الصفحة الرئیسیة / المقالات / الامر و النهی /

فهرس الموضوعات

الامر و النهی


تاریخ آخر التحدیث : 1441/12/13 ۱۴:۲۵:۰۳ تاریخ تألیف المقالة

اَلْأَمْرُ وَالنَّهْي،   عنوان یدخل ضمن مباحث الأصول الفقهیة للبحث في كيفية تفسير الأوامر والنواهي الشرعية.
لقد شغل الأمر والنهي بال الفقهاء منذ بدایات علم الفقه، بعد أن کان من أولی الرکائز التي استند علیها هذا العلم في ظهور وتکوینه. وانطلاقاً من أن الجزء الأکبر من التشریع في الکتاب وفي السنة النبویة جاء في سیاق الأمر والنهي، فإن تقدیم قراءة واقعیة ومثالیة بشأن الأمر والنهي، بحاجة إلی استخراج الأحکام وتفسیر الشریعة وقبل الخوض في التفاصیل، فلابد من القول بأن الأمر والنهي یرتبطان بالسنة النبویة المتمثلة بالأقوال، بینما یخرجان عن سیاق السنة الفعلیة أو التقریریة مع بقاء إتباع السنة النبویة ضرورة لایمکن العدول عنها. من الناحیة التاریخیة فقد تکوّن وتطوّر موضوع الأمر والنهي في علاقة مباشرة مع دلیل الکتاب وتوظیفاته، حاله حال القضایا القدیمة اللفظیة ویدخل عند تبویب علم الأصول، ضمن القضایا اللفظیة التي تناقش تفسیر الأنواع اللفظیة ومن أجل فهم مکانة الأمر والنهي في القاموس القرآني، یجب الوقوف أولاً عند العلاقة بین الله والإنسان المتمثلة في علاقـة «العبد» بـ «ربه» والتي یشکل الأمر والنهي أحد جوانبها وأبعادها. ومن هنا تتأتی العلاقة التي تربط مفاهیم کطاعة الأوامر والنواهي ومعصیتها، بالربوبیة والعبادة، علی هذا، فإن الأمر والنهي فضلاً عن الأهمیة التي یحظی بها في الشریعة، فإنه یکتسب أهمیة قصوی في النظریة اللاهوتیة وحتی معرفة الکون في القرآن، وهناک المزید من الآیات التي تنص علی أن الله إذا أراد في الأزل وجود شيء یوجده بحکمه الأزلي یوجد ذلک الشيء، کما جاء في الآیة الکریمة: «کُن فیکون».
أما بالإضافة إلی الأمر بالوجود الذي یعني بدایة الخلق، فهناک أمر آخر، وکأنه إحدی السنن التي جاءت في القرآن الکریم، هو الأمر المولوي الذي یصدره المولی للمأمور بعد خلقه. وإحدی تجلیات هذا التقلید القرآني، تتمثل في خلق السموات والأرض. حیث یأتیهما أمر الله بعد الخلق «أن یأتیا طوعاً أو کرهاً» إثباتاً للربوبیة، حیث یقول: «فقال لها وللأرض ائتیا طوعاً أو کرهاً قالتا أتینا طائعین»  (فصلت / 41 / 11). وتَجسد ظهور آخر من هذه السنة القرآنیة في قصة خلق الإنسان، حيث يمثل نهي آدم وزوجه عن الاقتراب من «الشجرة المحرمة»، مرحلة حساسة في مسار القصة (ظ: البقرة / 2 / 34-35). تتکرر هذه السنة القرآنیة في الثقافة الروائیة حیث نـری بعض الأمثلـة لها، منها الأمـر بـ «أقبل» و«أدبـر» في قصة خلق «العقل» (ظ: الكليني، 1 / 10).
یتحقق الأمر والنهي الإلٰهیین في مقام التشریع أیضاً: وهو مرتبة من الأمر والنهي یتولی الأنبیاء إبلاغها للناس ویتحقق طاعته عبر إتباع أوامر الرسل ونواهيهم. ورغم أن الأمر والنهي المطلقين والحقيقيین في الثقافة القرآنية هما لله سبحانه وتعالی، ومع أن الرسول هو مجرد إنسان جری اختیاره لتبلیغ الرسالة، إلا أن الحدیث عن عدم ضرورة إطاعة الإنسان «لبشر مثله» لیس إلا مغالطات یطرحها الکفار والمعاندون (المؤمنون، 23 / 34؛ القمر / 54 / 24). تتلخص فلسفة الأمر والنهي النبویین في عبارة واحدة هي «وما أرسلنا من رسول إلا لیطاع بإذن الله...» (النساء / 4 / 64)، وهي الآية التي اعتبرت طاعة الرسل أساساً للرسالة من جهة ومن جهة أخری واعتبرتها ضمن الامتثال للأمر  والنهي الإلٰهيين. ويمكن التوصل إلى فهم أعمق لهذه الآية من خلال آيات عديدة وضعت طاعة الرسول إلى جانب طاعة الله (مثلاً آل عمران / 3 / 32 / 132).

الأمر والتشريع في الكتاب والسنة النبویة:

  مما لا شک فیه هو أن جزءاً من المصحف الشریف یتألف من آیات لها طابع تشریعي وتدل علی الأحکام الربانیة وقد لقیت تلک الآیات الـتي اشتهرت بعنوان آیات الأحکام (ن.ع)، اهتماماً کبیراً من لدن الفقهاء. أما تصنیفاً للآیات الفقهیة، فلابد من التمییز  فیما بین بعض الأسالیب لتبیین التشریع، فهناک بعض آیات الأحکام، یرد فیه التشریع بصیغة الأمر الصریح، عبر توظیف مادة الأمر والنهي (منها «... یأمرکم أن تؤدوا الأمانات...»، النساء / 4 / 58)، أو بصیغة الأمر والنهي (مثل «... فاغسلوا وجوهکم...»، المائدة  / 5 / 6)؛ فیما نری شرعیة بعض الأحکام في عدد من آیات الأحکام من خلال توظیف صیاغة إخباریة وضمن التطرق إلی سنة من سنن الصالحین، أو نلاحظ أسالیب مختلفة أخری للتشریع في تلک الآیات.
وفيما يتعلق بمدلول الأمر والنهي، يجب أن نقول أولاً خلال الحديث عن مادة الأمر والنهي إن الحديث في الآيات القرآنية دار مراراً عن الأوامر الإلٰهیة بالقیام بأعمال مثل عبادة الله وحده (مثلاً المائدة / 5 / 117)، إقامة القسط والعدل (الأعراف / 7 / 29؛ النحل / 16 / 90)، الإحسان (ن.ص)، صلة الرحم (البقرة / 2 / 27؛ الرعد / 13 / 21 / 25) وأداء الأمانة (النساء / 4 / 58)، حيث تمثل جميعها أحكاماً مُلزِمة. كما یمکن ذکر بعض مواضع استخدام لفظ النهي للإلزام بالترك وِمن أمثلته النهي عن الفحشاء والمنكر والبغي (النحل / 16 / 90) والربا (النساء / 4 / 161). أما لفظة الأمر، فقد جاءت في حین من أجل الإباحة في آية من الآيات القرآنية (البقرة / 2 / 222).
إذا ما نظرنا إلی صیغة الأمر والنهي من منظورین مختلفین، فإنها یصبحان ذا أبعاد متعددة. أما المنظوران فهما أولاً أن الجزء الأکبر من آیات الأحکام یتکون من آیات ورد فیها التشریع عبر صیغة الأمر والنهي وثانیاً وفي نطاق المفاهیم، فإن هناک آیات قد وردت فیها صیغ الأمر والنهي بشکل غیر ملزم وبعیداً عن حالة الإباحة، فإن الاهتمام بمرتبتین من المراتب التشريعية للأمر والنهي، أي مرتبة الإلزام ومرتبة التحريض، قد فرض تقسيمات في التفاسير القديمة. وفي هذا الصدد، نذکر کلاماً للإمام علي (ع) قسم الآيات القرآنية إلى سبعة أقسام: هي «الأمر، الزجر، الترغيب، الترهيب، الجدل، المثل والقصص» («تفسير»، 4)؛ وفي الأقسام الأربعة من هذا التقسیم یمکن التمییز بين الأمر الإلزامي والنهي الإلزامي والأمر التحريضي والنهي التحريضي (قا: العياشي، 1 / 10: عن الأمر والزجر).
في قراءة للسنة النبویة الشریفة، ندرک قبل کل شيء أن الجزء الأهم من الأحکام المذکورة  في السنة النبویة قد جاءت ضمن الفعل والتقریر، بحیث إن الکلام قلّما یأخذ طابع الأمر والنهي، حتی عندما تأتي الأحکام في إطار القول. وفي هذا المجال، نلاحظ أن استخدام الصیغة من مادة الأمر والنهي أوسع نسبياً، ولكننا نلاحظ أيضاً نماذج من استخدام المادة. وتوجد بين هذه النماذج حالات تستحق الدراسة والتحليل من حيث مدلول الأمر والنهي؛ ومنها وجوب الإشارة إلى حالات مثل الأمر بصلاة الوتر والأمر بالمسواك، حيث استخدمت فيها مادة الأمر للدلالة على الأمر التحريضي، ولیس الإلزامي؛ وقد جاء في الأحاديث المتعلقة بهذه الحـالات، عبارات مثـل «العـزم» و«الكتابـة» لإظهار الإلـزام (ظ: السيوطي، 1 / 66)، حيث يعتبر الأخير من التعابیر القرآنية المعروفة (مثلاً البقرة / 2 / 183). وفضلاً عن النموذج ذاک هناک تعابیر كثيرة في السنة النبوية عززت أساس تقسيم الأوامر والنواهي، إلى إلزامية وتحريضية.

الأمر والنهي في البحوث الأصولية الأولى:

لم یسترسل المفسرون في عهد الصحابة والتابعین، عند الحدیث عن تفسیر الأنواع اللفظیة کالأوامر والنواهي، سوی بعض الإشارات في عدد من الروایات المنقولة عن الصحابة والتابعین. وعلی سبیل المثال، هناک بعض الإشارات وردت في حدیث الإمام علي (ع)، عند التطرق إلی صعوبات التفسیر وتقسیم الآیات، عبارات منها الفرائض والفضائل والرخص والعزائم، وبذلک تعبیر الإمام علي (ع) الأوامر القرآنیة، من حيث الدلالة تدل على وجوب «العزائم»  أحياناً وتدل على الفضيلة (الرخص) أحیاناً أخری (ظ: نهج البلاغة، الخطبة 1). وفي العصر الأول نفسه قد انتقل الحديث عن الأوامر إلى نطاق السنة أيضاً، كما جری الحدیث عن درجات الأوامر في السنة؛ وعلى سبيل المثال، فإن مکحول الشامي قسّم السنة على قسمين؛ قسم الأخذ به فريضة وتركه كفراً، وقسم الأخذ به فضيلة وترکه إلی غیره حرج (ظ: الدارمي، 1 / 145).
وتفید الأخبار التي وردت عن الأئمة الإمامیة، أن هناک تأکیداً حاسماً علی مقولة الإلزام بالنسبة للأوامر القرآنیة، بحیث هذا لایستثني بعض الأوامر الذي یحمل في طیاته، جانباً من الترخیص، کعبارة «لاجناح علیکم». وفي هذا الصدد، تشیر روایة عن الإمام محمد بن علي الباقر (ع) إلی أن عبارة «لاجناح علیکم» في آیات الأحکـام بها طابع أمري مباشر وتدل علـی الوجوب والفرض (ظ: ابن بابویه، 1 / 278-279). ومع ذلک یجب الإذعان إلی أن تقسیم الأوامر الإلٰهیة في تفسیر أهل البیت (ع) لآیات الأحکام إلی وجوبیة وترخیصیة کان لها مصادیق أیضاً؛ وعلى سبيل المثال هناک حديث عن الإمام الباقر (ع) يفيد بأن الآية «والذين هم على صلواتهم يحافظون» (المؤمنون / 23 / 9)، تدل على حکم مُوجِب وتشير إلى الصلوات المفروضة، في حين أن ما نفهمه من الآية «الذين هم على صلاتهم دائمون» (المعارج / 70 / 23) هو حكم ترخيصي وتشير هذه الآیة إلى النوافل (الكليني، 3 / 269-270).
وعند تناول موضوع الأوامر والنواهي النبوية، نری في الأحاديث المرویة عن أئمة أهل البيت (ع) أن جزءاً من الأحكام الشرعية یرتکز على الأوامر والنواهي الإلٰهية بینما یستند الجزء الآخر علی سنة الرسول الأعظم (ص)؛ وتشیر رواياتهم إلی التوافق بين الأوامر والنواهي النبوية و بين الأوامر الإلٰهية، وتتساوی عندهم الأوامر النبویة والأوامر الإلٰهیة في کونها فریضة علـی الناس (مثلاً ظ: م.ن، 1 / 266) ومع ذلك، فـإن أحاديث الأئمة (ع)، تمیز مراراً بين الأوامر القرآنية الملزمة، وبين الأوامر النبوية الملزمة، وقد ورد ذکرها باعتبارها فریضة وسنة بوصفها طبعاً سنة إلزامية، لا استحبابیة (مثلاً ظ: م.ن، 3 / 272 ).
لقد ظهرت القضایا المرتبطة بالرخصة والعزيمة في مدلول الأوامر والنواهي، بل وحتى دلالة الأمر على الإباحة، بالتوازي مع ظهور الأحكام الخمسة، وقد صبّ المفکرون وأصحاب الرأی جلّ اهتمامهم بهذه القضایا في الدراسات المنهجیة حیث تزامنت مع دخول علم الفقه مرحلة التدوین. وبذلک فقد نال النقاش حول الأوامر والنواهي حصة الأسد في أولی النماذج لدراسات مبادئ الفقه عند أوساط الإمامیة وأهل السنة والجماعة.
ولعل الجزء المرتبط بالأوامر والنواهي من الکتاب المعروف بالتفسیر النعماني لمؤلف مجهول هو أول خطوة جدیة علی طریق التعلیم الإمامي في موضوع الأمر والنهي. ویمثل هذا العمل أحد النصوص الإمامیة الذي یرتبط من حیث المضمون بالعلوم القرآنیة من جهة وقضایا ألفاظ الأصول من جهة أخری تاریخیاً یحظی الکتاب بأهمیة بالغة، إذ أنه من المستبعد أن یکون تاریخ تألیفه قد تجاوز القرن 3ه‍ (بشأن التحریرین المختلفین للنص، ظ: «تفسیر»، 3 / 97). واستناداً إلی الحدیث المذکور عن الإمام علي (ع)، فقد تناول تفسیر النعماني الذي یبین أنواع آیات المصحف الشریفة الأمر والزجر والترغیب والترهیب، سعیاً وراء التوصل إلی رؤیة مبدئیة من خلال تحلیل النماذج والمعطیات. ومن هنا فقد طغی موضوع الأمر علی الجزء الأکبر من الکتاب (ن.م، 40-65)، بینما أضیفت إلیه الأقسام الثلاثة الأخری أی الزجر والترغیب والترهیب (ن.م، 65-66).
وفیما یتعلق بالوسط السني باعتباره محطة بارزة في تاریخ تناول الأمر والنهي، فما وصلنا من أقوال متفرقة للشافعي یزودنا بالمزید في هذا الصدد ورغم أن الشافعي قد استرسل في الحدیث عن بعض أجزاء مقولات الألفاظ في رسالته بید أنه یکتفي ببعض النقاط العامة في موضوع الأمر والنهي، کالاستناد إلی وحدة الأهمیة بین الأوامر النبویة والقرآنیة (ص 32، 73، 343، مخ‍(. وفي واقع الأمر، فإن بعض مواقف الشافعي فیها یتعلق بالأمر والنهي والتي استأثرت باهتمام كتب المتأخرين في باب الأمر والنهي، هي تلمیحات قد أشار إلیها في كتابه أحكام القرآن.
وعلی الرغم من أن المواقف المذکورة عن الشافعي بشأن الأمر والنهي محدودة وغیر واضحة المعالم إلا أنها توافق مع القضایا التي وجدت مساحة کبیرة لها في أعمال الأصولیین اللاحقین. وفي الحقیقة، فإن الشافعي قد حاز قصب السبق في الاقتراب من بعض المواضع الفنیة في مضمار الأمر والنهي کموضوع المرة والتکرار أو النهي المسبب للفساد (ظ: السرخسي، 1 / 20-21، 82) وما یرویه ابن سریج عن الشافعي بضرورة الوقف بشأن مدلول الأمر من حیث الإلزام والبحث عن إرهاصات لاستیعاب المدلول وفهمه، فإن ذلک یستحق الاهتمام والمتابعة (ظ: م.ن، 1 / 15). وتکتمل الصورة التي یرسمها ابن سریج عن الشافعي من خلال قراءة الأصولیین التابعین للشافعي، حیث كان الأخير يعتبـر الأمر بالشيء بعد سيـاق النهـي يقتضي الإباحـة (ظ: أبو إسحاق، 38).

الأمر والنهي وتطور أصول الفقه:

  لقد تطور موضوع الأمر والنهي بسرعة فائقة واستحوذ علی مکانة تلیق به وأصبح أحد أبرز رکائز علم الأصول، مع حرکة هذا العلم باتجاه الصیاغة والتطور في القرن 4ه‍ بعد أن کان في الدرجة الثانیة من الأهمیة لدی علماء الفقه في مطلع العهد الإسلامي. في نظرة خاطفة وسریعة إلی عناوین الأمر والنهي في کتب علم الأصول علی مدی القرنین الخامس والسادس من الهجرة، فإننا نجد العناوین کالتالي: في باب الأمر، دراسة مادة الأمر وصيغته دلالیاً، الأمر بعد الحظر، الأمر المعلق على الشرط، بحث المرة والتكرار، بحث الفور والتراخي، بحث الأداء والقضاء، بحوث حول باب دائرة شمول الأمر، الأمر بالشيء الذي یقتضي النهي عن الضد، وعناوين مثل دلالة النهي على الفساد في بحث النهي فضلاً عن الاشتراك مع باب الأمر.
وبعبارة أخری فإن موضوع المرة والتکرار، یرد علی تساؤل عما إذا کان یجوز الاکتفاء بمرة واحدة أو یجب التکرار في تنفیذ أمر شرعي لم یتقید بقید زمني. كما كان النقاش في مبحث الفور والتراخي یدرس ضرورة الاستعجال أو إمکانیة الاستمهال في تطبیق أمر شرعي لم یحدد فترة زمنیة من أجل التنفیذ. كان الموضوع الآخر یدور حول الأداء والقضاء وکان خلاف الأصوليين في هذا الصدد يتمثل في عما إذا کان تطبیق أمر شرعي قضاءً بعد فوات الفترة المحددة لتطبیقه، سیُعتبر بمثابة أمر جدید أم إنه یبقی ضمن الأمر الأصلي الصادر سابقاً. ومن الفصول الرئيسة الأخرى، مسألة الأمر بالشيء، حیث کان یری بعض الأصولیین أنه یحمل بداخله حکماً آخر وهو النهي عن الضد، في حين أن الأصوليين المعنيين بهذا البحث، كانوا مختلفين في تعريفهم للضد. وأخيراً، ومن خلال إشارة إلى النهي المقتضي للفساد، يجب القول إن ما يقصده الأصوليون في هذا البحث هو استطاعتهم في استنباط الحكم الوضعي لـ «الفساد» أيضاً من النهي التحريمي للشارع، فضلاً عن الحكم التكليفي للحرمة (عن نموذج، ظ: الشريف  المرتضى، 1 / 27-197؛ السرخسي، 1 / 11-124؛ أبو إسحاق، 17-104؛ أبو الحسين البصري، 1 / 43-200؛ ابن حزم، 3 / 275 ومابعدها؛ الكلوذاني، 1 / 124 ومابعدها).
لقد تواصلت دراسة القضایا المطروحة في باب الأمر والنهي في کتب الأصول خلال القرون اللاحقة وبقیت رؤوس القضایا وعناوینها علی أصلها ولم تسجل تطوراً ملحوظاً، رغم أنها تطورت واتسعت علی مستوی الکمّیة. وفي حقیقة الأمر فإنه لایمکن رصد تطور کبیر بشأن موضوع الأمر والنهي في کتب علم الأصول في القرون الإسلامية الوسطى وكذلك في القرون الأخيرة (مثلاً ظ: الآمدي، 2 / 356 وما بعدها؛ صاحب معالم، 48 وما بعدها؛ الشوكاني، 91 وما بعدها)
إن ما يستحق الذكر في علم الأصول المتأخر لدى الإمامية باعتباره تطوراً ملحوظاً في هذا الصدد، هو الفصل تدریجیاً بين نوعين من مباحث الأمر والنهي من حيث التجانس. فالأصوليون المتأخرون من الإمامية، قد بادروا بتقسیم القضایا التقلیدیة للألفاظ من حیث التجانس إلی قسمي قضایا الألفاظ (بمعناها الحدیث) وقضایا الملازمات العقلیة دون إشارة أی ضجة في هذا الصدد، کما أدرجوا أجزاء من قضایا الأمر والنهي في قسم الملازمات العقلیة، مستندین إلی أساس الموضوع ومرتکزاته. وإیضاحاً لهذا التمایز، فقد جری تصنیف الجزء المتعلق بقضایا الأمر والنهي التي کانت تعود تحدیداً إلی مدلول الأمر والنهي، بأنـه یدخـل ضمـن قضایـا الألفـاظ وقـد انطبق ذلک علـی أبواب وفصول کالفور والتراخي أو المرة والتکرار، فیما انتقل الجزء الآخر من قضایا الأمر والنهي الذي یتضمن ملازمته عقلیة بین أمر ما أو نهي بحکم آخر، قد انتقل ذلک إلی رکن الملازمات العقلیة، منه اجتماع الأمر والنهي ودلالة الأمر علی الفساد. وقد أصبحت معالم هذا الفصل أکثر وضوحاً في المصنفات الحدیثة (مثلاً ظ: المظفر، 1 / 59-104، 2 / 294-356) بعد أن کنّا نتلمّس بعض ملامحه في کفایة الأصول لآخوند الخراساني (ص 61 وما بعدها).
وقد تمیزت أصول الإمامیة الحدیثة في التعامل مع مباحث الأمر والنهي في نقطة أخری هي أن بعض التأملات الفلسفیة قد تسللت إلی هذا الجزء من المباحث وباتت تؤتي أکلها في موضوع مدلول لفظ الأمر، بشکل خاص. وقد وردت في هذا الموضوع، ومن منطلق أصولي، قضیة «الطلب والإرادة» وهي من القضایا القدیمة عند المتکلمین وقد تطورت علی ید شخصیات، أبرزها مولی علي القوشجي من الأشاعرة المتأخرین (ظ: ص 246؛ قا: العلامة الحلي، 170). وقد كان أساس البحث يتمثل في أن الطلب بمعنی الأمـر، ليس الطلـب الحقیقـي الذی یکـون طلباً بـ «الحمل الشائع الصناعي» بل هو الطلب الإنشائي (للمزید قا: آخوند الخراساني، 64-69؛ أيضاً ظ: النائيني، 130-134؛ البجنوردي، 1 / 115-123؛ الخوئي، 1 /  88 ومابعدها).
وتتبعاً في الدراسات بشأن موضوع الأمر والنهي، نذکر من مصنفات علماء أهل السنة کتاب تحقیق المراد في أن النهي یقتضـي الفساد، لصاحبه صلاح الدین العلائـي (تـ 761ه‍ ). بتحقيق إبراهيم محمد السلقيني في دمشق (1395ه‍ / 1975م) وبالنسبة للمصنفات الإمامیة في هذا الصدد، فهناک الکثیر من المؤلفات في هذا الموضوع، لاسیما عند العلماء المتأخرین من الإمامیة، منها مصنفات عدة في الجمع بین الأمر والنهي لشخصیات کالطباطبائي صاحب الریاض (تـ 1231ه‍ )، المولـى أحمد النراقـي (تـ 1245ه‍ ) وميـرزا حبيب الله رشتي (تـ 1312ه‍ ) (ظ: آقا بزرگ، 1 / 266-269). أیضاً نذکر هنا من المصنفات المطبوعة رسالة تحمل عنوان «في اجتماع الأمر والنهي» من تقريرات دروس ميرزا محمد حسيـن النائيني (تـ 1355ه‍ ). وجرت صیاغتها علي ید موسی الخوانساري (ط قم، 1375ه‍ ). تُضاف إلی ذلک رسائل في موضوع الضد (م.ن، 15 / 114-115)، الفور والتراخي (م.ن، 16 / 367) ودلالة النهي على الفساد (م.ن، 24 / 431).

المصادر: 

  آخـونـد الخراسانـي، محمـد كاظـم، كفايـة الأصـول، قـم، 1409ه‍ ؛ آقا بزرگ، الذريعة؛ الآمدي، علي، الأحكام، تق‍ : إبراهيم العجوز، بيروت، 1405ه‍ / 1985م؛ ابن بابويه، محمد، من لایحضره الفقيه، تق‍ : حسن الموسوي الخرسان، النجف، 1376ه‍ / 1957م؛ ابن حزم، علي، الأحكام، بيروت، 1405ه‍ / 1985م؛ أبو إسحاق الشيرازي، إبراهيم، التبصرة، تق‍ : محمد حسن هيتو، دمشق، 1403ه‍ / 1983م؛ أبو الحسين البصري، محمد، المعتمد، تق‍ : محمد حميد الله وآخـرون، دمشـق، 1385ه‍ / 1965م؛ البجنـوردي، حسـن، منتهـی الأصـول، النجـف، 1379ه‍ ؛ «تفسير» المنسوب للنعماني، ضمن ج 90 من بحار الأنوار، بيـروت، 1403ه‍ / 1983م؛ الخـوئـي، أبـو القاسـم، أجـود التقريـرات (تقـريرات درس الميرزا النائيني)، طهران، مكتبة البوذرجمهري؛ الدارمي، عبد الله، سنن، دمشق، 1349ه‍ ؛ السرخسي، محمد، أصول، تق‍ : أبو الوفا الأفغاني، حيدرآباد الدكن، 1372ه‍ ؛ السيوطـي، الجامـع الصغيـر، القاهـرة، 1373ه‍ / 1954م؛ الشافعـي، محمد، الرسالـة، تق‍ : أحمد محمد شاكر، القاهرة، 1358ه‍ / 1939م؛ الشريف المرتضی، علي، الذريعة، تق‍ : أبو القاسم گرجي، طهران، 1348ش؛ الشوكاني، محمد، إرشاد الفحول، القاهـرة، مكتبـة مصطفى البابـي الحلبي؛ صاحب المعالـم، حسن، معالم الأصـول، تق‍ : مهـدي محقق، طهران، 1362ش؛ العلامـة الحلي، الحسن، كشف المراد في شرح تجريد الاعتقاد، قم، مكتبة المصطفوي؛ العياشي، محمد، التفسير، قم، 1380- 1381ه‍ ؛ القرآن الكريم؛ القوشجي، علي، شرح تجريد العقائد، طهران، 1208ه‍ ؛ الكلوذاني، محفوظ، التمهيد، تق‍ : محمد بن علي بن إبراهيم، مكة، 1406ه‍ / 1985م؛ الكليني، محمد، الكافي، تق‍ : علي أكبر الغفاري، طهران، 1377ه‍ ؛ المظفر، محمد رضا، أصول الفقه، النجف، 1386ه‍ / 1967م؛ النائیني، محمد حسين، فوائد الأصول، تق‍ :  محمد علي الكاظمي، قم، 1404ه‍ ؛ نهج البلاغة.


أحمد پاكتچي / غ

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: