الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الفقه و علوم القرآن و الحدیث / الاضطرار /

فهرس الموضوعات

الاضطرار


تاریخ آخر التحدیث : 1442/10/13 ۰۹:۱۸:۲۲ تاریخ تألیف المقالة

اَلاِضْطِرار، مصطلح فقهي يعني الحالة التي يلجأ فيها الإنسان نتيجة الضيق أن يختار الأخفَّ من بين ضررين، أو فاسدين. 
والاضطرار لغة هو مصدر باب افتعال من الجذر «ضرر» بمعنى أن يُلجأ الشخص إلى قبول الضرر، و«الضرورة» هي اسم مصدره (الأزهري، أيضاً ابن منظور، مادة ضرر؛ الراغب، 302-303). وتقال الضرورة للحاجة الماسة التي عدم تحققها يمكن أن يؤدي إلى خطر على الحياة، أوخسارة مالية فادحة، و من وجهة نظر الفقهاء هي الحالة التي تجعل ــ ضمن شروط معينة ــ بعض المحرمات مباحة وبعض الممنوعات مسموحاً بها (الضرورات تبيح المحظورات)؛ بعبارة أخرى، هي الأمر الضروري الذي تقوم عليه حياة الإنسان. وبحسب تقسيم ما يمكن بحث الضرورة في خمس حالات: حفظ الدين، حفظ النفس، حفظ العقل، حفظ ماء الوجه وحفظ المال (ظ: خلّاف، 236). 
و تستعيد حالة الاضطرار مفهومها بإزاء مصطلح الاختيار؛ ومن المسلم به أن الاضطرار يتجاوز حدود الرضى العادي و الصحيح، لكنه لايصل حدَّ الإكراه. و في التمييز بين حالات الاضطرار والإكراه ينبغي القول: خلافاً للإكراه الذي له عامل خارجي وليس فيه اختيار، فإن عامل الضغط في الاضطرار خاص تماماً، والإنسان نفسه ــ وإثـر الضيق الذي يُلِمّ بـه ــ يضطر لاتخاذ قرار، وهـذا القرار المتضمن للمصلحة كثيراً ما يكون خلافاً للضوابط الموجودة في الدين، أو العرف، أو العادة (النجفي، 185-186). و مع الأخذ بنظر الاعتبار هذا التباين، فقد نصّت المادة 206 من قانون مدني الإيرانـي على أن الفرد إذا أقـدم على معاملة ما نتيجةَ اضطـرار، لم‌ ‌يُعد مكرَهاً و ستكون المعاملة الاضطرارية مقبولة. 
ولقد بلغ تنوع نماذج الاضطرار حداً يبدو معه أن من المستحيل تقديم تعريف جامع له، و لما كانت مصاديقه أيضاً غير محددة، فإنه لايمكن تعيين قاعدة خاصة له. فنحن نعلم أن الواجبات الدينية إذا تأخرت لسبب ما، يمكن أداؤها قضاء بشروط معينة، لكن العمل الاضطراري لايمكن تلافيه، ويجب أن يتمّ في وقته فحسب. 
والاضطرار حالة استثناء في التكاليف الفقهية التي تظهر للشخص المكلَّف في الحياة اليومية بأشكال مختلفة، وبغية أن يتضح واجب المؤمنين أمام الله وكذلك واجبات الناس في الحياة المعتادة، فقد عُينت قواعد لهذه الحالات الاستثنائية؛ كما أن المحاكم ــ و مع أخذها بنظر الاعتبار أوضاع وظروف وقوع الجرم ــ تقدم على إصدار أحكامها وعقوباتها بحق الأفراد. 
وبنظرة شاملة إلى حالات الاضطرار، ينبغي التذكير بأن الاضطرار إنما يتحقق عندما يحدث خطر كبير. وعندها ــ و لأجل دفع ذلك الخطر ــ يفقد الحرام حرمته؛ بل ويصبح واجباً أحياناً (ظ: الطوسي، الخلاف، 2 / 544). وبغية المبادرة إلى دفع الخطر في حالات الاضطرار يمكن أن تؤخذ 6 حالات بنظر الاعتبار: 
1. الأكل: إن التغذية من أهم عوامل استمرار الحياة، و في حالة عدم الحصول على الطعام والوقوع في ظروف اضطرارية، تسقط المسؤولية ويصبح الإنسان مُجازاً في تناول الأطعمة المحرمة ومنها الميتة ولحم الخنزير وغيرها (ظ: البقرة / 2 / 172-173). و إن الملاحظات الطريفة الكامنة في مضامين الآيات الكريمة تبيِّن بذاتها مقدار الاستفادة من الأطعمة المحرمة. فإن «غير باغٍ» و«لاعادٍ» شرطان وضعا للإنسان المضطر (ظ: الطبري، 2 / 51-52؛ الجصاص، 1 / 156-157). كذلك في آية أخرى (ظ: المائدة / 5 / 3) استخدم تعبير «غير متجانف لإثم». ويمكن أن نعدد للشرطين الأولين معانٍ عديدة؛ لكن ونظراً للتعبير الثالث، يمكن استنتاج أن الشرط الأصلي هو أن لايكون الشخص قد هيَّأ بنفسه مقدمات الاضطرار، و أن لاتكون لديه رغبة في ارتكاب الذنب. كذلك ينبغي الانتباه إلى أن الإنسان المضطر مباح له عند تناول المحرمـات أن يكتفي بسد الرمـق و لايتجـاوز حـد الضـرورة (ظ: الطوسي، ن.ص؛ الشهيد الثاني، 290-291؛ قا: القفال، 3 / 413-414؛ الجصاص، 1 / 160).
وفضلاً عن حب الذات الذي هو أمر غريزي ويضطر الإنسان إلى أن يواصل حياته بأي شكل كان، فقد استُنتج في بعض الآثار التفسيرية من الآيتين الكريمتين «... و لاتقتلوا أنفسكم...» (النساء / 4 / 29) و «... و لاتلقوا بأيديكم إلى التهلكة...» (البقرة / 2 / 195) أن واجب الإنسان في حالة الاضطرار أن يسعى إلى درء الخطر عن حياته (مثلاً ظ: الميبدي، 1 / 513، 2 / 475). والانتفاع بما يملكه الآخرون من غير إذن، أو في غياب صاحب المال مباح إلى حد سدّ الرمق، شريطة أن لايكون صاحب المال نفسه مضطراً، كما أنه يجب عليه أن يدفع فيما بعد ثمن ما انتفع به (الكرخي، 60؛ القفال، ن.ص؛ المحقق الحلي، 3 / 230-231). بل إنه كان يوجد في أوساط الفقهاء أحياناً رأي يقول بعدم ضرورة دفع الثمن، ذلك أن بذله من قبل صاحب الشيء واجب، إلا أن يطالب صاحبه بثمنه ويكون دفعه ميسوراً (ظ: الطوسي، ن.ص؛ المحقق الحلي، 3 / 230؛ قا: السيوطي، 178).
2. الشرب: إن حالات الاضطرار إلى الشرب وإباحة تناول المشروبات التي عُدت في الحالات الاعتيادية محرمة، يمكن بحثها في قسمين رئيسين؛ ذلك أن الاضطرار يكون أحياناً من باب عدم الحصول على شراب لإطفاء الظمأ؛ ويكون حيناً من باب أن شراباً خاصاً وصف لعلاج مرض ما. وأبرز مصداق للشراب الحرام، حرمة شرب الخمر (المسكرات) يتضح جلياً في الآية 90 من سورة المائدة (5) (أيضاً ظ: البقرة / 2 / 219)؛ لكن في مواجهة العطش الشديد الذي يخشى معه من الموت، أباح بعض الفقهاء بشكل صريح شرب الخمر كأكل الميتة عند الجوع؛ لكن البعض واستناداً إلى أن شرب الخمر لايطفىٔ الظمأ فحسب، بل إنه يزيد من لهيبه، لم يجيزوا ذلك (ظ: الجصاص، 1 / 159-160؛ ابن العربي، 1 / 83). 
و في حالات الاضطرار ولأجل الاستطباب، أُفتي أحياناً بأن يخلط الخمر مع مواد أخرى ربما ليمكن القول إنه فقدَ حالة كونه مسكراً. وشرط استخدام الخمر للاستطباب هو أن يكون قد وصَفه طبيب مسلم (الزحيلي، 3 / 522-524). و قد أجيز في المصادر الفقهية أحياناً تناول الخمر بغية دفع البرد في الحالات الاستثنائية التي تهدد فيها شدة البرد حياة الإنسان ويكون شرب الخمر دافعاً لهذا الخطر (ظ: سابق، 3 / 296). وبرغم أن الخمر هو محور الحديث في بحث الشرب من بحوث الاضطرار أكثر من غيره، لكن إباحة شرب السوائل المحرمة في حالات الاضطرار لها صفة عامة، وأشير في البحوث الفقهية إلى مصاديق أخرى مثل البول (مثلاً ظ: الطوسي، المبسوط، 6 / 288؛ السيوطي، 367).
3. اللمس والنظر: من الحالات التي تمّ التأكيد عليها في الشريعة الإسلامية المقدسة مراعاة كون الإنسان من المحارم عند اللمس والنظر (ظ: النور / 24 / 30)؛ لكن عند ظهورخطر على الحياة واحتمال وقوع أضرار لايمكن تلافيها أيضاً، تُطرح أحكام الاضطرار. و من الحالات الواضحة البحث الطبي وضرورة الكشف على المرضى؛ ذلك أنه يُستلزم أحياناً أن يفحص الطبيب مريضه من غير المحارم ويرى أجزاء من جسمه، أو يلمسها. وينطبق هذا الأمر لدى العلاج أيضاً، وبشكل خاص عند الحاجة إلى الجراحة. و مع الأخذ بنظر الاعتبار أن بعض الولادات يمكن أن تسبب خطراً على حياة الأم والجنين وتبرز الحاجة إلى جراحة مستعجلة، يتم تجاهل حرمة اللمس والنظر بشكل موقت. وأخيراً تجدر الإشارة إلى حالات مثل خطر الغرق والحريق والزلزلة وأمثال ذلك و قد تعامل معها الفقهاء بنفس الشكل المذكور آنفاً (ظ: الدردير، 4 / 736؛ الزحيلي، 3 / 560-571). 
4. إلقاء النفس في التهلكة: كثيراً ما يعرِّض الأشرار حياة الآخرين للخطر من أجل كسب المال بالطرق المحرمة؛ لذا يجب على الجميع أن يهبّوا لمواجهة هؤلاء في سبيل المحافظة على أنفسهم وأموالهم وأعراضهم. فقتل اللص المسلح وقاطع الطريق لاقصاص عليه ويُعدّ واجباً أيضاً، ذلك أنه بهذا العمل يقتل شخص واحد فقط، بينما في غير ذلك يكون من الممكن أن يُقتل عدد أكبر. وهذا من الحالات الواضحة للاضطرار (الطوسي، الخلاف، 2 / 545؛ الشهيد الثاني، 386؛ صاحب الجواهر، 41 / 582-589؛ أيضاً ظ: موسوعة...، 14 / 62). 
5. الاستيلاء على أموال الآخرين، أو إتلافها: في حالة الضرورة القصوى التي تكون فيها الحياة عرضة للخطر، يمكن الاستفادة من أموال الآخرين، ففي هذه الحالة لايُعدّ ذلك اعتداء و لاسرقة ولن‌تترتب عليه عواقب قانونية وشرعية، شريطة أن يُدفع تعويض عنه فيما بعد، كما أنه ينبغي أن لايكون صاحب المال مضطراً؛ لكن إذا ما أُخذت أموال إنسان محتاج بالقوة من قبل شخص مضطر وأدى هذا الأمر إلى وفاة صاحب المال، تحقق عمل القتل وسيترتب عليه القصاص. ولصدّ خطر داهم على النفس، أو على الآخرين، يمكن القيام بإتلاف مال الغير على أن يكون ذلك بالحدود المتعارف عليها وبشرط ضمان ما يترتب على ذلك من خسائر (بعد دفع الخطر). وكذلك في حالة ظهور خطر الموت لركاب سفينة تُلقى بضائعهم في البحر (القفال، 3 / 414؛ المحقق الحلي، 3 / 230).
6. الكذب وكتمان الحقيقة: مع أن العلاقات الإنسانية والنظام الاجتماعي قائم على الصدق والمصارحة، و من جهة أخرى يُعدّ الكذب من المعاصي، فإنه يظهر أحياناً ظرف يضطر فيه الإنسان إلى الكذب، أو كتمان الحقيقة، لكن لايمكن قبول كل كذب يحقق مصلحة. وأهم حالات كتمان الحقيقة هي ما كان لأجل تجنب قيام الحرب. ولما كان حفظ النفس البشرية واجباً، فحيثما ظهرت حالة تُعَرَّض فيها حياة عدد من الناس للخطر وتكون سبباً لانتصار العدو نتيجة إفشاء سر، أو بيان حقيقة، وجب أن يمتنع الإنسان عن قول ذلك. وبديهي أن هذا الكذب مسموح به ليس في نظر الشرع فحسب، بل إن هذا الإنسان لن يكون مسؤولاً من الناحية القانونية أيضاً. والكذب لإصلاح ذات بين المسلمين أيضاً له حكم مشابه. وكذلك إذا كان إفشاء سر يؤدي إلى حدوث فوضى واضطراب في المجتمع، وجب الامتناع عن الإفصاح عنه. ولدى البحث في المصادر، يمكن العثور على هذا البحث في الحديث عن التقية. 
وكملاحظة عامة، يجدر التذكير بأنه و من أجل حفظ شرف الإنسان وسلامة المجتمع، لايُقبل ارتكاب أي عمل قبيح، وسيكون مرتكبه ــ لأي سبب كان ــ مسؤولاً أمام الشرع والقانون، لكن دفع الضرر في ظروف خاصة باللجوء إلى اقتراف بعض ما نُهي، وجد له أحياناً شكلاً فقهياً. وفضلاً عن الحالات المذكورة، فإن مصاديق مثل دفع الرشوة لرفع الظلم عندما لايكون هناك سبيل آخر؛ ودفع المال للكفار من أجل تحرير أسرى المسلمين؛ ودفع الخراج من أجل أداء الحج الواجب، هي من الحالات التي جرى النقاش بشأنها في المصادر الفقهية (السيوطي، 178). 

المصادر

ابن العربي، محمد، أحكام القرآن، تق‍ : محمد عبد القادر عطا، بيروت، 1408ه‍ ؛ ابن منظور، لسان؛ الأزهري، محمد، تهذيب اللغة؛ الجصاص، أحمد، أحكام القرآن، تق‍ : محمد الصادق قمحاوي، بيروت، 1405ه‍ / 1985م؛ خلّاف، عبد الوهاب، علم أصول الفقه، إستانبول، 1984م؛ الدردير، أحمد، الشرح الصغير، تق‍ : مصطفى كمال وصفي، القاهرة، 1393ه‍ ؛ الراغب الأصفهاني، حسين، مفردات ألفاظ القرآن، تق‍ : نديم مرعشلي، بيروت، دار الكتاب العربي؛ الزحيلي، وهبة، الفقه الإسلامي وأدلته، دمشق، 1409ه‍ / 1989م؛ سابق، سيد، فقه السنة، بيروت، دار الكتاب العربي؛ السيوطي، الأشباه والنظائر، تق‍ : محمد المعتصم بالله البغدادي، بيروت، 1407ه‍ / 1987م؛ الشهيد الثاني، زين الدين، الروضة البهية، القاهرة، 1378ه‍ ؛ صاحب الجواهر، محمد حسن، جواهر الكلام، تق‍ : محمود القوچاني، بيروت، 1981م؛ الطبــري، تفسير؛ الطـوسي، محمـد، الخـلاف، طهـران، 1382ه‍ ؛ م.ن، المبسـوط، تق‍ : محمد باقر البهبودي، طهران، 1387ش؛ قانون مدني؛ القرآن الكريم؛ القفال الشاشي، محمد، حلية العلماء، تق‍ : ياسين أحمد إبراهيم درادكه، عمان، مكتبة الرسالة الحديثة؛ الكرخي، أبوالحسن، «أصول»، قواعد الفقه، تق‍ : محمد عميم الإحسان، كراتشي، 1407ه‍ ؛ المحقق الحلي، جعفر، شرائع الإسلام، تق‍ : عبد الحسين محمد علي، بيروت، 1403ه‍ / 1983م؛ موسوعة الفقه الإسلامي، القاهرة، المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية؛ الميبدي، أحمد، كشف الأسرار، تق‍ : علي أصغر حكمت، طهران، 1357ش؛ النجفي الخوانساري، موسى، منية الطالب، طهران، طبعة حجرية.

قاسم مهر علي زاده / ه‍

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: