الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الجغرافیا / أربونة /

فهرس الموضوعات

أربونة

أربونة

تاریخ آخر التحدیث : 1443/3/3 ۱۸:۱۰:۵۴ تاریخ تألیف المقالة

أَرْبوْنَة، الاسم الذي أطلقه المؤلفون العرب علی مدینة ناربون الواقعة جنوبي فرنسا، وهو أیضاً اسم الولایة الخامسة في الأندلس التي کانت هذه المدینة مرکزاً لها.

کانت هذه المدینة التي یمتد تاریخها إلی ماقبل المیلاد، موقعاً لإنشاء أول مستعمرة رومانیة باسم ناریومارتیوس في المنطقة المسماة غالة سنة 118-117ق.م، و اسمها الحالي مشتق من نفس هذا الأصل. وفي التقسیمات الإداریة الرومانیة التي تمت فیما بعد، أصبحت ناریو مرکزاً لإحدی ولایات غالة الأربع و حملت اسم غالیا ناربوننسیس. وبالتدریج تحولت هذه المدینة التي کانت تتصل آنذاک بالبحر الأبیض المتوسط عن طریق نهر أود، إلی واحدة من أکبر مدن غالة ومن أکثر موانئها ازدهاراً. وقد تحدث آوسونیوس في القرن 4م في شعر له عن عظمة و جلال ناربو وأشار إلی وضع المدینة الجغرافي و ولایتها و أهمیتها التاریخیة (I/ 280-281). وفي أواسط القرن 5م أشار سیدونیوس أیضاً إلی أسوار هذه المدینة وطیقانها ومعابدها و ساحاتها مسارحها و بقیة معالمها البارزة (I/ 284-287).

قیل إن ناربو کانت مسقط رأس بعض أباطرة الرومان و توجد حتی الیوم في هذه المدینة آثار من الأبنیة التي أنشئت خلال عهودهم. و عقب سقوط الإمبراطوریة الرومانیة وسیطرة شعوب الآلان و السویبیین والوندال علی هذه المدینة أوائل القرن 5م، تم أخیرا استیلاء القوط الغربیین (الفیزقوطیین) علیها سنة 413م واتخذوها عاصمة لهم. و خلال الفتوحات الإسلامیة کانت هذه المدینة مرکز ناحیة سِپتیمانیا التي کانت بدورها تعد جزءاً من ولایة لانغدوک في جنوبي غالة (لاروس الکبیر، بریتانیکا، آمریکانا، کلیر...، مادة ناریون، أیضاً لانغدوک).

ومع بدء فتوحات المسلمین في الجنوب الغربي لأوروبا وانتصاراتهم الخاطفة في الأندلس أواخر القرن 1هـ، أصبح تحت سیطرتهم قسم واسع من أراضي تلک البقاع حتی نواحي جنوبي غالة. وکانت ناربو التي أصبح المسلمون منذ ذلک الحین یدعونها أبونة، أو نربونة، واحدة من آخر سلسلة هذه الفتوحات، ولذا، فإنه بعد أن خمدت جذوة هذه الفتوحات، کانت أربونة من أوائل المدن التي خرجت عن سیطرتهم.

وردت في المصادر الإسلامیة روایات عن فتح أربونة و فاتحیها، لکن روایات هذه المصادر ذات العلاقة بفتح المناطق الواقعة جنوبة غالة موجزة إلی الحد الذي لایمکن معه الحصول علی تفاصیل دقیقة لتلک الوقائع، أو معرفة أوائل فاتحي تلک المدن _ ومنها أربونة – بشکل یُرکن إلیه. وخلال ذلک فإن روایات المصادر المسیحیة القدیمة التي کان المؤرخون الأوروبیون المعاصرون و العرب قد استفادوا منها، نافعة جداً في هذا المضمار، ذلک أنه برغم النزعات الدینیة و العنصریة لهذه المصادر، فإنها تقدم في قسم من الوقائع معلومات مفیدة، مما لایکن العثور علیها في المصادر الإسلامیة القدیمة.

وأوضح الورایات الواردة في المصادر الإسلامیة عن فتح أبونة، روایة المؤرخ الأندلسي ابن حیان الذي عدّ موسی بن نصیر و طارق بن زیاد، فاتح أربونة. وبحسب روایته فإن موسی و طارقاً بعد فتحهما نواحي الثغر الأعلی (أرغون)، اندفعا نحو جبال البرانس، بعدها تمکنت مجموعة من المقاتلین التابعین لطارق من السیطرة علی النواحي الجنوبیة و تقدموا حتی آفینیون (صخرة أبنیون) ولیون (حصن لوذون) الواقعة ضمن نفوذ الإفرنجة (المقري، 1/ 272-274؛ قا: أبوالفداء، 183؛ ابن خلدون، 4(2)/ 254-255؛ الإمامة...، ط زیني، 2/ 67؛ ابن عبدالحکم، 208؛ أیضاً ظ: کنده، I/ 78-80؛ لیفي پروفنسال، I/ 55).

ویشکک بعض الباحثین المعاصرین بصحة هذه الروایة، ذلک أنه استناداً ما یقولون فإنه لایوجد بین أیدینا أي شيء یدل علی اجتیاز موسی وطارق جبال البرانس و وصولهم إلی غالة (مؤنس، 242). کما أنه لاتوجد في المصادر المسیحیة المتقدمة أي إشارة إلی هذا الأمر. وقد احتمل آخرون أن موسی خلال حربه في المناطق الواقعة شمال شرقي الأندلس، أرسل أفواجاً من مقاتلیه للتعرف إلی المناطق الواقع علی الجانب الآخرمن جبال البارنس، وأن هؤلاء اجتازوا البرانس فوصلوا إلی مدن مثل قرقشونة وإربونة (سالم، 104؛ السامرائي، 122-123؛ قا: ابن الفرضي، 1/ 146؛ أیضاً ظ: رینو، IV/ 256).

وفي الحقیقة، فإنه عندما کان موسی منهمکاً بالقتال في المناطق الواقعة شمال شرقي الأندلس، قام الخلیفة الأموي الولید الذي کان علی مایبدو، قلقاً من توغل موسی و طارق في أصقاع مجهولة، بدعوتهما إلی دمشق. فاضطر موسی بعد فترة أن یوقف القتال، وبعد أن عیّن نجله عبدالعزیز حاکماً علی الأندلس، اتجه بصحبة طارق إلی دمشق سنة 95هـ/ 714م (ابن عبدالحکم، 210؛ ابن القوطیة، 35-36؛ أخبار...، 27؛ ابن الأثیر، 4/ 565-566). ولذا فمن المستبعد أن یکون موسی – برغم المخططات الطموحیة التي نُسبت إلیه – قد وجد فرصة لقیادة جیش نحو الجانب الآخر من جبال البرانس (مؤنس، 242-243؛ سالم، 104-105؛ قا: لیفي پروفنسال، I/ 27). کما یحتمل أن یکون ماروي عن ابن حیان بهذا الصدد قداختلط بالأخبار المتعلقة بهجوم عنبسة بنسحیم الکلبي علی مناطق غالة واستیلائه علی مدن مثل آفینیون ولیون الذي تم بعد عقد من الزمن (قا: سالم، ن.ص). ولذا یری بعض الباحثین أن عبدالعزیز قد واصل فتوحات أبیه في جنوبي غالة وعَدّوه الفاتح الحقیقي لأربونة (في 96هـ/ 715م) (م.ن، 111؛ السامرائي، 123-124؛ البستاني؛ EI2؛ قا: لیفي پروفنسال، I/ 30, 55).

کما أن ماقیل في المصادر المعاصرة عن فتح أربونة علی ید عبدالعزیز، قائم برمته علی روایة زعم فرنسشکه قداره أنه نثلها من مخطوطة عربیة قدیمة، فاستناداً إلی هذه المخطوطة کان عبدالعزیز قد وصل – خلال واحدة من حملاته – إلی أربونة (سالم، ن.ص). غیر أن الجزم بصحة هذه الروایة لایتأتی، إلا من خلال دراسة مصدرها. کما أن العبارة الوارد في الإمامة والسیاسة بشأن وصول عبدالعزیز إلی أراضي القوط (ط الطباع، 153؛ أیضاً ظ: السامرائي، 124)، لایُرکن إلیها (قا: الإمامة، ط زیني، ن.ص). ولم‌یطل حکم عبدالعزیز، حیث قتل سنة 97هـ/ 716م في مؤامرة دبرها الوزیر وفریق من جنده (ابن عبدالحکم، 212-213؛ ابن القوطیة، 36-37؛ ابن الأثیر، 5/ 22؛ ابن عذاري، 2/ 24-25).

والوالي الآخر الذي یرد اسمه في الوقائع ذات العلاقة بفتح أربونة هو الحر بن عبدالرحمان الثقفي الذي اختیر بعد عدة أشهر من مقتل عبدالعزیز، والیاً علی الأندلس. ففي أحد المصادر المسیحیة القدیمة المنسوبة إلی إیسیدوروس الباجي، وردت روایة مفادها أن الحر قد اجتاز بجال البرانس بجیشه سنة 99هـ/ 718م، وبعد عدة هجمات له علی مدن مثل أبونة،عاد إلی الأندلس مع غنائم وأسری کثیرین (کنده، I/ 92؛ رینو، IV/ 258، الهامش؛ عن إیسیدوروس الباجي، ظ: مؤنس، 151-153، ها 2). ومع‌کل ذلک، فإنه لاتوجد إشارة إلی هذه الواقعة في أي من المصادر الإسلامیة المتوفرة. وفضلاً عن ذلک، فإنه من غیر المعلوم بشکل جازم ما إذا کان الحر – استناداً لهذه الروایة – قد بلغ أربونة حقاً (م.ن، 244-245؛ قا: رینو، ن.ص).

أما الفتح الذي جُزم به لأربونة فقد نسب إلی السمح بن مالک الخولاني. وهنا أیضاً – و کما في أغلب الوقائع الآتیة – فإن أهم مصادرنا هي الروایات المسیحیة، أما المصادر الإسلامیة فلاتلاحظ فیها، سوی إشارات لبعض هذه الوقائع. کان السمح قد اختیر لهذه الولایة من قبل عمربن عبدالعزیز عقب عزل الحر عن حکم الأندلس، فقدم إلی الأندلس سنة 100هـ/ 719م و بادر بمجرد وصوله إلی تنظیم أمور الدولة و توسیع حدودها الشمالیة. ولتحقیق هذا الهدف، قام بعد سنة بقیادة جیش جرار من شرق البرانس متوجهاً إلی سپتیمانیا و حاصر أربونة واستولی علیها. ولما کان موقع هذه المدینة مناسباً ن الناحیة العسکریة، اتخذ منها قاعدة رئیسة و انبری لتعزیز الاستحکاماته فیها. ثم استول علی طرسکونه و من هناک اندفع نحو تولوز (طولوشة) الواقعة في دوقیة آکویتانیا (أقطانیة)، لکنه قتل مع کثیر من قادة جیشه في 102هـ/ 721م في المعرکة الطاحنة التي دارت رحاها مع المسیحیین قرب هذه المدینة (کنده، I/ 95-96؛ رینو، IV/ 261-262؛ لیفي پروفنسال، I/ 55, 58؛ قا: ابن الفرضي، 1/ 230؛ ابن‌الأثیر، 5/ 489؛ ابن عذاري، 2/ 26؛ ابن خلدون، 4(2)/ 257؛ أیضاً ظ: السامرائي، 125-127). وعقب هذه الهزیمة، أوصلت بقایا جیش السمح بقیادة عبدالرحمان الغافقي نفسها إلی أربونة (کنده، I/ 96؛ رینو، IV/ 262-263)، وقد بقیت هذه المدین بأیدي المسلمین و کانت وإلی حوالي 4 عقود قاعدتهم الثابتة في جنوبي غالة.

وبعد 4 سنوات عندما بدأ غنبسة بن سحیم الکلبي، والي الأندلس هجومه الکبیر نحو قلب بلاد غالة، کانت أربونة قاعدتها الرئیسة علی الجانب الآخر من البرانس، وفي طریق عودته، حیث قُتل سنة 107هـ/ 725م خلال حملة شنتها مجموعة من الإفرنجة، أصبحت أربونة أیضاً – وکما کانت من قبل – قاعدة وملجأ للقوات الأمویة. وفي هذه المرة قام عذرة بن عبدالله الفهري بإیصال جیشه إلی أربونة أیضاً (کنده، I/ 101؛ رینو، IV/ 263-264؛ لیفي پروفنسال، I/ 58-59؛ سالم، 138-139).

وبعد سبع سنوات و في أعظم هجمات العرب علی قلب بلاد غالبة والتي انتهت بهزیمتهم في معرکة پواتیه (بلاط الشهداء) في مواجهة شارل مارتل، ومقتل قائدهم عبدالرحمان الغافقي والي الأندلس في 114هـ/ 732م، أصبحت أربونة مرة أخری محطاً لرحال الجیش العربي المهزوم. وقد سلکت فلول هذا الجیش العائد من تلک المعرکة الطاحنة التي وضعت حداً لتقدم المسلمین في أوروبا، طریقَ سپتیمانیا و استقرت في أربونة (کنده، I/ 108-111؛ رینو، IV/ 403؛ لیفي پروفنسال، I/ 62؛ مؤنس، 275-274).

 وعقب هذه الهزیمة، تعرض المسلمون في جنوبي غالة للخطر وتضاءلت نشاطاتهم العسکریة. کما أن عبدالملک بن قطن والي الأندلس الجدید لم یحقق شیئاً، سوی تعزیز القلاع و قواعد المسلمین في تلک الجهة من جبال البرانس، لکن استناداً إلی المصادر المسیحیة، فإن هجوماً جدیداً بدأ من أبونة سنة 116هـ/ 734م وکان هذه المرة بقیادة یوسف بن عبدالرحمان حاکم أربونة. ولم‌یکن لوحده في هذا الهجوم، فقد کان معه أیضاً فیه دوق مرسیلیا الذي کان حاکماً علی الجزء الأکبر من ولایة پروفانس والذي تحالف مع یوسف الذي کان یعینه خوفاً من شارل مارتل. وبذلک تمکن حاکم أربونة بجیش جرار من اجتیاز وادي رون والاستیلاء علی آرل ثم علی فرتا وآفینیون. ومنجهة أخری، فإن عسقبة ابن الحجاج السَّلولي والي الأندلس الجدید قام بدوره باجتیاز الرانس وهاجم منطقة دوفینه، وبعد استیلائه علی مدن مثل فالانس شن هجوماً علی منطقة بورغون واستولی علی لیون. و بهذا تمکن المسلمون مرة أخری من السیطرة علی أقسام من الجنوب الشرقي لغالة، لکن سلطتهم لم‌تدم طویلاً، ذلک أن شارل مارتل الذي کان قد فرغ باله آنذاک من أمر الحدود الشمالیة والشرقیة في منطقة نفوذه، هرع لصدّهم في 119هـ/ 737م، وبعد استعادته آفینیون ودحره المسلمین هاجم أربونة، قلعتهم الرئیسة في جنوبي غالة وحاصرها و استولی جنده علی جمیع المنافذ المؤدیة إلی أربونة في البرانس وأغلقوا الطرق التي تربط بین سپتیمانیا والأندلس فأصبحت أربونة في مأزق. کما هوجم الجیش الذي أرسله عقبة عن طریق البحر لنجده المحاضرین، من قبل شارل قرب المدینة و هُزم. ومع کل ذلک قاومت أربونة، وقام شارل من الجانب الذي لم یُغلق من الحصار، بسدّ طریق العودة، لکنه قبل ذلک بادر إلی تدمیر جمیع أسوار و تحصینات المدن التي في تلک البلاد و التي کان من الممکن للمسلمین أن یستفیدوا منها تدمیراً هائلاً (رینو، IV/ 406-409؛ لیفي پروفنسال، I/ 63-64؛ مؤنس، 278-284؛ أیضاً ظ: أخبار، 33-34؛ ابن عذاري، 2/ 29؛ المقري، 1/ 236، الذین عدّوا عقبة فاتح أربونة).

وفي 124هـ/ 742م، بدأ هجوم جدید بالتحرک من أربونة لم‌یکن هدفه هذه المرة منطقة نفوذ المسیحیین، بل قرطبة، وکان الهدف من ذلک مواجهة جیش أهل الشام في الأندلس. والسبب في ذلک هو قتل والي الأندلس عبدالملک بن قطن علی ید بلج بن بشر القشیري قائد جند الشام في الأندلس وأصحابه في 123هـ. وقد أدت عملیة القتل هذه والتي هي استمرار للصراع بین العرب والبربر في المغرب وامتد نطاقها لیشمل الأندلس، إلی نشوب معارک طاحنة ودامیة قرب قرطبة بین فریقین من القبائل العربیة: یمنیة الأندلس و قیسیة الشام. وخلال ذلک بادر عبدالرحمان بن علقمة اللخمي حاکم أربونة المعروف بفارس الأندلس الذي یعدّ أحد أصحاب عبدالملک بن قطن، وبهدف الانتقام من بلج، إلی القدوم بجیشه من أربونة إلی ساحة القتال. و برغم تمکنه من قتل بلج بیده، لکن جیشه و المتحالفین معه هُزموا في المعرکة وقتل کثیر من مقاتلیه فیها (ابن القوطیة، 42-43؛ أخبار، 44-47؛ ابن‌الأثیر، 5/ 490-491؛ ابن عذاري، 2/ 31-32؛ أیضاً رینو، IV/ 418-419؛ حول أسباب هذه الحرب و ظروفها التاریخیة، ظ: مؤنس، 210-217). وبذلک لم‌یکن للقتال بین جند أربونة وبقیة مواقع الجانب الآخر من جبال البرانس في الصراعات الداخلیة بالأندلس من حصیلة، سوی ازدیاد ضعف قوة المسلمین في جنوبي غالة وتحدید قوتهم ورقعةنفوذهم (م.ن، 287-288). وبعد فترة و خلال حکم یوسف بن عبدالرحمان الفهري للأندلس و بمؤامرة منه علی مایحتمل، قُتل عبدالرحمان بن علقمة، ففقدت أربونة حاکمها الشهیر الأذي کان یفکر في الإطاحة بیوسف و في حکم الأندلس (ابن عذاري، 2/ 32؛ المقري، 3/ 26).

وباضطراب الأوضاع في الأندلس أواخر عصر الولاة وبزوال همیمنة المسلمین علی جنوبي غلاة، تحولت أربونة التي کانت آخر معاقلهم المهمة في الجانب الآخر من البرانس والتي کانت روابطها بالأندلس قد قطعت أیضاً، إلی أهم هدف للحکّام المسیحیین. و في 134هـ/ 752م قاد پپن القصیر نجل شارل مارتل و خلیفته بمعونة أحد القادة القوي، جیشاً واتجه إلی أربونة وحاصرها، غیر أن منعة القلعة ومقتل القائد القوطي في کمین نصبه المسلمون، أحبط خطة پین، خاصة وأن الجفاف الشدید في تلک المنطقة کان قد جعلهم في عناء (رینو، IV/ 420؛ مؤنس، 289). وفي سنة 140هـ/ 757م ولأجل تعزیر قاعدة المسلمین جنوبي غالة، أرسل أمیر الأندلس الأموي عبدالرحمان الداخل، جیشاً قویاً إلی أربونة، لکن هذا الجیش فوجئ في مضایق جبال البرانس بمقاتلي الجبال، فتفرق جمعه (رینو، IV/ 421؛ مؤنش، 290). وبذلک أخفقت آخر محاولات حکومة الأندلس للاحتفاظ بقاعدتها علی الجانب الآخر من البرانس. ولم یمض طویل وقت حتی سقطت أربونة بأیدي المسیحیین.

واستناداً إلی المصادر المسیحیة القدیمة، فإن المسیحین من سکان أربونة الذین کانوا یشکلون قسماً کبیراً من سکانها، تفاوضوا سراً مع مبعوثي پپن، وبعد الاتفاق معه و في فرصة مؤاتیة هاجموا حراس القلعة، الذین سلّموا القلعة بعد مقتل عدد کبیر منهم (رینو، IV/ 421-422؛ لیفي پروفنسال، I/ 64؛ مؤنس، 291). أرخت أغلب المصادر سقوط أربونة في 142هـ/ 759م، إلا أن بعضها واستناداً إلی روایة المسعودي (1/ 162) أرخت سقوط أربونة في 330هـ (أیضاً المقري، 4/ 351). وقد احتمل أن یکون هذا التاریخ تصحیفاً لسنة 133هـ، وعلی هذا، فقد عُدّ التاریخ الاحتمالي لسقوط أربونة هو 133هـ (لیفي پروفنسال، ن.ص؛ سالم، 150-151).

ومع أن سقوط أربونة قد وضع حداً للوجود الدائم للمسلمین في جنوبي غالة، لکنه لم یکن حائلاً دون شنهم هجمات بین الحین و الآخر علی الجانب الآخر من البرانس و خاصة أربونة. ففي 177هـ/ 793م قام أمیر الأندلس هشام بن عبدالرحمان و في هجوم جدید باتجاه شمالي الأندلس و جنوبي غالة، بإرسال جیش بقیادة عبدالملک بن مغیث إلی البرانس. وقد شن هذا الجیش أولاً هجوماً علی جرندة فحاصرها ودمر أبراجها و أسوارها، و عبر بعد ذلک البرانس وتقدم حتی سپتیمانیا و هاجم أربونة. ویستفاد من الروایات الإسلامیة أن عبدالملک قد فتح أربونة في هذا الهجوم، وبعد معارک عدیدة في تلک المناطق عاد إلی الأندلس محملاً بالغنائم و الکثیر من الأسری. وبحسب إحدی الروایات فإنه أجبر الأسری المسیحیین علی حمل أحجار السور المدمر لأربونة حتی بوابات قصر الأمیر في قرطبة (ظ: ابن القوطیة، 65؛ ابن الأثیر، 6/ 135؛ ابن عذاري، 2/ 64؛ ابن الخطیب، 11-12؛ ابن خلدون، 4(2)/ 271؛ المقري، 1/ 337).

لکن المصادر المسیحیة لاتذکر فتح أربونة، بل اکتفت بالإشارة إلی هجوم المسلمین فحسب. فاستناداً إلی روایتهم، فإن العرب شنوا هجوماً علی أربونة ولکنهم عندما جوبهوا بمقاومة المدافعین عنها، قاموا بإضرام النار في أطراف القلعة ثم اندفعوا باتجاه قرقشونة، حیث اشتبکوا في معرکة طاحنة مع دوق تولوز و ألحقوا به الهزیمة،وعادوا إلی الأندلس بالغنائم و الأسری الکثیرین (رینو، IV/ 598-601؛ أیضاً ظ: سالم، 151-152). وعلی مایبدو فإنه خلال القرون التالیة، قامت قوات من الأندلس بمهاجمة جنوبي غالة عبر البرانس، أو عبر البحر. وقد تقدمت إحدی هذه القوات في 227هـ/ 842م علی عهد عبدالرحمان الأوسط، حتی تخوم أربونة (لیفي پروفنسال، I/ 212؛ قا: رینو، IV/ 616؛ ابن الأثیر، 6/ 529؛ ابن عذاري، 2/ 86؛ أیضاً سالم، 152).

کما وردت إشارة في روایة عن ابن بشکوال إلی فتح أربونة علی ید الأمیر محمد بن عبدالرحمان (حکـ 238-273هـ/ 852-886م) (المقري، 1/ 464)، لکن لم‌یتحدث أي مصدر آخر عن هذه الواقعة. وقد تحدث أحد المؤرخین المسیحیین القدماء عن هجوم آخر علی أربونة، فاستناداً إلیه فقد شن جمع من المسلمین في 410هـ/ 1019م هجوماً لیلیاً عن طریق البحر علی أربونة، لکن أهل المدینة تمکنوا من إلحاق الهزیمة بهم وقتلواکثیراً منهم کما أسروا بعضهم (رینو، V/ 109). ومع کل ذلک، فإن العلاقة بین أربونة والبلاط الأموي في الأندلس لم‌تکن علی الدوام حروباً ومعارک، بل تواصلت بشکل آخر أیضاً، حیث کان تجار أربونة الیهود ینتقلون – بدلاً من الجیوش العربیة – في شتی البقاع فینقلون البضائع المختلفة من الغلمان و الجوارط و الأحجار الکریمة إلی قرطبة وبقیة المراکز المهمة في الأندلس (لیفي پروفنسال، I/ 263).

وفضلاً عن الأهمیة السیاسیة ولعسکریة لأربونة، فإن موقعها الجغرافي أیضاً یتمتع بدهمیة خاصة وأدی إلی أن تدخل هذه المدینة في التقسیمات الإداریة للأندلس و أن یتم الحدیق عنها دائماً في آثار الجغرافیین المسلمین. وقد أصبحت أربونة الواقعة بین الجنوب الغربي لغالة و بین الشمال الشرقي للأندلس بعد فتحها و ضمها لحدود الأندلس، مرکزاً لولایة بنفس الاسم. و بسبب موقعها الحدودي هذا اشتهرت أیضاً باسم ولایة الثغر، أو ثغر أربونة. وبرغم أن هذه الولایة و مرکزها قد انتزع بسرعة من سلطة حکومة الأندلس، فقد ظل الحدیث في آثار الجغرافیین الإسلامیین مثاراً للنقاش عن أربونة وموقعها بالنسبة إلی بقعتها الأصلیة الأندلس، حیث ظهرت وجهات نظر مختلفة بهذا الشأن. فقد عدها البعض جزءاً من الأندلس و واحدة من مدنها الأربعین، بینما أخرجها آخرون من هذه الحدود و عدّوها جزءاً من بلاد روما، أو الإفرنج (ظ: ابن‌الفقیه، 79؛ ابن خرداذبه، 89-90؛ أبوعبید، 891؛ الإدریسي، 2/ 738؛ أبوالفداء، 182-183؛ المقري، 1/ 127-128؛ عن التقسیمات الإداریة للإندلس منذ العصور القدیمة، ظ: مؤنس، 532 ومابعدها).

کانت أربونة بعد هیمنة المسیحیین علیها مجدداً و خلال الحکم الشارلماني (768-814م) مرکز دوقیةِ قوطیة، وخلال القرون الوسطی أصبح القسم الجنوبي منها تحت سلطة کونتات تولوزف بینما اتخذ قسمها الشمالي شکل أسقفیة. کماکان للیهود حي في المدینة کان مزدهراً إلی حین إخراجهم منها في أوائل القرن 14م. وعقب انهیار سدود أورد و تراکم الطین و الطمي في منیائها و قطع ارتباطها بالبحر الأبیض المتوسط سنة 1320م فقدت مدینة أربونة التي تمتعت بازدهار تجاري خلال القرنین 11 و 12م، ازدهارها وأهمیتها. وفي 1507م أصبحت المدینة تابعة لحکم ملک فرنسا. وفي 1790م خلال الثورة الفرنسیة، ألغیت مؤسستها الأسقفیة (لاروس الکبیر، بریتانیکا، آمریکانا، جودائیکا، کلیر، مادة ناربون).

وناربون الیوم مدینة في ناحیة أود من محافظة لانغدوک، واقعة علی بعد 61 کم إلی الشرق من کارکاسون (قرقشونة) و13 کم إلی الغرب من البحر الأبیض المتوسط، وسط مزارع شاسعة من الکروم، تتصل بالبحر الأبیض المتوسط عن طریق قناة روبین التي هي فرع من قناةمیدي، والتي تفصل القسم الشمالي لمدینة سیته عن قسمها الجنوبي (بور).

ومن الآثار القدیمة لناربون – فضلاً عن الأبنیة الرومانیة القدیمة – کنیسة جامع سان جوست (القرنان 13 و 14م)، کنیسة سان پول سِرج (القرنان 12 و 13م)، أبنیة أسقفیة المدینة (القرنان 13 و 14م)، وجمیعها قائمة الآن. وإذا کانت ناربون في العصور القدیمة مسقط رأس بعض أباطرة الروم وقاعدة لهم، فقد کانت فیما بعد أیضاً مسقط رأس اثنین من مشاهیر الموسیقی والعلوم الفرنسیة: موندونویل 01711-1772م) وآرمان غوتیه (1837-1920م)، (لاروس الکبیر، بریتانیکا، آمریکانا، ن.صص).

 

المصادر

ابن‌الأثیر، الکامل؛ ابن خرداذبه، عبیدالله، المسالک و الممالک، تقـ: دي‌خویه، لیدن، 1889م؛ ابن الخطیب، محمد، أعمال الأعلام، تقـ: لیفي پروفنسال، بیروت، 1956م؛ ابن خلدون، العبر؛ ابن عبدالحکم، عبدالرحمان، فتوح مصر و أخبارها، تقـ: ش. توري، لیدن، 1920م؛ ابن عذاري، أحمد، البیان المغرب، تقـ: ج. س. کولن ولیفي پروفنسال، لیدن، 1951م؛ ابن الفرضي، عبدالله،تاریخ العلماء والرواة للعلم بالأندلس، تقـ: عزت العطار الحسیني، القاهرة، 1373هـ/ 1954م؛ ابن الفقیه، أحمد، مختصر کتاب البلدان، بیروت، 1408هـ/ 198م؛ ابن القوطیة،محمد،تاریخ افتتاح الأندلس، تقـ: عبدالله أنیس الطباع، بیروت، 1958م؛ أبوعبید البکري، عبدالله، المسالک والممالک، تقـ: آدریان فان لِفِن وآندریه فره، تونس، 1992م؛ أبوالفداء،تقویم البلدان، تقـ: رینو ودسلان، باریس، 1840م؛ أخبار مجموعة، تقـ: إبراهیم الأبیاري، القاهرة/ بیروت، 1410هـ/ 1981م؛ الإدریسي، محمد،نزهة المشتاق، القاهرة، مکتبة الثفافة الدینیة؛ الإمامة والسیاسة، تقـ: طه محمد زیني، بیروت، دارالمعرفة للطباعة والنشر؛ ن.م، القسم الخاص بفتح الأندلس، تقـ: عبدالله أنیس الطباع، مع تاریخ افتتاح الأندلس (ظ: همـ، ابن القوطیة)؛ البستاني؛ سالم، عبدالعزیز، تاریخ المسلمین وآصارهم في الأندلس، بیروت، 1408هـ/ 1988م؛ السامرائي، خلیل إبراهیم صالح، الثغر الأعلی الأندلسي، بغداد، 1976م؛ المسعودي، علي، مروج الذهب، تقـ: محمد محیي‌الدین عبدالحمید، القاهرة، 1384هـ/ 1964م؛ المقري، أحمد، نفح الطیب، تقـ: إحسان عباس، بیروت، 1388هـ/ 1968م؛ مؤنس، حسین، فجر الأندلس، القاهرة، 1959م؛ وأیضاً:

Americana; Ausonius, tr. H. G. Evelyn White, London, 1968; Britannica; Collier’s Encyclopedia, London/ NewYork, 1986; Condé, J. A., History of the Dominion of the Arabs in Spain, tr. J. Foster, London, 1854; EI2; Grand Larousse; Judaica; Lévi-Provençal, E., Histoire del’Espagne musulmane, Paris/ Leiden, 1950; Reinaud, M., «Incursions of the Muslims into France», tr. H.Kh. Sherwani, Islamic Culture, Hyderabad Deccan, vol. IV, 1930, vol. V, 1931; Sidonius, G.S.A., Poems and Letters, tr. W. B. Anderson, London, 1963.

مهران أرزنده/ هـ.

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: