الصفحة الرئیسیة / المقالات / اعادة المعدوم /

فهرس الموضوعات

اعادة المعدوم


تاریخ آخر التحدیث : 1442/10/13 ۱۳:۱۵:۲۰ تاریخ تألیف المقالة

إعادَةُ الْمَعْدوم، مصطلح فلسفي وكلامي مصدره الاعتقاد بالمعاد والحشر الجسماني. وبحسب هذه العقيدة، فإن أجسام الناس الفانية يجب أن تُعاد في عالم الآخرة لترى جزاء أعمالها الحسنة والسيئة في قوالبها الجسمانية. و إن ما كان موضع البحث بهذا الشأن هو إيجاد شيء قد عُدِم في وقت ما من جديد. فالفلاسفـة ــ وخلافـاً لأغلب المتكلمين ــ نفـوا الإمكانية العقلية لإعـادة المعدوم وبينوا البعث بشكل لايستلزم إعادة المعدوم.
و عَدَّ المتكلمون مستندين إلى آيات من القرآن الكريم (مثلاً يس / 36 / 78-79؛ الروم / 30 / 11) إعادة المعدوم من مظاهر قدرة الله. فالله الذي كان قادراً على النشأة الأولى لشيء ما، فالأولى أن يتمكن بعد إعدامه إياه أن يأتي به بعينه إلى عالم الوجود مرة أخرى (ظ: الأشعري، 8-9؛ البغدادي، 232؛ القاضي عبدالجبار، المجموع...، 2 / 305؛ النوبختي، 71). و من بين المتكلمين، أشير إلى الكرامية وكذلك إلى المتكلم المعتزلي أبي الحسين البصري وآخرين بوصفهم لم يقولوا بإعادة المعدوم، و لايرون زوال الأجسام عدماً، بل كانوا يعدّون المعاد اجتماعاً للأجزاء المبعثرة (فخر الدين، 338؛ الجرجاني، 7 / 289).
و قد قبل الأشاعرة ــ استناداً إلـى النصوص الدينية ــ إعـادة المعدوم مطلقاً؛ وهم يرون أن صفتي «المبدئ» و«المعيد» خاصتان بالذات الإلٰهية ومتلازمتان ببعضهما. فكل شيء خلقه ليس محالاً، فإن إعدامه وإيجاده مرة أخرى ممكن لله تعالى، سواء أكان جوهراً، أو عرضاً. و إن كون جواز إعادة المعدوم مطلقاً لدى الأشاعرة يعود إلى رؤيتهم بأنه عند إعادة ما كان موجوداً يوماً يتم إنجاز نفس العمل الذي تم في النشأة الأولى من العدم، أي أن إعادة المعدوم لاتستلزم أن يكون هناك فارق بين العدم الذي سبق النشأة الأولى والعدم الذي يعقب ذلك، وعلى هذا، فإن القدرة التي كانت موجودة في النشأة الأولى يمكنها أن تكون موجودة في النشأة الثانية. ولذا، فإن الأشاعرة لايرون انطباق مفهوم الإعادة ــ خلافاً لرأي المعتزلة ــ رهناً بالخصائص الذاتية مثل القابلية للبقاء (ابن فورك، 54-55، 240، 243؛ البغدادي، 233، 234؛ الآمدي، 300-301؛ الجويني، 371). و من جهة أخرى، فإن فعل إعادة الشيء في رأيهم ليس سوى المُعاد، كما أن النشأة الابتدائية هي عبارة عن الشيء المخلوق. وعلى هذا، فوصف الإعادة للشيء الذي كان معدوماً لايعدّ معنىً، أو عرضاً مضافاً إلى نفس وجوده (ابن فورك، 242؛ الجويني، البغدادي، ن.صص). و إن من كان لايتقبل هذا الرأي ــ كالقلانسي مـن بين الأشاعرة ــ كان مضطراً لأن يعدّ إعادة الأعراض أمراً غير ممكن، لأن العرض لايمكنه أن يتقبل عرضاً آخر (الجويني، الآمدي، ن.صص). 
واستناداً إلى مبادئ المعتزلة ــ برغـم آرائهم المتباينـة ــ فإن كل موجود إذا تمتع بـ 3 خصائص، فإن إعادته بعد العدم أمر ممكن: الأولى أن يكون باقياً، ذلك أن ما لاتنطبق عليه صفة البقاء يختص وجوده ذاتياً بزمن واحد، مثل أعراض كالصورة والحركة؛ الثانية أن يكون من أفعال الله، ذلك أن أفعال العباد في حدوثها مقيدة بزمان، و إن إعادتها تعني تأخير خلقها عن زمنها الخاص، بيد أن القدرة على الفعل محدودة بوقت وجنس وموضع واحد. والثالثة أن يكون خلقه على نحو الابتداء و من غير واسطة، أي أن إعـادة الأمور التي وجودها ناجم عـن مخلوقـات أخرى ــ والتي تدعى في المصطلح «متولدة» ــ ليس ممكناً. و مما استدل به المعتزلة هو أن وجود الأمر المتولد مرتبط بسببه الوجودي، كما أن إعادته رهن بإعادة ذلك السبب، بينما سبب كهذا غير قابل للإعـادة، ذلك أن السبب أيضاً ــ شأنه شـأن القـدرة ــ محـدود بزمان ومكان واحد، وعلى هذا، فإذا كان بذاته قابلاً للإعادة، فإنه في الأحوال المختلفة ينتج مسببات مختلفة (القاضي عبد الجبار، المجموع، 2 / 305-307، المغني، 11 / 459-464، أيضاً 9 / 119-123؛ قا: الشريف المرتضى، 151). ويرى المعتزلة أن الجوهر وبعض الأعراض تمتلك هذه الخصائص الثلاث، ولهذا يعدّون إعادة جوهر الأجسام وبعض أعراضها أمراً ممكناً (القاضي عبدالجبار، المجموع، 2 / 305، 308، المغني، 11 / 451).
وإعادة المعدوم بالقيود التي حددها لها المعتزلة لاتضمن من وجهة نظر الأشاعرة ما يتطلبه حشر الإنسان. فالمعتزلة باعتقادهم بالشيئية، أو الثبوت بوصفه حالة بين الوجود والعدم المحض (ظ: ن.د، الأحوال، أيضاً الثبوت) كانوا يفكرون بمسألة إعادة المعدوم. لهذا كانوا يعتقدون أن ما يتمتع بإمكانية البقاء، أي الذي لايخص وقتاً محدوداً، لايفقد هذه الخصيصة الذاتية بانعدامه، بينما التباين بين الجوهر والعرض والباقي وغير الباقي في حالة العدم لم‌يكن له اعتبار لدى الأشاعرة، فضلاً عن أن الأشاعرة بأسرهم كانوا يرون الأعراض غير ثابتة بذاتها. وعلى هذا، ففي رأيهم، فإن من مستلزمات الاعتقاد بإعادة خلق شخص الإنسان الذي هويته قائمة بمجموعة جواهر وأعراض، كانت القبول بإعادة المعدوم بشكل مطلق (ظ: القاضي عبد الجبار، ن.م، 11 / 452-453؛ الجويني، 372-373). 
و قد أورد الغزالي الذي يُعدّ من المتكلمين الأشاعرة في كتابه الاقتصاد في الاعتقاد المعاد الجسماني في عداد المسائل التي يشهد بها الشرع، إلا أن العقل عاجز من إثباتها ويتم تصديق إمكانية حدوثها صرفاً (ص 132-134)؛ وقال إنه لايمكن الحكم فيما إذا كان الله يعدم جميع الجواهر والأعراض، أو تعدم الأعراض دون الجواهر، لأن كلتا الحالتين ممكنة و لايوجد دليل شرعي قاطع. و هكذا، يمكن أن نتصور أن تزال الأعراض المختلفة للإنسان مثل الحياة واللون والتركيب والهيئة ويبقى جسمه بصورة تراب. و في هذه الحالة، ستكون إعادة الإنسان بمعنى إعادة خلق تلك الأعراض بعينها، أو أمثالها في الجسم. ويقول الغزالي إن إعادة عين الأعراض لاضرورة لها من أجل إعادة هوية الأشخاص. وعلى هذا، فامتناع إعادة الأعراض الذي كان بعض الأشاعرة أيضاً يقولون به لا يستلزم نفي أصل الإعادة (ن.م، 134؛ أيضاً ظ: ابن ميمون، 611). 
و قد خصص الغزالي فصلاً من تهافت الفلاسفة لدحض رأي الفلاسفة في إعادة المعدوم و في المعاد الجسماني، و إن ما ينسبه إلى الفلاسفة هو إنكار الحشر الجسماني وتأويل الثواب والعقاب الأخرويين باللذة والألم الروحانيين (ص 268-273)، حيث يقول يفترض الفلاسفة عند الاستدلال أن عودة الروح إلى الجسد تتم بثلاثة أشكال ويعدّون الثلاثة مستحيلة: 1. كما يعتقد كثير من المتكلمين، فإن الإنسان عبارة عن البدن، وحياته عرض قائم بالبدن. وبحسب هذا المعتقد، فإن النفس كجوهر قائم بذاته لا وجود لها، و إن الموت ليس إلا انعدام عرض الحياة وزوال البدن. وعلى هذا، فإن إعادة الإنسان هي خلق البدن مرة أخرى (الذي رأى بعض هؤلاء المتكلمين أنه اجتماع أجزاء البدن المتناثرة) وبعث الحياة فيه (ورأي الغزالي وبقية الأشاعرة هو على هذا النحو) (ظ: الاقتصاد، 134، 135؛ ابن فورك، 257؛ ابن ميمون، 617- 618)؛ 2. تبقى النفس بوصفها جوهراً قائماً بذاته بعد الموت وتعود عند الحشر إلى البدن السابق الذي تكوّن من عين أجزائه؛ 3. أن تعود النفس التي كانت باقية، إلى البدن، سواء أكان هذا البدن قد تشكل من نفس الأجزاء السابقة، أم من أجزاء أخرى. ورأي كهذا قائم على أساس الهوية الشخصية لكل إنسان إنما هي بنفسه، وليس بمادة بدنه (الغزالي، تهافت، 280-285). و هو يقول رداً على اعتراض الفلاسفة على الشق الأخير: إذا تقبل شخص بقاء النفس، فلا مانع من تعلقها ببدن ذي تركيب آخر، ذلك أن التغيير في مادة البدن لايغير من هوية الشخص، كما أن أجزاء بدن الإنسان لاتبقى على حالها هي الأخرى طيلة عمره (ن.م، 285؛ قا: الاقتصاد، 135؛ أيضاً ظ: صدر الدين، الشواهد...، 274-275، الذي رأى أن افتراض الغزالي يؤدي إلى التناسخ، ورَفَضه). وحديث الغزالي عن أن النفس يمكن أن تظهر في قالب بدن مع أجزاء أخرى، إنما هو دفع شبهة قديمة عنوانها الآكل والمأكول. ومضمون الشبهة المذكورة هو أن المواد المتحللة من بدن الإنسان في دورة الطبيعة، ستصبح جزءاً من بدن إنسان آخر، و أن إعادة جمع أجزاء الأبدان المتحللة ليس ممكناً (ظ: ن.د، الآكل والمأكول). 
وبرغم أن الغزالي عدَّ جميع أشكال المعاد الجسماني مرفوضة من وجهة نظر الفلاسفة، لكن أقوال الفلاسفة المسلمين بهذا الشأن لاتدل على إنكارهم المعاد الجسماني؛ مع أنهم ــ ولكونهم يرون إعادة المعدوم أمراً مستحيلاً ــ فقد فسروا المعاد الجسماني بشكل يختلف عما هو عليه لدى المتكلمين. و في تهافت التهافت وضمن دفاعه عن العقائد الدينية للفلاسفة المسلمين يعدّ ابن رشد بقاء النفس لازماً لأصل المعاد (ص 580-585). و هو يؤكد أن المقصود بالإعادة ينبغي أن يكون خلق «مثل» هذه الأجسام وليس «عينها»، ذلك أن المعدوم لايقبل الإعادة عيناً. إذن، فالجسم المُعاد له وحدة نوعية مع الجسم السابق وليس وحدة عددية. و إن عودة النفس إلى جسم آخر لاتنطوي على أمر مستحيل و هو ما يواجههه القول بإعادة عين الأجسام. وعلى هذا، فرأي ابن رشد في المعاد الجسماني قريب من الشكل الثالث الذي نسب الغزالي رفضها إلى الفلاسفة (ابن رشد، ن.م، 586، «الكشف...»، 137-138). 
وإعادة المعدوم غير ممكنة بحسب المبادئ الفلسفية، بحيث عدّ البعض امتناعها أمراً بديهياً، و في رأيهم، فإن الاعتقاد بإعادة المعدوم ناجم عن سوء فهم وعدم امتلاك تصور صحيح عن هذا الموضوع، بينما الذهن ولمجرد امتلاكه تصوراً كهذا يصدّق استحالتها (ابن سينا، «المباحثات»، 178؛ صدر الدين، الأسفار، 1 / 356). و مع كل ذلك، فقد بادر الفلاسفة إلى البحث والاستدلال في هذا الموضوع. وأحد هذه الاستدلالات قائم على مفهوم الزمان. فإذا افترضنا أن شيئاً كان موجوداً في زمن معين، ثم أُعدم، فإن إعادته تعني أن يوجَد مرة أخرى بنفس تلك الخصائص ومنها أن يوجد في نفس البرهة الزمنية، بينما الزمان أمر عابر بذاته وغير قابل للعودة. فإذا افترض أن الزمان الماضي أيضاً قابل للإعادة، فإن إعادة المعدوم أيضاً غير ممكنة، ذلك أن لازمة مفهوم الإعادة هي أن يتميز كل شيء من حيث الزمان عن مُعاده. وعلى هذا، لو ظهر بعد إعدام شيء و في زمن آخر، موجودٌ بنفس الخصائص، فلايمكن لهذا الموجود أن يكون مُعاد الموجود الأول، وينبغي أن لايُعَدّ عين الأوّلي، بل مثله (ابن سينا، ن.ص، الشفاء، 36؛ السهروردي، «المشارع...»، 1 / 215، «حكمة...»، 2 / 238-239؛ صدر الدين، ن.م، 1 / 357-358؛ أيضاً ظ: يحيى بن عدي، 308-309). 
ولما كان المتكلمون يعتقدون بعدم تأثير الظرف الزماني للموجودات في شأن وجودها، لذا لم يكونوا يتقبلوا هذا الاستدلال. وبرغم أنهم كانوا يعتقدون بأن إعادة شيء تستلزم إعادة أعراضه أيضاً، لكن الزمان كان في تصورهم خارج نطاق هذه الأعراض (ظ: الجويني، 372). و مع كل هذا، فإن بحث المعتزلة في نفي إعادة الأعراض الفانية، يتناسب ورؤية الفلاسفة في إعادة الموجودات الزمانية بفارق أن المعتزلة ــ استناداً إلى القول بثبوت المعدوم ــ كانوا يضعون في الاعتبار لذات الجواهر وبعض الأعراض، نوعاً من الترابط في حالة العدم أيضاً. 
و من الأدلة الأخرى التي أوردها الفلاسفة، القول بأنه إذا كانت إعادة المعدوم أمراً ممكناً بمعنى أن شيئاً يمكنه أن يوجد بعين خصوصيات شيء معدوم، ففي هذه الحالة نعدّه متصفاً بهوية الشيء الأول ومُعاده. فإذا عُدّ إيجاد شيء ثانٍ بعين خصائص الشيء الأول أمراً ممكناً، فهكذا ينبغي أن يتمكن شيء ثالث أيضاً أن يوجد بعين خصائص الشيء الأول ابتداء. و في هذه الحالة لايمكن اعتبار الشيء الثالث أيضاً ــ في حالة كون المعاد قد وُجد ــ مُعاداً، بل يجب أن يعدّ «مثل» الشيء الأول. لكن لايمكن لشيئين متشابهين عيناً أن يُعدّ أحدهما مُعاد الشيء الأول، و الثاني مثله. وعلى هذا، فإن إيجاد عين الشيء المعدوم فرض مغلوط (ابن سينا، ن.ص، «المباحثات»، 131-132، 219-220؛ السهروردي، «المشارع»، 1 / 214؛ صدر الدين، ن.م، 1 / 359). والاستدلال الآخر للفلاسفة هو إذا ما أُعيد معدوم بعينه، بمعنى أن يفصل العدم بين الشيء وذاته، وبعبارة أخرى، أن يكون الشيء متقدماً على ذاته زمنياً، وهذا أمر غير ممكن (ن.م، 1 / 356، لبعض البراهين الأخرى، ظ: 1 / 361؛ السبزواري، 48-51؛ عن نقود البراهين، ظ: ابن أبي جمهور، 499-500). 
و قد تناول صدر الدين الشيرازي ــ الذي بيّن بطرحه بحث أصالـة الوجود بعض القضايا الفلسفيـة بشكل جديـد ــ موضـوع إعادة المعدوم أكثر من بقية الفلاسفة. وأكّد أن الفهم الخاطئ لهذا المفهوم ناجم عن سيطرة الرؤى القائلة بأصالة الماهية و أن الوجود عارض على الماهية وعلى التحقق الخارجي للماهية، بينما واستناداً إلى فكرة أصالة الوجود، فإن ماهية الأشياء هي مجرد أمور اعتبارية ومنتزعة من الوجود، و لاتتمتع بمفردها بالواقعية والثبوت. وعلى هذا، فإن ما يميز الموجودات في الواقع عن بعضها ويصبح أساساً لفردية وتميز كل واحد منها، هو وجودها الخاص وليس ماهيتها. وعلى أساس فكرة أصالة الوجود يقول صدر المتألهين إن هوية كل شيء هو وجوده، كما أن العدم ليس له هوية، إلا إزالة الوجود. إذن، فكما أن كل شيء له هوية واحدة فكذلك الوجود وعدمه أيضاً ليس إلا واحداً. وعلى هذا لايمكن تصور وجودين، أو عدمين لذات واحدة بعينها، أو شخص واحد بعينه. فإذن المعدوم لايعاد بعينه، ذلك أن الفرض هو أن تكون الهوية الشخصية للمُعاد هي نفس هوية الشيء المعدوم. وفي هذه الحالة ينبغي أن يُعدّ وجودهما أيضاً واحداً، بينما من مستلزمات مفهوم الإعادة هو وجودان لهوية واحدة (صدر الدين، الأسفار، 1 / 353). 
و قد بحثت مسألة إعادة المعدوم في آثار صدرالدين الشيرازي من جانب آخر أيضاً. لاشيء في عالم الوجود خارج من نطاق علم الله. و إن وجود شيء هو علم الله به. ولهذا السبب، فإن عدمه هو بمعنى الخروج من العلم الإلٰهي، بينما علم الله من حيث إنه معلوم لديه لايمكن أن يتحول إلى غير المعلوم. وعلى هذا، فالشيء الموجود لايكون معدوماً إطلاقاً (تفسير...، 79).
و في إيضاحه لهذا الأمر يستعين بالفكر العرفاني أيضاً: فوجودات الأشياء عبارة عن تجليات الحق وشؤونه الذاتية التي لاسبيل إلى التغيير والتبديل فيها. و إن وجود كل شيء إنما تحقق في مرتبته الخاصة وظرفه الخاص فحسب، في الموضع الذي كان فيه تعيّنه بواسطة المراتب الأعلى، والذي استقت فيه الموجودات بأسرها في مراتبها المختلفة من تجلي الحق في صور أسمائه وصفاته. وعلى هذا، فإن وجودها غير قابل للحذف من ميدان الوجود، ذلك أنها ليس لها شأن وجودي آخر، و لايمكن تصور أن يجد العدم طريقه إليها و ظل في نفس وقت تعينها باقية في التجليات الذاتية للحق ( الأسفار، 1 / 354-355؛ أيضاً ظ: الآملي، 648؛ الآشتياني، 20-24). و قد أكد صدر المتألهين على أننا حين نقول إن المخلوقات ممكنة الوجود وقابلة للعدم، فذلك يعني أن ماهياتها تستطيع ذاتياً أن تكون عرضة لأمور لاتتنافى مع ذات تلك الماهيات مثل الوجود والعدم. وبعبارة أخرى، يمكن للأمور في مفهومها ومعناها أن تقتضي الوجود والعدم، لكن نفس هذه الماهيات في مقام التحقق ولأنها نتيجة لإفاضة الحق و لها أعيان ثابتة في تجلي الأسماء والصفات، فإن عدمها غير ممكن (صدر الدين، ن.م، 1 / 355-356). 
وبحسب رؤية كهذه، فإن موت الإنسان ونهاية هذا العالم لايعني العدم، و إن المعاد لاعلاقة له بإعادة المعدوم. و إن ما يحدث في الموت هو تجزئة وتفسخ الجسم و هو ما يزيل الهيئة التركيبية للجسد. وبحسب تعبير صدر المتألهين، فإن الموت ينبغي أن يعدّ تفريقاً وقطعاً وليس إعداماً ورفعاً. و إن تحولات كهذه تطرأ على أوصاف الجسم وليس على ذاته. فأعراض الجسم وأوصافه هي حصيلة تركيب جواهر لاتزول بذاتها، لكن تلك الأعراض تزول بانهيار التركيب (م.ن، تفسير، 81). ولصدر المتألهين نظرية خاصة في المعاد الجسماني؛ فهو يرى أن إعادة الإنسان في الآخرة تتم بأن يظهر له من تركيب الجواهر الجسمانية التي لم تُعدم بالموت، جسم جديد بخصائص تتناسب وذلك العالم. و هنا، فإن ما يؤدي إلى وحدة الشخصية بين جسم هذا العالم لكل فرد وجسمه الأخروي، هو نفسه الناطقة التي لاتقبل بذاتها الزوال. وهكذا وبرغم أن الهوية الفردية لكل شخص تعرف بالبدن الذي تحشر فيه، فلا ضرورة لأن يُشكل البدن من عين أجزاء البدن السابق (ن.م، 83-84؛ حول شرح آخر له بهذا الصدد، ظ: الآشتياني، 235- 238، 246-251). 

المصادر

الآشتياني، جلال الدين، شرح بر زاد المسافر ملا صدرا، طهران، 1359ش؛ الآمدي، علي، غاية المرام في علم الكلام، تق‍ : حسن محمود عبد اللطيف، القاهرة، 1391ه‍ / 1971م؛ الآملي، حيدر، جامع الأسرار، تق‍ : هنري كوربن وعثمان يحيى، طهران، 1347ش / 1969م؛ ابن أبي جمهور، محمد، المجلي، طهران، 1329ه‍ ؛ ابن رشد، محمد، تهافت التهافت، تق‍ : موريس بويج، بيروت، 1987م؛ م.ن، «الكشف عن مناهج الأدلة»، فلسفة ابن رشد، بيروت، 1398ه‍ / 1978م؛ ابن سينا، الشفاء، الإلٰهيات، تق‍ : جورج قنواتي وسعيد زايد، القاهرة، 1380ه‍ / 1960م؛ م.ن، «المباحثات»، أرسطو عند العرب، تق‍ : عبد الرحمان بدوي، القاهرة، 1947م؛ ابن فورك، محمد، مجرد مقالات الشيخ أبي الحسن الأشعري، تق‍ : د. جيماريه، بيروت، 1987م؛ ابن ميمون، أبو بكر، شرح الإرشاد، تق‍ : أحمد حجازي وأحمد السقا، القاهرة، 1407ه‍ / 1987م؛ الأشعري، علي، اللمع، تق‍ : مكارتي، بيروت، 1952م؛ البغدادي، عبد القاهر، أصول الدين، إستانبول، 1346ه‍ / 1928م؛ الجرجاني، علي، شرح المواقف، القاهـرة، 1325ه‍ / 1907م؛ الجويني، عبدالملك، الإرشـاد، تق‍ : محمد يوسف موسى وعلي عبدالمنعم عبد الحميد، القاهرة، 1369ه‍ / 1950م؛ السبزواري، الملاهادي، شرح منظومة، طهران، 1298ه‍ ؛ السهروردي، يحيى، «حكمة الإشراق»، «المشارع والمطارحات»، مجموعۀ مصنفات، تق‍ : هنري كوربن، طهران، 1355ش؛ الشريف المرتضى، علي، الذخيرة، تق‍ : أحمد الحسيني، قم، 1411ه‍ ؛ صدرالدين الشيـرازي، محمد، الأسفـار، طهـران، 1383ه‍ / 1963م؛ م.ن، تفسيـر سورة السجـدة، تق‍ : محمد خواجوي، قم، 1402ه‍ ؛ م.ن، الشواهد الربوبية، تق‍ : جلال الدين الآشتياني، طهران، 1360ش؛ الغزالي، محمد، الاقتصاد في الاعتقاد، بيروت، 1403ه‍ / 1983م؛ م.ن، تهافت الفلاسفة، تق‍ : سليمان دنيا، القاهرة، 1374ه‍ / 1955م؛ فخر الدين الرازي، محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين، تق‍ : طه عبد الرؤوف سعد، بيروت، 1404ه‍ / 1984م؛ القاضي عبد الجبار، المجموع في المحيط بالتكليف، تق‍ : ي. هوبن، بيروت، 1965-1981م؛ م.ن، المغني، تق‍ : إبراهيم مدكور وآخرون، القاهرة، 1963م؛ القرآن الكريم؛ النوبختي، إبراهيم، الياقوت، تق‍ ‍: علي أكبر ضيائي، قم، 1413ه‍ ؛ يحيى بن عدي، المقالات الفلسفية، تق‍ : سحبان خليفات، عمان، 1988م 

محمد جواد أنواري / م

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: