الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الفقه و علوم القرآن و الحدیث / الاعسار /

فهرس الموضوعات

الاعسار


تاریخ آخر التحدیث : 1442/10/18 ۱۱:۱۹:۰۰ تاریخ تألیف المقالة

اَلْإعْسار، في المصطلح الفقهي والقانوني هو حالة الشخص غير القادر على تسديد ديونه، أو أداء واجباته بسبب قلة ذات اليد، أو انعدام القدرة على الوصول إلى المال. والإعسار لغة مشتق من مصدر «العسر» الذي يعني ضيق ذات اليد والاحتياج (ابن دريد، 2 / 715؛ ابن منظور، مادة عسر)، لكن بصورة عامة، يطلق على الشخص الذي يكون عاجزاً من أداء الديون التي بذمته بسبب العجز المالي. ومصدر حصول هذه الديون ناجم أحياناً عن أمر الشارع وأمر عبادي محض، مثل العجز عن إيتاء الزكاة، و له في أحيان أخرى طابع جزائي إلٰهي، مثل العجز عن أداء الكفارة، أو الدية. كما يمكن أن يكون الإعسار ناجماً عن معاملات غير قابلة للعوض مثل الكفالة والتلف والمهر. وأحياناً تنجم هذه الديون عن معاملات قابلة للعوض كالبيع والقرض. و في الحالة الأخيرة ولأهميتها في العلاقات المالية بين الأشخاص تبحث في الفقه تحت عنوان محدد هو الإفلاس (ن.ع). و في حالات أيضاً استخدم مصطلح الإعسار للتعبير عن العجز عن أداء الواجبات الشرعية كالحج والجهاد. و في آثار المتقدمين من الفقهاء والمفسرين، استخدم مصطلحا الإعسار والإفلاس غالباً مع بعضهما، بل وحتى بدلاً عن بعضهما أحياناً، ذلك أن وضع حد بين هذين الاثنين بمعناه القانوني، أصبح متداولاً أخيراً. 

منشأ حكم الإعسار

إن الإعسار بمعناه الواسع هو من الأٔحكام التأسيسية في الإسلام، و حكمه مستقىً من الآية 280 من سورة البقرة التي ينبغي بموجبها إمهال المعسر وإنظاره لأداء ديونه حتى خروجه من حالة العسر. 
ويختلف المفسرون والفقهاء في نوع الدين الذي يشمله حكم هذه الآية؛ وتستخلص من دراسة مجموع آرائهم 3 أقوال: 1. يعتقد أغلب الفقهاء مستندين إلى إطلاق الآية أن هذا الحكم يشمل مطلق الدين، ويشمل الربا وغيره أيضاً؛ 2. يعتقد البعض أن الآية تشتمل على حالة الربا فقط؛ فعلى الرغم من إقرارهم بإطلاق الآية، لكنهم و مع الأخذ بنظر الاعتبار سياق الآيات الخاصة بتحريم الربا، يرون أن آية الإنظار نافذة بحق دين الربا فقط. وبحسب هذا الرأي، فإن الآية ألزمت الدائن بأن يمنح مهلة للمدين المعسر لاسترجاع أصل المال منه؛ 3. بينما رأى فريق آخر من فقهاء ومفسري أهل السنة بجمعهم بين هذين الرأيين أن الربا بشكل خاص هـو المقصود في هذه الآية، لكن بقية الديـون ــ من باب القياس بالربا ــ محكومة بحكم آية الإنظار (ابن العربي، 1 / 325؛ فخر الدين، 7 / 110؛ القرطبي، 3 / 371؛ أيضاً قا: المقدس الأردبيلي، 449).
ويختلف الفقهاء في حد الإعسار بماذا يتحقق: فسر بعض المتقدمين الإعسار بعدم امتلاك المال وكساد المتاع (الطبرسي، 2 / 675)، ورأى البعض حد الإعسار في أن لايكون لدى الشخص ما يزيد على قوته اليومي وقوت عياله. و قد استثني من ذلك الملابس الفاخرة والخادم والبيت الخاص إذا كان مما يليق بالشخص (المقدس الأردبيلي، ن.ص). ويرى الشهيد الثاني الإعسار في عدم امتلاك القوت اليومي و ما يكسو الجسم وأمثال ذلك (4 / 40). ورأى بعض علماء الشافعية حد الإعسار فيما لايزيد على صاع من الطعام ولباس واحد وخادم ومسكن (الغزالي، 1 / 99؛ الشربيني، 1 / 403). ويرى الحنفية أن المعسر، أو بعبارة أخرى الفقير هو من لايبلغ معدل ماله نصاب الزكاة (القدوري، 1 / 158؛ أيضاً ظ: ابن حزم، 6 / 199).

ثبوت الإعسار

لم تتفق المذاهب الإسلامية بشكل كامل في كيفية ثبوت الإعسار. ويرجع ظهور هذا الخلاف إلى كيفية تقسيم الديون من حيث منشأ الإيجاد. ويلاحظ أوسع تقسيم بهذا الشأن في الفقه الحنفي. فمن وجهة نظر هذا المذهب يقسم الدين من حيث منشأ وجوده إلى 3 أنواع: 1. الدين الذي هو بإزاء عوض معاملي مثل الدين الناشئ عن البيع والقرض؛ 2. الدين الناجم عن التزام، مثل الكفالة، أو المهر؛ 3. الدين الذي يُلقى على عاتق المدين قسراً مثل الدين الناجم عن الإتلاف، أو الدية. 
و من وجهة نظر المذهب الحنفي، فإن إعسار الدين الناجم عن القسمين الأول والثاني من التقسيم المذكور يثبت عن الطرق التالية: 1. إقامة البينة، أو شهادة عدلين، و استناداً إلى هذا المبدأ يستطيع مدعي الإعسار بعد أن أمضى مدة في الحبس إثبات إعساره بشهادة الشهود (الجصاص، 1 / 563-564)، لكن قلما حدث اختلاف بشأن عدم قبول بينة من مدعي الإعسار قبل حبسه؛ 2. يمين المدين، إذا ما عجز مدعي الإعسار عن إقامة البينة، يمكن أن يكلِّف الدائنَ بأداء اليمين بأنه غير عالم بإعسار المدين. و في حالة امتناع الدائن عن أداء اليمين، يُكلَّف مدعي الإعسار بأداء اليمين. و في حالة أدائه اليمين يكون معسراً ويُقبل ادعاؤه. و في هذه الحالة لايكون يمين المدين منوطاً بحبسه؛ 3. علم القاضي، إذا علم القاضي بإعسار المدين بعد حبسه، أمر بإطلاق سراحه. 
ففي القسم الثالث من تقسيم الديون في المذهب الحنفي يقبل ادعاء إعسار المدين بمجرد إظهاره، لكن ينبغي له ــ بغية إثبات ادعائه ــ أن يقسم اليمين على إعساره أيضاً. و في هذه الحالة سيطلق سراحه، إلا إذا كان ظاهر حال مدعي الإعسار خلاف ذلك، أو أن يثبت الدائن بإقامته البينة أن ادعاء إعسار المدين خلاف الحقيقة (الطحاوي، 1 / 246-247؛ الجصاص، 1 / 563-566؛ ابن همام، 6 / 376-377؛ الغنيمي، 2 / 73-74). 
و في فقه الإمامية، قسم الدين إلى قسمين، الدين الناجم عن عوض معاملي والآخر الناجم عن عوض غير معاملي: والقسم الأول ضمن نطاق بحث الإفلاس، بينما يشمل القسم الثاني الديون القهرية كالتلف والدية والديون الناجمة عن العهود. و من وجهة نظر فقهاء الإمامية، فإن الدين الذي لايكون منشأه معاملات معوّضة مثل البيع والقرض و لايكون ظاهر الأمر فيه مخالفاً لادّعاء المدين الإعسارَ، يثبت إعساره لمجرد الادعاء مع أداء اليمين. و قد تمسك الإمامية في هذا المورد بأصل العدم، ورأوا أن اليسر بحاجة إلى إثبات ولهذا، فإن إثبات خلاف ذلك سيقع على عاتق الدائن (الطوسي، النهاية، 1 / 308؛ المحقق الحلي، 2 / 95-96؛ الشهيد الثاني، 4 / 39-40؛ صاحب الجواهر، 25 / 354-355، 40 / 167- 168).
وخلافاً للفقه الحنفي، فإن الشهادة على الإعسار في فقه الإمامية لاتُعدّ إثباتاً لأمر عدمي، بل إن الشهادة في هذه الحالة متضمنة لثبوت صفة تدعى الإعسار (الطوسي، الخلاف، 1 / 624). وفيما يتعلق بإلزام المعسر بكسب الدخل، لايوجد اتفاق في وجهات النظر بين الفقهاء الإمامية، وبصورة عامة، توجد 3 آراء: يرى البعض أن المعسر ملزم بكسب الدخل ويرون ذلك واجباً عليه؛ وبإزاء ذلك رأى فريق من الفقهاء أن تكسب المعسر ليس واجباً (ن.م، 1 / 624-625؛ العلامة الحلي، 115؛ الشهيد الثاني، 4 / 40-41). بينما رأى البعض الآخر من الفقهاء ضرورة التمييز، وبحسب هذا الرأي، فإن آية الإنظار جاءت خاصة بالمعسر العاجز عن الكسب والعمل والتحصيل، لكن، إذا كان المعسر يعرف مهنة، فإن الاشتغال وكسب الدخل واجب عليه (صاحب الجواهر، 40 / 166-167).
و في فقه المالكية، وعلى الرغم من أن تقسيم الدين بالشكل الذي قيل يلاحظ لديهم، وأنهم أيضاً ميزوا بين الدين الناجم عن العوض المعاملي والدين الناجم عن العوض غير المعاملي (ظ: ابن فرحون، 271-272؛ ابن رشد، 2 / 285)، لكن ما يستند إليه الفقه المالكي في كيفية ثبوت الإعسار يقوم بشكل أكبر على كون مدعي الإعسار مجهول الحال، أو معلوم الحال. ولهذا، فإن الإعسار بشكل مطلق يثبت في الفقه المالكي بهذه الطرق: 1. شهادة عدلين؛ 2. تصديق الدائن بإعسار المدين؛ 3. يمين المدين؛ 4. علم القاضي بإعسار المدين على أساس ظواهر الأمر (الخرشي، 5 / 276، 277؛ الدرديـر، 3 / 370). كما أن الحنابلة ــ شأنهم شـأن المالكية ــ قسموا الدين بحسب المنشأ. و من وجهة نظرهم، فإن ادعاء الإعسار في الدين الناجم عن عوض غير معاملي يُقبل لمجرد الادعاء، إلا أن يكون ظاهر حال مدعي الإعسار مخالفاً لهذا الادعاء، أو أنه كان قد اعترف بقدرته المالية (ظ: ابن قدامة، 4 / 499-500، 547؛ المرداوي، 5 / 279-280؛ ابن مفلح، 4 / 309-310). 
أما في المذهب الشافعي، فالموضوع خلافي، فقد أبدى الشافعية 3 آراء متباينة بشأن ثبوت الإعسار في الدين الناجم عن عوض غير معاملي: رأى البعض أن قول مدعي الإعسار المصحوب بيمينه كافٍ لإثبات ذلك، وهذا هو أصح الأقوال لدى الشافعية. وبإزاء ذلك رأى آخرون أن إثبات الإعسار رهن بتقديم بينة. والقول الثالث ــ وكما هو الحال لدى الحنفية ــ قال بالفصل بين النوعين ورأى أن الدين الناجم عن تعهد المدين مثل الكفالة قابل للثبوت بتقديم بينة على إعسار المدين فحسب وإذا ما كان الدين قد أصبح على عاتق المدين قهراً كالدية، فإن القول المصحوب بيمين المدعي يُعدّ كافياً. ويوجد خلاف في الرأي بين الشافعية في القبول بعلم القاضي في ثبوت الإعسار (الشربيني، 2 / 155؛ الماوردي، 6 / 332؛ أيضاً ظ: الطحاوي، 1 / 247).

المصادر

ابن حزم، علي، المحلّى، تق‍ : أحمد محمد شاكر، بيروت، دار الآفاق الجديدة؛ ابن دريد، محمد، جمهرة اللغة، حيدرآباد الدكن، 1345ه‍ ؛ ابن رشد، محمـد، بداية المجتهد، بيروت، 1406ه‍ / 1986م؛ ابن العربي، محمد، أحكام القرآن، تق‍ : محمد عبد القادر عطاء، بيروت، 1408ه‍ / 1988م؛ ابن فرحون، إبراهيم، درة الغواص، تق‍ : محمد أبو الأجفان وآخرون، بيروت، 1406ه‍ / 1985م؛ ابن قدامة، عبدالله، المغني، بيروت، دار الفكر؛ ابن مفلح، إبراهيم، المبدع في شرح المقنع، بيروت، المكتب الإسلامي؛ ابن منظور، لسان؛ ابن همام، محمد، شرح فتح القدير، بيروت، دار إحياء التراث العربي؛ الجصاص، أحمد، أحكام القرآن، تق‍ : عبد الرحمان محمد، القاهرة، 1347ه‍ ؛ الخرشي، محمد، شرح على مختصر سيدي خليل، بيروت، دار صادر؛ الدردير، أحمد، الشرح الصغير، تق‍ : مصطفى كمال وصفي، القاهرة، 1991م؛ الشربيني، محمد، مغني المحتاج، بيروت، دار الفكر؛ الشهيد الثاني، زين الدين، الروضة البهية، تق‍ : محمد كلانتر، بيروت، 1403ه‍ / 1983م؛ صاحب الجواهر، محمد حسن، جواهر الكلام، بيروت، 1401ه‍ / 1981م؛ الطبرسي، الفضل، مجمع البيان، تق‍ : هـاشم الـرسـولـي المحـلاتي وفضـل الله اليـزدي الطباطبائـي، بيروت، 1408ه‍ / 1988م؛ الطحاوي، أحمد، اختلاف الفقهاء، تق‍ : محمد صغير حسن المعصومي، إسلام آباد، 1391ه‍ ؛ الطوسي، محمد، الخلاف، طهران، 1377ه‍ ؛ م.ن، النهاية، تق‍ ‍‌: محمد تقي دانش‌پژوه، طهران، 1342ش؛ العلامة الحلي، الحسن، تبصرة المتعلمين، تق‍ : أحمد الحسيني وهادي اليوسفي، قم، مجمع الذخائر الإسلامية؛ الغزالي، محمد، الوجيز، بيروت، 1399ه‍ / 1979م؛ الغنيمي، عبد الغني، اللباب في شرح الكتاب، تق‍ : محمد محيي الدين عبد الحميد، القاهرة، 1383ه‍ / 1963م؛ فخر الدين الرازي، التفسير الكبير، القاهرة، المطبعة البهية؛ القدوري، أحمد، «مختصر»، مع اللباب (ظ: هم‍ ، الغنيمي)؛ القرآن الكريم؛ القرطبي، محمد، الجامع لأحكام القرآن، بيروت، دار إحياء التراث العربي؛ الماوردي، علي، الحاوي الكبير، تق‍ : علي محمد معوض وآخرون، بيروت، دار الكتب العلمية؛ المحقق الحلي، جعفر، شرائع الإسلام، تق‍ : عبد الحسين محمد علي، النجـف، 1389ه‍ / 1969م؛ المرداوي، علي، الإنصاف، تق‍ : محمد حامد الفقي، بيروت، 1376ه‍ / 1956م؛ المقدس الأردبيلي، أحمد، زبدة البيان، تق‍ : محمد باقر البهبودي، طهران، المكتبة المرتضوية.

حميد گوينده / ه‍

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: