الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الفقه و علوم القرآن و الحدیث / أصحاب الرأی /

فهرس الموضوعات

أصحاب الرأی


تاریخ آخر التحدیث : 1442/9/28 ۱۳:۱۶:۲۰ تاریخ تألیف المقالة

أَصْحابُ الرَّأْي، اسم أتباع أحد الاتجاهين الرئيسين في فقه القرون الإسلامية الأولى، كانوا يروّجون لاستخدام أساليب اجتهاد الرأي عند الاستنباط الفقهي. و في تاريخ الفقه كان فقهاء بلاد العراق وبشكل خاص الفقيه الكوفي أبو حنيفة، يعرفون بوصفهم رموز هذا الاتجاه. 
كان مصطلح «أصحاب الرأي» في القرون الأولى يجد معناه الحقيقي دائماً في مواجهة مصطلح «أصحاب الحديث» (ن.ع). وإن التمييز بين هذين الاتجاهين عسير جداً في كثير من الحالات بسبب المفهوم النسبي لهذين المصطلحين. ذلك أنه يستنتج من دراسة الأساليب الفقهية المتداولة في أوساط أصحاب الحديث المتقدمين ومقارنة أساليبهم في الاستدلال بأساليب أصحاب الرأي، أن المذاهب المختلفة لأصحاب الرأي و أصحاب الحديث، شكلت أطياف متنوعة من مجموعة كانت خلافاتها في استخدام الرأي والآثار أمراً نسبياً وحسب. و في الحقيقة، فإن أشد فقهاء أصحاب الحديث تعصباً لم ينكر على الإطلاق الاستخدام المحدود للرأي، كما أن أشد فقهاء أصحاب الرأي تطرفاً لم يسمح لنفسه إطلاقاً معارضة الأحاديث الثابتة و الموثوقة؛ ولهذا، فإن وضع حدود فاصلة بشكل دقيق بين هذين الفريقين سيكون أمراً مستحيلاً. 
و في حالة اعتبار اتجاه أيّ من أصحاب الرأي وأصحاب الحديث، إلى استخدام الرأي، أو الحديث، أساساً لتصنيفهم، ينبغي التسليم بأن أشهر فقهاء أصحاب الحديث مثل مالك و سفيان الثـوري والأوزاعي، سيكـون لهم موضع بيـن هذين الفريقيـن (ظ: ن.د، أصحاب الحديث). و إن الالتفات إلى هذه الميزة هو الذي حدا بابن قتيبة عالم الحديث في القرن 3ه‍ من خلال توسعه في الاستنتاج من أصحاب الرأي، إلى أن يضع هؤلاء الثلاثة إلى جانب أبي حنيفة وابن أبي ليلى ويدعوهم جميعاً بعنوان عام: أصحاب الرأي (ظ: المعارف، 494 و ما بعدها). 

جذور الرأي في القرن 1ه‍

كخلفية تاريخية لمكانة الاتجاه للرأي في الفقه الإسلامي، و في نظرة إلى أول جذور الاختلاف في الآراء الفقهية ينبغي القول إن اختلاف الرؤى الفقهية الذي كانت له أمثلة بين الصحابة في عهد النبي (ص) أيضاً، قد اتسع نطاقه بعد وفاته (ص). و برغم أن أسس بعض هذا الاختلاف في الرأي كان يعود إلى اختلاف الأحاديث التي يرجعون إليها، لكن الاتجاه إلى الرأي في المسائل التي لم ‌يكن قد ورد بشأنها حكمٌ في الكتاب والسنة، أو كان يُتصور أنه لم يرد حكمٌ بشأنها، شكل أرضية مهمة لظهور الاختلاف الفقهي بين الصحابة (مثلاً ظ: أبوداود، سنن،2 / 237- 238؛ الترمذي، 3 / 450؛ ابن قتيبة، تأويل...، 20 و ما بعدها). 
وعلى عهد التابعين أيضاً وبرغم أن نفس هذين العاملين كانا أساساً لكثير من الاختلافات الفقهية، لكن طرح آراء الصحابة بوصفها مرجعاً يستند إليه في عصر التابعين الأوائل وطرح أقوال التابعين الأوائل بوصفها مرجعاً للأجيال المتأخرة من التابعين، زاد من الدور المؤثر للرأي بهذا الشأن. و في تلك الفترة كانت النظريات القائمة على آراء الصحابة والتابعين الأوائل قد استحالت في الحقيقة بعد نقلها إلى الأجيال اللاحقة التي كانت تنظر إليها باحترام كبير وتوليها أهمية أكثر من رأيها هي، من قالب الرأي إلى هيئة أقوال مأثورة، واتخذت في محافل التقليديين وبوصفها «آثاراً» مرتبة تلي مرتبة الحديث النبوي. 
ولدراسة خلفية استخدام الرأي بالمعنى الأخص (لا الرأي المستحيل إلى أثر) في الفقه المبكِّر، ربما كان الأفضل أن نبحث عن هذه الخلفية في الثقافة الدينية لبلاد العراق وبشكل خاص الكوفة في القرن 1ه‍. إننا نعلم أنه في أولى محافل التعليم الديني في الكوفة خلال النصف الأول من القرن 1ه‍ ، كانت تعاليم ثلاثة من أصحاب النبي (ص) و هم الإمام علي (ع) و ابن مسعود بحضوره المباشر، والخليفة عمر عن طريق مروجي سنّته، هي الخطوة الأولى (ظ: ابن سعد، 6 / مخ‍ ؛ أيضاً الخطيب، تاريخ...، 13 / 334)، وخلال فترة الجيل الثاني للتابعين أدى انتقال تعاليم الصحابة المتأخرين ــ وبشكل خاص ابن عباس وعبد الله بن عمـر ــ إلى بيئة الكوفة إلى قدر من التغير في المحافل مقارنة بما كان يلاحظ في عصر التابعين الأوائل. 
و في العقود الأولى من القرن 1ه‍ ، فإن حضور جمع كبير من الصحابة والتابعين الذين كانوا قد اتخذوا من الكوفة قاعدة للجهاد ــ وبشكل عملي بوصفها موطناً ــ حوّل هذه البلاد إلى حاضرة للتعليم و التعلم، لكن هيمنة الأجواء الجهادية على الكوفة و حالة عدم الاهتمام بالمظاهر الدنيوية، كانت تؤدي إلى غلبة تعليم القرآن على الأوساط بشكل أكبر والذي كان سنّة قائمة منذ عهد النبي (ص)، بينما لم ‌يكن في مثل تلڪ الأجواء رغبة لدى أحد فيما كان يُعدّ آنذاك من العلم بدعةً، أو أمراً دنيوياً خالياً من الأجر الأخروي. لهذا لم ‌تكن في الكوفة على عهد التابعين الأوائل و في عامة الأوساط، البحوث النظرية كالفقه والكلام لوحدها محدودة جداً، بل حتى تبادل الحديث، وكان الشغل الشاغل هو تعلم القرآن والاجتهاد في العبادة. 
و في الكلام عن أولى حلقات التعليم الديني في ذلك العصر تجدر الإشارة إلى «القرّاء العبّاد» من الاتجاهين: أصحاب عمر وأصحاب ابن مسعود، الذين كانت حلقة أتباع ابن مسعود تتمتع من بينهما باتجاه معتدل نسبياً. إن هذه الحلقة التي كانت قد وجدت لنفسها بشكل ما سبيلاً للجمع بين العمل للآخرة والتعليم والتعلم والحياة الاعتيادية في هذا العالم (ظ: ابن سعد، 6 / 47، 58، 64)، قد شكّلت النواة الأولى للرأي الفقهي، أو الفقه الدرايي بحسب التعبير المعاصر. و في الحقيقة، فإن اشتهار العراقيين باستخدام الرأي يعود إلى هذا العصر. وتظهر الروايات المتناثرة هنا وهناك كيف اتخذ الفقهاء العراقيون مواقف معينة في بعض مسائل الفقه الاجتهادية (مثلاً ظ: الصنعاني، 2 / 225؛ مالك، 19)، و كيف كان الباقون من الصحابة في الحجاز ينبرون لنقد «الفتيا العراقية» (ظ: الصنعاني، 1 / 575).
كان أنصار العمل بالرأي من تابعي الكوفة ينسبون سنة العمل بالرأي الفقهي إلى الصحابة الثلاثة المذكورين، لكن بغضّ النظر عن هذه النسبة و في نظرة فاحصة، يمكن اعتبار مكانة الرأي في فقه الكوفة في النصف الثاني من ذلك القرن في الأقل، محدَّداً وراسخاً نسبياً. وتدل الأمثلة المتوفرة على أنه قد طُرحت في النصف الثاني نظريات و إن كانت مجملة في قالب روايات منقولة عن النبي (ص)، أو بعض الصحابة، في تعيين مكانة الرأي ومعيار استخدامه في فقه الكوفة. هذه الروايات التي نُقلت بألفاظ مختلفة وبأسانيد متنوعة بواسطة التابعين من أهل الكوفة مثل عمارة بن عمير وعامر الشعبي وأبي عون الثقفي حسب التسلسل عن ابن مسعود وعمر و معاذ بن جبل، برغم وجود فوارق في تفاصيلها، فقد جعلوا جميعاً ــ في مقام تحديـد درجات الاستناد إلى الأدلة ــ بالعمل بالرأي والاجتهاد بمرتبة تلي الرجوع إلى القرآن وسنة النبي (ص) و من ثَم الأقوال (للاطلاع على الروايات، ظ: أبوداود، سنن، 3 / 303؛ الترمذي، 3 / 616؛ النسائي، 8 / 230-231). 
وبرغم أنه لايمكن إصدار حكم جزاف بشأن معيار رواج هذه الأحاديث في القرن 1ه‍ حتى في الكوفة استناداً إلى الأسانيد الباقية في المصادر، الروائية، لكن استناداً إلى الروايات المتناثرة والمتوفرة يمكن الإذعان إلى أن أسلوب التعامل مع الأدلة النقلية والرأي بالشكل الذي تجلّى في هذه الروايات كان أواخر القرن 1ه‍ أسلوباً مقبولاً في عامة أوساط العراق من الكوفة والبصرة. وكما يستشف من المصادر، فإن مشاهير التابعين في الكوفة خلال النصف الثاني من القرن 1ه‍ من أمثال إبراهيم النخعي وعامر الشعبي وكذلك البارزين من أهل البصرة كالحسن البصري وابن سيرين، وبرغم تبنّيهـم مواقـف متشددة في تعاملهـم مع بعض أشكـال الـرأي (ظ: السطـور التاليـة)، كـانــوا جميعـاً ــ ضمـن إطـار محدود وبمستوى الاستجابة للوقائع ــ قد قبلوا باستخدام الرأي (ظ: ن.د، 5 / 665- 668). و مع وجود مرونة كهذه في التعامل مع الـرأي، فـإن أغلب الفقهاء في شتى البلـدان و منها العراق ــ وبالأسلـوب القديم ــ كانوا ما يزالون يصرّون علـى تجنب الإفتاء في المسائل المفترضة التي لم تقع بعد، أو بتعبير آخر الردَّ على المسائل التقديرية (ظ: الدارمي، 1 / 52، 65-67)، وبتعاقب الأجيال ومجيء الجيل الثالث من التابعين فحسب، أدت الظروف الاجتماعية بمجموعها إلى إضعاف هذا الاتجاه. 

القسم الأول ـ أصحاب أَرأيتَ 

ألف ـ الكوفة، منشأ ظاهرة أرأيتَ

ينبغي البحث عن خلفية وجذور أصحاب الرأي بالمعنى المصطلح عليه في الأجيال المتقدمة، في أسلوب فقهاء مجهولين في عصر التابعين والذين كانوا ينتهجون سبيل طرح المسائل التقديرية وتوسيع نطاق الفقه. و في الحقيقة، فإن تبلور البحوث الفقهية بشكل «علم» و وضعها في طريق التوسع والتعقيد، كان يستقي مادته الرئيسة من جهود هؤلاء الذين كانوا في البدء فريقاً مغلوباً على أمره وغير مرغوب به في أوساط التابعين. و في إيضاح ذلك، يجدر القول إن فريقاً من الباحثين في الفقه والمشاركين في أوساط التابعين خلال النصف الثاني من القرن 1ه‍ كانوا يتابعون طرح أسئلة تقديرية وتوسيـع النطـاق النظـري للفقـه، وكــان التيـار السائـد يلقّبهـم بـ «أصحاب أرأيت»، أو «الأرائيين». وإنما سُمُّوا بذلك لكونهم يطرحون أسئلتهم الافتراضية على شيوخهم وأساتذتهم في الغالب بعبارة «أرأيت...» النمطية و المكررة.
و في الحديث عن دوافع أصحاب أرأيت، يمكن بصعوبة القول إنهم و في بحثهم هذا كانوا يرومون تحقيق نظام فقهي يتمتع بعلاقة منظمة بين المسائل و قدرة الرد على الأسئلة المحتملة، لكنهم من الناحية العملية كانوا بصدد تحقيق تلك القدرة. وكان وجود هذه الخصيصة في تيار أصحاب أرأيت، وبإزاء ذلك، العجز المتزايد لمعارضي طرح المسائل التقديرية عن الإجابة على الأسئلة موضع الاحتياج العام، يؤدي إلى أن تتغير الظروف الاجتماعية لمصلحة أصحاب أرأيت، وتترسخ مكانتهم في الأوساط والمجامع تدريجياً. وتدل حكاية التوبيخ الواردة على لسـان أبي وائل (تـ حوالي 83 ه‍ ( التابعي الكوفي و من أواخر الباقين من تلامذة ابن مسعود بحق أصحاب أرأيت على أن أساليب هذا الفريق كانت على عهده تحظى بقبول ورواج نسبيين وأنها اضطرت أصحاب الأثر إلى اتخاذ موقف الدفاع (ظ: م.ن، 1 / 66؛ ابن بطة، 1 / 451، 2 / 516). 
و في عصر الجيل الثاني للتابعين كان إبراهيم النخعي بوصفه أبرز حاملي تراث أصحاب ابن مسعود، و عامر الشعبي بوصفه أبرز علماء الكوفة ممن تعلم على أصحاب الإمام علي (ع)، لكنه لم‌ يكن شيعياً، محورَ اهتمام الأوساط الفقهية في الكوفة ولعبا دوراً رئيساً في تبلور المدارس الفقهية فيها. وبرغم أن التصور العام في المصادر التقليدية يعتقد أن إبراهيم و الشعبي كانا من أصحاب الأثر و من المعارضين الأشداء لأصحاب أرأيت (مثلاً ظ: الدارمي، 1 / 47، 52، 65-67)، لكن من خلال نظرة فاحصة، ينبغي التسليم بأن أساليب الفقاهة وكذلك كيفية تعامل هذين الاثنين مع ظاهرة أرأيت لم‌تكن متساوية تماماً. و في الحقيقة، فإنه ينبغي القبول بأن إبراهيم النخعي كان له تعامل أكثر اعتدالاً تجاه التقدير الفقهي، وكان يعتقد بشكل ما بالجمع بين الرأي والأثر (ظ: أبو نعيم، 4 / 225). فلا بدع أن يتخرج في مجلس درسه خَلَفٌ كحماد بن أبي سليمان أبرز شخصيات أصحاب أرأيت. وفي مقارنة له بين أسلوبي إبراهيم والشعبي، عَدَّ معاصرُه ابن عون، الشعبيَّ كثيرَ التقوى في الإفتـاء؛ وإبراهيمَ كثيرَ القول و الإفتاء (ظ: م.ن، 1 / 52)، و هو الأسلوب الذي كان يقرّبه عملياً إلى حدّ ما من أصحاب الرأي. 

ب ـ ظاهرة أرأيت في مكة و البصرة

في نظرة متأنية على الأوضاع الثقافية في مكة خلال القرن 1ه‍ ، يجدر القول إن الاتجاه إلى رواية الحديث خلال هذا القرن في بيئة مكة كان أضيق نطاقاً بكثير مقارنة بالمدينة، و من حيث الاتجاه إلى الرأي والنظر والتعامل الدرايي مع المسائل الدينية ومنها الاتجاه إلى الرأي والتقدير الفقهي، كانت مكانة مكة قابلة للمقارنة مع العراق بشكل أكبر. وقبل كل شيء، لاينبغي أن نغفل الدور الرئيس لابن عباس في وضع أسس التعاليم المكية، ذلك أنه كان من مروّجي التعامل التفسيري و الدرايي في الحجاز و أهم معلمي حلقة التابعين في مكة. و في المقارنة يجدر القول إن نظير الروايات الكوفية في باب اجتهاد الرأي وترتيب الأدلة الفقهية خلال العقود الأخيرة من القرن 1ه‍ و في مكة أيضاً، أوصى عبيد الله بن أبي يزيد من التابعين فيها (ظ: ابن سعد، 5 / 354)، و في رواية مشابهة لابن عباس، بالعمل في الاجتهاد بالرأي من بعد الكتاب والسنة وسيرة بعض الصحابة (ظ: الدارمي، 1 / 59؛ ابن أبي شيبة، 7 / 242). وفضلاً عن هذه الرواية، فإن الروايات المتوفرة تدل على أن أبرز فقهاء مكة من تلامذة ابن عباس في تلك الفترة، كانوا عملياً يتبعون أسلوباً كهذا. 
و في النصف الثاني من القرن 1ه‍ ، و مـع وجود علماء مثل عطاء بن أبي رباح ومجاهد، بلغت مكة في شتى مجالات العلوم الإسلامية درجة من التطور جعلتها تنافس بوصفها قطباً مهماً، المدينة في المجال الفقهي. وبرغم أن بعض خريجي مدرسة مكة من الجيل الثاني من التابعين مثل طاووس كان لهم موقف حذر تجاه ظاهرة أرأيت (مثلاً ظ: الدارمي، 1 / 56-57)، لكن عملياً كان الاتجاه إلى أرأيت شائعاً في أوساطهم. و في ذلك الجيل كان ميمون بن مهران الفقيه الذي تلقى تعليمه في مكة و سكن في بلاد الجزيرة، حين يُواجَه بتهرب ابن عباس من الجواب، يبحث عن واسطة ليحصل ــ بحيلة ما ــ على جواب ابن عباس لأسئلته التقديرية (ظ: ن.ص). 
كان عطاء بن أبي رباح مفتي مكة الذي يرد في الروايات المتناقلة نصوص عن امتناعه من الفتوى استناداً إلى الرأي (ظ: م.ن، 1 / 47) عملياً، فقيهاً كثير الفتوى يعلن بشكل صريح أن شطراً من آرائه قائم على الأثر و الآخر على اجتهاد الرأي (ابن سعد، 5 / 345؛ الصنعاني، 2 / 8- 9، مخ‍ (. و لم‌ يكن يأبى الإجابة على أسئلة تلامذته التقديرية. و في نظرة عابرة نجد المصنف للصنعاني حافلاً بروايات عنه كان يجيب فيها على أسئلة تقديرية لتلميذه ابن جريج (مثلاً ظ: 2 / 49، 55). و قد أورد ابن سعد رواية ينبغي القول بموجبها إن عطاء في أسلوبه الفقهي تأثر بالفقه الكوفي، أو في الأقل كان يجلّ كثيراً الفقه الدرايي في الكوفة (ظ: ابن سعد، 6 / 5)؛ بينما في المدينة، و مع وجود قبول لاستخدام الرأي خلال أوائل القرن 2ه‍ من قبل علماء ذوي نفوذ مثل ابن شهاب الزهري (ظ: الدارمـي، 1 / 93)، لم‌ يكن فقـه أرأيـت يتمتـع بقاعـدة راسخة. 
وللحديث عن مكانة أرأيت في البصرة، علاقة تاريخية بالحجاز، ذلك أنه في الجيل الثاني من التابعين و مع توثق العلاقة بين أوساط البصرة و أوساط الحجاز، ومنها أن الأوساط الفقهية في البصرة إنما اتخذت لنفسها شكلا جاداً عن طريق استعانتها الواسعة بتعاليم ابن عباس. و في التعاليم الفقهية البصرية خلال تلك الفترة يلاحظ اتجاهان رئيسان يظهران جلياً من خلال تعارض زعيميهما الحسن البصري وابن سيرين. وينبغي تقييم مواقف كل واحد من هذين الجناحين بمقارنتها مع السنة الماضية لقرّاء البصرة وكذلك من خلال انتسابهم إلى شتى مدارس مكة والمدينة. 
لم‌ يكـن ابـن سيريـن (تـ 110ه‍ ( يتبع في تعاليمه الأفكار المعقدة، وكان يرى أن الإنسان هو على الصراط المستقيم مادام عمله مستنداً إلى الآثار (ظ: ابن سعد، 7(1) / 142؛ الدارمي، 1 / 47، 54)؛ لكن الحسن البصري (تـ 110ه‍( الذي كان ذا تعلّم حجازي ـ بصري هو شخصية معقدة لعبت دوراً مؤثراً وتأسيسياً في شتى مجالات العلوم الإسلامية. وكان ما تعلّمه الحسن البصري في الحجاز وبشكل خاص في حلقة ابن عباس، قد حوّله إلى عالم اهتم بالتفسير و الدراية قبل أن يصبح في عداد القراء، بل وحتى الرواة، خلافاً لزهاد البصرة المتقدمين (ظ: الذهبي، سير...، 4 / 565). 
ولم ‌يكن الإفراط في استخدام الرأي في مواقف الحسن، تحظـى بالتأييـد (ظ: الصنعانـي، 2 / 89)، لكـن الحسـن ــ خلافـاً لأسلافه البصريين ــ لم ‌يكن يأبى الجلوس على كرسي التدريس والإفتاء بوصفه فقيهاً (أيضاً ظ: ابن سعد، ن.ص)، وكان عملياً أحد أشهر الفقهاء التابعين ممن عُرفوا بكثرة الفتاوى (عن الروايات المعبرة عن رأيه، ظ: م.ن، 7(1) / 120؛ الدارمي، 1 / 58-59؛ لتحليل عن تعارض المدرستين، ظ: ن.د، 6 / 273-275). 

 

 

الصفحة 1 من2

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: