الصفحة الرئیسیة / المقالات / الست /

فهرس الموضوعات

الست


المؤلف :
تاریخ آخر التحدیث : 1441/10/22 ۲۳:۲۷:۲۷ تاریخ تألیف المقالة

أَلَسْت، مصطلح مقتبس من القرآن يشير على ما يرى عدد من المحدثين والمفسرين والمتصوفة إلى الميثاق الذي أخذه الله من جميع بني آدم في نشأة خاصة في عالم يدعى «عالم الذرّ»، ويتركز مضمونه ومحتواه على الإقرار بربوبية الله، ويعنى بالتوحيد الفطري والذاتي للإنسان. وقد اقتبس تعبير «ألست» من إحدى آيات سورة الأعراف: «و إذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى  
 شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون» (7 / 172، 173). ويتكون هذا التعبير من حرف الاستفهام «أ» والفعل الناقص «ليس» والضمير المتصل المرفوع «تُ». واستعمال الهمزة هنا ليس للاستفهام الحقيقي، بل للإنكار الإبطالي. وتستعمل همزة الإنكار الإبطالي في الحالات التي تقتضي أن ما بعدها غير واقع، وأن مدعيه كاذب (ابن هشام، 24). وعلى أي حال، فإن کلمة ألستُ مؤلفة من 3 أجزاء تشكل قسماً من جملة. وقد استخدمت هـذه اللفظة فـي تركيبـات مثـل «عالـم ألسـت» و «روز ألست» (یوم ألست) أو «بزم ألست» في الأدب الفارسي ووردت الأخيرة في الأدب التركي غالباً (ظ: IA، مادة بزم ألست) حتى أصبحت «ألست» اسم علم أطلق على مرحلة من عالم الكون ما سمی بـ «عالم الذرّ».
وفي نص الآية عدة ملاحظات تستحق التأمل: أولاً إن الله أخرج من ظهور بني آدم ذرياتهم إلى يوم القيامة مرة واحدة وخاطبهم جميعاً، في آن واحد وأخذ في اللحظة نفسها من الجميع الإقرار بربوبيته. ثانياً إن الله تعالى أخرج ذرية آدم بعضهم من بعض وفصل كل واحد منهم عن الآخر على شكل نفس مستقلة وأشهد كل واحد منهم على نفسه، وإشهاد الإنسان على نفسه يعني أن تتضح حقيقته لنفسه ويحصل على علم شهودي حتى يستطيع عندما يُسأل يوم القيامة، أن يجيب على أعماله. وفي الحقيقة، لولا إخراج ذراري بني آدم وأخذ الشهادة منهم، فكان بمستطاع العباد أن يتمسكوا يوم القيامة بالحجج الباطلة وأن يحتجـوا في شركهـم بالله بأنهـم كـانـوا غافلين عـن المعرفة (ظ: الطباطبائي، 8 / 306-309). وبعبارة أخرى، فإن معرفة الربوبية وتوحيد الذات الإلٰهية أمر فطري والإنسان مجبول عليه وإنها ثابتة لاتقبل التغيير. وهذا الموضوع هو من جهة يمثل بحثاً مرتبطاً بعلوم القرآن والحديث، ويحتل من جهة أخرى مكانة خاصة في العرفان والكلام وقد قدم كل واحد من أصحاب الرأي تحليلاً حوله حسب مذهبه ونزعته الفكرية كما فسره العلماء المسلمون تفسيرين مختلفين تماماً بحيث لايمكن التوفيق بينهما، ولعل غوامض من هذا القبيل حملت عالماً كبيراً في علم الحديث مثل محمد باقر المجلسي علی أن یصرح بأن «آيات الميثاق والأخبار الواردة في ذلك ممّا يقصر عنه عقول أكثر الخلق» (مرآة ... ، 7 / 37- 38) و «ترك الخوض في أمثال تلك المسائل الغامضة التي تعجز عقولنا عن الإحاطة بكنهها أولى» ( بحار ... ، 5 / 261).
وتتمثل المشكلة فيما يتعلق بالآيتين المذكورتين في أن علماء الدين جمیعاً کانوا یواجهون تساؤلاً منذ القديم وهو: كيف كان إخراج ذرية آدم من ظهور آبائهم وإشهادهم على أنفسهم؟ وهل كان قبل الخلق الحالي للإنسان وفي عالم الدنيا هذا؟ أم إنه حدث في نشأة وراء هذا العالم الدنيوي، مثلاً في عالم الملكوت، أو المثال؟ واختيار كل واحد من هذه الحالات حین تفسير الآيتین سبب ظهور نظریة خاصة بشأنهما. ولذلك نرى أن المتكلمين والمفسرين عرضوا تفسيرين متعارضین تماماً: الأول أن هذا الميثاق كان قبل الخلق الدنيوي للبشر وفي عالم «الذرّ». والثاني أن المیثاق أُخذ من الإنسان في هذا العالم الدنيوي والحياة الدنيوية، والمقصود من الميثاق هو هذه السنن الشائعة في عالم الخلق. وعلاوة على ذلك هناك تفسير ثالث قدمه بعض المفسرين والمتصوفة.
وفيما يتعلق التفسير الأول يجب أن نأخذ بنظر الاعتبار مصادر أهل السنة والمصادر الشيعية أيضاً. وقد عرض هذا التفسير من کانوا یعیشون في جو فكري تسوده النزعات التقليدية والنقلية دون أن يلاحظ فيه أي أثر من النزعة العقلية حسب اصطلاح العدلية. وما یستنتح من المصادر التفسيرية والحديثية لأهل السنة، هو أن الله أسكن آدم بالقرب من عرفة (في مكة) أو دجني (موضع في الهند) وذلك بعد أن هبط آدم من الجنة ونزل الأرض. ثم مسح الله ظهره، وأخرج ذريته، أي جميع بني البشر الذين سيظهرون من ذريته حتى يوم القيامة. ثم جعلهم فئتين، وأمسك الصالحين بيده اليمنى والطالحين باليد الأخرى. ثم قال بشأن الفئة الأولى إنه خلقهم للجنة، وإنهم سيعملون بعمل أهل الجنة في الدنيا، وأجرى فيما يتعلق بأهل النار حكماً يتناسب مع أحوالهم. ثم أخذ منهم جميعاً ميثاقاً كان معناه وحقيقته الإيمان والمعرفة والتصديق بربوبية الله وحينئذ رأى الجميع أن القلم [التقدير] كتب جميع الحوادث حتى القيامة ثم جفّ. وهكذا قدّرت الكينونات والآجال، والأرزاق والمصائب كلها، وأخيراً أعاد الله ذرية آدم إلى ظهره. وتنطبق مسألة الفطرة حسب هذا التفسير على هذا الميثاق نفسه (الطبري، 9 / 75-81؛ أحمد بن حنبل، 1 / 272).
لقد ورد مثل هذا التفسير في المصادر الحديثية للشيعة أيضاً، ولكن تفاصيله على شاكلة أخرى. وما يمكن استنتاجه من مجموع الروايات هو أن الله مزج تراب المذنبين وأهل النار بماء مرّ وأجاج، وتراب أهل الجنة بماء عذب. ثم خلق من ذلك الطين بشراً يشبهون الذر وأخذ منهم الإقرار بربوبيته ونبوة محمد (ص) وولاية علي (ع) وأوصيائه حتى المهدي (ع). وكان محمد (ص) أول من آمن في عالم الذر (قا: الآية «إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين»، الزخرف / 43 / 81). ودار في بعض الروايات الحديث عن خلق الأرواح قبل الأبدان وأخذ الميثاق من الأرواح. كما وردت في بعض الروايات إشارات إلى ما قدر من قبل والمصير المحتوم (الكليني، 2 /  8، 10، 12؛ المجلسي، بحار، 5 / 226، 234-235، مخ‍ ، 17 / 120-121، 39 /  178-179، 58 / 135-136). ومن الملفت للنظر أن هـذه الروايات خضعت للنقد مـن حيث الإسناد ودلالة المفاهيم ( تفسير نمونه، 7 /  9-10).
ومن القواسم المشتركة بين روايات أهل السنة والشيعة أن مسألة الميثاق قد امتزجت بموضوع القدر، أو المصير. أي أن جميع الأحداث قد عین مصیرها منذ البدء، وإن قلم التقدير حدد من قبل جزئيات الحوادث، وجميع أبناء البشر يسيرون في طريق لايمكن الفرار منه ولايمكن تغييره؛ وهذا هو ما يشكل أساس الفكر الكلامي لأهل التقليد.
وقد تجسد هذا الفكر التقليدي نفسه في جو فكري آخر، في المنظومة العرفانية لابن عربي، تحت عنوان «سرّ القَدَر». حيث يقول ابن عربي إن «سر القدر» هو من أجل العلوم، ولايعلمه إلا من اختصه الله بالمعرفة التامة (القيصري، 302). ويمكننا أن نبين هذا الموضوع استناداً إلى المبادئ العرفانية لابن عربي كالتالي: إن الله عليم بذاته وصفاته وأسمائه بواسطة ذاته. كما أن الله يعرف الأعيان الثابتة التي هي صور الأسماء، بعلمه الذاتي. وعلى هذا، فإن علم الله بالأعيان الثابتة هو علم يصل إليه من صور الأسماء وماهياتها ومواهبها وعلى هذا، فإن علم الله في هذا الشأن من شؤون الوجود، تابع للمعلوم من هذه الناحية (رغم أن المعلوم تابع لعلم الله من جهة أخرى). وباختصار، فمن کانت عینه مومنة في حال ثبوتها ــ أي في حال کونها موصوفة بالعدم في الحضرة الإلهیة بالنسبة إلى الوجود الخارجي ــ فإنه یظهر مؤمناً أيضاً في الوجود العيني؛ ومن كان كافراً، أو عاصیاً، أو منافقاً في عالم الأعيان الثابتة، فإنه سيظهر في الوجود العيني بنفس تلك الصفات. وعلى هذا، فإن الله لایعامل أبناء البشر إلا بما یقتضي أعيانهم باستعلاء ذاتها وقبولها (م.ن، 296-297). وقد طبق ابن عربي ميثاق ألست على هذا المعنى (م.ن، 206-207).
ومما يجدر ذكره ما عرضه ابن عربي تحت عنوان «سر القدر»، لا یعد من إبداعه، فإن فکرة «عالم السر» الذي تشير إلى أن أحداث العالم صارت معينة سلفاً، وأن الله قرر خطة مقدرة للخلق، فإنها أقدم بكثير من عصر ابن عربي إذ تعود إلى عصر ما قبل الإسلام، بحیث نلاحظ هذه الفكرة قد وردت في النصوص الزرادشتية والزروانية و«كتب المكاشفات» اليهودية وطومارات قُمران (البحر الميت) (ظ: مجتبائي، 678-681؛ م.ن، 343-372).
وخلافاً لأنصار النظرية الأولى الذين كانوا من أتباع النزعة التقليدية ومن أصحاب الحديث، فإن أنصار النظرية الثانية في الغالب من أصحاب النزعة العقلية وأتباع الاستدلال. ويمكننا أن نذكر بعض الملاحظات التي أخذها هذا الفريق على آراء المفسرين السابقين کما یلي: أولاً أن نص الآية يدل على أن الله تعالی أخذ ذرية البشر من ظهور أبناء آدم، لا من ظهر آدم نفسه. ثانیاً أنه قد نقل في الآية على لسان الأبناء قولهم: «إنما أشرك آباؤنـا من قبل ... »، ومثل هذه النسبة لاتليق بآدم وجميع أولاده. ثالثاً أن هؤلاء الأبناء الذين أُخرجوا من ظهر آدم، وخاطبهم الله، فإما كانوا عاقلين وبالغين، أو غير بالغين وغير عاقلين. فإن كانوا عاقلين وبالغين في تلك الحالة، وجب عليهم أن يتذكروا ذلك الحوار والاعتراف، في حين يعيشون في هذه الدنيا، ذلك لأن العاقل لاينسى مثل هذه الحادثة وإن مرت عليها أزمان طويلة. وفضلاً عن ذلك، فإن قلنا إن أبناء آدم نسوا ذلك الميثاق ففي هذه الحالة سوف يُنقَص الغرض من الآية، فالآية تفيد بأن الغرض من أخذ الإقرار والشهادة أن لايحتج الأنسان يوم القيامة، بالغفلة عن مثل هذا الحدث، فلاتسقط الحجة عنه، فإن افترضنا الحالة الثانية وقلنا إن الذراري كانوا فاقدين للعقل وشروط التكليف عند الخطاب والتحاور مع الله، ففي هذه الحالة يكون أخذ الإقرار منهم ومخاطبتهم فعلاً عبثاً لا وجه له. رابعاً أن بدیهة العقل ترفض مثل هذا التفسير، فكيف يمكن القول إن ذرة من ذرات جسم زيد (أي الذرة التي انتقلت من ظهر آدم عن طريق نطفته إلى ابنه، وانتقلت عن طريق ابنه إلى ابنه ... حتى وصلت أخيراً إلى زيد) هي زيد بعينه، و إنها تمتلك إدراك زيد وعقله وأذنه وعينه؟ وكيف يمكن القول إن هذا الجزء من أجزاء وجود كل فرد من البشر كُلّف من جانب الله، وتمت الحجة عليه وأُخذ الميثاق منه وتم إجراء الثواب والعقاب بشأنه. وفضلاً عن ذلك، فإن الأدلة العقلية تشير إلى أن إنسانية الإنسان بنفسه وروحه وأن النفس وجود غير مادي تحدث بظهور هذا الجسم. وبالإضافة إلى ذلك، فإن ذلك العقل الذي لايمكن إتمام الحجة عليه وأخذ العهد منه بدونه حتى في عالم الذر، هو العقل العملي، والعقل العملي لايحصل إلا في عالم الدنيا هذا والذي يعيش فيه الإنسان عیشه اجتماعیة، ذلك لأن التمييز بين الحسن والقبح والنفع والضرر هو ما تقتضیه الحياة الاجتماعية. وإذا افترض المعتقدون بعالم الذر أن هـذا العالم هو موضع العقل العملـي ــ مع الأخذ بنظر الاعتبار الحـوار الذي دار بين الله وذريات بنـي آدم والميثاق المأخوذ ــ فإن عليهم أن يثبتوا وجود عالم طبيعي قبل هذا العالم كما هو الحـال بالنسبة إلـى المعتقديـن بـ «الأدوار والأكـوار»، وتكمـن إشكالية هذه العقيدة في أنه لابد من وجود عالم ذر آخر لذریة آدم في ذلك العالم كي تتم به الحجة عليهم فتؤدي هذه المسألة في النهاية إلى التسلسل (الشريف المرتضى، 1 /  28-30؛ فخرالدين، 15 / 47-49؛ الطوسي، 5 / 27- 28؛ الطباطبائي، 8 / 316- 318).


المصادر: 

  ابن هشام، عبدالله، مغني اللبيب، تق‍ : مازن المبارك ومحمد علي حمد الله، بيروت، 1979م؛ أحمد بن حنبل، مسند، إستانبول، 1402ه‍ / 1982م؛ تفسير نمونه، تق‍ : ناصر مكارم شيرازي، طهران، 1363ش؛ الشريف المرتضى، على، أمالي، تق‍ : محمد أبو الفضل إبراهيم، القاهرة، 1373ه‍ / 1953م؛ الطباطبائي، محمد حسين، الميزان، بيروت، 1390ه‍ / 1971م؛ الطبري، تفسير؛ الطوسي، محمد، التبيان، تق‍ : أحمد حبيب قصير العاملي، بيروت، دار إحياء التراث العربي؛ فخر الدين الرازي، التفسير الكبيـر، بيـروت، دار إحيـاء التراث العربـي؛ الفرغانـي، سعيد، مشارق الـدراري، تق‍ : جلال الدين الآشتياني، مشهد، 1398ه‍ ؛ القرآن الكريم؛ القيصري، داود، شرح فصوص الحكم، طبعة مصورة، قم، 1363ش؛ الكليني، محمد، الكافي، تق‍ : علي أكبر الغفاري، طهران، 1388ه‍ ؛ مجتبائي، فتح اللٰه، «نكته هائـي دربارۀ رستم وسهراب»، سخن، طهران، 1353ش، عد 7؛ المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، بيروت، 1403ه‍ ؛ م.ن، مرآة العقول، تق‍ : هاشم الرسولي المحلاتي، طهران، دار الكتب الإسلامية؛ مهر و داد و بهار (ذكرى الدكتور مهر داد بهار)، تق‍ : أمير كاووس بالازاده، طهران، 1377ش؛ وأيضاً:

IA; Mojtabā’i, F.,"The Iranian Background of the Judeo-Christian Concept of Rāz (Mysterion)" , Mehr  -o - Dad  - o - Bahar  (PB)
ناصرگذشته / خ.

 

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: