الصفحة الرئیسیة / المقالات / الامکان الاشرف /

فهرس الموضوعات

الامکان الاشرف


تاریخ آخر التحدیث : 1442/2/22 ۰۷:۱۵:۰۱ تاریخ تألیف المقالة

اَلْإمْكانُ الْأَشْرَف،   مفهوم في الفلسفة الإسلامية، لاسیما في المذهب الإشراقي والرؤي الفلسفية المستمدة منه وقد تحول إلى إحدی القواعد الفلسفية، ویحظی بأهمية بالغة لدى الفلاسفة المتأثرين بالرؤية الإشراقية، حیث استعان هؤلاء الفلاسفة بالقاعدة تلک کآلیة لحل بعض المسائل المعقدة الأخرى. وحسب مفهوم الإمکان الأشرف، فإن الممکن الأشرف یجب أن یکون أقدم في مراتب الوجود من الممکن الأخس. وعلى هذا، فإن وُجد الممكن الأخس، فلا بد من أن یکون الممکن الأشرف قد سبقه في الوجود.
مایجدر بالذکر هو أن موضوع  الإمكان الأشرف في الفكر الفلسفي الإسلامي، یعود تاریخیاً إلى ابن سينا، دون أن يصوغه في إطار قاعدة محددة أو یتناوله کقضیة مستقلة، أو أن یستعین به في الإجابة على المسائل الأخرى. ويطرح ابن سينا في التعليقات هذه المسألة في شکلها العام قائلاً: «إن الكمال المطلق يكون حيث الوجوب بلا إمكان والوجود بلا عدم والفعل بلا قوة والحق بلا باطل. ثم كل تال فإنه يكون أنقص من الأول وكل ما سواه، فإنه ممكن في ذاته. ثم الاختلاف من التوالي والأشخاص والأنواع یکون بحسب الاستعداد والإمكان، فكل واحد من العقول الفعالة أشرف ممایلیه وجمیع العقول الفعالة أشرف من الأمور المادیة، ثم السماويات من جملة الماديات أشرف من عالم الطبيعة. ويريد [؟] [بالأشرف] ههنا ما هو أقدم في ذاته ولايصح وجود تاليه، إلا بعد وجود متقدمه» (ص21، أيضاً ظ: «العرشية»، 15-16).
ولعلّ ابن سينا یشیر هنا إلى فكرة لأرسطو، إذ إنه وعندما یقول «ويريد...» یقصد به أرسطو. وتظهر هذه القضیة بعد ابن سینا بمائة عام ونيف، عند شهاب الديـن السهروردي (تـ 587ه‍ / 1191م) مؤسس حكمة الإشراق على شكل قاعدة مهمة، حیث یربط صراحة هذه القاعدة بأرسطو، قائلاً: «ومما ينبغي أن تعلم أنّ من جملة ما حمل القدماء على اعتقاد الأشرف والأكرم في الأمور السماوية وغيرها شهادة الِفطَر بوقوع الأشرف فالأشرف»  («المشارع...»، 434): ثم يقول بعد ذلك: «فيجب عليك أن تعتقد في السماويات والعوالم القدسية ما هو أتم وأكمل، وإن كل ما تتصور من كمال واجب الوجود والأمور العقلية والسماوية، فإنها أرفع في نفسها وأشرف مما تصورته. وإذا كان الجوهر العقلي أشرف من النفس يجب أن يكون قبلها، ولما كانت الأثیريات أشرف من العنصريات يجب أن تكون حاصلة قبلها ــ بضرب من العلية على ما نذكره ــ وهذا تفصيل فصلناه. وإجماله لإمام الباحثين أرسطو من إشارة أشار إليها في كتاب السماء والعالم ما معناه أنه يجب أن يعتقد في العلويات ما هو الأكرم والأشرف» (ن.م، 435).
وأکثر ما یستعین السهروردي بهذه القاعدة هو لإثبات المُثُل النورية، أو «الأنواع النورية المجردة» على حد تعبيره. ويخصص في «حكمة الإشراق» فصلاً للإمكان الأشرف ويعتبره إحدى قواعد الإشراق ويقول في أحد المواضع «والأنواع النورية القاهرة أقدم من أشخاصها، أي متقدمة عقلاً. والإمكان الأشرف يقتضي وجود هذه الأنواع النورية المجردة» (ص 143)، ويقول في موضع آخر: «ومن القواعد الإشراقیة أن الممكن الأخس إذا وجد، فيلزم أن يكون الممكن الأشرف قد وجد» (ن.م، 154؛ قا: قطب الدين، 367 وما بعدها؛ أيضاً ظ: السهروردي، «اللمحات»، 156، 164-166، «الألواح...»، 39).
وکـان صدر الدين الشيرازي (ملاصـدرا) (تـ 1050ه‍ / 1640م) الفيلسوف الكبير هو الآخر الذي أخذ بعد السهروردي، بقاعدة الإمکان الأشرف، وعکف علی شرحها وتفصیلها. وقد استلهم مضمون القاعدة من مؤلفات السهروردي وتبعاً له ینسب أصلها إلى أرسطو ويستخدم في هذا الإطار نفس عبارات السهروردي. ويطرح ملاصدرا في كتابه الأسفار (7 / 244- 258) المسألة ويبحثها بشكل تفصیلي ويضع في مقابلها قاعدة «الإمكان الأخس» التي هي من ابتكاره على مايقول، ويتناولهما كليهما بالدراسة والإثبات التفصيليين. ويعتبر صدر الدين الشيرازي قاعدة الإمكان الأشرف مبدأً برهانياً وذات نتائج مفيدة ویعید الاستعانة بها إلی عهد، أرسطو، حيث تطرق إليها كثيراً، على حد قوله، في أثولوجيا (للنموذج، ظ: «أثولوجيا»، 134-139). كما يستند إلى عبارته عينها في السماء والعالم والتي أشار إليها السهروردي. يقول ملاصدرا: لقد وضع ابن سينا في مختلف مؤلفاته ترتيب نظام الوجود وتبیین سلسلتي «البدء والعود»، على هذه القاعدة ويضيف قائلاً إن السهروردي أيضاً استند إلى هذه القاعدة لإثبات العقول وإثبات المُثُل النورية (7 / 244-245).
يقول ملاصدرا في تكملة بحثه «إنه قد وقع لنا إشکال معضل علی قاعدة إمکان الأشرف... وما قدر أحد علی حلّه إلی أن نوّر الله قلبي وهداني ربي إلی صراط مستقیم...» (7 / 254-255). وفي موضع آخر يضع قاعدة الإمكان الأخس في مقابل قاعدة الإمكان الأشرف ويبدأ هذا المبحث بالموضوع الفلسفي التالي المهم للغاية: «والحق أن دار الوجود واحدة والعالم کلّه حیوان کبیر واحد وأبعاضه متصلة بعضها ببعض، لابمعنی الاتصال المقداري واتحاد السطوح والأطراف، بل بمعنی أن کل مرتبة کمالیة من الوجود ینبغي أن تکون مجاورة لمرتبة یلیها في الکمال الوجودي وأن لایکون بینها وبین مرتبة أخری فوقها من الشدة أو تحتها في الضعف خالیة، بحیث یتصور إمکان درجة أو درجات لم یتحقق بعد؛ فإن ذلک غیر جایز عندنا والبرهان علیه مستفاد من قاعدة  الإمکان الأشرف وقاعدة أخری هي قاعدة الإمکان الأخس. أما الأولی فموروثة عن المعلم الأول. وأما الثانیة فنحن واضعها بعون الله» (5 / 342، أيضاً 2 / 307).
وكما سبق، فإن السهروردي ومن بعده ملاصدرا، قد أعادا جذور قاعدة الإمكان الأشرف إلى أرسطو، وإلى كتاب السماء والعالم. وقد بادر يوحنا ابن البطريق (تـ ح 200ه‍ / 816م) الذي كان من أوائل المترجمين المعاصرين للمأمون بترجمة کتاب أرسطو تحت عنوان «في السماء» من اليونانية إلى العربية؛ إلا أنه لم يكن يراعي الأمانة في الترجمة بشكل تام حسب تقرير المؤرخين، بل تصرف فيها وابتعد عن الأصل من أجل المزید من الإیضاح.
ولاتوجد الیوم في النص العربي لكتاب السماء لأرسطو العبارة التي ينقلها کل من السهروردي وملاصدرا عن أرسطو، وما قد یدلنا علی مفهوم یتشابه مع ما نقله السهروردي عن أرسطو، في نص ترجمة یوحنا ابن البطریق یتعلق بالفصل الذي يتطرق فيه أرسطو لإثبات العنصر الخامس (الأثير) ذي الحركة الدورية: «بناء علی ما جاء ومن خلال مقارنة مقنعة یمکن التوصل إلی نتیجة فحواها أن هناک هیکل (أو جسم آخر) سوی الأجسام القریبة منا والمحیطة بنا، یتکون من عنصر طبیعي، أشرف من طباع هذه الأجسام وله طبیعة أشرف حسب بعده ورفعته عن تلک الأجسام» (ص136 وما بعدها، قا: النص اليوناني، الكتابI ، الفصل، 2 ، الورقة، 269b ، الأسطر 13-17) .
من جهة أخرى، یوجد بين مؤلفات شارحي آثار أرسطو، شرح سیمبلیکیوس (النصف الثاني من القرن 6م) الفيلسوف الأفلاطوني المحدث، على كتاب «في السماء» لأرسطو. وقد نقل في موضع من شرحه عبارات من مؤلفات أرسطو المفقودة يشبه مضمونها في بعض الوجوه قاعدة الإمكان الأشرف. ويذكر سيمبليكيوس هناك عبارات من رسالة أرسطو «في الفلسفة» المفقودة، فقد كتب قائلاً: «يقول [أرسطو] في هذا المجال: بشكل عام إذا کانت هناک أمور فیها أمر أفضل، فلابد من وجود أمر ما هو الأفضل من الجمیع. وعلى هذا، فلأنه تتفاضل الموجودات علی بعضها البعض فمما لاشک فیه أن هناک أمراً ما هو الأشرف من الجمیع ألا وهو الأمر الإلٰهي» (الورقة، 289 ، الأسطر 1-15).
أما ما استشفه صدر الدين من فحوی قاعدة الإمكان الأشرف في أثولوجيا، فمن الواضح إنه لایمثل الفکر الأرسطي فنحن نعلم أن أثولوجيا ليس لأرسطو، بل ترجمة عربية حرة لأجزاء من النص السرياني لإینیادات أفلوطین مؤسس المذهب الأفلاطونية المحدثة (ظ: ن.د، أثولوجيا؛ أفلوطين).

المصادر:  

  ابن سينا، التعليقات، ﺗﻘ : عبد الرحمن بدوي، القاهرة،1973م؛ م.ن، «العرشية»، رسائل، حيدرآباد الدكن،1354ﻫ ؛ «أثولوجيا»، المنسوب لأرسطو، أفلوطين عند العرب، تق‍ : عبد الرحمن بدوي، الكويت، 1977م؛ أرسطو، في السماء والآثار العلوية، ﺗﻘ : عبد الرحمن بدوي، القاهرة، 1961م؛ السهروردي، يحيى، «الألواح العماديـة»، «اللمحات»، سه رسالـه أز شيخ إشـراق، تق‍ : نجف قلي حبيبـي، طهران، 1356 ش؛ م.ن، «حكمة الإشراق»، «المشارع والمطارحات»، مجموعة مصنفات، تق‍ : هنري كوربن، طهران، 1355ش؛ صدر الدين الشيرازي، محمد، الأسفار، طهران، 1383ه‍ / 1963م؛ قطب الدين الشيرازي، محمود، شرح حكمة الإشراق، طهران، 1315ه‍ ؛ وأيضاً:


Aristotle, De Caelo, ed. E. H. Warmington, London, 1971; Simplicius, Commentary on Aristotle’s De caelo, ed. J. L. Heiberg, Commentaria in Aristotelem Graeca, Berlin, 1893, vol. VII.
شرف الدین خراساني(شرف) / خ.

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: