الصفحة الرئیسیة / المقالات / أغوزخان /

فهرس الموضوعات

أغوزخان


المؤلف :
تاریخ آخر التحدیث : 1442/11/17 ۱۱:۰۴:۵۸ تاریخ تألیف المقالة

أُغوزْخان، خاقان تركي أسطوري. استناداً إلى الحُبُك المختلفة لنص قصصي يعرف بالاسم العام أغوزنامه، فإنه الحاكم الذي جمع القبائل التركية المختلفة وقام بفتوحات وأخضع جزءاً كبيراً من العالم المعمور لسلطته. كما أنه عُرف في روايات العصر المغولي بوصفه جدّ فريق من القبائل التركمانية يُعتقد أنها كانت قد أخذت اسمها القبلي «أغوز» (شكلها المعرَّب: الغُز) من هذا الجد. 
وفي تاريخ اللغات التركية، استخدمت مفردة أغوز اسماً لشخص واسماً لقبيلة أيضاً وإلى جانب الشك في اشتقاق المفردة، فهناك شك أيضاً وهو أي من هذين الاستخدامين كانت له الأسبقية على غيره. ورأى نِمِث أن هذه الكلمة مؤلفة من مقطعين هجائيين: أُق (= قبيلة) + (-‍ و) ز (z = أداة الجمع) بمعنى «قبائل»، وهكذا، عدّ استخدامها اسماً لقبيلة هو الأصل؛ لكن بعض علماء التركيات مثل بانغ شككوا في صحة هذه النظرية واتجهوا إلى احتمالات أخرى (مثلاً ظ: بازن، 315 ff.؛ هاملتون، 25-26؛ سومر، 1-3). وبصورة عامة، فإن ظاهرة كون زعيم شهير يمنح اسمه لقبيلته في التشكيلات القبلية التركية، أمر شائع ومتداول. 

شخصية أغوزخان القصصية

إن قصة أغوزخان وشخصيته الأسطورية بوصفه حاكماً قديراً وفي نفس الوقت شخصية دينية وإلى حدّ ما فوأرضية لها نظائرها في القصص القومية للشعوب المختلفة؛ لكن، بلاشك هو أنه يمكن العثور في هذه القصة على خصائص تطرحها كقصة قومية ذات هوية تاريخية خاصة بنطاق إقليمي محدد. وإن بعض العناصر الموجودة في القصة تتمتع بخلفية عريقة في الثقافة القبلية للترك والقبائل المرتبطة بهم؛ ومن بينها تجدر الإشارة إلى أسطورة كوك بوري (الذئب السماوي) التي يمكن أن نجد مكانتها الدينية في شتى مراحل التاريخ في أوساط طيف وسيع من قبائل آسيا الوسطى. فقصة المرأة التي تخفي نفسها داخل جذع شجرة خاوية لتلد غلاماً، تلاحظ من جهة في قصة ولادة زوجة آي مرغن في ملاحم ساغايي، و من جهة أخرى 
في قصة ولادة قپچاق وسبب تسميته في أغوزنامه (ظ: دورفر، 884؛ قا: طوغان،26). كما يمكن ملاحظة آثار شخصيتين هما غون خان وآي خان بوصفهما ابني أغوزخان في أغوزنامه، في القصص التركية القديمة؛ ذلك أنه يرد من جهة اسما الخانين الأسطوريين غون خان و آي خان في ملحمة «آلتاين ساين سالام» الخاصة بأتراك آلتاي (ظ: دورفر، ن.ص)، ومن جهة أخرى، فإن اختيار شخصيتين قصصيتين في قوتاد غوبيليك باسمي آي تولدي وغون توغدي، يمكن أن لايكون عديم الصلة بهذين الخانين الأسطوريين (ظ: جعفر أوغلي، 269؛ قا: بلاساغوني، 54,60).
وعن الحُبُك المتوفرة من القصة، تجدر الإشارة إلى أن أياً منها لم‌تكن بمنأى عن التغييرات المتناسبة مع التطورات الثقافية التاريخية، إلا أن السمات الثقافية السمنية لم ‌تكن قد زالت تماماً بعد في أكثر حبك العهد الإسلامي تأخراً. وقصة أغوزخان عريقة خاصة بمنطقة منغوليا تنقلت فيها تدريجياً عناصر قومية ودينية وظهرت تغييرات في معالمها. ولايتوفر في الوقت الحاضر أنموذج عن الحبك الأولى للقصة، ومن بين الحبك الموجودة تأثر النص الأويغوري لأغوزنامه بالبيئة الإسلامية بشكل أقل مما هو عليه في بقية الحبك، بينما في الحبك المتأخرة التي تعود إلى العصر الإسلامي، شقّت تعاليم هذا الدين طريقها إلى نص القصة وتحول المظهر الديني لأغوزخان من مظهر سمني إلى مظهر شبيه بالنبوي، وتغيّر العناصر الدينية للقصة إلى شكل يتناسب والديانة الإسلامية (أيضاً ظ: سومر، 374-375). وفي أغوزنامه الأويغورية يشكل الحديث عن عبادة غوك تنغري (إلٰه السماء) والمقام المقدس للشجرة، والأهم من كل ذلك دور غوك بوري بوصفه الهادي، انعكاساً للمعتقدات الدينية للأتراك قبل الإسلام. بينما لايلاحظ ما يشير إلى علاقة هذا النص بالعالم الإسلامي، سوى استخدام غامض لاسمين جغرافيين هما الشام ومصر (ص 54-55)، واستخدام عدة كلمات فارسية وعربية (ظ: ص 22,23,43,52,55).
وفي الحبك الإسلامي للقصة، كان نسب قراخان، والد أغوز ينتهي إلى يافث بن نوح بظهر، أو ظهرين (ظ: رشيد الدين، 1 / 47-48). فأغوز يدعو أمه الكافرة إلى عبادة الله وهو في المهد ويتكلم في حفل تسميته عندما أكمل السنة الأولى من عمره، فيطلب إلى زعماء القوم أن يسمّوه أغوز؛ وحين يبلغ سن الرشد ويتزوج ثلاثاً من بنات عمه، يدعوهن سراً إلى الإيمان، إلا أن ابنة أورخان هي الوحيدة من بينهن التي تقبل على عبادة الله. وباستيلاء الحسد على الزوجتين الكافرتين، يظهر سر إيمان أغوز بالتوحيد ويحلّ العداء بين أغوز وأبيه وتندلع الحرب بينهما. أما أغوز الذي دعا الكثيرين من أبناء قبيلته إلى عبادة الله، فقد أزاح أباه من حلبة الصراع بعد 75 سنة من الحروب وتسنم عرش الخانية. واستناداً إلى هذه القصة، فإن مرافقي أغوزخان وأنصاره أصبحوا يعرفون بعد ذلك بلقب أويغور وأيدهم عدد من القبائل التركية؛ بينما سكن أبناء عمومته الذين أصروا على الكفر وعرفوا باسم المغول، في الجانب الشرقي من بلاد الغز (ظ: م.ن، 1 / 48-54).
إن الكلام المتعلق بتسمية أغوزخان للقبائل التركية هو الجزء المشترك بين مختلف حبك القصة، سواء الحبك الأويغورية، أم الإسلامية الفارسية والتركية. وفي الحديث عن الأتراك المرافقين لأغوزخان، فقد ورد ــ فضـلاً عن اسـم الأويغور ــ ذكر لقبائـل قنقلي وقپچاق وقارلق وخلج المعروفة، وفي بعض الحبك آغاچري. وفي ثنايا القصة، بُيّن كيف سمى أغوزخان كل واحدٍ من هذه القبائل بهذه الأسماء لمناسبة ما. 
وفي حبكة رشيد الدين للقصة والتي تأثرت بشكل أكبر بالثقافة الإسلامية، عُدّت رقعة حكم قراخان، والد أغوزخان ممتدة من تلاس وصيرم حتى بخارى (ظ: 1 / 51)، وخلال فتوحاته ورد الحديث عن استيلائه على جميع بلدان إيران وتوران والشام ومصر والروم والإفرنج (1 / 55؛ أيضاً ظ: بارتولد، «الغز»، 525-526). بينما في أغوزنامه الأويغورية ولدى الحديث عن فتوحات أغوزخان، استخدمت غالباً أسماء رمزية ربما يمكن أن يتطابق من بينها مع الأسماء الجغرافية، أتل وسقلاب في الغرب، وتنغوت في جنوب منغوليا؛ وبطبيعة الحال، فإنه تلاحظ في هذا النص أيضاً إشارات غامضة وعابرة إلى الهند والشام ومصر (ص 35-55؛ أيضاً ظ: مذكرات ششر باك على هذا القسم من النص). 
وقد خلط حمد الله المستوفي في تاريخ گزيده وفي معرض حديثه عن نسب الترك والمغول وفي نقل غير دقيق من جامع التواريخ لرشيد الدين، بين قصة أغوزخان والأسطورة المغولية إرگنه قون (ن.ع) (ص 562-564؛ قا: رشيد الدين، 1 / 147-149). 
ومن بين المصادر المتأخرة، يحظى ظفرنامه لشرف الدين علي اليزدي نقله لقصة أغوزخان باستقلال أكبر مقارنة برواية رشيد الدين وتلاحظ فيه سمات خاصة. ومن بين ذلك أن والدة أغوزخان في هذه الرواية كانت بالتحديد الخاتون الكبرى لقراخان؛ كما أن ما كان أغوز يدعو أمه والآخرين إلى اعتناقه هو «الإسلام» (ص 18 ألف ـ 20 ألف). وخلال حديثه عن نسب أوزون حسن، الحاكم الآق قويونلوي، تحدث أبوبكر الطهراني بإيجاز عن أغوزخان و أولاده (ص 24-29). 
ومن بين الرواة التالين للقصة، فإن أبا الغازي بهادرخان في كتابه شجرۀ ترك (ص 13-29) تأثر أكثر ما تأثر بشرف الدين علي اليزدي، ولدى المقارنة تلاحظ فيه إضافات قليلة فحسب؛ وإن تصور كون أبي الغازي حبك قصته استناداً إلى التلفيق بين معلومات رشيد الدين وبعض الأغوزنامات التركية (ظ: إكمان، 383)،ناجم عن تجاهل مكانة ظفرنامه بهذا الصدد. وفي الإشارة إلى إضافات أبي الغازي مقارنة بشرف الدين علي اليزدي، يجدر القـول إنه لدى نقلـه حفل التسميـة، وصـف أغوزخان بـ «الولـيّ بالولادة» وقال إنه عندما غادر الحفل، أطلق لسانه بذكر الله بالعربية مردداً: الله، الله. وقد زيّن شرف الدين علي اليزدي وأبوالغازي حكايتهما عن قصة أغوز بعدة أبيات بالفارسية والجغتائية في فضائل أغوزخان. 
ولدى دراسة مسيرة القصة في شتى حبكها، نجد أن حياة أغوزخان لها مقدمة في موضوع ولادته الأسطورية ونموّه وزواجه امتزجت بمعتقدات دينية؛ واستمراراً للقصة، يجري الحديث عن أن أغوزخان بعد تسلمه منصب الخاقان، كان يقود الجيوش إلى البلدان القريبة والبعيدة ويستولي عليها الواحد تلو الآخر، ثم انتهت القصة بالتقسيم الأسطوري للأرض بين أبناء أغوز الستة. وكما حلل ششرباك (ص 88)، فإن القصة في قسمي بدايتهـا ونهايتها أسطورية تماماً، والقسم الأوسط منها فحسـب ــ والذي هو تفصيل لفترة حكم أغوزخان وفتوحاته ــ له طابع تاريخي ـ أسطوري. وقد أدت هذه الخصيصة إلى أن يسعى بعض الباحثين إلى تطبيق أغوزخان على شخصيات تاريخية، أو ربطه بها. 
فقد رأى بيشورين أن أغوزخان ذو صلة بموده، حاكم الهون (تـ 174 ق.م)، و رأى رضا نور أنه ذوصلة بالإسكندر المقدوني، بينما رأى ماركوارت (ص 142) صلته بجنكيزخان (ششرباك، 92-94). ومن بين الشخصيات التاريخية ـ القصصية، نجد أن سيرة خان فاتح يدعى بوقوخان أيضاً يمكن مقارنته بأغوزخان. وإن دراسة مقارنة لقصة بوقوخان فينگ تاريخ جهاشاي للجويني التي رويت نقلاً عن نقش أويغوري (ظ: 1 / 39-45)، وقصة أغوزخان في حبكة جامع التواريخ لرشيد الدين، تظهر جيداً أن هاتين القصتيـن ــ و بشكـل خاص القسـم شبه التاريخي المتعلـق بالفتوحات ــ تشبهان بعضهما بشكل ملحوظ. وخلال طرحه فكرة كون هاتين الشخصيتين واحدة، فقد طبّق رادلوف، بوقوخان على بو ـ كيا ـ خان في كتب الأخبار الصينية، وهكذا ربط القصة بالتاريخ (ظ: ششرباك، 92). وفي مجال التساوي الديني بين القصتين أيضاً تجدر الإشارة إلى حكاية قديمة في أوساط الأتراك السمنيين ذكرها شترنبرغ. فاستناداً إلى هذه القصة، فإن السمن الأكبر بو ـ خان التقى على قمة الجبل بفتاة سماوية وخدعها بقوله إنه ليس لديه زوجة في الأرض، وتزوجها (ظ: م.ن، 90)؛ ويمكن مقارنة هذه الحكاية بزوجتي أغوز في أغوزنامه، حيث لأبناء إحداهما أسماء سماوية ولأبناء الأخرى أسماء أرضية (ص 29-31). وفي بحوثهما على متن أغوزنامه، تناول ششرباك (ص 88-107) وطوغان (ص 117-151) بشكل مفصل مكان وزمان وظروف تأليف القصة وكذلك معرفة الحوادث التاريخية والشخصيات الشهيرة فيها. 
وعن قصة أغوزخان، وقبل مقارنة هذه الشخصية بأحد الحكام التاريخيين ينبغي أن نعرف أولاً لأية قبيلة وبقعة جغرافية وفترة تاريخية تعود هذه الشخصية القصصية. ونظراً لأن أغوزخان عُدّ في الحبك الرئيسة للقصة خاقاناً للأويغور (ظ: أغوزنامه، 33؛ أيضاً رشيدالدين، 1 / 51-52)، يمكن أن نعدّ هذا الأمر نقطة البدء والارتكاز. فنحن نعلم أن الموطن القديم للأويغوريين كان في شمالي منغوليا (ظ: ن.د، الأويغور)، وإن مما يحظى بالأهمية إثبات أن البيئة الأولى للحبك في قصة أغوزخان كانت في شمال منغوليا؛ فقد رأى متن أغوزنامه في حديثه عن موطن أغوزخان أنه بلاد ذات غابة كبيرة وأنهار عديدة (ص 24). وهذه الملاحظة هي من السمات التي تتطابق والظروف الجغرافية لمنغوليا الشمالية والمناطق المأهولة بالمغول المجاورة لها في الأراضي الروسية. وبحسب حبكة رشيد الدين للقصة (1 / 55-56)، فقد اعتبر الموطن الأصلي وكذلك عاصمة أغوزخان فـي منطقة أورتاق وكرتاق (ظ: أبو الغازي، 13، الذي رأى أن أولغ تاغ وكچيك تاغ هو الاسم الجديد للمنطقة)، وهذه المنطقة هي نفسها كانت تقع على بعد غير محدد من قراقروم (على شاطىٔ أورخون العليا). 
واستناداً إلى هاتين المعلومتين، أي قبيلة أغوز ومنطقتها الجغرافية في القصة يمكن إبداء الرأي حول برهتها التاريخية. وينبغي البحث عن الفحوى التاريخية لأغوزخان في الفترة التاريخية لتواجد الأويغوريين في منغوليا، أي قبل رحلتهم الإجبارية في 840م. وبالاعتماد المبالغ فيه على قومية أغوزخان الأويغورية، يجب أن نعدّها راجعة إلى الفترة الخاقانية للأويغوريين (743-840م)، لكن ليس من المستبعد أن يكون أغوزخان شخصية جُعلت أويغورية استنساخاً لشخصية سبقتها بكثير من القبائل المقتدرة في المنطقة مثل الأتراك الغوكيين، أو الهون. واستناداً إلى النويكنديين، فنحن نعلم أنه في 732م وخلال المراسم المهيبة لدفن كول تغين، خاقان الأتراك الغوكيين، شارك شخص يدعى «أغوز بيلگه تمغاچي» مندوباً عن خاقان ترغش (ظ: أوركون، I / 52)، و إن استخدام «أغوز» بوصفها اسم شخصٍ في هذا التاريخ بين قبيلة ترغش (ظ: ن.د، الغز؛ قا: سومر، 24) ربما كان مستلهماً من شخصية أغوزخان الأسطورية، وفي هذه الحالة سيكون تاريخ هذه القصة راجعاً إلى فترات طويلة سبقت 732م. 
وقصة أغوزخان كانت تتمتع في أوساط الأتراك على الدوام بصبغة دينية وروحانية إلى جانب طابعها الملحمي. وإن هذه الصبغة الدينية كانت قد اصطبغت في البيئة الإسلامية وبشكل تدريجي بصبغة أشبه ما تكون نبوية (ظ: غوميلف، 62). وهذه الخصيصة كانت تخلق ظروفاً لأن يُنقل عن لسان أغوزخان كلام حكمي فضلاً عن الحديث عن فتوحاته وحُكمه. كما حدث عندما دوّنت في الرسالة التي أُرجع تاريخ إنشائها إلى حوالي القرن 9ه‍‍ / 15م واكتسبت بشكل غامض عنوان أغوزنامه، مجموعة من العبارات الحكمية المنسوبة إلى أغوزخان. وهذا النص التركي الذي ينبغي أن يعد من النماذج القديمة للأمثال والحكم الأغوزية، اكتسب في مخطوطة عنوان «رسالة من كلمات أغوزنامه، المشهور بآتالار سوزي [= الأمثال والحكم]» (ظ: بوراتاف، 71؛ عن ارتباط ملحمة أغوز بأغاني أوزان القومية، ظ: بخاري، 32؛ كوپريلي، 141، مخ‍ ). 

دور إثنولوجيا أغوزخان

استناداً إلى أغوزنامه الأويغورية، فإن أغوزخان كان له من زوجته الأولى 3 أبناء هم غون (الشمس)، آي (القمر) ويولدوز (الكوكب). ومن زوجته الثانية 3 أبناء أيضاً هم غوك (السماء)، تاغ (الجبل) وتنغيز (البحر)، وإنه في أواخر عمره ــ واستنـاداً إلى الرؤيا التي كان قد رآهـا ــ قرّر أن يبقى أبناؤه الثلاثة الأوائل في موطنه الأصلي، أي في المشرق، وأن يتجه الثلاثة الآخرون نحو المغرب (ظ: ص 29-31,56-63). وفي روايته للقصة، تحدث رشيد الدين عن تشتت أبناء أغوزخان بحديث قريب مما ذُكر، وسمّى ذرية الأبناء الثلاثة الأكبر «جيش الميمنة»، أو بوزوق؛ وذرية الأبناء الثلاثة الأصغر «جيش الميسرة»، أو أوش أوق (1 / 56). وهذه القصة هي أرضية لمعرفة قبيلة كبيرة عنوانها العام أغوز وتقسيماتها الداخلية التي اتخذت أبعاداً أوسع في متون وحكايات علم الأنساب. 
وأن تُعرف قبيلة باسم أغوز في تاريخ إثنولوجيا التركية، يلاحظ مرة في عصر خانات الأتراك الغوكيين وأويغور منغوليا، ومرة أخرى في العصر الإسلامي في ماوراء النهر؛ لكن لا يتوفر ما يؤكد وجود علاقة نَسَبية بين هاتين الوحدتين القَبَليتين، أو أن كل واحدة منهما اكتسبت اسمها من أغوزخان. وإن ما يمكن قوله بثقة هو أن بعض المصادر الإسلامية القديمة عند بحثها نسب الغز في ماوراء النهر، أوردت الفرضين كليهما بوصفهما ملاحظة قطعية. وفي بعض المصادر الإسلامية عُدّ الغز الساكنون في البلدان الإسلامية مرتبطين بالقبائل الغزية التسعة في منغوليا، وعُدّ نسبهم مع نسب الغز المتعايشين مع الأويغوريين، من أصل واحد؛ وفي بعض المصادر أيضاً أرجع نسب القبائل المختلفة من أغوز ماوراء النهر إلى أغوزخان شخصياً وارتبطت قصة أبناء أغوز بعلم الأنساب للغز (التركمان). 
وفي التواريخ الإسلامية لما قبل المغول، فإن أول ذكر لتواجد الأغوز (الغز) في آسيا الوسطى هو رواية فائقة الأهمية ومفيدة أوردها ابن الأثير في الكامل (11 / 178)، نقلها عن بعض مؤرخي خراسان. ولدى بحثها في استيطان الغز على عهد المهدي العباسي (158-169ه‍ / 775-785م) في ماوراء النهر، اشارت هذه الرواية إلى موطن الغز الأصلي وسيرتهم قبل هجرتهم إلى المنطقة ورأت أن هؤلاء الغز كانوا قد قدموا إلى ماوراء النهر من أقصى بلاد الترك (المناطق النائية الخاضعة لخاقانات الأويغور). ويلاحظ ذكر الأتراك الغز والإشارة إلى علاقتهم بقبائل الغز التسعة لمنغوليا أيضاً في البعض الآخر من المصادر التي سبقت المغول مثل زين الأخبار للگرديزي (ص 266- 268)، إلا أن المصادر التي سبقت المغول التزمت الصمت بشأن قصة أغوز خان وعلاقته بقبائل الغز التسعة. وحتى الكاشغري الذي تشكل روايته عن بطون الغز وكثير من الموضوعات الأخرى الخاصة بالترك، حجة، عندما أورد في مادة «أُغُز» أسماء 22 بطناً من الأغوز (التركمان) مع ذكر سماتهم، ورأى أن أسماءها مستقاة من أسماء أجدادهم، لم يتطرق إلى ذكر شخص يدعى أغوزخان (1 / 56- 58). 
وفي النص الغزي الوسيط دده قورقوت، فعلى الرغم من أن ذكر قبيلة الغز يرد مراراً، بل إن أصل القصة عُرف في مخطوطة الفاتيكان (ص 2) باسم «أغوز نامه»، لكن ومع وجود التناسب، فإنه لايلاحظ الاستناد إلى أغوزخان بوصفه الجد والمرشد لهذه القبيلة، وتتعزز هذه العلاقة بين قصة «دده قورقوت» بأغوزخان في التفاصيل التالية للقصة (ظ: بارتولد، «ملحمة...»، 485). 
إن علاقة بطون الغز بأغوزخان لم تُدعم فحسب في مصادر العصر المغولي، بل مهّدت بذاتها الأرضية لتوسيع قصة أغوزخان. وأهم رواية بهذا الصدد هي لرشيد الدين الذي ينبغي أن يكون قد أخـذ معلوماته من النصوص المغوليـة ـ التركية الوسيطة. وبحسب هذه الرواية، فإنه في عصر ينبغي أن نرجعه إلى ما قبل القرن 2ه‍ / 8م، كانت قبائل الغز في شمال منغوليا تعيش إلى جوار الأويغوريين؛ وخلال تلك الفترة، كانت قومية الغز قد تشكلت من 9 بطون كانت تسمى «توغوز أوغوز» (الضبط المحرَّف في النسخ: توغوز أويغور) (ظ: رشيد الدين، 1 / 139، عن كون الخطأ عاماً في النسخ، ظ: 3 / 1610، الهامش؛ سومر،23: الشكل المحرَّف للاسم بصورة: تُغُزغُز). وخلال بحثه في شخصية أغوزخان، قدّمه رشيد الدين من جهة بوصفه الخان الذي يتبعه الأويغوريون، ومن جهة أخرى رأى أنه جد بطون تحمل الاسم العام أغوز وهم البطون المعروفة بالغز في ماوراء النهر (ظ: 1 / 49 وما بعدها؛ عن التفاصيل، ظ: ن.د، الغز، التغزغز). 
ولم تتوفر وثائق يمكن الركون إليها عن أهمية أغوزخان المحتملة في أوساط بطون الغز قبل العصر المغولي، لكن يمكن الركون إلى أن المكانة القصصية لأغوزخان اكتسبت أهمية في تلك الفترة بين الغزيين أكثر مما هي لدى الأويغوريين، واستُند إليها بشكل متزايد بوصفها مجداً قَبَلياً (عن إشارات، ظ: بارتولد، «إجمال...»، 434-435، «دراسة...»، 574-579؛ سومر، 373ff.). ولاينبغي تصور انتساب التركمان الذي يفخرون به إلى أغوزخان على أنه ظاهرة قائمة على دوافع العصر الراهن، بل إن هناك 
روايات مستقلة ومتناثرة عن تركمان منطقة الخزر وآسيا الصغرى وحتى بلاد الشام تعود للقرنين 12و 13ه‍ / 18و19م، تتحدث عن أنه ينبغي أن يُعد انتساب وتفاخر كهذا بينهم أمراً ذا خلفية تاريخية (ظ: آذر، 1 / 363؛ هامرپورغشتال، I / 6-7؛ بارتولد، «الغز»، 526، نقلاً عن غالكين؛ عن دراسة انتهاء نسب القبائل التركمانية إلى أغوزخان في ترجمة تركمانية قديمة لجامع التواريخ لرشيد الدين في 963ه‍ ، مخطوطة أكاديمية العلوم في تركمنستان، ظ: محمدوا، 27-37). 
وقد تحـدث أبو الغازي بهادرخان في شجـرۀ ترك ــ استناداً إلى إضافات على قصة أغوزخان ــ عن حفيد لأغوز يدعى قرغز، وأشار إلى أنه كان جد قبيلة القرغز (أي قرقيزمنغوليا) العريقة، إلا أن ذرية قرغز امتزجت فيما بعد بالقبائل الأخرى، فابتعدت قبيلة القرقيز عن نسبها الحقيقي (ظ: ص 42). وفي استنتاجه من كلام أبي الغازي، فسر شاكريم في شجرة نسبه، القرقيز التي قصدها بقبيلة قره قرقيز، أي القرقيزيين الحاليين (ص 36). 

دراسة ببليوغرافية للأغوزنامات 


1. أغوزنامه، إن أقدم نص موجود من قصة أغوزخان هو بالخط الأويغوري؛ ويعود تاريخ هذه المخطوطة إلى القرن 9ه‍ / 15م، وفيه شواهد تظهر استنساخه عن مؤلَّف أكثر قدماً. والمخطوطة الوحيدة من هذا التدوين محفوظة في مجموعة شيفر في المكتبة الوطنية بباريس (ظ: ششرباك، 15-16). طبع رادلوف هذه النسخة طبعة تصويرية مع ترجمتها وضبط عناوينها باللاتينية للمرة الأولى في 1890-1891م بسان بطرسبرج، كما طبع طبعة علمية بعد ذلك بتحقيق بانغ وآرات في إستانبول (1936م)، وكذلك مع ترجمة روسية أنجزها ششرباك في موسكو (1959م) (عن المخطوطات الأويغورية الأخرى في القرون الأخيرة، ظ: سومر، 376). وخلال سنوات، كان التحديد الدقيق للغة هذا النص موضع بحث بين علماء التركيات، والاتجاه الغالب هو إرجاعه إلى اللغة الأويغورية القديمة، أو القارلُقية ـ الأويغورية (ظ: بارتولد، «نقد...»، 272؛ ششرباك، 5؛ قايداروف، 16)؛ لكن بعض الباحثين الآذربايجانيين والتركمانيين كانوا يسعون إلى أن يعدّوا بشكل ‌ما لغة هذا النص لهجةً للبطـن الغزي (ظ: بايليوف، 9؛ زينالوف، 82).
2. تاريخ أغوزان، عنوان مشترك لمخطوطات عديدة باللغة الفارسية تشتمل على قصة أغوزخان، وهي استنساخ عن القسم الخاص بالقصة من جامع التواريخ لرشيد الدين فضل الله، ويعود تاريخ استنساخ بعضها إلى فترة حياة رشيد الدين نفسه. وتحفظ 5 مخطوطات من هذا الأثر في مكتبتي طوب قابو سراي والسليمانية و قد زُيّن بعضها بالمنمنمات (ظ: طوغان، 13-14). وقد اتخذ زكي وليدي طوغان من رواية أغوزخان في جامع التواريخ مقارنتهـا بهذه المخطوطات الخمس أساساً لعمله في «قصة أغوز». 
3و4. أغوزنامه، عنوان لمخطوطتين باللغة الجغتائية محفوظتين في قسم المخطوطات التابع لمؤسسة الاستشراق في أكاديمية العلوم في أوزبكستان (رقمان 185-IVو4347). وقد استعان بهما ششراك في طبع أغوزنامه الأويغورية بوصفها مخطوطات ثانوية. ولغة هاتين المخطوطتين أقدم من لغة شجرۀ ترك لأبي الغازي (ظ: ششرباك، 9,20؛ أيضاً فاضلوف، I / 9). 
5. رواية أوزون كوپري لقصة أغوز بالتركية العثمانية التي طبعت في أنقرة (1935م) بتحقيق نامق أركون، واستفاد منها طوغان في مخطوطته المقارنة. 
6. أغوزنامه، يتضمن مختارات من الترجمة التركية لجامع التواريخ و شجرۀ ترك لأبي الغازي وجهان نما لحاجي خليفة المحفوظة مخطوطته في مكتبة المتحف البريطاني (رقم Ad.11,726) (للتعريف بهذه المخطوطة، ظ: ريو، 282-283). 
وينبغي أن يضاف إلى ذلك بعض تحريرات قصة أغوزخان الواردة في النصوص التاريخية الوافية التي أشير إلى بعضها فيما مضى. ومن بقية النماذج تجدر الإشارة إلى تحرير أورده يازيجي أوغلو في بداية كتابه تواريخ آل سلجوق وقد نُشر هذا التحرير من القصة في «نشرة التاريخ وعلم الآثار وإثنولوجيا التركية» (1934م). والنموذج الآخر هو مقدمة المخطوطة المحفوظة في مكتبة المتحف البريطاني (رقم Or.3222) بعنوان تواريخ گزيدۀ نصرت نامه في تاريخ الشيبانيين يعود تحريرها إلى 908ه‍ (عن وصفها، ظ: م.ن، 276-277؛ أيضاً إكمان، 366).
وفي نظرة عابرة على البحوث الخاصة بقصة أغوزخان، يصعب الاكتفاء بعدد محدود من الآثار وتجاهل الآثار العلمية العديدة التي ظهرت معتمدة بشكل رئيس على النسخة الأويغورية. وأقدم تحقيق استشراقي يعود إلى ديتس الذي انبرى للمقارنة بين قيات (وحيد القرن) في قصة أغوز والعملاق وحيد العين في الأساطير اليونانية، وترجم جزءاً من نص أغوزنامه إلى الألمانية، وطبعه في 1815م. ومن الآثار الأخرى تجدر الإشارة إلى الطبعة العلمية لأغوزنامه التي أنجزها رضا نور في الإسكندرية (1928م)؛ ومقالة لپول پليو عنوانها «حول أسطورة أغوزخان في النسخة الأويغورية»(1930م)؛ وردّ لرضا نور على مقاله پول پليو (1931م)؛ و مقالة لبانغ وآرات بعنوان «أسطورة أغوزخان» (1932م)؛ ومقالة برنشتام المعنونة «الحقيقة التاريخية في أسطورة أغوزخان» (1935م)؛ مقالة سينور التي عنوانها «ملاحظات حول قصة أغوزخان» (1950م)؛ والدراسة التحليلية لفاروق سومر في أقسام من كتاب «أغوزان» (1965م)؛ والطبعة المقارنة لنص القصة وتحليل عناصرها بقلم زكي وليدي طوغان (1971م). 

المصادر

آذر بيگدلي، لطف علي، آتشكده، طهران، 1337ش؛ ابن الأثير، الكامل؛ أبوبكر الطهراني، دياربكريه، تق‍ : نجاتي لوغال وفاروق سومر، أنقرة، 1964م؛ أبوالغازي بهادر خان، شجرۀ ترك، تق‍ : ديميزون، سان بطرسبرج، 1871م؛ بخاري، سليمان، لغت چغتاي وتركي عثماني، إستانبول، 1298ه‍ ؛ الجويني، عطا ملك، تاريخ جهانگشاي، تق‍ : محمد القزويني، ليدن، 1329ه‍ / 1911م؛ حمد الله المستوفي، تاريخ گزيده، تق‍ : عبد الحسين نوائي، طهران، 1362ش؛ دده قورقوت (ملـ)؛ رشيد الدين فضل الله،جامع التواريخ، تق‍ : محمد روشن ومصطفى موسوي، طهران، 1372ش؛ شرف الدين علي اليزدي، ظفرنامه، تق‍ : عصام الدين أورونبايوف، طشقند، 1972م؛ الكاشغري، محمود، ديوان لغات الترك، إستانبول، 1333ه‍ ؛ الگرديزي، عبد الحي، زين الأخبار، تق‍ : عبد الحي حبيبي،طهران، 1347ش؛ وأيضاً:

Bailyev, S., Kategoriya skloneniya v pis’mennykh pamyatnikakh turkmenskogo yazyka, Ashkhabad, 1990; Balasaguni, Y., Kutadgu bilig, ed. R.R. Arat, Ankara, 1979; Barthold, W.W., «Guzz», «Obzor istorii tyurkskikh narodov» «Retsenziya na knigu: Zametki ob etnicheskom sostave…«, «TuretskiĮ epos i Kavkaz» Sochineniya, Moscow, 1968, vol. V; id, «Ocherk istorii turkmenskogo naroda», ibid, 1963, vol. II(1); Bazin, L., «Notes sur les mots Oguz et Turk» Oriens, Leiden, 1953, vol. VI; Boratav, P.N., «Les Proverbes», Philologiae Turcicae Fundamenta, Wiesbaden, 1965; Caferoğlu, A., «La Littérature turque de l’époque des karakhanides», ibid; Dede Korkut kitabi, ed. M. Ergin, Ankara, 1958; Doerfer, G., «Die Literatur der Turken Südsibiriens», Philologiae... (vide: Boratav); Eckmann, J., «Die tschagataische Literatur», Philologiae… (vide: Boratav); Fazylov, E., StarouzbekskiĮ yazyk, Tashkent, 1966; Gumilev, L. N., Drevnie tyurki, Moscow, 1967; Hamilton, J., «Toquz-Oguz et On-Uygur», JA, 1962; Hammer- Purgstall, J., Geschichte des osmanischen Reiches, Pest, 1827; Kaidarov, A. T., «Vvedenie», StroĮ uĮgurskogo yazyka, Almaty, 1989; Köprülü, F., Edebiyat araştırmaları, Ankara, 1986; Markwart, J., Über das Volkstum der Komanen, Berlin, 1914; Mukhamedova, Z.B., «Oguzsko-turkmenskie etnonimi», Sovetskaya Tyurkologiya, 1971, vol. I; Oguz-name, ed. A. M. Shcherbak, Moscow, 1959; Orkun, H. N., Eski Türk yazıtları, Istanbul, 1940; Rieu, Ch., Catalogue of the Turkish Manuscripts in the British Museum, London, 1888; Shakarim Qudaiberdiuly, Türīk, qyrghyz-qazaq hăm khandar shezhĮresĮ, Almaty, 1991; Shcherbak, A. M., notes on Oguz-name, Moscow, 1959; Sumer, F., Oğuzlar (Türkmenler), Ankara, 1972; Togan, Z.V., Oğuz destanı, Istanbul, 1982; Zeinalov, F. R.,«Dastan ob Akhmede Kherami…», Sovetskaya Tyurkologiya, 1975, vol. V.

أحمد پاكتچي / ه‍

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: