انس بن مالک

اَنَسُ بْنُ مالِك،   أبــو حـمـزة (تـ 93ه‍ / 712م)، صـاحـب النبي (ص). كان من الأنصار وانحدر من قبيلة بني النجّار الخزرجیة (الکلبي، 2 / 49؛ ابن سعد، 7 / 17). قدمته أمه أو أبوطلحة زوج أمـه لخدمة النبي (ص) بعـد الهجرة (م.ن، 7 / 19؛ الذهبي، سیر ... ، 3 / 398).فمنذ ذلك الحين وحتى وفاة النبي (ص) خدم الرسول الأعظم. (ص). نقل عنه في إحدى الروايات أنه شهد غزوة بـدر ویخـدم النبـي (ص) فیهـا دون أن یشتـرک فـي القتـال (ابن عساکر، 2 /  218؛ الذهبي، تاریخ ... ، 292). ولذلک لم یذکر اسمـه في عداد المجاهدین (ظ: م.ن، سیر، 3 / 397- 398؛ ابن حجر، 1 / 71). وأما بالنسبة إلی غزوة الأحد فهناک روایة منقولة عنه (البلاذري، 1 / 320؛ الطبري، 2 / 515) یجب أخذها بعین الاعتبار إذ یمکن أن یکون قد اشترک فیها کما اشترک بعد ذلک في غزوات مثل الحديبية وفتح مكة وحنين وخيبر (ابن حجر، ن.ص). 
وبعد وفاة النبي (ص)، أرسله أبو بكر إلی البحرین ساعیاً وذلک بعد التشاور مع عمر (م.ن، 1 / 72). وعندما استلم عمر زمام الخلافة، بايعه (ابن سعد، 7 / 21) وحینما أوكل الخليفة ولاية البصرة إلى أبي موسى الأشعري، بعث معه أنس بن مالک وأخاه البراء (البلاذري، 1 / 491). وبعد ذلک شارک أنس في الفتوح الإسلامیة کما حضر معركة تستر التي انتهت باستسلام القائد الإيراني هرمزان، وکان وقتئذ من قادة جيش المسلمين (الدینوري، 130) وهو الذي قاد هرمزان ورفاقه مع عدد من الفرسان إلى المدينة (م.ن، 132؛ أیضاً ظ: الطبري، 4 / 86). ولما أعلن أهالي المدینة العصیان ضد عثمان، كان أنس في البصرة یدعو الناس إلى مؤازرة الخلیفة (م.ن، 4 / 352؛ أیضاً ظ: ابن أبي الحدید، 2 / 141). ولاتتوفر معلومات كثيرة عن تفاصيل حياته في عهد خلافة أمير المؤمنين علي (ع)، إلا أن موقفه من معرکة الجمل یشیر إلی احترازه من الانحیاز إلی أحد الطرفین (ظ: م.ن، 20 / 20). 
وبعد هذه الفترة، ورد ذكر وفوده على معاوية في إحدى الروايات (ابن عساکر، 2 / 207). وفي عهد خلافة يزيد بن معاوية، كان حاضراً في مجلس زیاد عندما أتوا برأس الإمام الحسين (ع) إلیه (البخاري، 4 / 216).  ثم انضم إلی ابن الزبير وأمّ الناس بالصلاة لفترة ما في البصرة (الطبري، 5 /  528). وبعد مقتل ابن الزبير، جعل الحجاج بن يوسف الثقفي حبلاً مختوماً بالرصاص في عنقه وفي أعناق جماعة من الصحابة الذین لم یبدوا معارضتهم لابن الزبیر لیذلهم بذلک (الیعقوبي، 2 / 272). ولم یقف الحجاج عند هذا الحد بحیث سخط علیه وأمر بمصادرة أمواله بعد أن انضم ابنه عبد الله بن أنس إلی ابن الجارود التأثر في البصرة ولقي مصرعه وبعد أن أفرط علیه الحجاج بالسب والاحتقار رفع أنس شکواه إلی الخلیفة عبد الملک بن مروان (ابن الأثیر، الکامل، 4 / 385-386)؛ فأمره الخلیفة أن يرعى جانب هذا الصحابي، فذهب الحجاج ماشياً إلى دار أنس واستمال قلبه (ظ: الزبیر، 328-331؛ البلاذري، 1 / 249؛ الطبري، 6 / 195؛ الدینوري، 323-324؛ الذهبي، سیر، 3 / 404). 
تتضارب الآراء بشأن تاريخ وفاة أنس بین سنتی 91 إلی 92ه‍ (ابن سعد، 7 / 25-26؛ البلاذري، 1 /  248؛ أبو نعیم، 2 / 204-205)، إلا أن سنة 93ه‍ هو الأصح استناداً إلى قول الذهبي (ن.م، 3 / 406؛ عن سائر الأقول في هذا الباب، ظ: ابن الأثیر، أسد الغابة، 1 /  128-129)، عاش أنس أكثر من 100سنة وهو آخر أصحاب النبي (ص) في البصرة (ابن سعد، 7 / 26؛ ابن قتیبة، 309). وكان ثریاً وله أسرة كبيرة تضم عدداً كبيراً من البنین والبنات، وكان يعزو تمتعه بسعة الـرزق وطول العمر وكثرة الأولاد إلـى دعاء النبي (ص) بحقه (ابن سعد، 7 / 1920؛ الذهبي، تاریخ، 291؛ ابن حجر، ن.ص). اشتهر بعض أبنائه في الفقه والزهد والخطابة (الجاحظ، 80). 
لقد نقل أنس أحاديث كثيرة عن النبي (ص) یبلغ عددها 286,2 حدیثاً ولذک جعلوه في عداد أصحاب الألفین ومازاد عنها وفي مرتبة بعد أبي هريرة وعبد الله بن عمر (ابن حزم، 275-276). وقد نقل عنه البخاري 83 حديثاً، ومسلم 71 حديثاً (النووي، 1(1) / 127). ولذلک ذهب البعض إلی أنه لم ینقل أحادیث کثیرة عن النبي (ص) مباشرة بل وإن معظم روایاته هي التي أخذها عن الصحابة أمثال أبي بكر وعمر وعثمان ومعاذ بن جبل وأبي هريرة و غيرهم (ابن سعد، 7 / 26؛ الحاکم، 3 / 574). ثم سمع منه طائفة من التابعين مثل ابن سيرين والشعبي والمكحول وقتادة وغیرهم ممن یبلغ عددهم 200 شخص (الذهبي، سیر، 3 / 397؛ أیضاً ظ: المزي، 3 / 353 ومابعدها). مع ذلک ما يجدر بالذکر هو قول أبي حنيفة بشأن أنس حیث قال: «الصحابة کلهم عدول ماعدا رجالاً منهم أنس بن مالک وأبو هریرة» (ابن أبي الحدید، 4 /  68). 
بالقـاء الضوء علی المصادر الإماميـة سیتضح لنـا أن أنس بن   مالک لم یلق حظوة لدی الإمامیین ومنهم من اکتفی بذکره خادماً للرسـول الأعظـم (ص) (الطـوسي، 3) ومنهم مـن جعلـه فـي عداد المنحرفین عن الإمام علي (ع) استناداً إلی الروایة المعروفة بـ «المناشدة» حيث كتم أنس حديثاً في مناقب الإمام علي (ع) بذريعة الشيخوخة والنسيان ومن ثم لعنه الإمام علي (ع) (الکشّي، 45؛ ابن بابویه، أمالي، 10؛ أیضاً ظ: ابن قتیبة، 580). وکذلک استناداً إلى رواية منقولة عن الإمام الصادق (ع) کان أنس أحد الأشخاص الثلاثة الذين كانوا يفترون الكذب على النبي (ص) (ابن بابویه، الخصال، 190). 

المصادر

   ابن أبي الحدید،عبد الحمید، شرح نهج البلاغة، تق‍ : محمد أبو الفضل إبراهیم، القاهرة، 1378ه‍ / 1959م؛ ابن الأثیر، علي، أسدالغابة، القاهرة، 1280ه‍ ؛ م.ن، الکامل؛ ابن بابویه، محمد، أمالي، بیروت، 1400ه‍ / 1980م؛ م.ن، الخصال، تق‍ : علي أکبر الغفاري، قم، 1403ه‍ / 1362ش؛ ابن حجر العسقلاني، أحمد، الإصابة، القاهرة، 1328ه‍ ؛ ابن حزم، علي، جوامع السیرة، تق‍ : إحسان عباس وناصر الدین أسد، القاهـرة، دار المعـارف؛ ابن سعـد، محمد، الطبقـات الکبری، بیروت، دار صـادر؛ ابن عساکر، علي، تاریخ مدینـة دمشق، مخطوطة مکتبة أحمد ثالث، عـد 2887؛ ابن قتیبة، عبد الله، المعارف، تق‍ : ثروت عکاشة، القاهرة، 1960م؛ أبو نعیم الأصفهاني، أحمد، معرفة الصحابة، تق‍ : محمد راضي حاج عثمان، الریاض، 1408ه‍ ؛ البخـاري، محمد، صحیـح، بـولاق، 1385ه‍ ؛ البلاذري، أحمـد، أنساب الأشـراف، تق‍ : محمـد حمیـد اللـه، القاهـرة، 1959م؛ الجاحظ، عمـرو، البرصـان والعرجـان، تق‍ : محمد مرسي الخولي، القاهرة، 1972م؛ الحاکم النیسابوري، محمد، المستدرک، بیروت، 1398ه‍ /  1978م؛ الدینوري، أحمد، الأخبار الطوال، تق‍ : عبد المنعم عامر، القاهـرة، 1960م؛ الذهبـي، محمد، تاریـخ الإسلام (حـوادث ووفیـات 81-100ه‍(، تق‍ : عمـر عبد السلام تدمـري، بیروت، 1409ه‍ / 1989م؛ م.ن، سیـر أعلام النبـلاء، تق‍‍ : شعیب الأرنؤوط وآخرون، بیروت، 1405ه‍ / 1985م؛ زبیر بن بکار، الأخبار الموفقیات، تق‍ : سامي مکي العاني، بغداد، 1972م؛ الطبري، تاریخ؛ الطوسي، محمد، رجـال، النجف، 1380ه‍ ؛ الکشـي، محمد، معرفة الرجـال، اختیـار الشیخ طوسـي، تق‍ : حسن مصطفوي، مشهـد، 1348ش؛ الکلبي، هشام، نسب معد والیمن الکبیـر، تق‍ : محمود فردوس العظم، دمشق، دار الیقظة العربیة؛ المزي، یوسف، تهذیب الکمال، تق‍ : بشار عواد معروف، بیروت، 1312ه‍ / 1991م؛ النووي، یحیی، تهذیب الأسماء واللغات، بیروت، دار الکتب العلمیة؛ الیعقوبي، أحمد، تاریخ، بیروت، 1379ه‍ / 1960م.  

                                                       عبد الأمیر سلیم / د.