تدوین الالفیات فی الفقه و الحدیث

تدوين الألفيات في الفقه والحديث:  إن ظاهرة تدوين الألفيات التي بدأت بعلم النحو اتسع نطاقها تدريجياً ليشمل مختلف العلوم منها الحديث والفقه والأصول والكلام والمنطق ولاشك في أن الألفیات في علم الحديث والفقه والأصول تحظی بمكانة خاصة.
ألف زين الدين عبد الرحيم العراقي في القرن 8ه‍ / 14م منظومة في مصطلحات الحديث وسماها ألفية الحديث، ولم یلبث حتی حظیت بمكانة رفيعة بين کتب الحدیث. لقد اتخذ المصنف مقدمة ابن صلاح أساساً لتألیفه ونظم مباحث مثل تقسيم أنواع الحديث وأساليب تحمله. طبع هذا الأثر عدة مرات (ظ: العراقي، محمد، 1 / 16؛ العراقي، عبد الرحيم، ألفية ... ، 5 وما بعدها، 23 وما بعدها، عن الشرح ظ: التبصرة ... ، 1 / 12 وما بعدها، 2 / 23 وما بعدها). ثم كتب العراقي شرحاً علیه، بعنوان التبصرة والتذكرة، أو فتح المغيث بشرح ألفية الحديث. وفضلاً عن ذلک نظم كتاب تقريب الإرشاد للنووي في مصطلح الحديث على أسلوب الألفية، وسماه نظم الدرر في علم الأثر، ثم كتب عليه شرحین أحدهما مختصر وثانیهما مطول (ظ: الكتاني، 215). ومما يجدر ذكره أن للمصنف آثاراً أخری تحت عناوین ألفية غريب القرآن  وألفية السيرة في مجال غريب القرآن والسيرة النبوية (البلوي، 107، ها4 ؛ الروداني، 121).
حظيت ألفية العراقي باهتمام كبير من قبل الكتّاب اللاحقين، بحیث كتب عليها حواش وشروح كثيرة. کما أعد محمد أمين، المعروف بأمير پادشاه البخاري في 972ه‍ ملخصاً لكتاب التبصـرة، وكتب ابن قطلوبغا (تـ 879ه‍)، فالبقاعي (تـ 885ه‍)، حاشية علیها. ومن أهم شروحها هي شروح القاضي زكريا الأنصاري وجلال الدين السيوطي وإسماعيل بن إبراهيم بن جماعة وشرح السخاوي الشهير (ظ: حاجي خليفة، 1 / 156-157).
لقد استمرت حرکة تألیف الألفیات في علم الحديث بعد العراقي، حيث صنف السيوطي أثراً نظم فيه مصطلحات علم الحديث وسماه ألفية الحديث (دمشق، 1400ه‍ / 1980م). وفي هذه الأثناء، اهتم العلماء الإمامية بتألیف ألفیات في الفقه والأصول وعلى مقدمتها الألفية لمحمد بن مكي الشهيد الأول (تـ 786ه‍ ( في فقه العبادات. وهو بالنثر وسماه الألفیة لأنه یشتمل علی ألف مسألة في أحكام الصلاة (الشهيد الأول، 17-19، 38؛ أيضاً، الحر العاملي، 1 / 181؛ آقابزرگ، 2 / 296؛ مدرسي، 141). لقد حاز هذا الأثر منزلة سامية عند علماء الإمامية، بحيث أقبلوا عليه ينظمونه ويترجمونه إلى الفارسية، كما كتبوا عليه شروحاً عديدة. وممن قام بترجمته عزيز الله بن هدايت الله الحسيني ومحمد معصوم بن محمد رضا الهاشمي ومحمد مهدي بن محمد باقر الخوانساري (ظ: م.ن، 141-142). ومن الملفت للنظر أن الإقبال عليه كان مبكراً ملحوظاً، بحيث لم تمض عليه نصف قرن حتى أخذه الحسن ابن راشد الحلي (كان حياً في 825ﻫ ) بعين الاعتبار ونظمه تحت عنوان الجمانة البهية وجاء تلوه نور الدين علي بن عبد الصمد العاملي (كان حياً في 954ه‍( وصنف منظومة الدرة الصفية في نظم الألفية (ظ: م.ن، 142).
كتبت شروح كثيرة عليه ذكرها آقا بزرگ الطهراني (2 / 296-297). من أهمها شرح إبراهيم بن  منصور البحراني (تأليف: 807ه‍( وشرح الفاضل المقداد (تـ 821ه‍( )لشروح أخرى، ظ: الحر العاملي، 1 / 86، 121، 2 / 21، 155، 310؛ آقابزرگ، 2 / 297؛ مدرسي، 142).
ومن الألفيات الأخرى التي صنفها الإمامية كتاب الموائد لميرزا محمد التنكابني وهو منظومة في القواعد الفقهية العامة،  وكذلك أرجوزة في العقود والإيقاعات للمامقاني تحت عنوان الدرر المنضودة (آقا بزرگ، 8 / 137، 23 / 213).
لقد ألف في مجال أصول الفقه بعض كتاب الإماميّة ألفيات منها الدرة البهية لمحمد علي بن محمد حسن الكاشاني، المعروف بالمولى علي الآراني الذي أنهى منظومته في 1242ه‍ . والدرة المنتظمة لأبي الحسن عبد الهادي بن جواد الهمداني (تم تأليفه: 1297ه‍) (م.ن، 8 / 91، 108-109).
لم يكن تدوين الألفيات في الفقه والأصول عند أهل السنة ذا حظ وافر؛ ومما يستحق ذكره في مجال الفقه، فإنه كتاب الألفية في الفرائض لمحب الدين بن الشحنة يشتمل على مباحث الإرث (حاجي خليفة، 157؛ أيضاً ظ: ن.د، ابن الشحنة). وأما في علم الأصول، فإن إحدى أقدم الألفيات للفقيه الشافعي شمس الدين محمد البرماوي (تـ 831ه‍( تحت عنوان النبذة الألفية في الأصول الفقهية (حاجي خليفة، ن.ص).
وفي الختام مما يجدر بالذكر أن هناك منظومات وألفيات كلامية في عقائد الإمامية وخاصة في النبوة والإمامة منها الفرائد الرضوية وشرحها في النبوة، وكذلك لآلئ الولاية في الإمامة، وكلاهما لمحمد بن سليمان التنكابني (آقا بزرگ، 16 / 135، 18 / 266؛ لألفيـة قديمة في مدح الإمام علي (ع)، ظ: م.ن، 2 / 298).

المصادر: 

  آقا بزرگ، الذريعة؛ البلوي، أحمد، ثبت، تق‍ : عبد الله العمراني، بيـروت، 1403ه‍ / 1983م؛ حاجي خليفة، كشف؛ الحـر العاملي، محمد، أمل الآمـل، تق‍ : أحمد الحسيني، بغداد، 1385ه‍ ؛ الروداني، محمد، صلة الخلف، تق‍ : محمد حجي، بيـروت، 1408ه‍ / 1988م؛ الشهيـد الأول، محمـد، الألفية، قـم، 1408ه‍ ؛ العـراقي، عبد‌ الرحيم، ألفية الحديـث، تق‍ : أحمد محمد شاكر، بيروت، 1988م؛ م.ن، التبصـرة والتذكرة، بيروت، دار الكتب العلمية؛ العراقي، محمد، مقدمة للتبصرة (ظ: هم‍ ، العراقي، عبد الرحيم)؛ الكتاني، محمد، الرسالة المستطرفة، إستانبول، 1986م؛ مدرسي طباطبائي، حسين، مقدمه‌‌إي‌ بر فقه شيعة، تج‍ : محمد آصف فكرت، مشهد، 1368ش.    

                        فرامرز حاج منوچهري / خ.