الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الفلسفة / الاعتباریات /

فهرس الموضوعات

الاعتباریات


تاریخ آخر التحدیث : 1442/10/17 ۱۳:۱۲:۵۹ تاریخ تألیف المقالة

اَلِاعْتِباريّات، مصطلح في الفلسفة وعلم الكلام الإسلامي. وعلى الرغم من أن كلمة الاعتباري لها استخدام واسع النطاق، لكن يبدو أن أحداً، سوى شهاب الدين يحيى السهروردي (من المتقدمين) ومحمد حسين الطباطبائي (من المتأخرين) لم يخصص فصلاً مستقلاً لإيضاح الاعتباريات وتمييزها عن غيرها من المفاهيم. 
يستخدم هذا المصطلح في الفلسفة وعلم الكلام لوصف وتحديد تلك المجموعة من المفاهيم التي، إما أن تكون اعتبارية بذاتها، أو نتاج عمل ذهني ولغوي يقال له اعتبار. وبعبارة أخرى، فإن المفاهيم الاعتبارية هي إما كشف ذهن، أو من صنعه. 
و في المباحثات، يضع ابن سينا الأحكام والأوصاف الفرضية والقابلية والتي لم تبلغ الفعلية للأشياء، في مقابل الأوصاف ولوازمها الذاتية والمتقررة لها، ويعتبرها لواحقها الاعتبارية (ص 131). واستناداً إلى هذا التعريف، فإنه بما أن وجود شيء وكونه ممكناً و معلولاً، محقق ومقرر، فهي أمور غير اعتبارية؛ لكن إذا قلنا: إن الشيء «ألف» هو بشكل إذا وضع إلى جانب الشيء «ب»، فستقع الحادثة «ج»، فإننا نكون قد أشرنا إلى أحد اللواحق الاعتبارية للشيء «ألف». وهذه الحيثيات الفرضية غير متناهية، وكونها غير متناهية ينبئ عن كونها بالقوة، ذلك أن الكثرات غير المتناهية لموجود بالفعل لايمكنها أن تكون مجتمعة في الشيء. فمثلاً فلز الحديد إذا سقط في حامض «ألف»، أنتج ملح «ألف»، وإن سقط في حامض «ب»، أنتج ملح «ب»، وهكذا؛ ولما كانت هذه الفرضيات غير متناهية، فإن اللواحق الاعتبارية للحديد ستكون هي الأخرى لامتناهية. وهذه اللواحق الاعتبارية هي التي تمت متابعتها فيما بعد بشكل أكبر على أيدي الحكيم الإشراقي السهروردي وسميت بـ «الإمكان الاستعدادي» وأصبحت في عداد الاعتبارات العقلية (ظ: «المشارع...»، 320- 328). 
و إن ما كان يلاحظ ويبرز في كلام ابن سينا هو الفرق بين الأوصاف المتقررة وغير المتقررة، أو الأوصاف المحققة والفرضية للشيء؛ و لم‌ يكن الحديث يتطرق إلى زيادة الوجود، أو عدم زيادته، أو إمكان الشيء على الشيء نفسه. و قد قام الحكيم الإشراقي بطرحه عنوان الاعتبارات العقلية ووضعه قاعدة تميز الاعتباريات عن غير الاعتباريات بمنح هذه المسألة اتساعاً وحركة لم يسبق لها مثيل، وقدّم ملازمات للواحق الاعتبارية عند ابن سينا التي لم يتم التطرق إليها في كلامه. و إن المعيار لدى السهروردي لم‌ يكن تقرر، أو عدم تقرر الوصف في الشيء، بل كان يتساءل عن زيادة، أو عدم زيادة وصف الشيء على الشيء، وكان من يوجِّه كلامه إليهم قوماً يعدّون الوجود والإمكان والوحدة أموراً زائدة على الأشياء العينية (ن.م، 343 و ما بعدها). و قد سعى في كتبه التلويحات والمشارع والمطارحات وحكمة الإشراق إلى أن يظهر بأدلة كثيرة أن الأوصاف هي مجموعتان: إحداهما عينية ولها صورة في العقل، كالسواد والبياض والحركة؛ والأخرى وجودها العيني عينُ وجودها الذهني و لاتوجد إلا في الذهن وذهنيتها بمثابة عينية الأوصاف الأخرى؛ مثل الإمكان والجوهرية واللونية والوجود و... («حكمة...»، 64 و ما بعدها، وبشكل خاص 71-72)؛ والاعتباريات هي تلك التي وجودها العيني والذهني واحد. و من بين هذه الأوصاف الاعتبارية، فإن صفة الامتناع هي الأبرز والمحسوسة بشكل أكبر، ذلك أننا حينما نقول «ألف ممتنع»، فواضح أنـه ــ وبحكـم الامتنـاع ــ لا وجود للألف لكي يحمل عليها الامتناع. لذا، فإن الحمل وكذلك المحمول كليهما من الاعتبارات الذهنية والملاحظات العقلية والمعقولات الثانية؛ وهكذا الحال بالنسبة لمقولية ومحمولية جميع المقولات مثل عرضية العرض وكيفية الكيف ولونية اللون (ن.م، 74)، وكذلك جميع الإضافات والنسب مثل الأخوّة والفوقية والتحتية والاختلاف والتشابه وكذلك جميع العدميات مثل السكون (ن.م، 70)، وأيضاً الوحدة والكثرة والعدد والشيئية؛ وعلى هذا القياس حكمه في باب الاتصال الذي ليس زائداً على الكم المتصل، أو الناطقية في الحيوان الناطق ليست زائدة على الحيوانية. وجميعها من جنس الاعتبارات العقلية والمعقولات الثانية، ولايمكن القول إن الحيوانية لها وجود وفصلها (الناطقية) وجود آخر؛ بل كلاهما موجود بوجود واحد («المشارع»، 365-371). 
وأخيراً يقدم شيخ الإشراق قاعدة تتضمن برهاناً على اعتبارية (أي كونها ذهنية وعدم كونها زائدة على الشيء) الأوصاف الاعتبارية، وكذلك تؤدي إلى معرفتها وتميزها عن الغير: «و في الجملة كـون الشيء ــ الذي يقـال عليه أنه «صـورة» ــ صـورة ومفهوم الذات والحقيقة والماهية والعرضية كلها أوصاف اعتبارية، وجميع ما يشبهها و كل ما يقتضي وقوعه تكرّر نوعه عليه وكل ما يقتضي وقوع تكرّر شيء واحد عليه مراراً بلانهاية، فإن جميع هذا من الصفات العقلية التي لاصورة لها في الأعيان» (ن.م، 364). فمثلاً إذا كان الإمكان نفسه وصفاً وعرضاً منفصلاً وزائداً على ذات الممكن (وليس أمراً اعتبارياً)، ففي هذه الحالة سيكون لدينا شيئان: أحدهما الشيء الممكن الوجود، والآخر إمكانه. وهنا نتساءل عن هذا الإمكان بوصفه شيئاً مستقلاً، هل هو ممكن، أم لا ؟ فإن لم ‌يكن ممكناً لزم أن يكون محالاً، لأنه، إما أن يكون محالاً، أو واجباً؛ وهذا هو التناقض بعينه؛ و إن كان ممكناً، فنتساءل أيضاً، إن كان هو وإمكانه (الإمكان وإمكان الإمكان) شيئين، أم شيئاً واحداً؟ فإن كانا شيئاً واحداً، فسنسلم بأن الإمكان ليس زائداً على ذات الممكن؛ و إن كانا شيئين، سألنا عن الإمكان الثاني. و إن هذه الأسئلة وتبعاً لها تلك الإمكانات ستسير إلى ما لانهاية. وهذا يوضح أن الإمكان أمر اعتباريّ لأن «الإمكان» نفسه يشمل نوعه مراراً ويُحمل «نوعُه عليه»، أو «هو على نفسه مراراً». و إن هذا هو دليل على الاعتبارية وكذلك برهان على بطلان زيادتها على الذات؛ ذلك أنها تؤدي إلى تسلسل محال. وكذلك الوحدة إذا كانت منفصلة عن الشيء، فعندها، إما تكون الوحدة أيضاً واحدة (حمل الذات على الذات والتسلسل المحال)، أو كثيرة (التناقض المحال). وكذلك العرضية، فإن كانت زائدة على العرض، فستكون مشمولة بالعرضية، وعرضيتها أيضاً مشمولة بعرضية أخرى إلى ما لانهاية. 
و قد استخدم العلامة الحلي في نهج الحق وكشف الصدق، هذا البيان بشأن اعتبارية الحدوث والقدم، و في دحضه لقول الأشاعرة الذين رأوا أن القدم وصف ثبوتي قائم بذات الله وكذلك رأي الكرامية القائل إن الحدوث وصف ثبوتي قائم بذات الحادث، برهن على أن كلا الرأيين باطل، ذلك أن «القدم» إذا كان موجوداً مغايراً لذات القديم، عندها سيكون هو نفسه إما قديماً، أو حادثاً، فإن كان حادثاً وقع في التناقض، و إن كان قديماً وقع في التسلسل، وكلاهما مؤدّ إلى البطلان (ص 71-72). وكذلك هو كلام نصير الدين الطوسي في التجريد، بشأن التشخص (ظ: م.ن، كشف...، 54-55) وكلام التفتازاني في شرح المقاصد، بشأن التعيّن (1 / 438-440) وكلام اللاهيجي في گوهر مراد (1 / 130)، بشأن الفوقية والتحتية والوحدة والكثرة والوجود، الذين رأوا أنها أمور اعتبارية. والقاعدة التي نُقلت عن الحكيم الإشراقي هي نفسها التي صرّح بها في متن «المشارع»، إلا أن عضد الدين الإيجي في المواقف نسب ضابطتين في تمييز الاعتبار إلى صاحب التلويحات [السهروردي]. الأولى هي التي أوردناها ويقررها الإيجي كالتالي: 1. كل ما تكررّ نوعه، أي يتصف أي شخص يفرض منه بمفهومه، فهو اعتباري، كالقدم نفسه الذي يصبح قديماً بالتسلسل؛ 2. كل صفة لايكون تأخرها عن وجود الموصوف واجباً (أي إما أن تكون ممكنة، أو ممتنعة)، هي اعتبارية. وهكذا هو الوجود والحدوث والذاتية والعرضية، ذلك أنه لايمكن أن يكون وجود الماهية متأخراً عن ماهية الموجود (ظ: الجرجاني، 3 / 116-121). 
والاعتباريات بالمعنى المذكور هي نفسها التي تدعى الانتزاعيات وأحياناً المعقولات الثانية، كما صُرح به في كلام نصير الدين الطوسي والسهروردي؛ إلا أن تقسيم المعقولات الثانية إلى فلسفية ومنطقية لايلاحظ في آثار هذين العَلَمين، و لاتوجد في كلامهما صراحة بهذا الشأن على الأقل. و إن هذا التقسيم مرتبط بالمتأخرين. و في كلمات السهروردي وُضعت الجنسية والجزئية [و هما معقولان ثانيان منطقيان] إلى جانب الإمكان والحدوث والأخوة والسكون والحركة [و هي من المعقولات الثانية الفلسفية] وعدّت جميعها بشكل متساوٍ من الاعتبارات العقلية، و لم يفصل بينها. وعلى هذا المنوال، فإن مصطلح «العروض الذهني والاتصاف الخارجي» الذي يُعدّ لدى المتأخرين العلامة البارزة للمعقولات الثانية الفلسفية، ليس له معنىً سوى أن الاعتبارات العقلية كالحدوث والإمكان والاختلاف والتشابه هي خارج أعيانها الموصوفة، فإذا لوحظ فيها تمايز وزيادة واستقلال مقارنة بموصوفها، ففي الذهن فحسب. 
و إن كون الاعتباريات ذهنية كان يدعو المعارضين دائماً إلى الاعتراض بأنه إذا لم‌يكن هناك وجود لمدرِك وذهن، فلن يكون هناك أيضاً اعتباريات مثل الإمكان والوجوب والوجود والحدوث والوحدة، أو أنه يمكن نسبة أي وصف اعتباري إلى أي موصوف تبعاً لرغبة الذهن. والاعتراض الأول الذي يصدق قطعاً في المعقولات الثانية المنطقية، أصاب بالاضطراب كلام السهروردي الذي لم يبلغ الفصل بين هذين الاعتبارين العقليين (المنطقي والفلسفي). و قد دافع عن وجهة نظره بالشكل التالي: إذا علمت أن أشياء مثل الإمكان واللونية والجوهرية محمولات عقلية، فلا تكون أجزاء للماهيات العينية وليس إذا كان الشيء محمولاً ذهنياً كالجنسية المحمولة على الشيء مثلاً، كان لنا أن نلحقه في العقل بأية ماهية اتفقت ونصدق، بل إنما المحمول يلحق بالموضوع المناسب له. وكذا الوجود وساير الاعتبارات («حكمة»، 72).
و هو لايخبرنا كيف يُحدّد ذلك الموصوف المناسب. وربما أمكن تفسير كلامه على النحو التالي: إن الموصوف المناسب هو الذي يكون منشأ انتزاع الوصف الاعتباري. لكن التفسير هذا، على ما يبدو يتنافى وكلامه القائل «فالكون في الذهن لها في مرتبة كون غيرها في الأعيان، و إذا كان للشيء وجود في خارج الذهن، فينبغي أن يكون ما في الذهن منه يطابقه. و أما الذي في الذهن فحسب، فليس له في خارج الذهن وجود حتى يطابقه الذهنيّ» (ن.م، 71). ورغم كل هذا، ربما أمكن القول إنه يقصد وجوداً ذهنياً مستقلاً ووجوداً عينياً غير مستقل للاعتباريات. وعلى أية حال، فإن كلامه لايخلو من الاضطراب. 
والخلاصة، وبهذا المعنى فحسب اعتبر شيخ الإشراق الوجود إلى جانب الإمكان والحدوث وأمثالهما معقولاً ثانٍ وأمراً اعتبارياً ورأى أن موطنه الذهن و عدّ الأعيان الخارجية صالحة لحمل الوجود عليها . لكن ما هي الأعيان الخارجية؟ هل هي من جنس الوجود، أم من جنس الماهية، مصاديق للوجود، أم مصاديق للماهية؟ إن ذلك لم يجد له انعكاساً في كلمات السهروردي تصوراً وتصديقاً، وكان الموضوع الذي حظي فيما بعد بالاهتمام والتدقيق من قِبل محمد باقر الإسترابادي، المعروف بالمير الداماد، وبشكل خاص من قبل صدر الدين الشيرازي، و من هنا أصبح بحث اعتبارية الوجود، أو أصالته (وعلى قياس ذلك اعتبارية الماهية، أو أصالتها) محور البحوث الميتافيزيقية للفلاسفة المسلمين، ووجدت الاعتبارية معنىً جديداً. 
والاعتباري هنا يقع في مقابل الأصيل، والأصيل يعني العيني ومنشأ الآثار؛ والاعتباري في مقابله يعني غير منشأ الآثار. بعبارة أخرى، هنا ادعى القائلون بأصالة الوجود معنىً جديداً للوجود فضلاً عن المعاني المصدرية (الكون) والمحمولية (الكوكب موجود، الله موجود) و الرابط (الورقة خضراء)، و هو ما لم يؤمن به القائلون بأصالة الماهية، وكان عبارة عن عينية الوجود بالمعنى الذي كانت تعدّ به الماهية عينية بحسب رأي المعارضين. 
و لم‌ تكن اعتبارية الوجود بمعنى كونها معقولاً ثانٍ تتنافى مع عينيتها في المعنى الآخر، إلا أن حصر الوجود في المعنى الأول، يؤدي إلى اعتبارية الوجود في المعنى الثاني. وبعبارة أخرى، فإن القائلين بأصالة الوجود، وضمن قبولهم بقاعدة «التكرر» بشأن الحدوث والإمكان و...، أخرجوا الوجود من شمول هذه القاعدة ورأوا أن الموجود ليس وصفاً، بل عين الموصوف، وعدّوا ذلك التكرر في الوجود تكرراً وهمياً وليس واقعياً ينقطع بقطع الاعتبار؛ ورأوا أن موجودية الوجود هي بذاته وليست بوجود آخر؛ لذا فلا يلزم التسلسل (صدر الدين، 1 / 172-174). 
و من بعد صدر الدين الشيرازي ازداد القائلون بأصالة الوجود واعتبارية الماهية، و لم يختر أصالة الماهية سوى بضعة حكماء بارزين مثل الملا رجب علي التبريزي وأبي الحسن جلوه والحائري المازندراني (العلامة السمناني) (ظ: ن.د، أصالة الوجود). 
وإذا تجاوزنا الاعتباريات النظرية، أو النفس أمرية، وصلنا إلى الاعتباريات العملية (القانونية، الأخلاقية، الفقهية). وهنا يتم الحديث عن المنزلة المعرفية لمفاهيم مثل الحسن والقبيح والمباح وغير المباح والواجب وغير الواجب، والحق والتكليف والوجوب والحرمة وأمثالها، أو مؤسسات مثل المالكية، الرئاسة، الزوجية وأمثالها، و السؤال هو ترى هل أن الناس اكتشفوها، أم اخترعوها؟ و في الحالة الثانية تسمى اعتبارية، على الرغم من أن استخدام هذا المصطلح بشأنها ليس له تاريخ طويل. 
و إن البحث في قدرة البارئ، والجبر والاختيار، والجبر والتفويض، وسبب خلق الشيطان، وتحليل مسألة الشرور، أحدث شرخاً عميقاً بين مسلمي القرون الأولى ووضعهما في مجموعتين كبيرتين هما: أهل السنة (الأشاعرة) وأهل العقل والعدل (المعتزلة). و قد وصل الأشاعرة إلى نتيجة أن أخلاق البارئ أخلاق مختلفة ولايمكن إلزامه باتّباع القيم والأخلاق الإنسانية. و قد أدى هذا الأمر الذي هو بحد ذاته أمر قيِّم، إلى أن يعدّ الأشاعرة الأخلاق بشكل كامل فاقدة للأصالة والمضمون، ويحولوها إلى حالات معنوية وشؤون اجتماعية وينكروا ذاتية (أي واقعية وعينية وعدم نسبية) الحسن والقبح، ويروا أن حسن الأعمال وقبيحها ناجم عن اعتبارها حسنة وقبيحة من قِبل الشارع وأمره ونهيه، ويروا أن الأفعال الاختيارية والموضوعات الأخلاقية فاقدة للحكم قبل حكم الشارع، ويضعوا الموافقة، أو المخالفة لحكم الشارع محل الحسن والقبح الأخلاقي والعقلي؛ وبهذا الدليل يرون الأفعال الإلٰهية فوق الأخلاق وغير قابلة للتحسين والتقبيح البشري. 
إن من أهم أدلة الأشاعرة على نفي ذاتية الحسن والقبح، هو كونهما نسبيين. و هم يقولون إن الفعل الذي يعدّه قوم قبيحاً، لايراه قوم آخرون قبيحاً، وكذلك العمل الذي يعد حسناً في ظروف معينة، يُعَدّ في ظروف أخرى قبيحاً (مثل تناول الطعام بإذن المالك، أو من غير إذنه، حيث هو في الحالة الأولى حسن ومقبول، بينما في الثانية قبيح وغير مقبول؛ أو قتل الحيوانات الذي يكون قبيحاً لدى قوم، ولدى قوم آخرين حسناً؛ بينما لايوجد أي تفاوت في أداء العمل في كلتا الحالتين)؛ غير أن الأمر ليس كذلك في الأمور الواقعية والحقيقية. فإن كانت الأرض كروية، فإنها كروية بالنسبة للجميع؛ و إن كانت زاوية انعكاس الضوء تتغير، فبسبب التغيير في زاوية سطوع الضوء، وليس بسبب رغبة وإذن ورضا وذوق هذا وذاك. بل إنهم كانوا يتحدثون أيضاً عن اجتماع الحسن والقبح في فعل واحد ويعتقدون أن اجتماعاً كهذا ممتنع في الموضوعات الحقيقية (ظ: الجرجاني، 8 / 181-195). 
إن ما يوقع الأشاعرة في الحرج هو مسألة صدق البارئ. فالمعتزلة يسألونهم: مع كل هذا العبء الذي ألقيتموه على عاتق الشرع والشارع، من أين تيقّنتم أن الشارع يصدق؟ فالصدق ليس له حسن ذاتي ليلتزم به الشارع. وإذا كان النبي كاذباً وإذا أيّد الله أيضاً النبي الكذاب، و إذا كان وعد البارئ ووعيده كلاهما كذب (وليس في أي واحد منهما قبح أخلاقي)، ففي هذه الحالة لماذا يجب اتّباع أحكام الشرع؟ (ن.ص). 
و من جهة أخرى، فإن تقسيم العقل إلى نظري وعملي و هو ما كان تراثاً يونانياً، قسم الحكمة أيضاً إلى عملية ونظرية، ورأى الحكماء والمناطقة أن القضايا التي كانت محمولاتها الحسن والقبح والواجب والحرام والمباح وغير المباح، متعلقة بالحكمة العملية وسموها المشهورات والآراء المحمودة وأكدوا على كونها نسبية، ورأوا أن استخدامها بمثابة مقدمات للبرهان أمراً غير مقبول. ويعد نصير الدين الطوسي في أساس الاقتباس حسن العدل وقبح الظلم من المشهورات ويقول: إن هذا الحكم وبحسب مصالح الجمهور، أو بسبب العادات الفاضلة والأخلاق الحميدة الراسخة في النفوس، أو بسبب قوة من قوى النفس الناطقة غير العقلية مثل الرأفة، أو الحمية، أو الحياء، أو غير ذلك، كان مقبولاً لدى الجميع، وصحيحاً لدى العقل العملي إجمالاً؛ ولكن لدى العقل النظري، فإن بعضه كان صادقاً وبعضه كان كاذباً؛ و ما كان صادقاً منه يثبت صدقه بالبرهان... والمثال المشهور للكاذب هو قبح إيذاء الغير لغرض منفعة النفس؛ ذلك أن ذبح الحيوان الذي هو نوع منه غير قبيح بحسب العقل (ص 346-347). 
وواضح أنه في حالة عدم كون الحسن والقبح حقيقيان، ستكون القضايا المشتملة عليهما أيضاً عارية عن الصدق والكذب، بل يمكن الحديث فقط عن مقبوليتها، أو عدم مقبوليتها لدى العقلاء، أو مدى انطباقها، أو عدم انطباقها مع الشرع. وعلى هذا، يمكن أن يعدّ نصير الدين الطوسي الذي اعتقد بعقلية الحسن والقبح، وابن سينا الذي أورد في الإشارات كلاماً عن صدق بعض المشهورات (1 / 220) كليهما بنفس القدر من القائلين بحقيقية وذاتية الحسن والقبح وعدم اعتباريتهما. 
و إن الآراء المحمودة، أو المشهورة هي تلك التي خضعت لبحث فلاسفة الأخلاق فيما بعد باسم الاعتباريات. و إن نزاعات فلاسفة التحليل المنطقي الجدد بشأن عينية، أو اعتبارية الحسن والقبح أيضاً نشأت من هنا. و هذا ما جعل مفهوم الحسن المفهوم المحوري لبحوث فلسفة التحليل المنطقي للأخلاق، بحيث يمكن اليوم تنظيم مجموعة كبيرة من البحوث الفلسفية الجديدة في باب الأخلاق حول محوري «الحسن» و «ما ينبغي». 
كما لاينبغي تجاهل دور علماء أصول الفقه في توسيع وتنقيح الاعتباريات القانونية. و إن فن هؤلاء العلماء الذي هو مزيج من علم اللغة وعلم الأخلاق ومنطق القضايا القانونية يجرهم بشكل منطقي إلى البحث في وضع الألفاظ، والحسن والقبح الأخلاقيين والتكليف والحق، والأمر والنهي الشرعيين، وكذلك إلى مفاهيم خاصة مثل المالكية والرئاسة وغيرها مما يدل على المؤسسات القانونية؛ وهذه المفاهيم هي التي تضع الاعتباريات في صلب ملاحظاتهم ونقاشاتهم. 
وليس وضع الألفاظ و هو أمر متفق عليه واعتباري هو الذي يفسح المجال في علم الأصول أمام الاعتباريات، بل إن البحث في وضع أسس قانونية ومقتضياتها (مثل علاقة البيع بالمالكية، أو النكاح بالزوجية) وكذلك علاقة العلّية بين الأحكام الشرعية (مثل الغسل الذي يؤدي إلى الطهارة، أو غليان عصير العنب الذي يسبب النجاسة، أو الرضاع المؤدي إلى فسخ الزوجية) وكذلك البحث في المعنى القانوني الدقيق للشرطية والمانعية والجزئية والعلّية وأمثالها ووحدة، أو عدم وحدة معانيها القانونية والفلسفية، كلّه يجر الأصوليين إلى اللجّة العميقة للبحث في الاعتباريات. فالغزالي في المستصفى مثلاً يطرح هذه المسألة: هل أن تعليل حكم شرعي واحد بعلتين جائز؟ و يجيب أن رأيه إيجابي خلافاً لرأي المعارضين، «لأن العلة الشرعية علامة، و لايمتنع نصب علامتين على شيء واحد و إنما يمتنع هذا في العلل العقلية، ودليل جوازه وقوعه؛ فإن من لمس ومسّ وبال في وقت واحد ينتقض وضوؤه، ولايحال على واحد من هذه الأسباب» (2 / 187). 
إن بحوثاً كهذه بين الأصوليين المتأخرين تجد لها مصداقاً جديداً و هو الرابطة العلّية بين الواجب ومقدمة الواجب (مثل علاقة الوضوء بالصلاة)، فهم خلال ذلك يواجهون واجبات كأن مقدماتها تأتي بعدها (شرط متأخر)، مثل وجوب الاحتفاظ بالماء قبل دخول وقت الصلاة (لمن يعرف أنه لن يجد ماءً بعد ذلك)، أو وجوب معرفة اتجاه القبلة قبل الذهاب إلى المدن البعيدة (بحسب رأي الشهيد الثاني). ففي حالات كهذه يبدو أن الشرط يأتي بعد المشروط والعلة بعد المعلول. لأن الصلاة إنما تجب حين يأتي وقتها، وبعد وجوبها يصبح الوضوء واجباً، أي أن الوجوب يسقط من ذي المقدمة على المقدمة وليس العكس. بينما في الأحكام المذكورة، فالترتيب أصبح عكس ذلك، ويستلزم ذلك، محالات عقلية (تقدم المشروط على الشرط وتقدم المعلول على العلة). وبغية التخلص من هذا الإشكال بذل الأصوليون جهوداً مضنية ورد الحديث عنها في كتب علم الأصول (مثلاً ظ: آخوند الخراساني، 92-94؛ الخوئي، 1 / 143و ما بعدها). ورأي محمد حسين الطباطبائي هنا جدير بالذكر، حيث يصف في حواشيه على كفاية الأصول جميع تلك الجهود بالتعسفات، ويرى أنها ناجمة عن خلط الاعتبار بالحقيقة ويضيف: إن ما قام البرهان على محاليّته هو التوقف الموجود على المعدوم في الأمور الحقيقية وليس في الأمور الاعتبارية (ص 107). 
وبعبارة أخرى، فوجود الشرط المتأخر وتقدم المشروط على الشرط غير ممكن في الوجودات الحقيقية وليس في الأحكام والأمور الفرضية والاعتبارية؛ و كل ما يُدعى في الحقوق والفقه علة وشرطاً وجزءاً وأمثال ذلك هو علة وشرط وجزء اعتباري وليس حقيقياً؛ و له معنىً وهوية في ظرف الاعتبار فحسب وليس خارجه؛ و لهذا، فإن أحكام وأوصاف الوجودات الحقيقية لاتترتب عليها، كما لايستلزم تقدمها وتأخرهـا أيّ محال عقلي وفلسفي (ظ: مطهري، مقدمة...، 2 / 135، «جاودانگي...»، 246؛ مصباح يزدي، 22-30). 

المصادر

آخوند الخراساني، محمد كاظم، كفاية الأصول، قم، 1409ه‍ ؛ ابن سينا، الإشارات والتنبيهات، مطبعة حيدري، 1377ه‍ ؛ م.ن، المباحثات، تق‍ : محسن بيدار‌فر، قم، 1371ش؛ التفتازاني، مسعود، شرح المقاصد، تق‍ : عبد الرحمان عميرة، بيروت، 1982م؛ الجرجاني، علي، شرح المواقف، تق‍ : بدر الدين النعساني، القاهرة، 1325ه‍ / 1907م؛ الخوئي، أبو القاسم، أجود التقريرات، قم، 1367ه‍ ؛ السهروردي، يحيى، «حكمة الإشراق»، مجموعۀ مصنفات، تق‍ : هنري كوربن، طهران، 1372ش، ج2؛ م.ن، «المشارع والمطارحات»، ن.م، ج1؛ صدرالدين الشيرازي، محمد، الأسفار، قم، 1378ه‍ ؛ الطباطبائي، محمد حسين، حاشية الكفاية، بنياد علمي وفرهنگي وفكري علامة طباطبائي؛ العلامة الحلي، الحسن، كشف المراد في شرح تجريد الاعتقـاد، صيدا، 1353ه‍ ؛ م.ن، نهج الحق وكشف الصـدق، تق‍ : عين الله الحسني الأرموي، قم، دار الهجرة؛ الغزالي، محمد، المستصفى، بيروت، 1995م؛ اللاهيجي، عبد الرزاق، گوهر مراد، طهران، إسلامية؛ مصباح يزدي، محمد تقي، تعليقة على نهاية الحكمة، قم، 1405ه‍ ؛ مطهري، مرتضى، «جاودانگي و أخلاق»، ياد نامۀ أستاد شهيد مرتضى مطهري، تق‍ : عبد الكريم سروش، طهران، 1363ش، ج1؛ م.ن، مقدمة وتعليقات على أصول فلسفه وروش رئاليسم لمحمد حسين الطباطبائي، قم، دار العلـم؛ نصير الدين الطوسي، أساس الاقتبـاس، تق‍ :‍ مدرس رضـوي، طهران، 1361ش.            

عبد الكريم سروش / ه‍

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: