الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الجغرافیا / أرغو /

فهرس الموضوعات

أرغو

أرغو

تاریخ آخر التحدیث : 1443/3/29 ۱۴:۵۰:۳۷ تاریخ تألیف المقالة

أَرْغو، بلاد في اسیا الوسطی تقع في ودیان تلاس و چو، کانت تتمتع بأهمیة خاصة من النواحي الثقافیة و کذلک السیاسیة – التجاریة خلال الفترة التي سبقت المغول. و بحسب التقسیمات الحالیة تنطبق هذه البلاد مع القسم الشمالي الغربي لقرغیزیا و قسم من الشریط الحدودي لجنوب شرقي کازاخستان. أما حضارة أرغو فیمکن القول بإجمال إنها حضارة ذات خلفیتین ترکیة و سغدیة.

وقد فسر الکاشغري کلمة أرغو بأنها تعني الحد الفاصل بین جیلین، واعتبر تسمیة هذه البلاد بسبب وقوعها بین جبلین (1/ 114؛ قا: الکلمة القوزاقیة «أرغي» بمعنی «محاذٍ» و «ذلک الجانب»، ظ: میرزا بکوفا، 22؛ أیضاً الکلمتان الجغتائیة «أرغدال» و العثمانیة «آرغید» اللتان تعنیان الممر و وسط الجبل، ظ: بخاري، 9؛ سامي، 30). ویمکن تطبیق الجبلین اللذین قصدهما الکاشغري علی سلسلة جبال ألکساندرفسک و جبال چو – إیلي.

و في تبیانه لحدود بلاد أرغو، اعتبر الکاشغري حدها شرقاً مدینة بَلاساغون (قرب کِنت الحالیة، ظ: شلکنوف، 22 و مابعدها)، أما من الغرب، فقد ذکر طراز في موضع من کتابه، بوصفها حداً لها (ن.ص)، وفي موضع آخر عدّ أرغو ممتدة حتی إسبیجاب (1/ 31). و في تفسیر سبب هذه الثنائیة في القول ینبغي التذکیر بأن إسبیجاب في العصور التاریخیة القدیمة تؤدي دور حلقة الوصل بین إقلیمي أرغو وماوراء النهر، و في فترات من تاریخ المنطقة، مثل عصر الفتوحات الإسلامیة في ماوراءالنهر و کذلک لفترةٍ خلال العصر الساماني، کانت تُلحق بماوراء النهر (لمزید من الاطلاع، ظ: بارتولد، «المسیحیة...»، 279).

والکاشغري هو الکاتب الوحید الذي صرّح بتسمیة هذه البلاد بأرغو، و یستنتج من کلامه أن استخدام هذه التسمیة کان قد اتسع خلال عهد القراخانیة؛ و فضلاً عن مبحث الاسم، ینبغي التذکیر بأن الجغرافیین المسلمین و منذ قرون مضت – سواء بمناسبة وجود طریق الحریر، أو بمناسبة التقدیم الذي أحرزه السامانیون في الشرق – کانوا إلی حدّ ما علی معرفة بهذه المنطقة، و یعرفونها بوصفها إقلیماً متمیزاً. فخلال حدیثه علی طریق ماوراء النهر باتجاه الصین، بحث ابن خرداذبه هذا الطریق في عدة أقسام مما یدل علی تباین الأقالیم في ذلک العصر، فقد وصف أولاً طریق سمرقند إلی الشاش، ثم طریق الشاش إلی إسبیجاب، و طریق إسبیجاب إلی طراز، ثم طریق طراز إلی حوالي بحیرة إیسیک‌کول وحدود الصین التي تبعد عنها قلیلاً (ص 26-29؛ لدراسة الأسماء والمقترحات بشأن قراءتها، ظ: بارتولد، ن.م، 280 و مابعدها).

وفي کتاب حدود العالم الذي تم تألیفه في 372هـ/ 982م، عُرض القسم الرئیس من بلاد أرغو باسم «بلاد الخَلُّخ» [القارلُق]، بینما عدّ جزءاً من أراضیها الغربیة الذي کان لفترة تحت الهیمنة السامانیة، ضمن المناطق التابعة لبلاد ماوراءالنهر. وجدیر بالذکر أن مؤلف حدود العالم برغم ماقدمه من معلمات وافیة و دقیقة نسبیاً عن أرغو، فإنه سجّل تقاریرَ عن هذه البلاد و بصورة عامة عن بلاد الأتراک الشرقیین، تعود إلی حوالي نصف قرن قبل ذلک (ظ: ص 81-83، 117-118؛ لدراسة الأسماء و المقترحات بشأن قراءتها، ظ: مینورسکي، 286-297). أما معاصره الجغرافي المقدسي فقد عرّف في أحسن التقاسیم بلاد أرغو رقعة واحدة تمتد من إسبیجاب حتی بلاساغون بوصفها کورة من الکور الست لبلاد «هیطل» (ظ: ص 262-264، 272-275).

وجدت في ودیان تلاس و چو آثار حیاة بشریة تعود للعصر الحجري ومنها اللُّقی التي عثر علیها في وادي چو في حوض نهر آلامدین التي تعود للعصر الحجري الحدیث. و منها ماعثر علیه في ودیان تلاس و چو مما یعود إلی العصر البرونزي و مما یلاحظ فیه تأثیر الثقافة الصینیة وکذلک ثقافة سیبیریا الجنوبیة (أندرونوفو). وخلال الفترة التقریبیة للقرون 7-4 ق.م کانت ودیان تلاس و چو إحدی مواطن التکوین القومي لسکا و من الآثار المتبقیة من هذا الشعب في المنطقة مجموعة مقابر مغطات بالصخور، ترتبط الأشیاء التي عثر علیها فیها بالتقالید الشامانیة، و في نماذج أکثر تأخراً بالدیانة الزرادشتیة. و خلال الحقبة التاریخیة التي انتهت بهیمنة الترک، کانت ودیان تلاس وچو قد شهدت هیمنة شعوب أخری و خاصة الفوسونیین. ومع أن الفوسونیین عُدّوا مهاجرین من مناطق نائیة مثلاً من سهول أورودوس، لکن بعض الباحثین مثل برنشتام یعدّونهم شعباً محلیاً في جبال تیان‌شان و منطقة هفت‌رودان (ظ: تولستوف، 300-301؛ بارتولد، «بحث...»، 25-30؛ فرامکین، 55-62).

 ومنذ القرن 6م و مع هیمنة الترک علی رقعة واسعة من آسیا الوسطی، أصبح الطریق ممهداً أکثر أمام اتساع نطاق موجات هجرة الشعوب الآلتائیة نحو الجنوب والغرب. و خلال هذه الحقبة استقرت قبائل التُّرکیش القارلق في منطقة هفت رودان و ماجاوردها (ظ: غومیلوف، 29,266). ومع تجزئة الخاقانیات الترکیة، أصبحت ودیان تلاس و چو ضمن المناطق الواقعة تحت سیادة خاقانیات «الترک الغربیین» (حکـ 580-740م). وقد شهدت هذه الحقبة التاریخیة – و نظراً لتوفر روف مختلفة – توسعاً في استیطان المدن و ازدهاراً اقتصادیاً في هذه المنطقة. وکانت حرکة الهجرة السلمیة للسغد من حوضي سیحون و جیحوننحو الشرق و ظهور القری السغدیة في ودیان تلاس و چو، تُعدّ الأرضیة المطلوبة لتحول حضاري و ثقافي، کما ضمنت الحکومة المقتدرة الطویلة الأمد للأتراک الغربیین الاستقرا الضروري لتطورٍ کهذا. وقد لعب المهاجرون السغدیون دوراً مهماً في التطور الحضاري والثقافي لهذه المنطقة من خلال نقلهم أسالیبهم الزراعیة و مهاراتهم الصناعیة والفنیة و کذلک تجربتهم التجاریة. وإن حرکة هجرة السغد إلی ودیان تلاس و چو التي کانت قد بدأت منذ القرن 5م واستمرت علی وتیرة معینة، اتخذت في القرن 7م سرعة أکثر و أبعاداً أوسع و أدت عملیاً إلی ظهور بلد سغدي صغیر في تلک المنطقة. وکان هذا البلد في الحقیقة یضم عدداً من المدن التجاریة المهمة التي یغلب علیها العنصر السغدي و الذي کان یدیر شؤونه بنفسه، لکن بإشراف أعلی من الخاقانیات (ظ: م.ن، 154-152، مخـ؛ بارتولد، «بحث»، 31-34، «تاریخ...»، 190؛ فرامکین، 63).

وإلی ماقبل القرن 7هـ/ 13م کان الطریق الرئیس من الغرب إلی الصین یمر عبر فرغانة کاشغر، لکن و مع اقتدار البلدان الشمالیة بوصفها محوراً اقتصادیاً، فقد جری الحدیث لأول مرة خلال هذا القرن حول طریق جدید کان یمر عبر وادي چو و هفت‌رودان، یتمتع بمسافة أطول ویربط جزءاً من منطقة نفوذ خاقانیات الأتراک الغربیین من جهتین بالصین و ماوراءالنهر (ظ: بارتولد، «المسیحیة»، 267). وقد أشار الرحالة الصیني هیوآن تسانغ الذي زار المنطقة في 630م، إلی مدینة مهمة علی شاطئ نهر چو بوصفها مرکزاً تجاریاً (ربما کانت مدینة سویاب)ف و إلی الغرب منها في ودیان چو و تلاس إلی وجود عشرات المدن المزدهرة (ظ: م.ن، «تاریخ»، ن.ص). وقد عد البلاد الواقعة مابین چو حتی «در آهنین» (المدینة الخضراء) إقلیماً واحداً و سماها «سولي» و هي الضبط الصیني لکلمة «سولیک» بمعنی السغدي (ظ: ن.ص؛ أیضاً ظ: بیلي، 89).

وفي 85هـ/ 704م قام الترکشیون بالاستیلاء علی جزء من منطقة نفوذ الأتراک الغربیین و من ضمنه هفت‌رودان و وادي چو، لکن خاقانات الترکشیین لم‌یتمکنوا من المحافظة علی الاستقرار في المنطقة، و بذلک أصبح الطریق ممهداً أمام هیمنة قبائل أخری. وفاشتبک الترکشیون في وقت واحد یمعارک مع 3 قبائل قویة هي الأویغور و یَسمل و القارلق، و عقب ذلک تزامناً مع سقوط خاقانیة الترکشیین في 149هـ/ 766م، استولت القارلق علی مناطق تلاس و چو و أطراف إیسیک کول (ظ: غومیلوف، 293, 365، أیضاً 373 و مابعدها؛ بارتولد، «المسیحیة» 272، «بحث»، 35-40؛ فرامکین، 64).

ومع استقرار حکم الخلافة الإسلامیة في ماوراءالنهر مطلع القرن 2هـ/ 8م والهدوء الذي ساد بلاد أرغو عقب استیلاء القارلق علیها، یبدو أن عمال الخلافة العباسیة علی ماوراء النهر کانوا قد تمکنوا من إیجاد علاقة من التعاون مع الجبغوئیین القارلق الذین لم‌یکونوا قد أسلموا حتی ذلک الحین. و تقتصر معلوماتنا عن هذا التعاون و فیما یحتمل عن علاقات صداقة سیاسیة علی هذا الحد بدنه في منتصف القرن 2هـ کانت هناک علاقات تجاریة متینة بین الغرب الإسلامي و بین الشرق عن طریق بلاد أرغو و هفت‌رودان، حیث تلاحظ انعکاساتها علی الآثار الجغرافیة الإسلامیة منذ أوائل القرن 3هـ. لکن فضلاً عن ذلک، ففي القرن 2هـ وضمن اتفاق تم بین المسلمین و القارلق في وادي تلاس، کان قد افتتح طریق تجاري جدید نحو الشمال حیث بلاد الکیماکیین و القر غیز. کان هذا الطریق یصل إلی طراز من ماوراءالنهر، ثم یمر من البقاع الغربیة لمنطقة تلاس، و ینجه في الشمال نحو السهل، و بعد وصوله إلی بلاد الکیماکیین یتجه نحو الغرب لینتهي في بلاد القر غیز بیني سیي العلیا. وقد أشیر في أوائل القرن 3هـ/ 9م في التقاریر الجغرافیة للمسلمین إلی هذا الطریق الذي کان ازدهاره محدوداً بطبیعة الحال (ظ: ابن خرداذبه، 28، 31؛ الإصطخري، 288,9؛ أیضاً قدامة، 105).

وفي المصادر الصینیة أیضاً تمت الإشارة خلال ذلک العصر إلی وجود طریق کهذا کان المسلمون و کذلک التبت یسلکونه للتعامل التجاري مع بلاد القر غیز، الطریق الذي کان یمر عبر بلاد القارلق و کان عناصر من حرس القارلق یوفرون الحمایة لأصحاب البضائع علی طوال الطریق (ظ: بارتولد،«المسیحیة»، 273). ویبدو أن علاقات الصداقة هذه بین أرغو و ماوراءالنهر قد استمرت حتی أواسط القرن 3هـ، وکانت بحد ذاتها أرضیة ساعدت علی التغلغل المتزاید للإسلام في منطقة أرغو (للاطلاع علی انتشار الإسلام في أبعد نقطة من شرقي أرغو،ظ: حدود العالم، 84). وإذا غضضنا الطرف عن واقعة فتح إسبیجاب علی ید نوح بن أسد الساماني في 224هـ/ 837م (البلاذري، 411؛ ابن الأثیر، 6/ 509) بوصفها تحرکاً محدوداً و فریداً، فإنه طوال قرن کامل لم‌یرد خبر عن تحرک عسکري لمسلمي ماوراء النهر ضد قارلقي أرغو.

ومع هیمنة السامانیین، تغیرت العلاقات بین ماوراءالنهر و أرغو کلیاً، فواجه جبغویو أرغو في الحدود تقدم السامانیین من جهة، و من جهة أخری تدهور طرقها التجاریة. فقد توجه الأمیر إسماعیل الساماني (حکـ 279-295هـ/ 892-908م) فور اعتلائه العرش نحو حدود أرغو واستولی علی أجزاء من غربي هذه البلاد. و خلال تقدمه السریع منطلقاً من إسبیجاب نحو الشمال، تمکن في الغرب من الاستیلاء علی المدینة المهمة طراز (ظ: النرشخي، 118)، و في الشرق دحر القارلق نحو الوراء حتی منطقة فاراب (ظ: ابن خرداذبه، ن.ص؛ أیضاً ظ: المقدسي، 274).

وعقب فتوحات الأمیر إسماعیل في منطقة إسبیجاب، فقد الطریق السابق إلی بلاد الکیماک و القرغیز الذي یمر من غربي أرغو أهمیته و حل محله الطریق القادم من إسبیجاب و فاراب ثم ده نو المتجه إلی الکیماک لیصل إلی بلاد القرغیز (ابن الفقیه، 328؛ أیضاً ظ: المقدسي، ن.ص، ضمن إشراة؛ الگردیزي، 258-259، بتفصیل). و من جهةأخری، یبدو أنه خلال القرن 4هـ/ 10م، کان قد ازدهر في جانب الصین طریق جدید ینطلق من بلاد التغزغز في الشمال الشرقي من الصین متجهاً إلی السهول الشمالیة دون المرور ببلاد أرغو (ظ: م.ن، 262). أما الطریق القدیم المتجه من ماوراءالنهر إلی الصین عبر فرغانة – کاشغر، فبرغم کونه و عراً و خطراً کما قال قدامة بن جعفر في أوائل القرن 4 هـ (ظ: ص 104-105)، لکن یبدو أنه تزامناً مع تناقص التجارة عبر طرق أرغو، فقد ازدادت أهمیة هذا الطریق القدیم و بطبیعة الحال القصیر بین الصین و ماوراءالنهر. ومهمایکن، فإن طریق فرغانة المتجه إلی کاشغر هو الطریق الوحید إلی الصین الذي ذکره المقدسي في أحسن التقاسیم (ص 341؛ أیضاً ظ: ابن الفقیه، ن.ص).

وعقب الضربات المتلاحقة التي و جّهها السامانیون منذ أواخر القرن 3هـ و القراخانیون من بعدهم إلی حکومة جبغویّي القارلق في أرغو وقدراتهم العسکریة و التجاریة، انتهت دولتهم حوالي سنة 328هـ/ 940م وهیمن القراخانیون علی المنطقة کاملاً (ظ: بارتولد، «بحث»، 40, 41). کان القراخانیون أول سلالة ترکیة العتنقت الإسلام بشکل رسمي، وقد أدی هذا الأمر إلی إیجاد ظروف مؤاتیة لتحول منطقة أرغو إلی الإسلام. وفي 536هـ/ 1142م استولی القراخطائیون غیر المسلمین علی مناطق نفوذ القراخانیین (ابن الأثیر، 11/ 81 و مابعدها) و ظلوا یحکمون هذه المناطق حتی نهایة القرن 6هـ/ 12م. و طوال فترة حکم القراخانیین وکذلک القراخطائیین کانت مدینة بلاساغون الواقعة علی الحد الشرقي لبلاد أرغو العاصمة حیناً و المدینة الثانیة حیناً آخر.

ومع ارتقاء جنکیز عرش الخانیة سنة 600هـ/ 1204م و خلال هجومه العسکري نحو الغرب، ضمت بلاد القراخطائیین و منها أرغو إلی مناطق السیادة المغولیة، ولفترة قصیرة کانت مدینة أُترار الواقعة شرقي أرغو، تشکل الحد الفاصل بین المناطق الواقعة تحت سیادة جنکیز و بین بلاد الخوارزمشاهیین (ظ: الجویني، 1/ 60، 62). لکن سرعان ماتم الاستیلاء علی البلاد الواقعة غربیها أیضاً، و خلال عملیة تقسیم ممتلکات جنکیز بین خلفائه، صارت بلاد أرغو مع ماوراءالنهر في الغرب، و کاشغر إلی الشرق منها، من نصیب جغتاي. منذ ذلک الحین یمکن دراسة تاریخ هذه البلاد ضمن التاریخ المشترک لقبیلة جغتاي.

وخلال دراسة النسیج القومي لمنطقة أرغو في عصر ماقبل المغول،ینبغي أن یُعدّ شعب القارلق أکثر الشعوب تأثیراً في هذه المنطقة بعد السغد الذین مرّ الحدیث عنهم فیما مضی. و فضلاً عن الإشارات العدیدة التي وردت في المصادر التاریخیة و الجغرافیة الإسلامیة عن وجود القارلق في هذه المنطقة، تجدر الإشارة بشکل خاص لما کتبه مؤلف حدود العالم بهذا الشأن، حیث تتطابق تقریباً المنطقة التي دعاها «بلاد الخلخ» [القارلق] مع بلاد أرغو (ص 81 ومابعدها). و من خلا لتوفیق المعلومات الواردة في حدود العالم و دیوان الکاشغري مع بعضها، یمکن القول إن سغد أرغو و أتراکها – بأغلبیة من القارلق – کانوا قد امتزجوا مع بعضهم بشکل کبیر طوال القرون حضاریاً و ثقافیاً و ترک کل منهم تأثیره في الآخر. لقد اقتبس هؤلاء السغد المهاجرون الذین کانوا قد عُرفوا في الأوساط الناطقة بالترکیة باسم «سُغداق» (نسبة إلی السغد)، تدریجیاً لغةَ الأتراک و بعضَ مظاهر ثقافتهم مما عبر عنه الکاشغري بـ «زيّ» الأتراک و «التخلق» بهم (1/ 391-393)، و فقدوا تدریجیاً سماتهم القومیة في بیئة أرغو، کما هو الحال في کثیر من مناطق آسیا الوسطی.

ومن جهة أخری فإن ألوب العیش المستقر للسغد – سواء أکان في الأریاف، أم المدن – کان قد انتشر بشکل وسیع بین القارلق، فاتجه کثیر منهم إلی الزراعة. و تعلموا تقالید الحیاة المدنیة، فکانوا متمیزین في أسلوب سلوکهم و آدابهم الاجتماعیة عن القبائل التي ینتمون إلیها (ظ: حدود العالم، 81؛ الکاشغري، 1/ 31؛ للاطلاع علی تأثیر اللغة، ظ: القسم الخاص بلغة أرغو من هذه المقالة). و من خلال تخلقهم بأسلوب حیاتهم الجدیدة، تخلی عملیاً هؤلاء القارلق المستقرین – و کما کان متوقعاً بشکل أکید – عن أنسابهم القَبَلیة و انتسبوا إلی الموطن. و لهذا، فإنه منذ القرن 5هـ/ 11م وماتلاه، ندر أن یرد ذکر لقارلقیي أرغو (کنموذج علی هذه النوادر، ظ: الجویني، 2/ 87)، بل إن الکاشغري الذي تحدث في دیوانه بشکل واف عن لغة قارلقیي أرغو، لم‌یدعوهم قارلقاً إطلاقاً. کا لم‌یذکر القارلق في عداد القبائل الترکیة الرئیسة التي أوردها في أول کتابه. وأما الإشارات المحدودة جداً التي أوردها الکاشغري في دیوانه عن لهجة القارلق فینبغي أن تکون ذات علاقة بأقلیة من القارلق کانت ماتزال تواصل حیاتها کرُحَّل و بقیت محافظة علی تقالیدها القبلیة، و لذا کانوا یدعون أحیاناً في کلام الکاشغري باسم «الترکمان» (ظ: 1/ 80، 139، مخـ).

ومهما یکن، فلیس عبثاً إذا ماقیل إن الاختلاط و روابط القربی بین القارلق و السغد کانت علی درجة بحیث إن أفراد ذلک الفریق من القارلق الذین فضلوا الترحال و الحیاة القبلیة علی الحیاة المستقرة و ترکوا بلاد أرغو، کانوا یعدّون متحدین مع السغد؛ و الشاهد علی ذلک أنه عندما أظهر أرسلان، خان القارلق في منطقة قیالیق (إلی الجنوب الشرقي من بحیرة بالخاش) الطاعة، فإن جنکیزخان و من باب التکریم، لقّب أرسلانَ هذا بـ «سرتاقتاي» التي کانت تعني باللغة المغولیة، السغدي (ظ: رشیدالدین، 1/ 144؛ أیضاً «التاریخ السري...»، 260).

و في القرن 4 هـ ذکر المقدسي قریة باسم «جکل» (چِگل) قرب مدینظ طراز (ص 274-275؛ أیضاً السمعاني، 3/ 299)، و في تدعیم منه لهذه المعلومة، یری الکاشغري أن سبب هذه التسمیة هو استقرار رهط من قبیلة چگل في تلک المنطقة (1/ 330؛ قا: یاقوت، 2/ 95، الذي أصرّ علی کتابة طُرار بشکل أُطرار). وکان موطن القسم الرئیس من چگل خلال القرنین 4 و 5هـ/ 10 و 11م هو منطقة قیاس الاقعة في أطراف إیسیک کول قرب برسخان (ظ: حدود العالم، 83-84؛ الکاشغري، 1/ 329-330).

واستناداً إلی مجمل ماورد في المصادر الصینیة فإن رهطاً من قبیلة قَنقلي و الذین کانوا في القرنین 6 و 7 هـ/ 12 و 13م یسکنون في أطراف سفوح آلتاي و ربما في جُنگارستان (قرب النایمانیین) (ظ: برتشنایدر، I/ 27-28, 223, 302)، بدأوا یتجهون نحو شرقي بلاد أرغو في أوائل القرن 6هـ و کانت مجموعة منهم قد استقرت في 536هـ/ 1142م في مناطق بلاساغون. ومن جهة أخری واستناداً إلی ماذکره أبوالغازي بهادرخان فإنه إبان ظهور جنکیز، کان حوالي 10 آلاف أسرة من القنقلیین یسکنون في منطقة چو و تلاس، حیث کان البقیة من القنقلیین یدعمون السلطان محمد خوارزمشاه (ص 38). ولذا، فإنه مع الأخذ بنظر الاعتبار صلة القربی بینهم و بین قنقلیي خوارزم، یبدو أن أصولهم لاترجع إلی القنقلیین المجاورین للنایمانیین، بل للقنقلیین المجاورین للکومان في السهول الشمالیة ممن ذکرهم کل من کارپیني و روبروک (ظ: برتشنایدر، I/ 301).

 

لغة أرغو

وهذه اللغة، تعني لغة ترکیة کان یُتحدث بها في منطقة أرغو في عصرما قبل المغول، هي اللغة ذات الجذور الأساسیة القارلقیة التي تأثرت بشکل ملحوظ بالسغدیة من حیث خصائص التلفظ و مخزون المفردات. والمصدر الأساسي لدراسة لغة أرغو هو المعلومات الواسعة نسبیاً التي قدمها الکاشغري في دیوانه، وتکملها مجموعة من المفردات الأخری و خاصة الأسماء الجغرافیة الواردة في المصادر العربیة والمصادر الأخری. ولتحدید موقع هذه اللغة بین اللغات الترکیة، قسّم الکاشغري – بأسلوب قدیم – اللغات المعروفة لدیه إلی مجموعتین: الأولی اللغات الغَزیة و القبچاقیة و اللغات الشرقیة العائدة لنفس المجموعة، و الثانیة هي اللغات الأویغوریة و الچگلیة و اللغات الشرقیة المرتبطة بنفس المجموعة، وقد عدّ لغة أرغو ضمن المجموعة الثانیة (ظ: 2/ 40-42، 50-57).

وفي ضوء التقسیمات الحدیثة للغات الترکیة، فإنه استناداً للتصنیف المداول الذي أعدّه صموئیلوفیج باسکوکوف و نظراً للمعلومات القلیلة المتوفرة بهذا الشأن، فإنه ینبغي أن تعتبر لغة أرغو – علی مایبدو – ضمن مجموعة اللغات الأویغوریة والتي تنسجم من بین أقسامها الفرعیة مع الفصیلة الأویغوریة – التوکیویة أکثر من غیرها أیضاً (لمزید من الاططلاع علی أساس التصنیف، ظ: آرات، 98, 119-121).

و خلال دراسة الخصائص العامة للمجموعة الأویغوریة و مطابقتها بلغة أرغ، تجدر الإشارة أولاً إلی استخدام حرف «ذ» الذي کان مایزال باقیاً في اللهجة الأصلیة لأرغو حتی القرن 5هـ/ 11م (لنموذج، ظ: الکاشغري، 1/ 94، 319: الکلمات «إذرِک» و «قَذِق»)، لکن الکاشغري یقول إنه في بعض لهجات أرغو، احتلت «ي» محل «ذ» (1/ 34). وفي تصنیف اللغات من حیث احتفاظ الصفات بالحرف الواقع آخر الکلمة «غ/ - ق» أو إسقاطها له، فإن أنموذجاً مثل «إذرک» (م.ن، 1/ 94) دلیل علی احتساب هذه اللغة في عداد اللغات التي تحتفظ بالحرف الأخیر للکلمات.

وفي الحدیث عن قواعد التلفظ في لغة أرغو ینبغي التذکیر أولاً أنه استناداً إلی الکاشغري (1/ 29) فإن تلفظ هذه اللغة قد تأثر إلی حدّکبیر بتلفظ سکان المدن (أي السغدیین)، وکان قد مال نحو الرقّة و علی حد تعبیره إلی «الرِّکّة». کما أن تتابع الحروف المهموسة ظاهرة عدّها الکاشغري (1/ 316-317) من خصائص بعض لهجات المدن في لغة أرغو، مثل تلفظ بَلِق [= الطین] بشکل بالق. وفي هذه اللغة تتم مراعاة تناسق الحروف الصائته، لکن یحدث أحیاناً أن تتقدم النزعة العامة للصوائت المستدیرة علی مراعاة القاعدة، مثل «بِلور» [= یعلم] و بصورة عامة صیغة المضارع (ظ: الکاشغري، 2/ 19) و «داغ أُل» [= لیس] (م.ن، 3/ 114). وفضلاً عن بحث تناسق الصوائت المستدیرة، تلاحظ أمثلة من الاتجاه نحو المهموسات في حالات مثل «بُشوماق» [= الطلاق] (م.ن،3/ 263)، و حتی في الکلمة الدخیلة الأحادیة المقطع «أُپ» [= ثور الحصاد] (م.ن، 1/ 37؛ یبدو أنها اقتباس مختصر من الکلمة السغدیة «آپي غاو» = الثور، ظ: قریب، 8). و من السمات الأخری للتلفظ في لغة أرغو، إحلال الیاء محل النون في کلمات مثل «قَنَق» [= القشطة] و «قون» [= الشاة] (ظ: الکاشغري، 1/ 321، 3/ 102).

وفي مجال الکلمات، ذکر الکاشغري أمثلة کثیرة من الکلمات الدخیلة من لغة الأوغوز التي جدت طریقها إلی لغة أرغو إثر الجوار وزیادة المراودة (ظ: 3/ 114)، لکن البحث في الکلمات الدخیلة للغة أرغو من اللغة السغدیة یعطي نتائج باهرة أیضاً. وکأنموذج علی ذلک تجدر الإشارة إلی کلمة «مَراز» [= الأجیر] (م.ن، 1/ 345) التي استخدم أصلها في السغدیة بمعنی الزمیل و المساعد (ظ: قریب، 216؛ أیضاً قا: کلمة«مَرستَيّ = المساعد في الپشتویة، ظ: أیازي، 680). وبرغم أن الکلمات الخاصة بالزراعة مثل «بنک» [= نوع من الحبوب] «گیرزي»، [= الجَزَر] (الکاشغري، 1/ 323، 360)، لم‌ترد في النصوص السغدیة، لکن لها جذوراً معروفة في اللغات الإیرانیة من نفس المجموعة مثل «بَنَ» و «گزر» اللتین لهما نفس المعنی في الفارسیة (ظ: برهان ...، 1/ 308، 3/ 1811) و «گازَره» [= الجَزَر]، و جمعها «گازري» في الپشتویة (ظ: أیازي، 612).

وخلال الإشارة إلی أنموذجات من الصرف یجد التذکیر بالحالات التالیة: بناء الفعل الماضي بحسب القاعدة «بَردُم» للمفرد المتکلم، و «بردي» للغائب (الکاشغري، 2/ 50-51، 3/ 102،من مادة الفعل «بَر» (= القصد)؛ و الفعل المضارع بحسب القاعدة «بَرور»، للغائب (المثال المذکور: «بِلور»، ظ: م.ن، 2/ 19)؛ اسما الزمان والمکان بحسب القاعدة «بُرغو» (م.ن، 2/ 56-57)؛ اسم الفاعل – المتضمن بطبعة الحال للاستمراریة – بحسب القاعدة «بَرغوچي» (م.ن، 2/ 40-42).

وبنظرة إلی تأثیر لغظ أرغو في اللغات التي أعقبتها، یمکن الانتباه إلی مایلي: اشتراک بعض أسماء الآلات والکلمات الزراعیة مثل «إدِش» [= القدح]، الکلمة المشترکة بین لغات أرغو وکیماک و یغما – تُخسي (ظ: م.ن، 1/ 59) و «چیگیت» [= حب القطن] الکلمة الخاصة بلغة أرغو (م.ن، 1/ 297)، والمشترکة مع اللغة الجغتائیة (ظ: بخاري، 48، 163)، ومن ثم بالأوزبکیة (ظ: «معجم...»، I/ 314, II/ 365).

وبرغم أن کتاب هبة الحقائق (أو عبتة الحقائق) للأدیب أحمد الیوکنکي، هو باللغة الأدبیة الخاقانیة، لکن بعض خصائص الکلمات الواردة فیه، تستحضر للذهن احتمال تأثیر لغة أرغو؛ فاستخدام کلمة «بَیات» التي هي من أسماء الله (ص 124) والتي عدها الکاشغري من الکلمات الخاصة بلغة أرغو 03/ 128)، واستخدام کلمة «قون» [= الشاة] (الأدیب أحمد، 122، الذي کتبها بشکل غیر دقیق: «قونگ»)، بدلاً من کلمة «قوي» (ظ: الکاشغري، 3/ 102، 103)، واستخدام الکلمة الأوغوزیة «قورت» [= الذئب] بدلاً من الکلمة المتوقعة «بوري» (ظ: الأدیب أحمد، ن.ص). کذلک کلمة «أژون» [= العالم] التي استخدمها الأدیب أحمد مراراً (مثلاً ص 121)، المستعارة من «آژون» السغدیة [= الوجود] (ظ: قریب، 5)، یمکن أن تکون قد وجدت طریقها إلی اللغة الأدبیة من خلال لغة أرغو (أیضاً حول استخدامها في الچگلیة، ظ: الکاشغري، 1/ 73).

 

المصادر

ابن‌الأثیر، الکامل؛ ابن خرداذبه، عبیدالله، المسالک والممالک، تقـ: دي خویه، لیدن، 1889م؛ ابن الفقیه، أحمد، مختصر کتاب البلدان، تقـ: دي‌خویه، لیدن، 1855م؛ أبوالغازي بهادرخان، شجرۀ ترک، تقـ: دمزون، سان بطرسبورغ، 1871م؛ الأدیبت أحمد الیوکنکي،هبة الحقائق، ط مصورة، تقـ: قوریشجانوف و ساغیندیقوف، آلماأتا، 1985م؛ الإصطخري، إبراهیم، مسالک الممالک، تقـ: دي‌خویه، لیدن، 1927م؛ آیازي، محمدأعظم وآخرون، پسنبتو لغتونه، کابل، 1310ش؛ بخاري، سلیمان، لغت چغتاي و ترکي عثماني، إستانبول، 1298هـ؛ برهان قاطع، محمدحسین بن خلف التبریزي، تقـ: محمدمعین، طهران، 1357ش؛ البلاذري، أحمد، فتوح البلدان، تقـ: رضوان محمد رضوان، بیروت، 1398هـ/ 1978م؛ الجویني، عطاملک، تاریخ جهانگشاي، تقـ: محمد القزویني، لیدن، 1329هـ/ 1911م؛ حدود العالم، تقـ: منوچهر ستوده، طهران، 1340ش؛ رشیدالدین فضل الله، جامع التواریخ، تقـ: محمد روشن ومصطفی موسوي، طهران، 1372ش؛ سامي، شمس‌الدین، قاموسترکي، إستانبول، 1317هـ؛ السمعاني، عبدالکریم، الأنساب، حیدرآبادالدکن، 1383هـ/ 1963م؛ فرامکین، غ، باستان شناسي در آسیاي مرکزي، تجـ: صادق ملک شهمیرزادي، طهران، 1372ش؛ قدامة بن جعفر، الخراج و صناعة الکتابة، تقـ: محمدحسین الزبیدي، بغداد، 1979م؛ قریب، بدرالزمان، فرهنگ سغدي، طهران، 1374ش؛ الکاشغري، محمود، دیوان لغات الترک، إستانبول،1333هـ؛ الکگردیزي، عبدالحي، زین الأخبار، تقـ: عبدالحي حبیبي، طهران، 1347ش؛ المقدسي، محمد، أحسن التقاسیم، تقـ: دي‌خویه، لیدن، 1906م؛ النرشخي، محمد، تاریخ بخارا، تقـ: مدرس رضوي، طهران، 1351ش؛ یاقوت، البلدان؛ و أیضاً:

Arat, R. R., «Türk sivelerinin tasnifi», Türkiyat mecmuasi, Istanbul, 1953, vol. X; Baily, H. W., «Turks in Khotanese Texts» JRAS, 1939; Barthold, W. W., «Istoriya kul’turnoĮ zhizni Turkestana», «Ocherk istorii Semirech’ya», Sochineniya, Moscow, 1963, vol. II(1); id, «O Khristianstve v Turkestane v domongol’skiĭ period», ibid, 1964, vol. II(2); Bretschneider, E., Mediaeval Researches from Eastern Asiatic Sources London, 1967; Gumilev, L. N.,Drevine tyurki, Moscow, 1967; Minorsky, V., Commentary on Ḥudūd al - ʿǍlam, London, 1937; Myrzabekova, K. et al., Qazaqsha- nemī sshe sozdīk, Almaty, 1992; The Secret History of the Monglos, tr. F. W. Cleaves, London, 1982; Shălekenov, U., Qūm basqan qala, Almaty, 1992; Tolstov, S. P., «La Chorasmie antique», tr. And ed. R. Ghirshman, Artibus Asiae, 1953, vol. XVI; Ŭzbek tilining izohli lughati, Tashkent, 1981.

أحمد پاکتچي/ هـ.

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: