الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / التاریخ / الاشراف، دیوان /

فهرس الموضوعات

الاشراف، دیوان


المؤلف :
تاریخ آخر التحدیث : 1442/9/26 ۱۰:۴۵:۴۷ تاریخ تألیف المقالة

اَلْإشْراف، ديوان، مصطلح و كذلك عنوان لديوان في الدول الإسلامية كان يستخدم بصورة عامة بمعنى الإشراف على شؤون إدارات و مؤسسات جهاز الدواوين، لكن نطاق استخدامه و مصاديقه كان متغيراً. و كان متولي عمل الإشراف يدعى مشرفاً (جمعها: مشارف، ظ: دوزي، I / 750)، و كان العمل نفسه يدعى مشارفة أيضاً (مثلاً ظ: الماوردي، 110). 
و ليست لدينا معلومات عن بدء استخدام هذا العنوان، و إن رواية خواندمير (ظ: ]...، 28) الأسطورية القائمة على أن لهراسب كان هو واضع وظيفتي المستوفي و المشرف، يُقصد بها ــ دون شك ــ الوظيفة نفسها و ليس عنوانها. و مع كل ذلك، يجـدر القول إن الوظائـف التي كان المشرفون يشغلونهـا ــ بغض النظر عن عنوانها ــ و كما هو الحال مع بقية الوظائف الديوانية في العصر الإسلامي، لها ماضٍ أكثر قدماً. و كان عمل الإشراف يعني بصورة عامة منصبَ تفتيش (ظ: جواد، 9 / ظ) إدارات ومؤسسات الجهاز الحاكم في المدن، و لما كان يُعدّ منصباً مهماً وخطيراً، فقد كان يتم اختيار المشارف من بين الرجال البارزين والثقات في الجهازين الديواني والقضائي. فقد كان علي بن‌يوسف الآمـدي قاضياً و مشرفاً أيضاً على مدينـة واسط (ابن‌الساعـي، 9 / 218)، و حين كان شخص يُعيَّن بهذا المنصب، يحصل على الخلع و التشريف (مثلاً ظ: م.ن، 9 / 201، 265). 
و لفترة طويلة كان للإشراف ديوان خاص به. فقد ذُكر مثلاً في أواخر القرن 3ه‍ / 9م أبوعبدالله محمد بن داود بن الجراح الديواني الشهير ــ قبل وزارته ــ بوصفه رئيس ديوان الإشراف (الصابي، 284)، لكن لا تتوفر معلومات دقيقة عن مهام هذا الديوان و مدى صلاحياته. فاستناداً إلى الماوردي فإن «إشراف الأوقاف» كان يُعدّ من المهام العشر لديوان المظالم أيضاً، و كان من يتولاه مكلفاً بتفتيش الأوقاف العامة و الخاصة و النظر فيها و حسن تنفيذ شروط الواقف و التحكيم في النزاعات التي كانت تنشب بشأن الأوقاف (ص 110-111؛ أيضاً ظ: القاسمي، 572). كما كان لبعض الدواوين الأخرى نفسها مشارف، مثل ديوان الزمام الذي كان يدار أحد قسميه بإشراف مشرف (ابن‌الساعي، 9 / 16، 60). وفضلاً عن ذلك، فقد كان لديوان كل مدينة رئيس وكذلك مشرف لتمشية أموره، حيث ورد في المصادر الحديث عن مشارف واسط و بعقوبا و نهرالملك و عدة مدن أخرى (م.ن، 9 / 70، 73، 87؛ أيضاً ظ: جواد، ن.ص)، كانوا ينبرون بشكل أكبر لمعالجة القضايا المالية. و كان ديوان المخزن الذي يضم هو الآخر عدة أقسام يُدار بواسطة مختلف المشارف الذين تجدر الإشارة من بين عناوين مناصبهم إلى الإشراف على خزانة الدولة، الإشراف على خزانة الغلال، الإشراف على خزانة الأسلحة (ابن‌‌الطوير، 140؛ ابن‌ الساعي، 9 / 129، 265، 278؛ جواد، 9 / ظ، يا). 
و خلال العصر الغزنوي في إيران كان فريق من المشارف في حقيقتهم مخبرين يُعيَّنون من قبل الأمير و السلطان لجمع الأخبار من جميع أرجاء المناطق الخاضعة لحكمهم، أو جمع المعلومات في أمر محدَّد، مثل المشرف الذي كان السلطان محمود قد انتدبه لإرسال تقارير عن أعمال ابنه مسعود (البيهقي، 145). و برغم أن عمل فريق من المشارف كان له تشابه وتداخل مع مهام البريد ويذكر اسم المشرف و صاحب البريد معاً حيناً (مثلاً م.ن، 149)، لكن الإشراف كانت له في حالات أهمية تفوق أهمية البريد (م.ن، 635). و مع أن البيهقي عَدَّ المشارف الرسميين هم أنفسهم المخبرين الحكوميين (ص 71، 165، 427) الذين يوصلون أخبار الدولـة إلى السلطان جنبـاً إلى جنب أصحاب الأزمـة (ص 125)، و أورد أن السلطان مسعوداً عيّن لهذا الغرض 4 مشارف في المناطق الخاضعة لحكمه (ص 178)، لكن يبدو أنه خلال ذلك العهد، كان الموظفون و الندماء و الغلمان أيضاً يُكلَّفون سراً بالتجسس والإشراف على مخدوميهم و رؤسائهم و هذا ما أشار إليه البيهقي، و ذمّ بشدة هذا الجانب من «الإشراف» (ص 71، 78، 167). واستناداً إليه فإن مديري بريد سرخس و طخارستان أيضاً كانا مكلَّفين سراً بالتجسس في ديوان أبي نصر ابن مشكان (ص 176-177). و فضلاً عن ذلك، فقد ذُكر المشارف الرسميون للدولة إلى جانب «العامل» و صاحب البريد بوصفهم المكلفين بالتفتيش في الأمور المالية، أو مَن لهم علاقة بهذه القضايا بشكل من الأشكال (م.ن، 194، 296، 352، 517). و لذا كانت تتشابه أحياناً مهام المشرف و المستوفي اللذين كان كلاهما من الموظفين الأصليين لجهـاز الدولة. و يشير نظامي في بيت إلى هذا الأمـر (ص 37). و تتضـح من بيـت الأنـوري أيضـاً ــ و بشكـل أكبـر ــ أهمية المشارف (ظ: شهيدي، 226). 
و إن قرب مهمتي المشرف و المستوفي من بعضهما يتضح بشكل خاص في أن ديوان الإشراف خلال العصر السلجوقي كان مكملاً لديوان الاستيفاء في إدارة الأموال الديوانية و ضبط الحسابات المالية للدولة (إقبال، 31). و قد ورد ذكر ديوان الإشراف مراراً في مصادر هذه الفترة، و يبدو أن مديره كان يسمى المشرف العام على الدولة. و إن المشرف العام الذي كان موضع ثقة جميع أمناء الدولة، كان يعيّن لنفسه نائباً أميناً في كل مدينة و ولاية ليتم بعمله و بواسطته إنفاق كل النفقات صغيرها وكبيرها (نظام‌الملك، 74). و كان هؤلاء النوّاب، أو المشارف بمثابة مفتشين للأمور المالية في المدن، و هذا المعنى يُستشف من الأمر الذي نُصِّب الخواجه عميد‌الدين فيه نائباً لإشراف جرجان (إقبال، 31-32). و كان ينبغي لهؤلاء المشارف أن يكونوا ملمين بأصول المعاملات و تفاصيل الحسابات، و أمناء و ذوي جدارة. وبعد أن يكملوا تدقيق و تدوين العائدات و النفقات، كانوا يرسلون نسخة منه إلى ديوان الإشراف. و كان الموظفون ومتصرفو الولايات يُعدّون عاملين بإمرة هؤلاء المشارف (ن.ص). كما كان ينبغي لرواتبهم أن تكون بمقدار يحول دون تجاوزهم على أموال الدولة و أخذهم الرشوة (نظام‌الملك، ن.ص). و في المناطق الخاضعة لحكم السلاجقة في آسيا الصغرى و في الإمارات الصغيرة العديدة لهذه المنطقة، كان الإشراف من الوظائف المهمة، بل إننا نعرف أناساً كانوا يحملون لقب المشرف (مثلاً ظ: ابن بيبي، 656، 696). و مع كل ذلك، ففي العصر السلجوقي أيضاً و كما هو عليه الحال في العصر الغزنوي، لم‌يكن ذلك الجانب من شغل الإشراف الذي يقتضي التجسس و كتابة التقارير، ليُعدّ عملاً محبَّذاً، كما حدث عندما كان عميدالملك الكندري ــ قبل توليه الحكم و الوزارة ــ مشرفاً للبلاط يجمع مختلف الأخبار سراً و يكتب تقريراً بها، و لما لم‌يكن طغرل يرى هذا المنصب لائقاً به، عيَّنه حاكماً لخوارزم (الباخرزي، 2 / 797؛ أيضاً ظ: إقبال، 32، الهامش). 
لكن ينبغي الفصل بين أمثال هذه المصاديق و الجوانب للإشراف و بين منصب الإشراف الرسمي و المهم الذي كان في الأصل الإشراف الأعلى على الكثير من شؤون الدولة. و في عصر الخوارزمشاهية كان حسن السلوك و الأمانة يُعدّان شرطين مهمين لنيل منصب رئاسة ديوان الإشراف الذي كان له صلاحيات واسعة و كانت مصالح و شؤون الرعية متوقفة على رعايته، وكان ينبغي له أن يسعى في إصلاح أحوال الرعية و ثبات أموال الديوان (بهاء‌الدين، 120). و ينبغي أن يكون المقصود من مشرف الممالك خلال ذلك العصر (النسوي، 255)، هو رئيس ديوان الإشراف هذا. 
و لم‌يكن عمل الإشراف مقتصراً على أجهزة حكم خلفاء وسلاطين الشرق الإسلامي، بل كان هناك في جميع البلدان الإسلامية و منذ القرون الأولى مشرفٌ، نظراً للمهام المختلفة للمشرف، كما حدث عندما ورد ذكر المشارف على الضرائب والخراج في عصر حكم الأئمة الرستمية في المغرب، حيث كانت تؤمَّن رواتبهم أيضاً من هذه الضرائب (عبدالحميد، 309). و عن «الإشراف» و«المشارف» الذين ذكرهم المقريزي ( اتعاظ...، 3 / 118)، بوصفهم موظفين ديوانيين، تتوفر لدينا معلومات أكثر منذ العصر الفاطمي و إلى يومنا هذا. و كان أحد أشكال الإشراف، التفتيش على أعمال موظفي الدولة. فقد عيّن قاضي قضاة مصر بعض المشارف لقياس منسوب المياه و التفتيش على أعمال ابن أبي الرداد متولي النظر في الأنهار و مجاري المياه، فكتب هؤلاء تقريراً أبلغوا فيه أنه كان يحتفظ لنفسه بالميزانية المخصصة لكري الأنهار (ن.م، 2 / 145، 3 / 121). و يستنتج من ذلك أن فريقاً من المشارف كانوا يعملون تحت إشراف القاضي. و هنا أيضاً فقد كان لخزائن الخلافة مشارف يُعدّون من المعدَّلين، و كان المشارف على أهراء الغلال بشكل خاص يتمتعون برواتب ضخمة (ابن الطوير، 140، 142-143؛ أحمد، 3 / 166، الهامش). و في هذا العصر أشير أيضاً إلى رئيس الإشراف على دار الضرب، و هو المنصب الذي كان يشغله خطيب و إمام جامع مصر على عهد الحاكم الفاطمي (الكندي، 597). كما كان للطالبيين، أو أشراف مصر ديوان في هذه الفترة، يتولّاه مشارف و عمال و نواب (المقريزي، ن.م، 3 / 342)، و كانت الأموال والعائدات الموقوفة على الطالبيين تحفظ و تُنفق تحت إشرافهم. ويتضح من رواتب هؤلاء المشارف أنه كانت لهم أعلى مرتبة في هذا البلاط بعد مرتبة نقيب الطالبيين (ابن الطوير، 115). 
و كان الإشراف على المدن أيضاً يُعدّ من الوظائف المهمة جداً على مايبدو، حيث اختير شخص مثل أبي عبدالحسين ابن سديد الدولة الذي كان يوماًما وزيراً للمستنصر الفاطمي، مشرفاً على الإسكندرية (المقريزي، ن.م، 3 / 13). كما ورد في مصادر هذه الفترة ذكر للمشارف على الجوامع و الذين كانوا يتسلمون رواتب من الأوقاف إزاء إبراز وثيقة العمل (ابن الطوير، 100-101). وكانت المحافظة على الأموال الشرعية المجباة أيضاً من المهام المنوطة بالمشارف (المقريزي، ن.م، 3 / 88). و استناداً إلى ابن مماتي فإنه خلال العصر الأيوبي كانت مهمة بعض المشارف شبيهة من بعض جوانبها بعمل ناظر الضرائب، بفارق أن الضرائب المجباة تودع لدى المشرف بعد تعيين المبلغ و وضع الختم عليه (ص 298، 302). كما أن المقريزي تحدث عن فريق من المشارف كـانـوا مكلفيـن بمسـح الأراضـي و السواقـي و كشف وضعهــا ( الخطط، 2 / 10). 
و في المغرب و الأندلس أيضاً كانت لمهمة الإشراف مصاديق مختلفة، لكنها بأسرها تتضمن نوعاً من التفتيش و المراقبة. فمثلاً في أوائل القرن 4ه‍ كان منذر بن سعيد قاضي ثغور شرقي الأندلس يشغل أيضاً منصب الولاية و الإشراف على عمال الثغور (ابن الأبار، 1 / 293؛ قا: القاسمي، 303). و يبدو أن جهاز التفتيش الحكومي في هذه المناطق كان يسمى دار الإشراف، و كانت له دوائر في المدن المختلفة و كان رئيس كل واحدة من هذه الدوائر يُدعى والي التشريفات، أو متولي ديوان الإشراف حسب الظاهر (دوزي، I / 750؛ قا: الزركشي، 36-37؛ ظ: ماضور، 37، الهامش). وعلى عصر المرابطين كان مسؤول الشؤون الإدارية للبلاد يدعى الوزير المشرف وله صلاحيات واسعة (حركات، 91-92). و كان المشارف على المدن أيضاً يتمتعون بأهمية و نفوذ كبيرين، بحيث تمكن الموحدون بعون من المشرف على فاس، من الاستيلاء عليها (ابن خلدون، 6(2) / 478). و في عصر الموحدين أيضاً ورد ذكر مشرفين على مدن مثل غرناطة و إشبيلية (ابن صاحب الصلاة، 124، 138، 376). و إن كون عمل المشرف له علاقة بشكل خاص بالأمور المالية و الضرائب، يتضح من أن رئيس مكوس المدينة كان على عصر بني حفص في إفريقية، يسمى مشرفاً، و يُدعى مقرّه دار الإشراف (برنسفيك، 2 / 67- 68).
و خلال العصر المملوكي كان لمصاديق سمة المشرف و مهام المشارف تنوع أكبر، و قد أشير في مصادر هذا العصر بشكل أكبر إلى أنواع المشارف و اختلاف درجاتهم و وظائفهم، فالقلقشندي (5 / 454) مثلاً سمّى متولي أمور مطبخ السلطان والذي كان أحد العاملين تحت إمرة أستادار الصحبة، مشرفاً. كما ذكر المقريزي (ظ: السلوك، 1(3) / 807) مشرفَ مطبخ السلطان. وكان أحد المأمورين المشارف على أموال من لاوارث لهم يدعى أيضاً مشرفاً (القلقشندي، 3 / 460؛ قا: ابن إياس، 1(2) / 106، الذي يتحدث عن مشرف ديوان المواريث). 
و كان المشرف الذي مهمته الإشراف على الشؤون المالية للدولة يعيّن من قبل السلطان، أو الأمير (زيادة، 1(1) / 127)، و هو يقابل ــ على مايبدو ــ مشرف الممالك في البقاع الشرقية للعالم الإسلامي. و كما أشير فيما مضى، فإن مهام المشرف و الناظر متشابهة من بعض الجوانب، بل إن عنواني المشرف و الناظر يتبادلان مواقعهما أيضاً. فمثلاً في كلام ابن إياس (1(1) / 459) سُمي ناظر العمارة مشرفاً. و في نفس الفترة تقريباً و على عهد آل‌كرت في هراة، ورد الحديث عن عمل الإشراف على ديوان تلك المدينة، حيث كان كلا المنصبين يُعهد بهما إلى شخص واحد (سيفي، 118). 
و تتوفر لدينا معلومات أكثر عن الإشراف و المشارف في العصر العباسي المتأخر و العصر المغولي الذي تلاه. و كنا قد أشرنا فيما مضى إلى أن بعض الدواوين كان لها نفسها مشارف يُعـدّون من رؤسائهـا، بحيث كـان مشـرف ديوان الزمـام ــ على مايبدو ــ يتمتع من بعد رئيس، أو صدر هذا الديوان، بأعلى منصب في هذا الجهاز و يُعدّ من رجال الدولة‌ البارزين و يشارك في أرقى المراسم الحكومية (ابن‌الفوطي، 85؛ أيضاً ظ: EI2,II / 326-327). و بطبيعة الحال فإن ديوان الزمام الذي يُعدّ بمثابة جهاز التفتيش، كان على صلة وثيقة بعمل الإشراف الذي حلّ فيما بعد بشكل كامل محل الزمام. و لهذا كان مشرف الزمام يصل في كثير من الأحيان إلى منصب رئاسة هذا الديوان (مثلاً ابن الفوطي، 37، 101). و فضلاً عن ذلك، فإنه كان لكل واحدة من دار تشريفات بلاط الخلافة و المدارس و الرُّبط و الجوامع والخزائن أيضاً مشرف خاص بها. و كان هؤلاء المشارف خلال تلك الفترة يديرون دواوين المدن كذلك إلى جانب رؤساء تلك الدواوين (م.ن، 27، 28، 37، 47، 69). 
و في عصر المغول و عقب سقوط بغداد بأيديهم، ظل منصب الإشراف من المناصب المهمة و اكتسب تدريجياً أهمية أكبر إلى أن استحوذ على مهام ديوان الزمام. و على عهد هولاكو ورد الحديث عن «إشراف ممالك بغداد» (وصاف، 237)؛ و يتضح مما أورده محمد بن هندوشاه النخجواني عن مهام «مشرف الممالك» أن رئاسة جميع الدواوين كانت بيده بحيث عدّه «ضابط أمور الدواويـن و الممـالك و مدبّـر مصالـح الثغـور و المسـالك» (ظ: 1(2) / 64-66). و في هذا العصر أيضاً كان التفتيش والإشراف على الشؤون المالية أهم وظائف المشرف الذي كان يبادر إلى التدقيق في العائدات و النفقات، و كان على معرفة تامة بالرواتب و الجامكيات و الصدقات و الصلات، و كان إصدار الحوالات يتم بإشرافه، و بشكل عام كان بإمكانه أن يعطي رأيه وقت الحاجة في جميع هذه الأمور (م.ن، 1(1) / 299، 2 / 111-112). كما يستشف مما قاله وصاف (ص 92) أيضاً إن إحدى مهام المشرف كانت التدقيق في جميع العائدات و النفقات. و المتولي لهذا العمل الخطير، أو صاحب منصب «الإشراف على الديوان الكبير»، كان له ــ في حقيقة الأمر ــ شكل من أشكال الرئاسة على جميع دواوين الدولة و الأمراء و الحكام. فمثلاً عندما قام الإيلخان أبوسعيد بتعيين جلال‌الدين محمود مشرفاً على الممالك، أصدر أمراً إلى جميـع الأمراء و الـوزراء و الحكـام بالرجـوع إليه في الأعمـال، و أبلغ الديوانيين أن يطلعوا المشرفَ على جميع الأمور، و أن لايقدموا على عمل من غير موافقته. و يتضح من هذا الأمر أن مشرف‌الممالك كان يبعث نواباً عنه إلى المدن و الولايات يتمتع كل واحد منهم بصلاحية و نفوذ كافيين (النخجواني، 2 / 113-114). كما تحدث الخواجه رشيد‌الدين فضل‌الله في بعض المواضع عن الإشراف و المشارف (مثلاً ط طهران، 2 / 1167، 1175، ط باكو، 3 / 171). و واضح من إشاراته أن مشارف المدن كان لهم نفوذ أكبر من نفوذ الأمير و الشحنة (ط باكو، 3 / 209-210). و كان التفتيش على أعمال الوزراء و موظفي الدولة أيضاً من مهام المشارف. و في الحقيقة فقد كان الإيلخان نفسه يعينهم لمهام تفتيش خاصة، فمثلاً منح أباقا‌خـان ــ و بغية النظر في الأمور الماليـة لصاحب الديـوان شمس‌الديـن الجوينـي ــ أحدَ أعدائـه المدعو مجد‌الملك اليزدي، صفة «مشرف جمع و خَرْج» [المشرف على العائدات و النفقات] ليبادر للتدقيق في القضايا المالية للبلاد طيلـة السنوات التي كانت فيها تحـت إشراف صاحـب الديـوان، و أوعز إلى أبناء الأمراء و القادة بعدم التدخل في شؤونه (خواندمير، حبيب السير، 3 / 112). 
و فضلاً عن مشرف الممالك و المفتشين ذوي الرتب العليا، أو مشارف المدن و الولايات، فقد كان يُعيَّن مشارف آخرون لشتى الأعمال. فمثلاً كان من بين القوانين التي أصدرها محمود غازان أن يكون في كل «دار قضاء» مشرف يدوّن ــ عند بيع الأملاك وشرائها ــ تفاصيل الإجراءات و المعاملات في «روزنامچۀ حال» (سجـل تدويـن العقـارات) (وصـاف، 389). و كــان المشـارف ــ و بشكـل خاص في المـدن و الـولايـات ــ يحتفظون لأنفسهم بالمال أحياناً مستغلين مناصبهم (مثلاً ظ: سيفي، 593). و يحدث أحياناً أن يُستدعى هؤلاء المشارف أنفسهم للتفتيش، و بعد اتضاح عدم صحة حساباتهم، يعزلون من وظائفهم (ناصر‌الدين‌المنشي، 59، 64). 
و في فترة حكم الإمارات الصغيرة في آسيا الصغرى قبل التيموريين، كانت وظيفة الولاية على الأوقاف تُدغم أحياناً في منصب الإشراف (الآقسرائي، 74، 140). و في هذا العصر أشار نجم‌الدين الرازي إلى المستوفي و المشرف و المنشىٔ بوصفهم الحواس الظاهرية و الباطنية للسلطان و الدولة (ص 257)، وسمّى المولوي بدوره المحاسب و الناظر في «أرزاق العالم»، مشرفاً في موضع النسبة إلى الله (3 / 102). كذلك تتضح أهمية منصب الإشراف على الممالك من أن بعض المشارف تسنموا منصب الوزارة بشكل مباشر (وصاف، 181). 
و في بلاطات سلاطين الهند في ذلك العصر أيضاً، كان هناك ديوان إشراف يسجل و يؤيد الأوامر بعد صدورها من ديوان الوزارة (ابن بطوطة، 514). و تحدث ابن بطوطة أيضاً عن المشرف في بلاط خاقان الصين الذي كان يجلس مقابل الوزير في ديوان الوزارة (ص 643-644). و بطبيعة الحال، فإنه يبدو مستبعداً أن وظيفتي «المشرف» و «ديوان الإشراف» كانتا موجودتين بنفس الاسم، بل إن رواية ابن بطوطة كانت تعني أعمال و وظائف بعض رجالات بلاط الصين. و في البلاط التيموري أيضاً نعلم أن وظيفة الإشراف كانت موجودة و كان المشارف ــ و كما هو الحال في الماضي ــ يتم اختيارهم من بين الرجـال الأمنـاء و المعتمديـن لئـلا ــ و على حد تعبير فصيح الخوافي ــ يتواطأوا مع عمال الدولة على الخيانة في أموال الدولة (2 / 155). 
إن تنوع المشارف و وظائفهم خلال العصر الصفوي، شبيه بما هو عليه في العصر المملوكي بمصر و الشام. كما ورد الحديث في هذا العصر عن «مشرف إيلخي» و «مشرف جبّاخانه» (مشرف خزانة الأسلحة) و «مشرف ضرّاب خانه» (مشرف دار ضرب النقود) و عدد آخر من أنواع المشارف على البيوت الملكية مثل مشرف الخزانة و مشرف المدفعية و مشرف «القوشخانه» (محل المحافظة على طيور الصيد) و المشرف على «قيجاجي خانه» (ورشة خياطة الملابس) و مشرف الشراب و المشرف على مركز حياكة الشعر و مشرف السقاية، الذين كان لكل واحد منهم واجب محدّد (الميرزا رفيعا، 301، 303؛ الميرزا سميعا، 62-63). و فضلاً عـن التفتيش في هذه البيوت، كان تقدير الميزانية المحتاج إليهـا، و إعداد تقرير بهذا الشأن من المهام الملقاة على عاتق المشرف (مينورسكي، 122)، الذي كان ينبغي له تدوين جدول بنفقات البيوت و تقديمها إلى الوزير المختص (الميرزا رفيعا، 545؛ الميرزا سميعا، 35)، لكن لم‌تكن ‌لتدوّن أية نفقات من غير سند. كما كان المشارف يقدّرون بشكل تقريبي نفقات البيوت لستة أشهر ويقدمونها إلى وزير البيوت لتؤمّن الميزانية الخاصة بها بعد قطعها عدة مراحل (م.ن، 9-10). و هنا كان مشارف البيوت يعملون تحت إشراف وزير البيوت و المفتش فيها. و كان على مشرف دار‌الضـرب أن يرى ما يُضـرب كل يوم و يسجله و يقدم جدولاً بـه لـ « معيِّر‌الممالك» (مدير دارضرب النقود) (م.ن، 33). و كانت مهمة فريق من المشارف على المعامل الملكية أيضاً، محاسبة الموظفين و تدوين أعمالهم (مينورسكي، 49). 

المصادر

الآقسرائي، محمود، مسامرة الأخبار و مسايرة الأخيار، تق‍ : عثمان تـوران، أنقرة، 1943م؛ ابن الأبار، محمد، التكملة لكتاب الصلة، بغـداد، 1956م؛ ابن‌ إياس، محمد، بدائع الزهور في وقائع الدهور، تق‍ : محمد مصطفى، القاهرة، 1402-1403ه‍ ؛ ابن بطوطة، رحلة، بيروت، 1384ه‍ ؛ ابن بيبي، الحسين، الأوامر العلائية في الأمور العلائية، تق‍ : عدنان صادق أرزي، أنقرة، 1956م؛ ابن خلدون، العبـر؛ ابن الساعـي، علي، الجامـع المختصر في عنـوان التواريخ و عيون السيـر، تق‍ : مصطفى جواد، بغداد، 1353ه‍ / 1934م؛ ابن صاحب الصلاة، عبدالملك، المنّ بالإمامة، تق‍ : عبدالهادي التازي، دارالغرب الإسلامي، 1987م؛ ابن الطوير، عبدالسلام، نزهة المقلتين في أخبار الدولتين، تق‍ : أيمن فؤاد سيد، شتوتغارت، 1412ه‍ / 1992م؛ ابن الفوطي، عبدالرزاق، الحوادث الجامعة، بيروت، 1987م؛ ابن مماتي، أسعد، قوانين الدواوين، تق‍ : عزيز سوريال عطية، القاهرة، 1411ه‍ ؛ أحمد، محمد حلمي محمد، حواش على اتعاظ الحنفاء (ظ: هم‍ ، المقريزي)؛ إقبال الآشتياني، عباس، وزارت در عهد سلاطين بزرگ سلجوقي، تق‍ : محمد‌تقي دانش‌پژوه و يحيى ذكاء، طهران، 1338ش؛ الباخرزي، علي، دمية القصر، تق‍ : سامي مكي العاني، الكويت، 1985م؛ برنسفيك، روبر، تاريخ إفريقية في العهد الحفصي، بيروت، 1988م؛ بهاء الدين البغدادي، محمد، التوسل إلى الترسل، تق‍ : أحمد بهمنيار، طهـران، 1315ش؛ البيهقـي ، أبوالفضـل ، تاريـخ ، تق‍ : علـي أكبـر فيـاض، طهـران ، 1356ش؛ جواد، مصطفى، مقدمة الجامع المختصر (ظ: هم‍ ، ابن‌ الساعي)؛ حركات، إبراهيم، النظام السياسي و الحربي في عهد المرابطين، الدار البيضاء، مكتبة الوحدة‌ العربية؛ خواندمير، غياث الدين، حبيب السير، تق‍ : محمد دبير‌سياقي، طهران، 1353ش؛ م.ن، مآثرالملوك، تق‍ : هاشم محدث، طهران، 1372ش؛ رشيد الدين فضل الله، جامع التواريخ، تق‍ : محمد روشن و مصطفى موسوي، طهران، 1373ش؛ ن.م، تق‍ : علي‌زاده، باكو، 1957م؛ الزركشي، محمد، تاريخ الدولتين، تق‍ : محمد ماضور، تونس، 1966م؛ زيادة، محمد مصطفى، حواش علـى السلوك (ظ: هم‍ ، المقريـزي)؛ سيفي الهروي، سيف، تاريخ نامۀ هرات، تق‍ : محمد زبير الصديقي، كلكتا، 1362ه‍ / 1943م؛ شهيدي، جعفر، شرح لغات ومشكـلات ديـوان أنـوري، طهران، علمـي وفرهنگي؛ الصابـي، هلال، الـوزراء، تق‍ : عبدالستار أحمد فراج، القاهرة، 1958م؛ عبدالحميد، سعد زغلول، تاريخ المغرب العربي، الإسكندرية، 1979م؛ فصيح الخوافـي، أحمد، مجمل فصيحي، تق‍ : محمود فرخ، مشهد، 1339ش؛ القاسمي، ظافر، نظام الحكم في الشريعة و التاريخ الإسلامي، بيروت، 1987م؛ القلقشندي، أحمد، صبح الأعشى، القاهرة، 1963م؛ الكندي، محمد، الولاة و القضاة، تق‍ : رفن كست، بيروت، 1908م؛ ماضور، محمد، مقدمة و حواش على تاريخ الدولتين (ظ: هم‍ ، الزركشي)؛ الماوردي، علي، الأحكام السلطانية، تق‍ : أحمد مبارك البغدادي، الكويـت، 1409ه‍ / 1989م؛ المقريــزي، أحمد، اتعاظ الحنفـاء، تق‍ : محمد حلمي محمد أحمد، القاهرة، 1390-1393ه‍ ؛ م.ن، الخطط، القاهرة، 1913م؛ م.ن، السلـوك، تق‍ : محمد مصطفى زيادة، القاهرة، 1956م؛ المولوي، مثنوي، تق‍ : نصرالله پورجوادي، طهران، 1363ش؛ الميرزا رفيعا، «دستور الملوك»، تق‍ : محمد تقي دانش‌پژوه، مجلۀ دانشكدۀ أدبيات دانشگاه تهران، طهران، 1347- 1348ش، س 16، عد 3، 5،6؛ الميرزا سميعا، تذكرة الملوك، تق‍ : محمد دبير‌سياقي، طهـران، 1332ش؛ مينورسكـي، فـلاديميـر، سازمـان إداري حكومـت صفويـان، تج‍ : مسعود رجب نيـا، طهران، 1334ش؛ ناصر‌الدين المنشي الكرماني، سمط العلى للحضرة العليــا، تق‍ : عبـاس إقبال الآشتياني، طهران، 1362ش؛ نجم‌الديـن الرازي، عبدالله، مرصاد العبـاد، تق‍ : حسين الحسينـي، طهـران، 1312ش؛ النخجوانـي، محمد بن هندوشـاه، دستـور الكاتب، تق‍ : علي زاده، موسكـو، 1964م، 1971م، 1976م؛ النـسـوي، محمـد، سيـرت جـلال الـديـن مينكبـرنـي، تق‍ : مجتبى مينوى، طهران، 1344ش؛ نظام‌الملك، الحسن، سياست نامه، تق‍ : عباس إقبال الآشتياني، طهران، 1320ش؛ نظامي الگنجوي، ليلي و مجنون، تق‍ : وحيد دستگردي، طهران، 1333ش؛ وصاف، تاريخ، تق‍ : محمد مهدي أصفهاني، طهران، 1338ش؛ و أيضاً:

Dozy, R., Supplément aux dictionnaires arabes, Beirut, 1968; EI2.
.صادق سجادي / ه‍

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: