أَحْمَدُ قاطِن، أحمد بن محمد بن عبدالهادي الحَبابي الصنعاني (1118- 1119هـ/ 1706–1785م)، فقیه و قاض زیدي یمني، کما لُقب بالمقحفي نسبة إلی قریة من توابع ثَلاء (ظ: زیارة، 1/ 274).

ولد في حبابة إحدی قری شبام کوکبان، و تعلم فیها القرآن الکریم. وفي صباه ذهب مع أبیه إلی شبام کوکبان و ترعرع هناک. و قد عبر أحمد في قصیدة له فیما بعد عند حبه لهذه الدیار. درس أحمد في هذه المدینة الفقه علی أبیه و بقیة العلوم علی علي بن أحمد بن عبدالقادر الناصر، و الحساب و الفرائض علی القاضي علي بن عبدالوهاب، النزیلي، و النحو و القراءات علی صلاح بن یحیی الخطیب الشبامي. وفي البدء کان منهمکاء في دراسة علوم الریاضیات و الفلک، ثم اتجه إلی الحدیث و الرجال. و إلی جانب اکتسابه العلم کان یمارس التجارة أیضاً (الشکوکاني، 1/ 113؛ زبارة، 1/ 274، 282–283).

غادر أحمد قاطن شبام إلی صنعاء، و هناک درس الأدب العربي و أصول الفقه علی هاشم بن یحیی الشامي و صلاح بن الحسین الأخفش و أحمد بن عبدالرحمان الشامي، و کان علی الدوام ملازماً لأحمد بن عبدالرحمان، کما کان الأستاذ بدوره یبدي به اهتماماً کبیراً، حیث خصص له في بیته مکاناً، و کان یحسن إلیه کثیراً. و درس في صنعاء علم القراءة أیضاً علی صالح بن علي الیماني، و الهیئة علی یوسف بن یوسف المحلي. و کان إبراهیم خالد العلفي و عبدالخالق بن زین المزاجاجي و محمد بن علاء المزجاجي و محمد بن إسماعیل الأمیر، شیوخه في الفقه و الحدیث (م ن، 1/ 274–275؛ للاطلاع علی شیوخه الآخرین، ظ: الکتاني، 2/ 294). کما درس علی أحمد قاطن جمعٌ من الشخصیات مثل الوزیر الحسن بن علي حنش و محمد بن محمد المتوکل و محمد بن الحسین الحوثي الحسیني (زیارة، 1/ 275).

تولی أحمد قاطن بتوصیة من أحمد بن عبدالرحمان الشامي لدی المنصور بالله الحسین بن القاسم، القضاء لفترة بصنعاء، إلا أنه عزل بعد مدة، ثم أصبح مرة أخری خلال خلافة المهدي لدین الله العباس بن الحسین قاضیاً لثلاء، و قُلّد أیضاً منصب المدیر العام للأوقاف (الشوکاني، ن ص؛ زیارة، 1/ 277). و لما کان المهدي قد خصص لأحمد قاطن ثلث المرتب الذي کان مخصصاً للقاسم بن محمد الکبسي في الأوقاف، نشب الصراع و ظهر الخلاف – الذي یحتمل أن له جذوراً قدیمة – بین أحمد قاطن و القاسم مم أدی بالنهایة إلی عزل الاثنین. و قد ألقی المهدي به في السجن و قام بتخریب بیته في ثلاء بإشارة من القاسم الکبسي. و أخیراً و بوساطة من محمد بن إسماعیل الأمیر و الحصول علی رضا الطرفین أُغلقت القضیة (م ن، 1/ 279؛ الشوکاني، ن ص). إلا أن البعض یری أن سبب عزله هو المنافسة و الحسد اللذان حدثا بینه و بین یحیی بن صالح السحولي بسبب حوادث کثیرة. و بعد سنتین من السجن أطلق سراحه و ذهب إلی الحج، و بعد عودته أکرمه المهدي و منحه داراً کبیرة قرب جامع صنعاء، و عیّنه مرة أخری قاضیاً لصنعاء (ن ص؛ زبارة، 1/ 277)؛ کما أوکل إلیه الإشراف علی جزء من أوقاف الیمن، و اختاره رئیساً للقضاة. ویبدو أنه کانت لأحمد خلالفات مع البعض من حاشیة المهدي کالفقیه علي بن الحسین الجرافي، و کان یسعی لدی المهدي إلی إضعافهم و الحدّ من نفوذهم، حتی بلغ الأمر أن تمکن من رفع ید الجرافي عن مناطق جِبلة و المخادِر و حُبَیش و غیرها. و إثر سعایات الجرافي و آخرین، ألقي به في السجن مرة أخری في 1188هـ، أی قبل سنة من وفاة المهدي (الشوکاني، 1/ 113–114؛ زبارة، 1/ 276–277؛ العمري، 71).

و بطبیعة الحال فإنه ذکرت أسباب أخری لإلقاء القبض علیه مثل نزوعه إلی التصوف، و ذکرت الواقعة التي حدثت بینه و بین المهدي بهذا الصدد؛ رغم أن أحمد قاطن نفسه ذکر أن السبب في ذلک هو إفشاؤه سراً من أسرا الصوفیة الذي کان أستاذه هاشم بن یحیی قد علمه إیاه (ظ: زبارة، 1/ 279–280). و مهما یکن، فقد أمضی فترة في السجن إلی أن أصدر المنصور بن المهدي في 1196هـ أمراً بإطلاق سراحه و ذلک بعد وفاة أبیه المهدي (م نف 1/ 277، 280، 281). و بعد إطلاق سراحه اعتزال الناس و واصل – رغم کبرسنه – التعلیم حتی نهایة حیاته. و قد دفن إلی جانب قبر شیخه أحمد بن عبدالرحمان الشامي في خزیمة جنوبي صنعاء (الشوکاني، 1/ 114؛ زبارة، 1/ 283). خلّف ولداً یدعی عبدالحمید، نبغ کوالده بالعلوم الدینیة (الشوکاني ن ص).

أثنی بعض الکتّاب علی سعة علم أحمد قاطن في الفقه و علوم الحدیث (الشوکاني، ن ص؛ زبارة، 1/ 276، 278)، و قد صرح یحیی بن محمد بن یحیی الزیدي من حکام الیمن في الإجازة التي کتبها لأحمد زکي باشا في 1345هـ بأن أقصر سلاسل الأسانید التي یرویها و أکثرها فائدة هي تلک المتصلة بالقاضي أحمد قاطن (الکتاني، 2/ 294–295). و تدعیماً لهذا الأمر تجدر الإشارة إلی ما ذکره الکتاني (تـ1382هـ) من أن اعتماد أهل صنعاء في الأساتید کان حتی القرن 14 هـ علی أسانید أحمد قاطن (ن ص).

آثاره

1. إتحاف الأحباب بدمیة القصر الناعتة (الناعسة) لمحاسن بعض أهل العصر، الذي انتهی من تألیفه في 1194 هـ و توجد نسخ من مخطوطاته في مکتبات صنعاء (سید، 278؛ عسیوي، 635)؛ 2. الإعلام بأسانید الأعلام، الذي تحفظ نسخ من مخطوطاته في المکتبة المتوکلیة بصنعاء و غیرها (الحبشي، 66؛ الزرکلي، 1/ 244)؛ 3. تحفة الإخوان بسند سید ولد عدنان، و هو منظومة في 164 بیتاً مع شرحها حول أسانید صحیح البخاري، ترجم فیها للرجال المذکورین في أسانید هذا الکتاب (زبارة، 1/ 275؛ سید، 279)، تحفظ نسخ من مخطوطاته في المکتبة الغربیة و المکتبة المتوکلیة بصنعاء (الزرکلي، ن ص؛ عیسوي، 61–62)؛

4. قرة العیون في أسانید الفنون. و هو فهرست، أورد فیه سند روایته کل کتاب إلی مؤلفه و انبری في حواشیه لتراجم المؤلفین (ظ: الحبشي، سید، ن صص). و قد اعتبره زبارة أکثر المؤلفات قیمة في هذا الباب (ن ص)؛

5. نفحات الغوالي بالأسانید العوالي (سید، ن ص).

و فضلاً عن ذلک، توجد له أشعار في المجوعة التي أعدها بنفسه، تحفظ مخطوطة منها في المتحف البریطاني (ریو، رقم 1124). و من العناوین الأخری لآثاره: نزهة الطرف في أحکام الجار و المجرور و الظرف، و هو شرح علی العقد الوسیم؛ شرح القاموس الذي ألفه أحمد بن یحیی بن المرتضی في الرائض؛ مقدمة في الضرب و القسمة؛ مختصر الإصابة في تمییز الصحابة لابن حجر العسقلاني (ظ: زباره، ن ص؛ البغدادي، 1/ 187؛ الحبشي، 389).

المصادر

البغدادي، هدیة؛ الحبشي، عبدالله محمد، مصادر الفکر العربي الإسلامي في الیمن، صنعاء، مرکز الدراسات الیمنیة؛ زبارة، محمد، نشر العرف لنبلاء الیمن بعد الألف، القاهرة، مطبعة السعادة؛ الزکلي، الأعلام؛ سید، أیمن فؤاد، مصادر تاریخ الیمن في العصر الإسلامي، القاهرة، المعهد العلمي الفرنسي؛ الشوکاني، محمد، البدر الطالع، بیروت، دارالمعرفة؛ العمري، حسین عبدالله، مئة عام من تاریخ الیمن الحدیث، دمشق، 1405هـ؛ عیسوي، أحمد محمد و محمد سعید الملیح، فهرس مخطوطات المکتبة الغربیة، الإسکندریة، 1978م؛ الکتاني، عبدالحي، فهرس الفهارس و الأثبات، القاهرة 1347هـ؛ و أیضاً:

Rieu, Ch., Supplement to the Catalogue of the Arabic Manuscripts in the British Museum, London, 1894.

سیمین محقق/ هـ