الأدارسة
cgietitle
1443/2/28 ۰۸:۱۴:۴۱
https://cgie.org.ir/ar/article/237034
1445/10/23 ۱۵:۴۷:۲۲
نشرت
6
اَلْأَدارِسَة، سلالة شیعیة تنتسب إلی إدریس بن عبدالله حفید الحسن بن علي (ع)، حکمت المغرب الأقصی (مراکش و جزء من الجزائر) خلال السنوات 172-375هـ/ 788-985م.
کانت إحدی السمات السیاسیة للخلافة العباسیة قمع العلویین الذین کانوا یرون الخلافة الإسلامیة حقّاً لهم و یرفعون رایة التمرد بین الحین و الآخر بسبب الأوضاع السیاسیة المتدهورة، أو مضایقات الخلفاء علیهم. و برغم أن تورات العلویین غالباً ما وصفت علی أنها ظواهر سیاسیة، إلا أنه لایمکن غض النظر تماماً عن دوافعها الاقتصادیة أیضاً. یشیر المؤرخ الشیعي أحمد بن إسحاق الیعقوبي (2/ 404، 405) أن الهادي العباسي عندما تولی الخلافة ضیّق علی العلویین کثیراً وأصدر أمراً بملاحقتهم و إیذائهم و قطع الرواتب و العطایا التي کان الخلیفة المهدي قد قرّرها لهم.و لما اشتدت ملاحقة العلویین، التف جمع منهم في المدینة حول الحسین بن علي بن الحسن المثلث، العلوي الشجاع و الکریم و بایعوه، وبذلک أصبحت الأرضیة مهیاة لثورته ضد الخلیفة (169هـ/ 785م)، لکنه کسابقیه لم‌یحقق شیئاً، فقُتل بعد مناسک الحج في فَخّ بین مکة والمدینة بعد معرکة هُزم فیها. و کان أحد مشاهیر العلویین الذین نجوا من هذه المعرکة یدعی إدریس بن عبدالله، ذهب أخیراً إلی المغرب و أسس هناک دولة استمرت لقرنین (أبوالفرج، 488-489). ویقسم الحکام الأدارسة إلی طبقتین، حکمت الأولی من إدریس الأول إلی نهایة حکم یحیی الرابع بشکل مستقل، و واصلت الطبقة الثانیة منذ الحسن الحجّام حتی نهایة حکم الحسن بن القاسم حکمها تحت إشراف الفاطمیین و أمویي الأندلس.
المعروف بإدریس الأکبر (ابن خلدون، مقدمة،24). هرب إلی مصر بعد وقعة فخّ. وقد وفرله الملجأَ عاملُ البرید الشیعي لتلک الدیار (الطبري،8/ 198) یدعی واضحاً (جد الیعقوبي، الجغرافي و المؤرخ الشهیر) مولی صالح بن المنصور،المعروف بالمسکین (البلاذري،3/ 137). ثم أرسله إلی المغرب (170هـ/ 786م) ودفع حیاته ثمناً لذلک. أقام إدریس في بلاد طنجة في مدینة یقال لها وَلیلة،وفي روایة في تاهَرت (الطبري، 8/ 200؛ ابن تغري بردي،2/ 59)، ودعا قبائل تلک المنطقة إلی إطاعته. و في 172هـ/ 788م ذهب إلی إسحاق بن محمد بن عبدالحمید أمیر البریر، فأعلن هذا مع قبیلته فروض الطاعة لإدریس (ابن خلدون، 4/ 13؛ ابن عذاري،1/ 218)، فهاجم إدریس بمعونته قبائل قندلاوة و بهلوانة و مدیونة و مازار التي کان بعضها من المجوس، أو الیهود، أو المسیحیین، واستولی علی تامستا وشالة وتادلّة فأعلنت تلک القبائل إسلامها. و في 173هـ/ 789م هاجم تلمسان وانتزعها من أیدي بني یعرب و أخضع أمیرها لحکمه (ابن خلدون، 4/ 24، 25) وأصبحت له هیمنة کبیرة وانبری للحکم بلقب إمام (م.ن، مقدمة،228) و غدا مدعاة لرعب العباسیین. کما استقر شقیقه سلیمان في تلمسان و المناطق المحیطة بها (الذهبي، 1/ 197). وقد منح إدریس أیضاً إمارة جزء من المناطق الخاضعة لحکمه إلی ابن أخیه محمد (ابن العماد، 1/ 339). ولما اعتلی هارون الرشید العرش سعی إلی إرسال جیش إلی المغرب للقضاء علی إدریس لکنه بمشورة من یحیی البرمکي و بدلاً من المواجهة العسکریة، لجأ إلی حیلة فأرسل سلیمان بن حُزَیر المعروف بالشمّاخ الیماني و بمعونة إبراهیم بن الأغلب عامله في إفریقیة (الطبري، 8/ 198، 199) إلی إدریس. فتقرب الشماخ الذي تظاهر بأنه طبیب شیعي، سریعاً إلی إدریس و أعطاه في فرصة سانحة کعلاج لوجع سِنّه «سنوناً» فیه سم ثم هرب. وبعد فترة قصیرة توفي إدریس متأثراً بذلک السم (ابن الأثیر، 6/ 91، 93؛ البلاذري، 3/ 137). وکان مرکز حکومة إدریس – کما یستفاد من المسکوکات الباقیة من عصره – مدینة ولیلة، أو نَدْعَة.
وتختلف الروایات بشأن مغادرة إدریس العراق و وفاته، فالمقدسي (البدء و التاریخ، 6/ 86) یری أن دخوله إلی المغرب کان بعد ثورة إبراهیم ابن عبدالله العلوط و مقتله. و فطموضع آخر بعد نجاته من وقعة فخّ و یشیر إلی أنه دخل المغرب عقب خروجه من العراق (م.ن، 6/ 99، 100). وقال البعض إنه هرب إلی المغرب بعد مقتل محمد النفس الزکیة علی عهد المنصور العباسي (المسعودي، 3/ 296؛ البناکتي، 139)، وإن المنصور أرسل أحداً خلفه فقتله بالسم.
وسمي إدریس الصغیر أیضاً (ابن خلدون، مقدمة، 24). کان في بطن أمه کَنزة عند مقتل أبیه، ولما وُلد سمي إدریس. وفي البدء تسلم مقالیدَ الحکم مولی إدریس الأول، المدعو راشداً (فترة نیابته: 175-186هـ/ 791-802م) الذي قُتل بمؤامرة من ابن الأغلب، و من بعده أبوخالد بن یزید بن إلیاس العبدي (فترة نیابته: 186-192هـ/ 802-808م)، وأدارا شؤون البلاد إلی أن بلغ إدریس سن الرشد و تولی مقالید الأمور (أبو الفداء، 2/ 11، 13)، وبایعته القبائل الکبیرة واستتبت له الأمور. وقد أصبح- وهو الذي یعدّ المؤسس الحقیقي لدولة الأدارسة – له من النفوذ ماسمیت معه تلک البلاد ببلاد إدریس بن إدریس (المسعودي، 3/ 296). وفي ذلک العصر کان الأغالبة الذین أُعدوا خصیصاً من قبل العباسیین لمواجهة الأدارسة، یسعون للقضاء علی دولتهم (الإصطخري، 47). لکن تأیید کبری القبائل المغربیة مثل أروبة و زناتة وزراعة و مکناسة لإدریس حال دون هجوم الأغالبة، بل و حتی العباسیین بشکل علني علیه، بل إن یحیی البرمکي الذي منع هارون من مهاجمة إدریس بشکل مباشر، یحتمل أن یکون قد انتبه إلی هذا الأمر، وکذلک ولنفس السبب قام أنصارُ إبراهیم بن الأغلب بمنعه عندما أراد أن یشن هجوماً علیه. و أخیراً أدت قوة إدریس المتعاظمة إلی یأس الأغالبة نهائیاً من مجابهته و أن یتماطلوا و یتذرعوا بذرائع أمام طلب الخلفاء ذلک منهم (ابن خلدون، 4/ 27).
أسس إدریس بعد جلوسه علی العرش بفترة قلیلة مدینة فاس (المقري، 1/ 482)، ثم هرع للجهاد ضد القبائل غیر المسلمة في المغرب (ابن عذاري، 1/ 218). وفي 197هـ/ 813م هاجم المصامدة و فتح بلادهم، ثم قضی علی خوارج تلمسان الذین کانت لهم الهیمنة هناک منذ عهد یعبد، و أنهی نفوذ العباسیین فیها. توفي إدریس بن إدریس في 213هـ/ 828م، و في روایة 214هـ/ 829م بعد 21 سنةمن الحکم (ابن الأثیر، 6/ 415). ویستشف من إشارة ابن خلدون (مقدمة، 23) أنه کان هناک شک في صحة انتساب إدریس الثاني إلی إدریس بن عبدالله. ویبدو أن أعداء الأدراسة – أي العباسیین و الأغالبة – کانوا یثیرون هذا الشک، و یعدّونه ابن راشد مولی إدریس الأول.
أنجب إدریس الثاني 12 ولداً، تسنّم محمدأکبر أولاده الملقب بالمنتظر والإمام، العرش بعده (أبوالفداء، 2/ 70)، و بوصیة من جدته کنزة قسم المناطق الخاضعة لحکمه بین إخوته و استقرّ هو في فاس. و قد أدی ذلک إلی ظهور اضطرابات سیاسیة و نشوب حروب أهلیة، ذلک أن شقیقه عیسی ثار علیه بعد فترة قصیرة و طالب بالاستقلال. فطلب محمد إلی شقیقه الآخر القاسم أن یذهب لمجابهة عیسی، و لما رفض هذا حرّض شقیقه الآخر عمر للهجوم علی عیسی، فأنزل الهزیمة بجیش عیسی و قضی علی القاسم أیضاً وضمّ طنجة إلی المناطق الخاصة لحکمة (ابن خلدون، 4/ 28). وبعد فترة توفي عمر الذي کان جدَّ سلالة بني حمود فمنح محمد منطقة حکمه لابنه علي، لکنه (أي محمد) أیضاً لم‌یعش کثیراً بعد شقیقه، حیث توفي بفاس في ربیع الثاني 221هـ/ نیسان 836م بعد حکم دام ثماني سنوات.
کان یلقب بحیدر. تسلم الحکم بعد أبیه و لما یزل في التاسعة، و قد أقسم له زعماء قبائل البربر یمین الولاء و تولوا مقالید الأمور نیابظ عنه (ابن خلدون، 4/ 29) إلی أن استقل بنفسه. و قد حقق علي الذي کان یتمتع بخصال أخلاقیة ممتازة، نجاحاً ملحوظاً في تنظیم الدولة و خلق الهدوء و الاستقرار في المنطقة الخاضعة لحکمه حتی إن عصره یعدّ من أفضل فترات تاریخ الأدارسة. وقد حکم البلاد 13 سنةو توفي أخیراً في رجب 234/ شباط 849 و هو في الثانیة و العشرین من عمره. و خلط أوبالفداء (2/ 70) بینه و بین علي بن عمر.
تسلم مقالید الأمور بوصیة من أخیه، و کان رجلاً حسن السیرة أضفی عظمةً علی دولة الأدارسة، وقد ازدهرت عاصمته فاس إلی الحد الذي بدأ فیه الناس یهاجرون من الأندلس و إفریقیة إلیها، ولذا اتسعت هذه المدینة اتساعاً کبیراً. توفي یحیی سنة 249هـ/ 863م بعد أن حکم لمدة 15 سنة.
تولی مقالید الأمور بوصیة من أبیه. و لأنه کان رجلاً سیئ الطویّة منغمساً باللهو و الملذات و لم‌یهتم بإدارة شؤون البلاد، فإن المنطقة الخاضعة لحکمه سرعان ماقسمت بین أعمامه و أخواله، فحافظت أسرة عمر علی ماکان تحت تصرفها، لکن داود وسع ممتلکاته وضم إلیها شرقي فاس.ویدورها استولت أسرة القاسم علی القسم الغربي من فاس، بینما استولی الحسین و یحیی علی منطقة تمتد من جنوبي فاس حتی جبال الأطلس (ابن عذاري، 1/ 119، 120). ولذا أعرض الناس عن یحیی و رفعوا رایة العصیان بقیادة عبدالرحمان بن أبي سهل الجذمي. فهرب یحیی إلی عدوة الأندلسیین و مات فیها، و انتقل الحکم من بعده من أسرة محمد إلی أسري عمر بن إدریس.
کان أمیر غُمارة، و عندما استغل عبدالرحمان الجذمي رجل فاس القدیر، سخطَ الناس وقرر أن یحکم هو، ساعدت زوجةُ یحیی التي کانت ابنة علي بن عمر (قا: ابن عذاري، 1/ 219، الذي یعدّها ابنة یحیی وزوجة علي) أباها لیتولی مقالید الحکم المرکزي، کما استدعی أهلُ فاس علیاً فتسنّم العرش. ثم إن عبدالرزاق الصفری الخارجي ثار علیه في مدیونة، و بعد عدة معارک حدثت بین علي و عبدالرزاق، هزم علي أخیراً واضطر للذهاب إلی قبیلة أروبة. أما عبدالرزاق فقد استولی علی عدوة الأندلسیین. ولیس لدینا خبر عما آل إلیه مصیر علي بعد ذلک.
عقب استیلاء عبدالرزاق علی عدوة الأندلسیین، رفض أهل عدوة القرویین الانقیاد له و عیّنوا یحیی الثالث المعروف بالمقدام، أو الصرّام (ابن خلدون، 4/ 20) حاکماً. فشن یحیی هجوماً علی عبدالرزاق فهزمه واستقرّ في فاس، و بذلک انتقل الحکم من أسرة عمر إلی أسرة القاسم. حکم یحیی لتفرة طویلة و أخیراً قتل علی ید الربیع بن سلیمان قائد جیش یحیی بن إدریس بن عمر سنة 292هـ/ 905م (ابن خلدون، 4/ 31).
کان أحد أکبر و أقوی الحکام الأدارسة و کان فقیهاً و عرافاً بالحدیث، حکم لفترة بکل اقتدار. وبرغم کل هذا، کان عصره بدایة ضعف دولة الأدارسة، ذلک أن الفاطمیین الذین کانوا یزدادون قوة تدریجیاً، تحولوا بعد الاستیلاء علی الإسکندریة إلی أخطر الأعداءللأدارسة وطمعوا في المناطق الخاصة لحکمهم (ابن خلدون، 4/ 31). ویبدو أن أحد أسباب هجوم الفاطمیین علی المغرب یکمن في بعض الأدارسة العلویین الذین کانت لهم علاقات صداقة مع حکام الأندلس الأمویین. وقد أدت المعارک التي دارت رحاها في آنذاک إلی ضعف الحکومة المرکزیة وأصبحت مقدمة لسقوطها. و في 305هـ/ 917م حرّض عبیدالله الفاطمیي، أمیر تاهرت، المدعو مصالة بن حبوس علی یحیی، فهاجم الحاکمَ الإدریسي. هُزم یحیی و عاد إلی فاس و قُرر أن یرسل مالاً إلی مصالة ویعلن التبعیة لعبیدالله. کذلک أجبر علی أن یسند بقیة المناطق الخاضمة لحکمه إلی موسی بن أبي العافیة میر مکناسة و ابن عم مصالة (307هـ/ 919م). ویستنتج من إشارات ابن خلدون (4/ 32) أن یحیی في ذلک الوقت تنازل عن حکم فاس أیضاً لابنه طلحة، ذلک أن مصالة عندما هاجم المغرب للمرة الثانیة في 309هـ/ 921م، ألقی القبض علی طلحة بن یحیی بتحریض من موسی،و نفاه إلی أصیلا و الریف بعد مصادرة أمواله و منح إمارة فاس لریحان الکُتامي (قا: ابن عذاري، 1/ 220). وقد أراد یحیی الذهاب إلی إفریقیة لکن موسی اعتقله وزجّبه في السجن (311هـ/ 923م)، فمکث فیه فترة ثم أطلق سراحه و ذهب إلی المهدیة ومات هناک (331هـ/ 943م). وقد خلط أبوالفداء (2/ 70) بین یحیی الرابع و یحی الأول و عدّه آخر أئمة الأدارسة في المغرب. و من الآن فصاعداً تبدأ الطبقة الثانیة من الحکام الأدراسة الذین حکموا برفقة بعض أعضاء الأسرة بشکل متناثر من تمدولة في الجنوب حتی بلاد بربر غمارة في الریف (بازورث، 45، 46) ولفترة في فاس. لکن لاتتوفر لدینا معلومات کثیرة عنهم، و إن ما هو موجود متناقض و متناثر.
کان یلقب بالحجّام و قد ثار علی موسی بن أبي العافیة بعد اعتقال یحیی بحوالي سنتین. و عقب انتصاره علی ریحان الکُتامي استقر في فاس. وبغیةَ توسیع الرقعة الخاضعة لحکمه هاجم موسی. وبعد عدة معارک طاحنة هُزم و عاد إلی فاس (ابن خلدون، 4/ 32)، و هناک خدعه حامد بن حمدان اللوزي و اعتقله. ثم دعا موسی إلی فاس لکنه لم‌یسلّمه الحسن. و یبدوأنه أعدّمستلزمات هروبه أیضاً. و خلال هروبه جُرح إثر سقوطه من السور و مات فطتلک اللیلة. و في روایة أخریأنه سُقي السم (ابن عذاري، 1/ 221). و یعدّ أبوالفداء (2/ 70) نهایظ حکم الحسن، خاتمة هذه السلالظ بشکل نهائي. و برغم کل هذا یشیر إلی أن إدریس من أبناء القاسم، ثار بعد 340هـ/ 951م و أسس دولة سقطت علی ید عبدالملک ابن المنصور بن أبيعامر الأموي.
واصل موسی بن أبي العافیة الذي کان یسعی آنذاک إلی الاستیلاء علی جمیع المناطق الخاضعة للأدارسة،ملاحقة أسرة محمد بن القاسم إلی آخر موضع من مناطقهم في الریف، و اختار هؤلاء کبیرهم إبراهیم بن محمد بن القاسم شقیق الحسن لإمامتهم (ابن خلدون، 4/ 33) واستقروا في حُجر النسر الذي کانو هو قد بناه (317هـ/ 929م). و خلال ذلک کانت أسرة عمر بن إدری ستسکن في غمارة بالقر من تیجنساس و سبتة و طنجة. أما موسی الذي کان قد توجه إلی سبتة من أجل تحقیق هدفه بتحریض من عبدالرحمان الثالث الأموي بعد احتلال ملیلة (314هـ/ 926م)، فقد أبي الرضوخ للهیمنة الفاطمیة. أرسل الخلیفة الفاطمي في البدء حُمید بن یصال إلی المغرب، و أجبر ابن موسی علی الفرار من فاس فاستولي علیها. فاستغل الأدراسة الفرصة و هاجموا قائد جیش موسی المدعو أبا قمع و قتلوه. فعاد موسی بعد خروج الجیش الفاطمي للانقیاد إلی أمویي الأندلس. فأرسل الخلیفة هذه المرة میسور الخصيّ فألجأ هذا موسی إلی الفرار، فلاحقه الأدارسة و قتلوه.
المعروف بالقاسم کنون،بعد مقتل موسی بن أبي العافیة استعاد الأدارسة قوتهم واستولوا بزعامة القاسم کنون الذي کان قد نال الإمامة بعد وفاة شقیقه علی مناطق في المغرب. وفاتخذ قاسم حجر النسر مقراً له و حکم تحت السلطة الفاطمیة حتی 337هـ/ 948م.
تسنم العرش بعد أبیه و شکل في الریف دولة خاضعة للأمویین، لکنه لم‌یعبأ بطلب عبدالرحمان الأموي الذي کان قد طالب بطنجة. لذا فقد فرض علیه عبدالرحمان حصاراً فسلّم أبو العیش المدینة مضطراً. وبعد فترة سار أیضاً في رکب عبدالرحمان لحرب أعدائه.
أسند أبوالعیش قب لأن یتوجه برفقة عبدالرحمان إلی الأندلس، المنطقة الخاضعة لحکمه و التي کانت رقعتها قد تقلصت بشکل کبیر، إلی شقیقه الحسن، فأرسل الفاطمیون الذین کانوا قد فزعوا من تعاظم عبدالرحمان، إلی المغرب جوهراً، فاضطر الحسن إلی الخضوع للفاطمیین، لکنه استسلم للأمویین في 363هـ/ 974م حین هاجموا منطقة حکمه واقتادوه إلی قرطبة،وطردوا بقیة الأدارسة أیضاً. بعد عدة سنوات ذهب الحسن إلی مصر، و بدعم عسکري من الفاطمیین قرر استعادة المنطقة الخاضعة لحکمه سابقاً، لکنه هُزم أمام الجیش الأموي و نفي إلی قرطبة مرة أخری، و في الطریق إلیها قُتل، و بذلک انتهت دولة الأدارسة وإلی الأبد. وفیما بعد أسس رهط من ذریة عمر بن إدریس دولة في مالقة بالأندلس تحت اسم بني حمود (المقري، 1/ 214، 430). ویوجد الیوم في المغرب عدد کبیر من «الشرفاء» من ذریة الأدارسة.
یحظی تأسیس دولة الأدارسة بین بلدان الخلافتین الإسلامیتین الشرقیة، أي العباسیة في بغداد، و الغربیة، أي الأمویة في الأندلس، اللتین کانا تتجهان نحو القوة و العظمة، بأهمیة خاصة في تاریخ الإسلام. و قد حظي الأدارسة منذ أن وطأت أقدامهم أرض المغرب بتقبّل عام من قبائل البربر الکبری، وبرغم النفوذ الذي کان الخوارج قد حصلوا علیه منذ سنوات مضت في أوساط بعض قبائل المغرب، استطاعوا تأسیس أول دولة شیعیة تنتسب بشکل مباشر إلی الإمام علي بنأبي طالب (ع). وقد استطاع إدریس الذي کان قد أدرک جیداً أهمیة قبائل البربر والنظام القبلي المهیمن علی المنطقة، ولأجل تمکنّه من سُدّة حکم بلاد المغرب والاستیلاء علیها (ابن خلدون، مقدمة، 296)، أن یخضع قبائل البربر، لیس عن طریق القوة العسکریة التي کان یفتقر إلیها في البدء بطبیعة الحال، بل من خلال نشر دعوته في أوساط البربر (ظ: الخطبة التي ألقاها إدریس لدعوة البربر: الأمین، 4/ 3-4) و بشکل خاص لقاءه بإمامهم إسحاق واستغلاله الظروف السیاسیة الناجمة عن النظام القبلي التي کان لها دور مهم في نجاحه. لکن ابن خلدون یقول عن أسباب انصیاع البربر لحکم الأدارسة: إن البربر تقبلوا دعوة الأدارسة و وقفوا إلی جانبهم إذعاناً منهم للعصبیة أولاً، والأمر الآخر هو اطمئنانهم لعدم وصول مقاتلةٍ، أو حامیةٍ للدولة إلیهم (ن.ص). وفي الحقیقة فإن أبناء إدریس کانوا أوائل من استطاعوا – بعد الفتوحات الإسلامیة – من إبناء إدریس کانوا أوائل من استطاعوا – بعد الفتوحات الإسلامیة- من إیجاد وحدة سیاسیة بین قبائل المغرب المتناثرة التي لم‌یکن الإسلام قد وجد له نفوذاً في أوساط عدد منها، إثر نشرهم الثقافة الإسلامیة. وبرغم أن هذه الوحدة لم‌یُکتب لها البقاء طویلاً بسبب الدسائس المتزایدة للعباسیین و طمع أمویي الأندلس في المغرب، وکذلک بالجهود والرغبة العارمة التي کانت لدی القوة الفاطمیة الناشئة في الاستیلاء علی المغرب، لکن لایمکن تجاهل منجزاتها السیاسیة والثقافیة والجغرافیة علی مدی القرون التالیة.
ینبغي البحث عن سقوط سلالة الأدارسة – علی العکس من کثیر من الأسر الحاکمة – بشکل أکبر في الهجمات الطویلة الأمد التي کانت تشنها القوی الکبری المحیطة بهم و لیس في النعدام رضا الناس. وتؤید هذا الرأي نصرة المغاربة لآخر أفراد الأسرة الإدریسیة. فالأدارسة وبرغم سقوط دولتهم لم‌یفقدوا هیبتهم بحیث إن ابن خلدون و بعد سقوط دولتهم بعدة قرون یقول مایزال الناس یذکرون الأدارسة بخیر و ماتزال ذریتهم تعیش في فاس حتی الیوم (مقدمة، 26).
وعهد الأدارسة الذین حکموا لما یقرب القرنین جزءاً واسعاً من بلاد المغرب،ذوأهمیة من حیث التيورات الاقتصادیة أیضاً. ففي تلک الفترة بنیت مدن عامرة مثل فاس، الحجر، بابا قلام ومَسیلَة، وظهر هناک أناس أثریاء (الإدریسي، 85، 86، 170). وقد تحولت مدینة فاس التي یری البعض أنها بنیت في موضع مدینة فولوبیلیس (بازورث، 46) بسرعة إلی أحد أکبر وأهم حواضر المغرب، بل العالم الإسلامي،وأدت دوراً مهماً في التاریخ السیاسي لهذا البلد.
وفیما یتعلق بالازدهار الاقتصادي في بلاد الأدارسة فإنه یکفي القول إن 3,000 طاحونة کانت تعمل في المناطق المحیطة بنهر فاس لوحدها (ابن رسته، 358). کما أن المقدسي الذي زار المغرب بعد الأدارسة بسنوات قلیلة أشار إلی أن بلاد المغرب جمیلة وواسعة وغنیة ذات حدود حصینة وأسوار کثیرة وبساتین مبهجة. ومدنها تغطیها بساتین أشجار الزیتون و فیها أشجار التین والعنب بوفرة (أحسن التقاسیم، 215). کما یتحدث قدامة في الخراج (ألف حوالي 316هـ/ 847م) عن خلیج کان یسمی آنذاک خلیج إدریس علی مایبدو (ص 231). ویذکر هو أیضاً بلداً باسم المعتزلة کان یقع علی بعد 24 یوماً من تاهرت و قال «رئیسهم عادل و عدلهم فائض و سیرتهم حمیدة» (ص 265). وربما کان اسم هذا البلد علی صلة بأصول عقائد الأدارسة الذین کانوا کما یقول المقدسي یواکبون بشکل أکبر المعتزلة ویتبعون المذهب الإسماعیلي (ن.م، 238). ویؤید کون الأدارسة معتزلةً، المذهبُ الاعتزالي لإسحاق زعیم البربر (الأمین، 4/ 8) – الذي لبّی دعوة إدریس – و کذلک تغلغل هذا المذهب في أوساط المغاربة.
وبرغم کل العمران و الرفاه الاقتصادي الذي ذکره الجغرافیون والمؤرخون عن المغرب فإن هذه البلاد و في الفترة بین وفاة یحیی الأول حتی مقتل یحیی الثالث أصیبت بأضرار اقتصادیة جمة بسبب المجاعة والأوبئة والزلزال المروّع الذي ضربها وأدی إلی إلحاق دمار واسع بها. و کان حاکم مقتدر مثل یحیی الرابع هو الوحید الذي استطاع أن یعمّر ذلک الخراب.
لاتتوفر لدینا معلومات کثیرة عن الأوضاع الثقافیة في المغرب في عصر الأدارسة، سوی أن عدداً من حکام هذه السلالة کانوا یُعدّون من بین العلماء و مشجعي العلوم. ففیما عدا یحیی الرابع الذي کان رجلاً عالماً، کان أبوالعیش هو الآخر حاکماً فقیهاً و عالماً بالتاریخ و عارفاً بأنساب العرب و البربر، وربما کان هذا هو السبب في تقیبه بالفاضل. وإن أحد أشهر الجغرافیین المسلمین أبا عبدالله الإدریسي (تـ 560هـ/ 1165م) صاحب کتاب نزهة المشتاق في اختراق الآفاق الذي انضم لفترة إلی بلاط راجر حاکم صقلیة، هو من أفراد هذه الأسرة.
شجرة نسب الأدارسة
ابن الأثیر، عزالدین، الکامل، بیروت، دار صادر، 1399هـ؛ ابن تغري بردي، یوسف، النجوم الزاهرة، القاهرة؛ ابن خلدون، العبر، بیروت، 1958م؛ م.ن، مقدمة، بیروت؛ ابن رسته، أحمد، الأعلاق النفیسة،تقـ: دي خویه، لیدن، 1891م؛ ابن عذاري المراکشي، البیان المغرب، تقـ: راینهارت دوزي، لیدن، 1848م؛ ابن العماد، عبدالحي، شذرات الذهب، القاهرة، 1350هـ؛ أبوالفداء، إسماعیل، المختصر في أخبار البشر، بیروت؛ أبوالفرج الأصفهاني، مقاتل الطالبیین، تقـ: أحمد الصقر، القاهرة، 1368هـ/ 1949م؛ الإدریسي، محمد، صفة المغرب وارض السودان و مصر و الأندلس (من نزهة المشتاق)، لیدن، 1968م؛ الإصطخري، إبراهیم، مسالک و ممالک، تقـ: إیرج أفشار، طهران، 1347ش؛ الأمین، حسن، دائرة المعارف الإسلامیة الشیعیة، بیروت، 1393هـ/ 1973م؛ بازورث، ک. إ.، سلسله‌هاي إسلامي، تجـ: فریدون بدره‌إي، طهران، 1349ش؛ البلاذري، أحمد، أنساب الأشراف، تقـ: محمدباقر البهبودي، بیروت، 1977م؛ البناکتي، داود، تاریخ، تقـ: جعفر شعار، طهران، 1348ش؛ دائرة المعارف الإسلامیة؛ الذهبي، محمد، العبر، تقـ: صلاح‌الدین المنجد، الکویت، 1383هـ/ 1963م؛ الطبري، تاریخ؛ قدامة ابن جعفر، «الخراج»، تقـ: دي خویه، لیدن، 1889م؛ المسعودي، علي، مروج الذهب، تقـ: یوسف أسعد داغر، بیروت، 1385هـ/ 1965م؛ المقدسي، أحمد، البدء والتاریخ، تقـ: کلمان هوار، باریس، 1916م؛ المقدسي، محمد، أحسن التقاسیم، تقـ: دي خویه، لیدن، 1906م؛ المقري، أحمد، نفح الطیب، تقـ: إحسان عباس، بیروت، 1388ه/ 1968م؛ الیعقوبي، أحمد، تاریخ، بیروت، 1379هـ/ 1949م.
صادق سجادي/ هـ.
عزيزي المستخدم ، يرجى التسجيل لنشر التعليقات.
مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع
هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر
تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول
استبدال الرمز
الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:
هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول
الضغط علی زر التسجیل یفسر بأنک تقبل جمیع الضوابط و القوانین المختصة بموقع الویب
enterverifycode