ام البنین

أُمُّ الْبَنين،   فاطمة بنت حِزام، الزوجة الثانية لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع). ووالدها حزام بن خالد من قبيلة بني كلاب (الطبري، 5 / 153) وأمها ليلى، أو ثمامة بنت سهيل بن عامر بن مالك (ظ: ابن عنبة، 356؛ غفاري، 174).
قيل إن الإمام علياً (ع) استشار بعد وفاة فاطمة (ع) في 11ه‍ ، أخاه عقیلاً الذي كان عالما بالأنساب، بشأن اختيار زوجة من بیت عریق في الشجاعة، تنجب له أولاداً شجعاناً، فاقترح عقيل فاطمة بنت حزام بن خالد مؤكداً علی أنه لیس في العرب أشجع من رجال بني كلاب، فتزوج علي (ع) منها (ابن عنبة، 357). فأنجبت 4 أبناء هم العباس وعبد الله وجعفر وعثمان. وکانوا جمیعاً معروفين بالشجاعة والفروسیة ولذلك سميت فاطمة بِأم البنين. وهي تشیر في بعض أشعارها إلی هذه التسمیة. استشهد أبناؤها الأربعة في كربلاء إلى جانب أخيهم الإمام الحسين بن علي (ع) (أبو الفرج، 82-84؛ ابن عنبة، 356؛ الحسّون، 496).
لم تشهـد أم البنين واقعـة كربلاء، وإلا أنها واست أهـل البیت (ع) وشهداء کربلاء وحسب ما جاء في مصادر الشیعة عندما دخلت قافلة كربلاء المدينة أراد أحد أن يخبرها باستشهاد أبنائها ولكنها طلبت أن يخبروها عن الحسين (ع). وعندما بلغها أن أبناءها الأربعة استشهدوا مع الحسين (ع) قالت: «أولادي ومن تحت الخضراء كلهم فداء لأبي عبد الله الحسين (ع)». وقد اعتبر البعض قولها هذا دليلاً على دیانتها الرفیعة وإخلاصها الكامل لأهل البيت والإمام الحسين (ع) (م.ن، 496-497؛ محلاتي، 3 / 293). قيل إن زینب (ع) ذهبت للقاء أم البنين بعد دخولها المدينة وعزّتها بشهادة أبنائها (موسوي، 16) وهذا یدل علی مکانتها المرموقة. ومنذ ذلك الحین، كانت أم البنين تزور کل یوم مقبرة البقیع برفقة حفيدها عبيد الله (ابن العباس) وكانت تنشد فيها الأشعار التي كانت قد نظمتها هي نفسها وتبكي وتندب أولادها ویجتمع الناس ويشاركونها في البكاء (أبو الفرج، 85). کانت أم البنین أديبة شاعرة فصيحة وذات علم وفضل (الحسّون، ن.ص).

المصادر:  

ابن عنبة، أحمد، عمدة الطالب، النجف، 1381ه‍ / 1961م؛ أبو الفرج الأصفهاني، مقاتل الطالبيين، تق‍ : أحمد صقر، القاهرة، 1368ه‍‍ / 1949م؛ الحسّون، محمد وأم علي مشكور، أعلام النساء المؤمنات، طهران، 1411ه‍ ؛ الطبري، تاريخ؛ غفاري، حسن، تعليقات على مقتل الحسين لأبي مخنف، قم، 1364ش؛ محلاتي، ذبيح الله، رياحين الشریعة، طهران، 1364ش؛ الموسوي المقرم، عبد الرزاق، قمر بني هاشم، النجف، 369ه‍ / 1950م.           

حسن یوسفي إشکوري / خ.

أم البنين في الأعراف والتقالید الشعبية:  تتمتع فاطمة أم البنيـن ــ الـمعـروفـة بيـن الـعـامـة فـي‌ إيـران بـأم الـعبـاس وبـ «أم البني» ــ بقداسة ومنزلة سامیة بين النساء المسلمات من الشيعة. کما تحظی لدی النساء الإيرانيات بمکانة قيمة رمزية خاصة بحیث یتوسلن بها لقضاء حاجاتهن وتحقق أمنياتهن ورفع معنویاتهن لتحمل المصائب والآلام.
التوسل:  منذ قرون عديدة ونساء الشيعة يتوسلن بهذه السيدة الفاضلة لدفع الشدائد والنقمات وتحقيق الحاجات والآمال. ويتم التوسل بأم البنين عادة عن طريق النذر (ن.ع) وتقديم النذور یتمثل في بسط سفرة النذر (ن.ع) وإعداد الشوربة وحلويات النذور، وتوزيع التمور في سبيل الله باسمها. ويعتقد الناس من خلال إقامة مثل هذه المراسم والشعائر الدينية أنهم يستطيعون  طلب العون من أرواح الشخصيات المقدسة وإزالة مصائب الحياة وضيقها بمساعدتها. وهذه المراسم والشعائر تمثل واقعاً اجتماعياً وتشكل جزءاً من الحياة الدينية والروحية للمسلمين في المجتمعـات التقليدية، ولها آثار نفسية‌ ـ اجتماعية في تماسك نظام الحياة وتلبية المتطلبات والتوقعات العاطفية لمقيمي هذه المراسم.
وفي إهداء النذر إلی أم البنین أو أیة شخصیة مقدسة أخری، یلعب اعتقاد الناذر وعمله وکذلک الأطعمة والمواد المنذورة دوراً مهماً وأساسیاً بین من یؤدي النذر ومن یأخذه. ومما یساعد أصحاب النذر علی التقرب من الشخصيات المقدسة وتحقيق حاجاتهم وآمالهم هو أحوال الناذر العاطفیة وحالاته الروحیة وخلوص نیاته وكون وسائل النذر وأطعمته حلالاً طیباً، وقراءة الأدعية والأوراد الخاصة بشعائر النذر والتوسل، وأداء طقوس النذر وشعائره بشكل كامل.
سُفْرة أم البنین:  تعرف هذه السفرة بين أهالي بعض المدن والقرى الإيرانية باسم «سفرة أم أبي الفضل» أو سفرة «أم العباس» أيضاً. كما نسبت سفرة باسم «بي بي سه شنبه» في مناطق مثل خراسان (شكورزاده، 28) إلى السيدة فاطمة أم البنین، وفي مناطق أخرى مثل شاهرود (شريعت زاده، 2 / 390-394) إلى السيدة فاطمة الزهراء (ع) وسميت باسم هاتين السيدتين، «سفرة أم البنین» و«سفرة السيدة فاطمة».
وحسـب المعتقدات الشعبيـة، فقـد كانـت بي بي سـه شنبـه (= سيدة الثلاثاء) امرأة محسنة ولدت يوم الثلاثاء، وتزوجت يوم الثلاثاء، وتوفيت يوم الثلاثاء (أسديان، 200؛ شكورزاده، 40). ولعل سبب نسبة سفرة السيدة فاطمة الزهراء والسیدة فاطمة أم البنین إلی بي بي سه شنبه يعود إلى أن الموائد المنذورة لهاتين السيدتين کان یتم بسطها سابقاً يوم الثلاثاء. ومايزال الناس في بعض مناطق إيران یقومون بطبخ شوربة أم البنین یوم الثلاثاء ویبسطون سفرتها هذا اليوم أیضاً (م.ن، 29).
تؤدي أم البنین، هذه الأم المقدسة المثالية دورها في طقوس إهداء النذور كوسيط رمزي بين الناس والرب من خلال حضورها، وتمهد الطریق لتقرب الناذرين من الله لقضاء حوائجهم وخلاصهم من ضيق المعيشة وضنکها.
وتعتبر مستلزمات سفرة أم البنین وأطعمتها أكثر بساطة وأقل مقداراً من سفرة أبي الفضل. فمن المستلزمات الخاصة بالسفرة: القرآن والشمع والمرآة والسجادة والتربة والمسبحة وكتاب الأدعية؛ ومن الأطعمة المنذورة: العصیدة (کاچي) والخبز والجبن والخضروات واللبن ونوع من المکسرات یسمی «آجیل مشکل گشا» (= یحل المشاکل) والتمر ومن الأطعمة الأخرى لسفرة أم البنین: الشوربة والحلوى والرز المطبوخ وأنواع أخرى من المأكولات والفواكه، حيث يتميز البعض منها بطابع النذر، فيما يغلب على البعض الآخر الطابع الرسمي (ظ: صفي نژاد، 401).
من الشروط الأساسية في مراسم الموائد المنذورة، أن تکون مستلزمات المائدة وأطعمتها وما ینفق من المال لتأمینها حلالاً وكذلك طهارة النساء المشاركات فیها. وقد یتم اختیار المراهقات اللائي یحملن اسم فاطمة لإعداد المائدة باعتبارهن یعشن في طهارة وبراءة حسب اعتقاد عامة الناس.
آداب سفرة النذر:  ليس لإقامة سفرة أم البنین وقت معين ومحدد عادة، فإن بالإمكان إقامتها في أي يوم من أیام السنة وفي أي وقت من اليوم، وإن تقام في بعض المناطق ومنها خراسان يوم الثلاثاء.
تبسط سفرة أم البنین وهي قطعة قماش بيضاء، في وسط غرفة في البيت وتوضع عليها المستلزمات والمأكولات. ومن آدابها الصلاة والدعاء. والصلاة الخاصة بهذه المائدة، هي ركعتان تؤدیها صاحبة المائدة والنساء الطالبات لقضاء حوائجهن، على السجادة وبجانب المائدة. وفي بعض مناطق إيران، تصلی صواحب الحوائج قبل صلاة أم البنین، ركعتین باسم أبي الفضل، الملقب بباب الحوائج، ثم یطلبن قضاء الحاجات.
وبعد نهاية الصلاة يقرأن دعاء التوسل. ثم یرددن 100 مرة أوراداً تخص مائدة أبي الفضل العباس (شکورزاده، 29؛ صفي نژاد، 402؛ دولتي، 194). وتقرأ أدعية المائدة وأورادها قارئة من النساء عادة تسمى في خراسان «آتو» (ظ: شكورزاده، 31)، وفي طهران «خانم درسي»، وتردد النساء المجتمعات حول المائدة ما تقوله. وأخيراً، تبدأ الحاضرات في المجلس بتناول أطعمة المائدة.
تختص مائدة أم البنین بالنساء ولايجوز للرجال المشاركة فیها. كما يمنع الرجال والصبيان من تناول بعض الأطعمة المنذورة مثل، العصیدة والحلوی والتمر والشوربة (هدايت، 41؛ فقيري، 54). ويرى أهالي خراسان أن الرجال لایجدر بهم أکل شوربة أم البنين ويعتقدون أن الرجل بتناولها سیقع في السجن. کما يمنعون المرأة الحامل من تناولها كي لایسجن ابنها في الکبر (شكورزاده، 32).
الشوربة وحلوى النذر: وهما من الأطعمة التي تنذر باسم فاطمة أم البنین وتعرف هذه الشوربة والحلوى بين الناس في غالبية المناطق باسم شوربة أم أبي الفضل وحلوى أم البنین (فقيري، ن.ص)، ويسميها أهل خراسان شوربة أُوماج كُوماج (شكورزاده، 28).
وفي تحضیر الشوربة وكيفية طبخها آداب خاصة. فالنساء عادة یحصلن علی الطحین، أو مبلغ شرائه ليلة الثلاثاء من خلال التسول من 7 بيوت فيها امرأة تحمل اسم فاطمة، كما يشترين الحبوب والمواد اللازمة. ويفرغن الطحین في صينية، أو صحن ویضعنه في ليلة الثلاثاء على مائدة النذر مع شمعة، أو مصباح في غرفة ویغلقن باب الغرفة. ویفتحن فجر يوم الثلاثاء الباب، ثم يرفعن الطحین الذي باركته أم البنين حسب اعتقادهن ويعجنّه  ويصنعن منه «أماج» (وهي حبوب مدورة علی شکل الماش وحجمه) أو الشعرية ويضيفونها إلى شوربة النذر. وأما الذين نذروا الحلوى، أو العصيدة، فإنهم يخلطون الطحین بالماء والزيت والزعفران والسكر، أو العسل ویطبخون الحلوى والعصيدة، ويخبز أهالي خراسان عدة أرغفة من الخبز من هذا الدقيق على الصاج ويطلقون عليه اسم كُوماج. ويوزعون الشوربة والحلوى في كاسات وصحون بين الأقارب والجيران، أو يضعونهما على المائدة المنذورة لأم البنین.
وفي خراسان يضع الأهالي شوربة أوماج كوماج على المائدة مع عدد من الشموع. وعندما تجلس جميع النساء حول المائدة، تقرأ «آتو» التعزیة، وتتلو 7 آيات من سورة يس.
وبعد قراءتها کل آیة تردد النساء بصوت واحد: السلام عليك يا أمير المؤمنين. وهناک فتاة مراهقة تحمل اسم فاطمة تجلس علی المائدة متوجهة إلى القبلة وتأخذ من كاستها بعد كل آية مقداراً من الشوربة بملعقة تحملها، وتسکبه في صحن وفي النهاية تعید الشوربة إلی الكاسة. وبعد الانتهاء من قراءة الدعاء والأوراد، يفرغن الشوربة في صحون، ويوزعنها بين النساء في المجلس (للمزید من المعلومات، ظ: م.ن، 28-32).
قبول النذر:  يعتقد الناذرون أن السيدة أم البنین تبارك الطحین الخاص بالشوربة، أو الحلوی والعصیدة من خلال حضورها الروحي على المائدة المبسوطة في الغرفة المغلقة لیلاً. وهم یعتقدون أن علامة الحضور الرمزي للسيدة أم البنين، ومباركتها الطحین، هي الأثر الذي يُترك على الطحین. وأن هذا الأثر هو نقش رمزي لقبضة ید أم البنین أوتربتها، أو مسبحتها ويرون أنه علامة قبول النذر وقضاء حوائجهم.
ومثل هذا المعتقد كان شائعاً أيضاً منذ القدم في المجتمع الزرادشتي في إيران. فقد كان الزرادشتيون يعتقدون بأن نذورهم وحاجاتهم لاتقبل إلا عندما تأتي ابنة ملک الجن وتأكل من الأطعمة على مائدة النذر.
وقد كان الزرادشتيون يقيمون موائد نذورهم في غرف الطعام في بيوتهم ويغلقون باب الغرفة لیلة واحدة کي تحضر ابنة ملک الجن وتتجلى علامة حضورها وقبول نذرهم في ظهور علامة على بيضة وضعت في القطن ونثر فوقها الصعتر (تجربه کار، 197-198).

المصادر:

   أسديان خرم آبادي، محمد وآخرون، باورها ودانسته‌ها  درلرستان وإيلام، طهران، 1358ش؛ تجربه كار، نصرت، «بعضي أز رسوم باستاني»، مجلۀ مردم شناسی، طهران، 1335ش، عد 2؛ دولتي، فرخنده، «سفره‌ها»، سخن، 1344ش، عد 2؛ شریعت زاده، علي أصغر، فرهنگ مردم شاهرود، طهران، 1371ش؛ شكورزاده، إبراهيم، عقاید ورسوم مردم خراسان، طهران، 1363ش؛ صفي نژاد، جواد، مونوگرافي ده طالب آباد، طهران، 1355ش؛ فقيري، أبو القاسم، «سفره‌ها در شيراز»، هنر ومردم، طهران، مرداد 1350ش، عد 106؛ هدايت، صادق، نيرنگستان، طهران، 1334ش.             

                              علي بلوكباشي / خ.