآن، طهران، 1362ش؛ السیوطي، الإتقان، تق‍ : محمد أبو الفضل إبراهیم، القاهرة، 1387ه‍ / 1967م؛ م.ن، الدر المنثور، بیروت، 1403ه‍ / 1983م؛ الطبرسي، الفضل، مجمع البیان، صیدا، 1356ه‍ / 1937م؛ عبد الباقي، محمد فؤاد، المعجم المفهرس، القاهرة، 1364ه‍ ؛ القرآن الکریم؛ القرطبي، محمد، الجامع لأحکام القرآن، بیروت، 1967م؛ قطب، سید، في ضلال القرآن، تق‍ : محمد قطب، بیروت، 1402ه‍ / 1982م؛ النائطي الأرکاتي، محمد غوث، نثر المرجان، حیدرآباد الدکن، 1331ه‍ .

محمد علي لساني فشارکي / د