الصفحة الرئیسیة / المقالات / الاعراب /

فهرس الموضوعات

الاعراب


المؤلف :
تاریخ آخر التحدیث : 1442/10/18 ۱۰:۱۹:۴۸ تاریخ تألیف المقالة

اَلْإعْراب، أهم المواضيع وأكثرها إثارة للبحث في النحو باللغة العربية، بحيث سمى البعضُ الإعـراب نحواً والنحو إعراباً (ظ: الزجاجي، 83؛ أيضاً EI1,III / 512). و من الناحية اللغوية، فإن للمفردة معانٍ مختلفة، وأكثرها رواجاً هو الإفصاح والإبانة (الخليل، 2 / 128؛ ابن منظور، مادة عرب؛ لغت نامه...، مادة إعراب). و من معانيها الأخرى، التكلم بالفحش، ومنع التكلم بالفحش (ظ: ابن منظور، ن.ص)؛ ولذا عُدّت من مفردات الأضداد (ن.ع) (اليماني، 1 / 363). 
و في التعريف المصطلح لهذه الكلمة أيضاً عُرضت تعاريف شتى (السيوطي، الأشباه... ،1 / 159، همع...، 1 / 14)، و في جميع هذه التعاريف جرى الحديث تصريحاً، أو تلميحاً عن «التغييرات التي تطرأ على آخر الكلمة». وتتناول بعض التعاريف بنحو أكبر الشكل الظاهري للإعراب (ظ: أبوحيان، 34) والبعض الآخر دلالته من حيث المعنى (ابن جني، 1 / 35؛ السيوطي، المزهر، 1 / 327- 328)؛ لكن أياً من هذه التعاريف لايوضح ماهية الإعراب. وهذه التغييرات التي تحدث في رأي جمهور النحاة في قسم من المفردات (الأسماء المتمكنة والفعل المضارع)، تُقسم في الاسم إلى ثلاثة عناوين عامة الرفع والنصب والجر، و في الفعل إلى عناوين الرفع والنصب والجزم. وبشأن سبب تسمية هذه الظاهرة بالإعراب، ذكرت تعليلات مع كل واحدة من الدلالات اللغوية للمفردة (الزجاجي، 91؛ ابن جني، 1 / 36؛ السيوطي، الأشباه، 1 / 164-165؛ ابن أبي الربيع، 1 / 172؛ EI1، ن.ص)؛ إلا أن بيان أوجه التعليل هذه أيضاً لاتوضح ماهية الإعراب. كما أن المرادفات التي اختارها المستشرقون لهذه المفردة هي الأخرى تدل على اختلاف فهمهم لهذه الظاهرة: رأى البعضُ أن مفردة «inflexion» والبعض الآخر أن مفردتي «case» و «mood» معادلة لها؛ لكن وكما يشير فليش (ظ: EI2)، فإنه لاتوجد أية كلمة في اللغات الأوروبية قادرة على ترجمة هذا المفهوم العربي الخاص. و إن بحوث وآراء النحاة واللغويين العرب لاتميط اللثام عن وجه الإعراب بوجه كامل. وهنا يمكن القول إن جميع الأسئلة ومواضع الغموض في هذه الظاهرة يرجع إلى سؤالين أساسيين: 
1. هل كان الإعراب موجوداً في اللغة العربية منذ البدء، أم كان من صنع أوائل النحاة العرب؟ 
2. ما هو سبب ظهور هذه الخصيصة في اللغة العربية؟ 

منشأ الإعراب

على حدّ علمنا، فإن أياً من النحاة واللغويين العرب المتقدمين لم ينكروا أصل وجود الإعراب في اللغة العربية القديمة، وبشكل خاص في اللغة الفصحى، لكن بعض المستشرقين مثل فولرس ينكر وجود هذه الظاهرة في لغات بلاد الحجاز والقرآن الكريم، بل ويشكك في أن يكون سكان البادية ــ أولئك الذين نبغ الشعراء من بينهم ــ قد تحدثوا بهذه اللغة (ظ: عبد التواب، 429؛ الصالح، 122). و في ردّ هذا الرأي، استُند إلى وجود الإعراب في الشعر الجاهلي ووجود أحاديث عن النبي (ص) تقول بالتشجيع على مراعاة الإعراب وتجنب اللحن (م.ن، 122-123)؛ لكن مع الأخذ بنظر الاعتبار التشكيك الذي أُثير حول الشعر الجاهلي والإشكالات التي طرحت بشأن متون الروايات وأسانيدها، لايمكن الركون إلى هذه الدلائل. و مع هذا، فإن نفيه عن «اللغة العربية الفصيحة الوحيدة» (ظ: آذرنوش، راههاي نفوذ...، 119)، ليس أمراً سهلاً. وتظهر دراسات علم اللغة بوضوح أن هذه الظاهرة كان لها وجود في معظم اللغات السامية (أوليري، 195؛ أيضاً السامرائي، 97-98). 
لكن كيفية تحوله وزمن استخدامه يكتنفهما الغموض بشكل تام. ويحتمل أن يكون أمر الإعراب قد استُقي من أسس سامية قديمة. واستناداً إلى دراسات نوغاي رول، فإن وجوده في الأكدية شيء مسلَّم به (ظ: فليش، II / 276 ؛ السامرائي، ن.ص). ويعتقد 
فوك (ص 3) أن الإعراب كان يستخدم في مختلف اللهجات العربية حتى أوائل القرن 4ه‍ على الأقل. وعارض شپيتالر هذا الرأي وقال إنه كان يوجد بين القبائل لغتان إحداهما عامية و هي المستخدمة في الحياة اليومية والتي كان الإعراب قد هجرها بشكل تام؛ والأخرى اللغة الفصحى الفنية التي كانت تراعى حركات أواخر الكلمات فيها منذ القدم (ظ: فليش، II / 281)؛ لكن فليش يعتقد أن الإعراب كان موجوداً حتى في لغة البدو (غير اللغة الفصحى) إلى عصر سيبويه على الأقل، و أن أهم الشواهد على ذلك، هو بحث الوقف والسكون الذي لايكون له معنى من غير الإعراب (ن.ص).
وشكل الحركات الإعرابية هو الآخر موضع بحث. فقد اعتقد بروكلمان أن هذه الحركات كانت تلفظ في البدء بشكل مصوِّتات طويلة؛ وعلى العكس من ذلك، افترض مسكاتي جميعها مصوِّتات قصيرة استبدلت أحياناً بمصوتات طويلة للدلالة على الجمع (ظ: فليش، II / 277). 
و إن البحوث التي قام النحاة المتقدمون حول اللهجات العربية القديمة تكشف الغموض الذي يكتنف اختلاف اللهجات وكيفية حركة أواخر الكلمات و هو الإعراب غالباً (سلوم، 23 و ما بعدها). بل إننا نجد اليوم أيضاً ظاهرة الإعراب في البقايا البِكر للهجات البدوية (فوك، ن.ص). و من جهة أخرى، وفيما إذا كانت الظاهرة مختلقة، فينبغي يقيناً أن تكون لها معارضات أيضاً. إلا أن التاريخ العربي لم يشر إلى مثل هذه المعارضات، بل إن الشواهد و الوقائع جميعها تدل على وجود هذه الظاهرة في اللغة العربية الفصحى (ابن عبد ربه، 2 / 480؛ ابن عبد البر، 1(1) / 64). واستناداً إلى نولدكه، فإنه لو كان النبي (ص)، أو أحد المسلمين المعاصرين له يقرأون القرآن من غير إعراب، لوصلتنا بشكل أكيد روايات بهذا الشأن (ظ: عبد التواب، 433). 
إن موضوع الإعراب في الفعل المضارع يمكنه لوحده أن يعدّ دليلاً مقنعاً على وجود هذه الظاهرة في اللغة العربية وبشكل خاص اللغة التي نزل القرآن بها: من وجهة نظر النحاة البصريين، فإن الإعراب في الفعل المضارع يفتقر إلى الدلالة من حيث المعنى، و لم يقدم النحاة الكوفيون بدورهم تحليلاً دقيقاً لدلالات إعراب المضارع؛ فإذا ما كان الإعراب من صنع أذهان النحاة، فإن جهودهم لجعل الفعل المضارع معرباً تبدو عملاً عابثاً لا طائل من ورائه. وعلى العكس، فإنهم يعدّون موضوع الإعراب في الفعل المضارع حقيقة لاتقبل الإنكار، ويسلكون في تسويغ ذلك سبلاً غير ناجحة أيضاً؛ ويبرز هنا سؤال: ترى ما الذي يجعلهم يخوضون في ظاهرة يعجزون هم أنفسهم عن تسويغها. 

سبب وجود الإعراب

إذا سلمنا بأن الإعراب حقيقة متجذرة في اللغة العربية، فإن هذا السؤال يطرح نفسه لامحالة: ترى ما هو السبب في ظهوره؟ إن الآراء المختلفة التي أُعلنت منذ البدء وحتى الآن بهذا الصدد يمكن بحثها في إطار نظريتين: 1. نظرية جمهور النحاة؛ 2. نظرية بعض النحويين العرب واللغويين والمستشرقين. وما يزال البحث حول هاتين النظريتين مستمراً بسبب الإشكالات التي تثار حول كل واحدة منهما بشكل جعل تفضيل إحداهما على الأخرى أمراً عسيراً. 

1. نظرية جمهور النحاة

يرى النحاة البصريون والكوفيون أن هذه التغييرات في الاسم تدل على معان نحوية مثل الفاعلية والمفعولية والإضافة. ونجد آثار هذه النظرية لأول مرة في كلام الزجاجي الذي يراها إجماعَ جميع النحويين، عدا قطرب (تلميذ سيبويه) (ص 69-70)، إلا أنه لدى تحليله هذه المعاني، يخلط تغييرات الإعراب التي تطلق عادة على التغيير في النهايات، بالتغييرات التي في بدايات وأواسط الكلمات التي تتعلق بصرف المفردة، و لايقدم في الحقيقة تحليلاً واضحاً لهذه المعاني (م.ن، 70). وربما أمكن القول إن أوضح تحليل لهذه المعاني يقدمه الزمخشري ويقول إن إعراب الاسم هو الرفع والنصب والجر، وكل واحد منها علم على معنى معيّن: الرفع علم الفاعلية، النصب علم المفعولية، الجر علم الإضافة، وينبغي أن تعدّ كافة المرفوعات والمنصوبات والمجرورات ملحقات بهذه الإعرابات الثلاثة (ص 10-11). 
و قد وردت إشكالات على نظرية دلالة الإعراب من حيث المعنى أهمها ما يلي: ألف ـ فيما لوكانت هذه التغييرات تدل على هذه المعاني، فلماذا تدل عدة إعرابات متباينة أحياناً على معنى نحوى واحد، وعلى العكس من ذلك، يدل عنوان إعراب واحد أحياناً على عدة معان؟ (الزجاجي، ن.ص)؛ ب ـ توجد أسماء كثيرة في اللغة العربية لاتحصل فيها هذه التغييرات (المفردات المبنية وذات الإعراب التقديري)؛ ج ـ والأهم من كل ذلك أنه يمكن أحياناً قراءة جملة عربية من غير إعراب والوقوف على مفاهيمها النحوية وترابط أجزاء الكلام ببعضها، وهذا ما يقضي على القيمة المعنوية للإعراب، أو يضعفها بشدة؛ د ـ ما هو سبب الإعراب في الفعل المضارع؟ إن وجود هذه الإشكالات على نظرية جمهور النحاة ــ برغم اعترافهم بدلالة الإعراب على المعاني النحوية وبغيـة الهـروب من الإشكـالات المذكـورة ــ يجعلهم يفسرون الإعراب على أساس نظرية تدعى نظرية العامل. وبحسب هذه النظرية، يرى النحاة جميع التغييرات الإعرابية معلولة لعوامل لفظية تصيب المعرَب، وحيثما لم‌يكن هناك وجود لعامل، بل وُجد إعراب، أو على العكس لم يوجد إعراب، بل وُجد عامل، عدّوا الإعراب، أو عامل الإعراب مقدَّراً. 
وهكذا، فإن بعض الغموض حول ظاهرة الإعراب يُزال بحسب الظاهر، لكن الأمر لاينتهي عند هذا الحد، ذلك أن هذا البحث عن الحل نفسه يثير أسئلة عديدة أخرى من قبيل أي شيء يسبب حذف العامل، ما هو العامل المقدَّر؟ ما هي شروط تقدير العامل؟ و ما هي شروط عمل العامل؟ وأسئلة من هذا القبيل يزيد تدقيق الباحثين من عددها وتؤدي الردود ذات الطابع الكلامي والفلسفي التي يجيبون بها عليها، إلى جعل هيكل النحو ضخماً وقوياً، ويصبح الإعراب، النظرية المهيمنـة على النحو والمتحكمة به، ليس بوصفـه مبيناً للمعاني النحوية، بل بوصفه نتيجـة عمل العامل. 
وهكذا، فإن تحليل الإعراب على أساس نظرية العامل بالشكل الذي يعتقده إبراهيم مصطفى، ليس معلولاً لتأثير الآراء الكلامية والفلسفية على أفكار النحاة (ص 31-33)، بل إن هذه النظرية وكذلك التسويغات القائمة على الآراء الكلامية والفلسفية حولها كليهما معلول للإشكالات الواردة على نظرية الجمهور. و إن جهود النحاة في تبيين الإعراب على أساس نظرية العامل تبدأ تدريجياً باعتراضات إجمالية من قِبل أمثال ابن جني (تـ 392ه‍( )ابن جني، 1 / 109 ومابعدها)، و في القرن 6ه‍ ، تصبح عرضة لهجوم واستنكار شديدين من قبل ابن مضاء القرطبي وتصبح أساساً لتأليفه كتاب الردّ على النحاة. فاستناداً إلى كلام ابن جني، ينفي ابن مضاء (ص 86-87) تأثير العامل في إيجاد الإعـراب، لكنه ــ و في التحليل الذي يصطبغ بطابع كلامي، وخلافاً لابن جني الذي يعتقد بأن «العمل من الرفع والنصب والجرّ والجزم إنما هو للمتكلم نفسه، لا لشيء غيره» (1 / 110) ــ يرى أن الإعراب من أفعال الله يُنسب إلى الإنسان شأنه شأن بقية الأفعال الاختيارية. و في مواصلة عملية دحض نظرية العامل نصل إلى إبراهيم مصطفى، فهو لم‌يكن يعلم بوجود كتاب ابن مضاء على ما يبدو خلال تأليفه كتاب إحياء النحو (ألف كتاب إحياء النحو في 1936م، وطبع كتاب ابن مضاء لأول مرة في 1947م بتحقيق شوقي ضيف). وبرغم أن إبراهيم مصطفى لايشير إلى كتاب ابـن مضاء، لكنه شأنه شأن ابن مضاء ــ إلا أنه ليس بأسلوب كلامي ــ انتقد وأنكر نظرية العامل إلى حد السخرية منها (ص 22-42). و في تحليل يستند إلى المعنى (ص 53) رأى أن الرفع علامة الإسناد في المسند إليه (الفاعل، نائب الفاعل، المبتدأ)، والجر علامة الإضافة (ص 72 و ما بعدها)، لكن من وجهة نظره لايُعدّ النصبُ إعراباً، ولذا، فهو لايرى الفتحة (علامة النصب الأصلية) علامة إعراب تبين معنىً، ويريد في تحليل شامل أن الفتحة لها دور صوتيّ فحسب، وبسبب خفّتها تؤدي إلى السهولة في تلفظ المفردات (ص 78-100). 
ونظرية إبراهيم مصطفى هي الأخرى لاتحل الإشكالات الواردة على نظرية الجمهور، وبشكل خاص، فإن إنكار الدلالة من حيث المعنى للفتحة يواجه بانتقاد بعض المعاصرين (السامرائي، 101-102). ويجدر القول إنه رغم أن دحض نظرية العامل يمكن له أن يحل بعض صعوبات النحو لكن الإشكالات الواردة على نظرية الجمهور ستبقى قائمة. وفضلاً عن ذلك، فإن دحض نظرية العامل تثير مؤيدي النحو التقليدي للدفاع عنها. فهم ينبرون لإقامة الأدلة المبنية على ضرورة تفسير الإعراب استناداً إلى نظرية العامل (إلياس، 29-30؛ حسن، 1 / 67-70). وتبعاً لهذه المواقف تظهر نظرية ثالثة قائمة على التعديل في نظرية العامل، النظرية التي تبلور في تأليـف كتاب تجديد النحو لشوقي ضيف. لكن تأليف هـذا الكتاب يرد فحسب على بعض الأسئلة التي تطرح عقب نظرية العامل.

الإعراب في الفعل المضارع

ترى المدرسة النحوية البصرية أن الاسم لوحده يستحق الإعراب بدليل أن المفاهيم النحوية مثل الفاعلية والمفعولية والإضافة تعرض للاسم فحسب، بينما الفعل والحرف مبنيان بالأصالة، لأن المفاهيم النحوية لاتُحمل عليهما (ظ: الزجاجي، 77). لهذا ينبغي العثور على دليل لوجود الإعراب في الفعل المضارع. والسبيل الوحيد الذي وجده النحويون هو أن يعدّوا الفعل المضارع شيئاً يشبه الاسم تماماً (المبرد، 2 / 1؛ الزجاجي، 80-81)، واستناداً إلى هذا التعليل أيضاً منحوا صفة المضارع لمعنى المشابه (سيبويه، 1 / 14؛ المبرد، ن.ص؛ ابن السراج، 2 / 145). و إن هذا الجواب وعلى فرض قبوله يثير مجدداً أسئلة أخرى، منها أن الفعل إذا أصبح معرباً بسبب تشابهه مع الاسم، فلماذا لايشتركان في إعراب الجر؟ و لماذا يقبل الفعلُ المضارع الجزم بدل الجر؟والأجوبة التي أعطيت على هذا السؤال هي أيضاً ــ شأنها شـأن التعليل ــ تشبه فـي أصل الموضـوع التسويغـات الذوقيـة أكثـر مـن كونهـا وصفـاً لحقائـق اللغـة (ظ: السيوطي، همع، 1 / 21). لهذا، يقول أبوحيان بنظرة واقعية: في هذه المسائل لاينبغي البحث عن الاستدلال (ظ: السيوطي. ن.ص)؛ لكن المدرسة النحوية الكوفية تعتقد أن المعاني المختلفة مثل النفي والنهي والشرط لما كانت تعرض للفعل، فإن الإعراب أصيل في الفعل أيضاً (ابن الأنباري، 2 / 549-550)، وفضلاً عن الفعل المضارع، يكون فعل الأمر أيضاً معرباً، لكن البصريين ــ واستناداً إلى أن الحرف أيضاً يبين معانٍ مختلفة ــ يرون استدلال الكوفيين بهذا الشأن باطلاً (ن.ص). ويبدو أن تسويغات المدرسة البصرية حول سبب إعراب الفعل المضارع، بعيدة عن حقائق اللغة و عن مبدأ أن «كثرة المباني تدل على كثرة المعاني»، و أن تحليل الكوفيين لمعاني الإعراب في الفعل هو أيضاً ليس جامعاً ووافياً بالغرض؛ ولذا، فإن الحديث عن علة إعراب الفعل المضارع يخصص لنفسه فصلاً خاصاً لدى المعاصرين: عدّ البعض مثل ريمون طحان إعراب الفعل المضارع باطلاً، و رأوا أنه من الجوانب الصرفية للفعل (ظ: المهيري، 73-74). وبإزاء ذلك سعى عبد الستار الجواري (م.ن، 74-75) إلى أن يحلل مفهوم الإعراب في الفعل المضارع على أساس دلالته على مفهوم الزمان. واستناداً إلى تحليله، فإن المضارع المرفوع بشكل إجمالي يدل على تمام الأزمنة بالقوة، والمضارع المنصوب على المستقبل، والمضارع المجزوم على الماضي، والأمر والشرط (م.ن، 75-76؛ حول نقد هذه النظرية، ظ: م.ن، 76-77). وسعى باحث آخر يدعى محمد الكسار في المفتاح لتعريب النحو إلى ربط الإعراب في الاسم والفعل بالفعالية؛ لكنه وكما يقول المهيري (ص 77) لم يوضح مفهوم هذا المصطلح. واستناداً إلى هذه النظرية، فإن أقسام الفعل (الماضي والمضارع والأمر) جميعها معربة، و إن العلامات الموجودة في نهايات أقسام الفعل تدل على درجات الفعالية: الفعل الماضي يدل على فعالية ضعيفة وعلامة هذا النوع من الفعالية هي الفتحة، والفعل المضارع الذي يسميه «المستمر»، يدل على فعالية حية ومستمرة تقع في الزمن الحاضر وتتواصل، أو تقع في المستقبل بشكل أكيد، وعلامتها أقوى الحركات، أي الضمة، ونصب المضارع يدل على ضعف الفعالية والتردد في تحققها واستمرارها، والجزم يدل على انقطاع الاستمرار والفعالية (م.ن، 78-79). وهـذه النظريـة ــ فضـلاً عـن الغموض الـذي يكتنـف أصلها ــ تواجه في التطبيق أيضاً عقبات يأتـي حلها من تأويلات مختلفة (ن.ص). 
وأخيراً يـرى آذرنوش فـي آموزش زبان عربي ــ آخـذاً بنظر الاعتبـار الوجوه الإخباريـة والالتزاميـة في الفعـل الفارسي ــ أن إعراب الرفع والنصب في الفعل المضارع يبين الوجه الإخباري والوجه الالتزامي على التوالي. لكن لما كان المؤلف لاينوي بحث دلالة أنواع الإعراب على المعاني، فهو لايتناول جوانب إعراب الفعل (ظ: 1 / 155-156، 2 / 11-12، 74، 90). 

2. نظرية بعض النحاة العرب وعلماء اللغة

إن الإشكالات الواردة على نظرية دلالة الإعراب على المعاني اضطرت منذ البدء بعض النحويين إلى إنكار الدلالة من حيث المعنى للإعراب. فهؤلاء ــ وضمن اعترافهم بهذه الظاهرة ــ حاولوا تسويغ علتها الوجودية من طرق أخرى. فالزجاجي (تـ330ه‍( يرى أن قطرب هو المنكر الوحيد لنظرية دلالة الإعراب من حيث المعنى (ص 70). واستناداً إلى كلام الزجاجي، فإن آخرين كثراً أيضاً يعدّون قطرب، الوحيدَ من بين المتقدمين المنكر لدلالة الإعراب من حيث المعنى (ظ: مصطفى، 51-52؛ عبد التواب، 423)، لكن يجدر القول إن البعض الآخر من النحاة الكبار مثل ابن درستويه وأبي علي الفارسي أيضاً أنكروا دلالة الإعراب من حيث المعنى (ظ: ابن يعيش 1(1) / 72؛ شاهين، 387). و لايشير ابن يعيش إلى أدلة ابن درستويه، لكن شاهين يبين دليل أبي علي الفارسي على إنكار دلالة الإعراب من حيث المعنى وإمكانية حذف الإعراب و في نفس الوقت فهم معانيه النحوية (ن.ص). واستناداً إلى رواية الزجاجي (ن.ص)، فإن قطرب يرى الإعراب وسيلة للتسريع في الكلام الذي يتجه إلى البطء نتيجة الوقف. و من المعاصرين العرب يعتقد إبراهيم أنيس أن الإعراب أسطورة نجمت عن الظواهر اللغوية المنتشرة بين قبائل الجزيرة العربية، ونسجت خيوط هذه الأسطورة أواخر القرن 1، أو أوائل القرن 2ه‍‍‍ على يد مجموعة من المحدِّثين الذين كانوا قد أمضوا غالبية أعمارهم في بيئة العراق، و في أواخر القرن 2ه‍ ظهرت كقلعة حصينة لم يتمكن الكتّاب والخطباء والشعراء العرب الفصحاء من اقتحامها (الصالح، 126، نقلاً من أسرار اللغة لإبراهيم أنيس). وهذه النظرية التي تأثرت بفولرس بشكل واضح، تمت متابعتها على يد البعض الآخر من المعاصرين العرب مثل داود عبده وعبد الحميد إبراهيم وشاهين. 
يرى عبده أن هذه الحركات كانت في الأصل جزءاً من الكلمة، وكانت لها صورة واحدة لا أكثر، و في جميع حالات الكلمة كانت تُستخدم تلك الصورة الوحيدة (ظ: عبد التواب، 425، ها 8). ويرى عبد الحميد إبراهيم، الإعراب ظاهرة كانت موجودة في بنية اللغة، لكن النحاة أخطأوا فـي فهم مدلولها. و هو يقول ــ مستنداً إلى ما يستفاد مـن آراء سيبويه وكذلك نظراً لبعض الآيـات ــ إن الإعراب هو الإبانة ليست في الكشف عن المعنى اللغوي، إنما الإبانة بمعناها الجمالي (ص160-162). بعبارة أخرى، إن الإعراب يلعب دوراً كبيراً في إكساب الفصحى جمالية تسهل من وقعها على الأذن (م.ن، 165).
والآن نظراً لما قيل، يمكن طرح النقاط التالية عن ظاهرة الإعراب: 
1. الإعراب ظاهرة في اللغة العربية، وعناوين الرفع والنصب والجر والجزم التي وضعت بعد الإسلام هي عناوين عامة لبيان معاني ومفاهيم الاسم والفعل مع فارق جوهري بين معاني الإعراب في الاسم(يبين دور الاسم في الجملة) ومعاني الإعراب في الفعل (يبين أوجه الفعل). 
2. الرفع في الاسم يدل على دور إسنادي، لا الفاعلي (كما يقول جمهور النحاة)، وليس فقط مسنداً إليه، بل يدل على الإسناد الموجود في المسند إليه (الفاعل ونائب الفاعل والمبتدأ) وأيضاً في المسند (الخبر). والنصب في الاسم يدل على دور المفعولية (في المفعول به والمفعول معه والمنادى والمستثنى) والظرفية (في المفعول المطلق والمفعول لأجله والمفعول فيه والحال والتمييز) (آذرنوش، آموزش، 1 / 70، 78)، لكن الجرّ يدل على موقع متمم سواء أكان المضاف اليه، أو المجرور بحرف الجر. 
3. الإعراب في الفعل يعدّ تبياناً لأوجه الفعل، فالرفع يعادل الوجه الإخباري، والنصب يدل على الوجه الالتزامي، والجزم يدل على الوجه الأمري والشرطي للفعل (ن.م، 1 / 155-156، 2 / 11، 74)، إلا المضارع المجزوم بـ «لم و لما»، فهو خارج عن هذا السياق. 
4. لمواقع الاسم وأوجه الفعل شكلان من العناوين: عناوين كلية هي الرفع والنصب والجر والجزم، وعناوين خاصة هي الحالات والأوجه الواردة في نهاية كل واحد من العناوين الكلية (شكراني، 56-57). 
5. إن ما يراه النحاة في نظرية العامل، عوامل لفظية هو كالإعراب علامة تبين مفاهيم ومعاني معمولها: في اللغة العربية تتضح هذه المفاهيم والمعاني أحياناً عن طريق العامل (العامل الموجود والإعراب المقدر)، وأحياناً عن طريق الإعراب (الإعراب الظاهر والعامل المقدر)، وأحياناً يتضح المعنى بتعاضد العامل والإعراب (العامل والإعراب كلاهما ظاهر). و في حالاتٍ يكون العامل والإعراب محذوفين، ونظراً لسياق الكلام وبواسطة علاقات الجوار يمكن إدراك موقع أجزاء الكلام إلى جانب بعضها (مثل موقعا المبتدأ والخبر). و إن ما جعل اللغة العربية قابلة للفهم دون الإعراب أيضاً هو الأنس بالمواقع التي يمكن فيها إدراك العلاقة بين أجزاء الكلام بشكل أكبر عن طريق العوامل اللفظية والسياق. 
وهكذا تجد بعض الإشكالات الواردة على نظرية دلالة الإعراب من حيث المعنى جواباً لها، لكن البعض الآخر من الإشكالات مايزال قائماً. 

المصادر

آذرنوش، آذرتاش، آموزش زبان عربي، طهران، 1373ش؛ م.ن، راههاي نفوذ فارسي در فرهنگ و زبان تازي، طهران، 1354ش؛ إبراهيم، عبدالحميد، «الإعراب ظاهرة جمالية»، مجلة مجمع اللغة العربية، 1958م، عد 57؛ ابن أبـي الربيع، عبيد الله، البسيـط في شرح جمل الزجاجـي، تق‍ : عياد بن عيد الثبيتي، بيروت، 1407ه‍ / 1986م؛ ابن الأنباري، عبدالرحمان، الإنصاف، القاهرة، 1380ه‍ / 1961م؛ ابن جني، عثمان، الخصائص، تق‍ : محمد علي النجار، القاهرة، 1371ه‍ / 1952م؛ ابـن السراج، محمد، الأصول في النحو، تق‍ : عبد الحسين الفتلي، بيروت،1405ه‍ / 1985م؛ ابن عبد البـر، يوسف، بهجـة المجالس، تق‍ : محمد مرسي الخولي، بيروت، 1981م؛ ابن عبد ربه، أحمد، العقد الفريد، تق‍ : أحمد أمين وآخرون، بيروت، 1402ه‍ / 1982م؛ ابن مضاء، أحمد، الرد على النحاة، تق‍ : شوقي ضيف، القاهرة، 1366ه‍ / 1947م؛ ابن منظور، لسان؛ ابن يعيش، يعيش، شرح المفصل، بيروت، عالم الكتب؛ أبو حيان الغرناطي، محمد، النكت الحسان، تق‍ : عبد الحسين الفتلي، بيروت، 1405ه‍ / 1985م؛ إلياس، منى، القياس في النحو، دمشق، 1405ه‍ / 1985م؛ حسن، عباس، النحو الوافي، القاهرة، 1966م؛ الخليل بن أحمد الفراهيدي، العين، تق‍ : مهدي المخزومي وإبراهيم السامرائي، قم، 1405ه‍ ؛ الزجاجي، عبدالرحمان، الإيضاح في علل النحو، تق‍ : مازن مبارك، بيروت، 1406ه‍ / 1986م؛ الزمخشري، محمود، المفصل في النحو، تق‍ : ي. پ. بروخ، لايبزك، 1296 / 1879م؛ السامرائي، إبراهيم، دراسات في اللغة، بغداد، 1961م؛ سلوم، داود، دراسة اللهجات العربية القديمة، بيروت، 1406ه‍ / 1986م؛ سيبويه، عمرو، الكتاب، تق‍ : عبد السلام محمد هـارون، بيروت، 1403ه‍ / 1983م؛ السيوطـي، الأشباه والنظائـر، تق‍ : عبد الإلٰه نبهان، دمشق، مجمع اللغة العربية؛ م.ن، المزهر، تق‍ : محمد جاد المولى وآخرون، بيروت، 1408ه‍ / 1987م؛ م.ن، همع الهوامع،تق‍ : محمد بدر الدين النعساني، قم، 1405ه‍ ؛ شاهين، عبد الصبور، أثر القراءات في الأصوات والنحو العربي، القاهرة، 1408ه‍ / 1987م؛ شكراني، رضا، «پژوهشي پيرامون پديدۀ إعراب در مقايسه با مقوله‌هاي نقش و وجه دستور زبان فارسي»، مجلۀ پژوهشي دانشگاه أصفهان، 1374ش، عد 7؛ الصالح، صبحي، دراسات في فقه اللغة، بيروت،1973م؛ عبد التواب، رمضان، مباحثي در فقه اللغة وزبان شناسي عربي، تج‍ : حميد رضا شيخي، مشهـد، 1367ش؛ فـوك، يوهـان، العـربيـة، تج‍ : عبد الحليـم النجار، القاهـرة، 1370ه‍ / 1951م؛ لغت نامۀ دهخدا؛ المبرد، محمد، المقتضب، تق‍ : محمد عبد الخالق عضيمة، بيروت، 1382ه‍ / 1963م؛ مصطفى، إبراهيم، إحياء النحو، القاهرة، 1951م؛ المهيري، عبد القادر، نظرات في التراث اللغوي العربي، بيروت، 1993م؛ اليماني، محمـد ، الموسوعـة العربيـة فـي الألفـاظ الضديـة والشـذرات اللغويـة ، بيـروت، 1405ه‍ / 1985م؛ وأيضاً:

EI1; EI2; Fleisch, H., Traité de philologie arabe, Beirut, 1990; O’Leary, De. L., Comparative Grammar of the Semitic Languages, Amsterdam, 1969.

رضا شكراني / ه‍
 

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: