الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الجغرافیا / اشبیلیة /

فهرس الموضوعات

اشبیلیة


تاریخ آخر التحدیث : 1442/3/16 ۰۹:۴۳:۵۵ تاریخ تألیف المقالة

إشْبيليَّة، الاسم المعرب لولاية سفيليا في جنوب غرب إسبانيا على ساحل نهر الوادي الكبير.
تتمتع إشبيلية بتاريخ عريق للغاية. حيث تظهر الدراسات الأثرية أن الفينيقيين دخلوا المغرب و الأندلس في الألف الثاني ق.م بعد تأسيس مدينتي صور و صيدا في الضفة الشرقية من 
البحر المتوسط، و بنوا فيها بعض المستعمرات كانت إشبيلية من ضمنها، و قد سميت سفلا، أو سپلا (في العبرية: إشفيلا) لأنها كانت تقع في أرض واسعة و منخفضة (العبادي، 24-25؛ EUE,LV / 816؛ أيضاً ظ: ابن كردبوس، 139؛ ابن عبدالمنعم، 19)، ثم تغير اسمها فيما بعد في عصر الروم إلى هيسباليس (تشمبرز، XII / 445؛ كلير، XX / 620؛ بريتانيكا، XVI / 580 ؛EUE ، ن.ص). كما ذكر هذا الاسم على شكل سِفيليا (BSE3,XXIII / 158). كانت إشبيلية في عصر الروم حاضرة ولاية بتيكة و مقام الأسر الأرستقراطية و الثرية و من أكبر قواعد الحضارة و الثقافة (دوزي، 220؛WNGD). و في 411م اتخذها الفنداليون حاضرة لحكومتهم، ثم حكم فيها القوط الغربيون حوالي 3 قرون حتى فتحت أخيراً على يد المسلمين في 93ه‍ / 712م، و سميت منذ ذلك الحين إشبيلية (صاعد الأندلسي، 62-63؛ EI1 ؛ إينترنشنال، XVI / 374 ؛ قا: ابن‌خلدون، تاريخ، 4(2) / 252-253). 
اعتبـر الجغرافيون المسلمون، إشبيلية جزءاً مـن الإقليم الرابع و إحدى ولايات الأندلس الثمانية عشرة، و ذكروها باعتبارها مدينة غزيرة الخيرات و البركات و ذات فواكه كثيرة (ابن كردبوس، 129؛ المقدسي، 194؛ ابن حوقل، 110). عرفت هذه المدينة منذ العصور القديمة بالخصوبة و المحاصيل الزراعية الوفيرة و خاصة الزيتون و القطن و قصب السكر والعنب وكان الكثير من محاصيلها يحمل إلى إفريقية و المناطق الأخرى (ظ: ابن عبد‌المنعم، 21؛ ياقوت، 1 / 195). 
حاصـر موسـى بن نصيـر في 94ه‍ إشبيليـة بعـد فتح شذونـة و قرمونة، حيث كانت تعتبر أهم ميناء و مركز تجاري في الأندلس، و سيطر عليها بعد شهر، أو بضعة أشهر؛ ثم استعمل عليها قسماً من جنده بقيادة عيسى بن عبدالله، و خرج بنفسه للاستيلاء على مدينة ماردة (ابن القوطية، 35؛ أخبار...، 24-25؛ ابن‌عذاري، ط بيروت، 2 / 14؛ شجنة، 8 ؛ ليفي پروفنسال، I / 25). وعندما كان موسى يحاصر ماردة، تمرد عدد من مسيحيي إشبيلية الذين كانوا قد هربوا إلى مدينتي لبلة و باجة، و هاجموا إشبيلية. و قد بعث موسى بعد فتح ماردة ابنه عبدالعزيز بجيش، و استعادها (ابن‌عذاري، ط بيروت، 2 / 15؛ أخبار، 26؛ مؤنس، 95). و في أواخر 95ه‍ استدعى الخليفة الأموي الوليد بن عبدالملك، موسى إلـى دمشق. و أوكل موسـى أولاً حكم الأندلس إلـى عبدالعزيـز و سار هو نفسه إلى دمشق (ابن القوطية، 36؛ ابن‌عذاري، ط بيروت، 2 / 23؛ المقري، 1 / 276-277). اتخذ عبدالعزيز إشبيلية حاضرة لحكمه، و ثبت دعائم حكم المسلمين في الأندلس بعد الاستيلاء على أجزاء من شرق الأندلس و غربها حتى المحيط الأطلسي، بعد القضاء على المناهضين، و لكنه سرعان ما قتل في 97، أو 98ه‍ علـى قـول، بإشـارة من سليمان بـن عبـد الملك (حك‍ 96-99ه‍(، بيد جنده في مسجد إشبيلية (ابن القوطية، 36-37؛ أخبار، 27- 28؛ ابن عذاري، ط بيروت، 2 / 23-24؛ المقري، 1 / 280-281؛ مؤنس، 130؛ آل علي، 58-59). 
ولى وجهاء إشبيلية بعد عبدالعزيز، أيوب بن حبيب اللخمي ابن أخت موسى، و لكن عبدالله (أو محمد) بن يزيد بعد أن ولاه خليفة دمشق على إفريقية، عزل أيوب في 98ه‍ ، و عين بدلاً منه الحر بن عبدالرحمان الثقفي. نقل الحر ــ أو أيوب على قول ــ في 99ه‍ حاضرة حكومة الأندلس من إشبيلية إلى قرطبة (ابن القوطية، 37؛ أخبار، 28-29؛ ابن‌عذاري، ط بيروت، 2 / 25؛ المقري، 1 / 235؛ البستاني، 14 / 22).
و بانتقـال حاضرة الحكـم إلـى قرطبـة، لم‌تقل أهميـة إشبيليـة و ازدهارهـا، و لكنهـا لم‌تبق بمأمـن من نيـران حركـات التمـرد و الحروب الأهلية. و بلغت الاختلافات و النزاعات بين القبائل العربية المختلفة و التي كانت قد بدأت قبل ذلك بفترة طويلة، وكان كل منها يأمل في الاستيلاء على حكم الأندلس، ذروتها في عهد حكم أبي‌الخطار حسام بن ضرار (ح‍ك‍ 125- 128ه‍ (. و قد قام بإسكان كل من هذه القبائل في إحدى مدن الأندلس لتقليل هذه الاختلافات، أو الحد منها على الأقل. فأسكن الدمشقيين في إلبيرة، و أهل حمص في إشبيلية و سميت إشبيلية منذ ذلك الحين حمص. و قد أعادت سياسة أبي‌الخطار هذه، الهدوء إلى مدن الأندلس لفترة، و لكن نيران الاختلافات تأججت مرة أخرى بين القبائل لأنه هو نفسه كان يتعصب بشدة لليمنيين ويضطهد القبائل الأخرى (ابن‌عذاري، ط بيروت، 2 / 33-34؛ المقري، 1 / 237؛ مؤنس، 361-362؛ دوزي، 146). و انتصر ثوابة بن سلامة الجذامي والي إشبيلية في 127ه‍ على أبي‌الخطار في الحرب التي نشبت بينهما وأمسك بزمام الحكم في الأندلس. و بعد وفاة ثوابة في 129ه‍ ، ولي يوسف‌بن عبد‌الرحمان الفهري الأندلس. و في عهده، تحالف عروة بن الوليد مع المسيحيين و جهز جيشاً كي يخرج إشبيلية من قبضة يوسف، و لكن يوسف سرعان‌ما هزم عروة و استعاد إشبيلية ( أخبار، 58؛ ابن القوطية، 44-45؛ ابن‌عذاري، ط بيروت، 2 / 35؛ المقري، 1 / 238، 3 / 26؛ ليفي پروفنسال، I / 49-50). 
و على أثر اشتداد الفتن الداخلية في الأندلس، فإن عبد‌الرحمان ابن معاوية أحد أعقاب الدولة الأموية الذي كان قد هرب إلى المغرب، دخل السواحل الغربية من الأندلس في 138ه‍ ، و سيطر على مدينتي مالقة و إشبيلية بمساعدة مجموعة من أهالي إشبيلية كانوا قد وفدوا عليه و بايعوه و أمسك بزمام الحكم في الأندلس بشكل رسمي بعد هزيمته ليوسف بن عبدالله الفهري والي الأندلس، و كذلك الاستيلاء على قرطبة، و أسس بذلك الأسرة الأموية في الأندلس. و قد اتخذ من قرطبة عاصمة له، و في 141ه‍ أوكل حكم إشبيلية إلى عبدالملك بن عمر المرواني 
(ابن‌عذاري، ط بيروت، 2 / 44-49؛ ابن‌خلدون، تاريخ، 4(2) / 263-264؛ المقري، 1 / 327-329). و منذ ذلك الحين كانت إشبيلية مهددة دوماً من قبل المعارضين الداخليين و الأعداء الخارجيين باعتبارها ثاني أكبر مدينة في الأندلس، حتى إن جميع الثورات التي هزت دعائم الدولة الأندلسية في القرن 2ه‍ ، كانت مرتبطة بشكل‌ما بإشبيلية؛ ذلك لأن وجود مجموعات كثيرة من اليمنيين في هذه المدينة و التي كانت تفكر منذ القدم بحكم الأندلس، كان يصعّد من شدة الفتن و الثورات الداخلية، بالإضافة إلى الموقع الاستراتيجي و الحساس لإشبيلية. و خلال 143-157ه‍ نشبت ثورات عديدة في إشبيلية كان يخطط لها، أوتؤجج من قبل هذه القبائل نفسها. و قد نشبت الثورة الأولى التي هددت حكم الأمويين في الأندلس على يد رزق بن النعمان الغساني الذي أعلن تمرده عندما عزله عبد‌الرحمان بن معاوية في 143ه‍ عن حكم الجزيرة الخضراء، حيث استولى على إشبيلية بمساعدة اليمنيين بعد السيطرة على مدينة شذونة. فسارع عبدالرحمان لمواجهته، و حرر إشبيلية بعد أيام من المحاصرة ( أخبار، 92؛ ابن عذاري، ط بيروت، 2 / 50-55؛ محمد حسين، 35-36). و في 146ه‍ توجه العلاء بن مغيـث اليَحصُبي الـذي كـان يدعمـه أبـو جعفر المنصـور الخليفة العباسي، إلى غرب الأندلس من إفريقية لتحرير الأندلس من سيطرة الأمويين، و سيطر أولاً على مدينة باجة؛ ثم استولى على إشبيلية بمساعدة مناهضي الحكومة، وخاصة القبائل اليمنية، و استعد للهجوم على قرطبة عاصمة الخلافة. وعاد عبد‌الرحمان بن معاوية الذي كان في هذه الأثناء منشغلاً بالحرب في شرق الأندلس، إلى قرطبة، و هاجم الثوار في قلعة قرمونة قرب إشبيلية، و قضى على الفتنة بقتل العلاء بن‌ مغيث، و حرر إشبيلية ( أخبار، 93-94؛ ابن الأثير، 5 / 575؛ ابن‌عذاري، ط بيروت، 2 / 51-52؛ ابن خلدون، ن.م، 4(2) / 266).
و في 149ه‍ ثار شيخ آخر من شيوخ قبائل اليمن و يدعى سعيد اليحصبي، المعروف بالمطري في لبلة، و استولى على إشبيلية انتقاماً للعلاء بن مغيث. و سار عبدالرحمان من قرطبة إلى إشبيلية، و استعادها من الثوار ( أخبار، 96؛ ابن عذاري، ط بيروت، 2 / 53؛ ابن‌خلدون، ن.م، 4(2) / 266-267). و في نفس السنة أعلنت قبائل اليمن تمردها مرة أخرى بزعامة أبي الصباح يحيى بن اليحصبي في إشبيلية. و استدعى عبدالرحمان، أبا الصباح إلى قرطبة للتفاوض، و قتله من خلال التوسل بالحيلة ( أخبار، ن.ص؛ ابن‌عذاري، ط بيروت، 2 / 53-54). و في 156ه‍ ثار حياة بن‌ ملامس والي إشبيلية بمساعدة عبدالغافر اليحصبي انتقاماً لأبي الصباح، و سيطر على إشبيلية و استجة و معظم مناطق غرب الأندلس، ولكن عبدالرحمان استعاد إشبيلية بعد فترة قصيرة (157ه‍( و أعمل القتل بين مؤيديه ( أخبار، 98؛ ابن‌عذاري، ط بيروت، 2 / 55). 
و بعد هذه الثورات المتتالية ساد الهدوء إشبيلية على مايبدو حتى هجوم النورمان. وفي ذي‌الحجة 229 في عهد عبدالرحمان‌ بن‌ الحكم، نزل النورمان الذين ذكروا في المصادر الإسلامية باسم المجوس، في سواحل أشبونة؛ و بعد الاستيلاء على المدن الساحلية دخلوا إشبيلية في محرم 230 و ارتكبوا المجازر بحق الأهالي و السلب و النهب في المدينة. فسارع عبدالرحمان بجيشه إلى التصدي لهم، و هزم النورمان في موضع يدعى طلياطة وحرر إشبيلية (اليعقوبي، 110؛ ابن‌عذاري، ط بيروت، 2 / 87- 88؛ ابن‌الدلائي، 98-99؛ ابن الخطيب، 20؛ المقري، 1 / 345-346). و بعد هذه الموقعة أعاد عبدالرحمان بناء جامع إشبيلية الذي كان النورمان قد أحرقوه، و بنى حول المدينة سوراً منيعاً، و أمّن إشبيلية من الجنوب و الغرب من خلال بناء الأبراج و القلاع الحصينة. كما أسس مواضع لصناعة السفن لتعزيز أسطوله البحري و مواجهة هجمات النورمان المحتملة و الذين كانوا يهددون إشبيلية من السواحل الجنوبية و الجنوبية الغربية (ابن القوطية، 78، 82-83؛ ابن عبدالمنعم، 20؛ محمد حسين، 53-55؛ مؤنس، 288؛ آل‌علي، 262). 
و في أوائل عهد الأمير عبدالله بن محمد (حك‍ 275-300ه‍ ( تحالفت في إشبيلية القبيلتان اليمنيتان القويتان و المتنفذتان بنو‌خلدون و بنو حجاج اللتان كانتا تعتبران من الأعداء الحاقدين على بني أمية، و سيطرتا على الأوضاع بعد نزاعات و حروب طويلة. و وجه الأمير عبدالله لعدة مرات جنوداً لاستعادة إشبيلية، و لكنه كان يفشل في كل مرة (ابن‌عذاري، ط بيروت، 2 / 125-126؛ ابن‌الخطيب، 34-35؛ سالم، 269-270)، حتى اضطر إلى تسليم حكم إشبيلية إلى كريب‌بن‌عثمان من بني‌خلدون و إبراهيم ابن حجاج من بني حجاج. و قد ظهرت العداوة تدريجياً بين كريب و إبراهيم، فكان كل منهما يحاول القضاء سراً على الآخر، حتى سيطر إبراهيم‌بن‌حجاج في 286ه‍ بشكل كامل على إشبيلية ومناطقها من خلال قتل كريب و أخيه خالد و ثبت دعائم حكمه بمساعدة عمر‌ بن حفصون الذي كان من المعارضين الألداء للأمويين (ابن القوطية، 116، 119-123؛ ابن‌حيان، 5 / 82-83؛ ابن‌عذاري، ن.ص؛ ابن‌خلدون، تاريخ، 4(2) / 293، 295-296؛ محمد حسين، 89-95؛ ليفي پروفنسال، I / 364-366 ؛ دوزي، 372). 
اختار إبراهيم في 292ه‍ ابنه عبدالرحمان خليفة له، و ولى ابنه الآخر محمداً على قرمونة (ابن‌القوطية، 122-123). و قد حكم إشبيلية باقتدار حتى 298ه‍ (و حسب قول: 288ه‍ ، ظ: ابن‌عذاري، ط بيروت، 2 / 129)؛ و كان بلاطه يتميز بعظمة و جلال من نوع خاص، و قد جمع لديه ندماء و شعراء و مغنين كثيرين على طريقة الملوك. و كان ابن عبدربه صاحب العقد الفريد من مادحيه، حيث قدم له مدائح كثيرة (ظ: ابن الدلائي، 103-104؛ ابن‌عذاري، ط بيروت، 2 / 127- 128؛ محمد حسين، 95-99). 
و عقب إبراهيم، تولى ابنه عبدالرحمان حكم إشبيلية، و ولى أهالي إشبيلية بعد موته في 301ه‍ شيخاً آخر من شيوخ بني‌حجاج يدعى أحمد بن مسلمة (ابن الدلائي، 104؛ ابن‌عذاري، ط بيروت، 2 / 129-130، 163؛ ابـن الخطيـب، 35؛ دوزي، 373). وتمرد محمد‌ بن إبراهيم والي قرمونة الذي كان يعتبر حكم إشبيلية حقه القانوني، على طاعة أحمد بن مسلمة و انضم إلى الأمير عبد‌الرحمان بن‌محمد حاكم قرطبة، و عندما وعده عبد‌الرحمان بحكم إشبيلية، جمع جيشاً من لبلة و شذونة، و حاصر أحمد بن مسلمة في إشبيلية. و من جهة أخرى، فقد أرسل عبدالرحمان مجموعة بقيادة بدر‌بن‌أحمد إلى إشبيليـة، و دخلوا المدينة بالحيلة و أجبروا أحمد بن مسلمة على الاستسلام (ابن حيان، 5 / 70-73؛ ابن‌عذاري، ط بيروت، 2 / 130-131، 163؛ ابن عبدالمنعم، ن.ص). و بادر بدر‌بن‌أحمد بعد السيطرة على إشبيلية إلى إصلاح الأوضاع فيها لفترة، ثم ولى عليها سعيد بن المنذر القرشي. و عندما رأى محمد بن إبراهيم الذي كان يطمع في حكم إشبيلية منذ فترة طويلة، سعيد بن المنذر القرشي على مسند السلطة، تمرد على عبدالرحمان، و أرسل جيشاً للاستيلاء على إشبيلية. فسارع بدر إلى مواجهته، و هزمه هزيمة فادحة. و بهزيمة محمد بن إبراهيم انتهى حكم بني‌حجاج لإشبيلية و قرمونة (ابن‌حيان، 5 / 81-83؛ ابن‌عذاري، ط بيروت، 2 / 164، 165). 
و بعد سقوط الحكم الأموي في الأندلس، أقام كل من الحكام المحليين رقعة حكم مستقل لنفسه عرفت في تاريخ الأندلس بملوك الطوائف. و سقطت إشبيلية في هذه الفترة بيد بني‌عباد، وأصبحت تتمتع بجلال و عظمة متميزة خلافاً لمدن الأندلس الأخرى التي كانت كلها مبتلاة بالفتن و النزاعات الداخلية، ولمعت لما يقرب من نصف قرن في المجالات السياسية و العسكرية والشعر و الأدب و الفن (ابن‌خلدون، مقدمة، 523؛ خالص، 116-117). 
و في 414ه‍ ، أمسك محمد بن إسماعيل بن عباد قاضي إشبيلية بزمام الأمور معتمداً على شيوخ الأسر العربية و تأييد أهالي المدينة، و أسس من خلال جعلها مستقلة، دولة بني‌عباد فيها. و بعد أن قضى على منافسيه، عمل على توسيع رقعة حكمه، و خاصة من جهة غرب الأندلس و التي كان يعتبرها جزءاً من إشبيلية، دون أن يرى فيها منافساً قوياً. و قد تمثلت أول مواجهة شديدة شارك فيها ابن‌عباد، حربه ضد بني الأفطس من حكام بطليوس. و قد عقد معاهدة صداقة مع محمد بن عبدالله البرزالي حاكم قرمونة رغم عدائه للبربر، و قد اتخذ هذه السياسة لأن قرمونة كانت أولاً القلعة الشرقية لإشبيلية، و ثانياً لأن البرزالي كان هو نفسه يخشى بني‌حمود الذين كانوا يسعون للسيطرة على قرمونة. و عندما نشب النزاع بين ابن‌عباد و المنصور‌بن‌الأفطس حاكم بطليوس للسيطرة على مدينة باجة، بعث ابن‌عباد ابنه إسماعيل على رأس جيش لمحاربته، و هب البرزالي أيضاً لمساعدته، و حاصر إسماعيل مدينة باجة، و قتل الكثير من جند ابن الأفطس (ابن‌عذاري، ط بيروت، 3 / 194-196؛ عنان، دول...، 31-36). 
و توجه جند إشبيلية مرة أخرى في 425ه‍ إلى مناطق ابن ‌الأفطس بقيادة إسماعيل‌بن‌عباد، و لكنهم هزموا أخيراً أمام بني الأفطس و هرب إسماعيل إلى أشبونة (ابن‌عذاري، ط بيروت، 3 / 202-203، 314-316؛ عنان، ن.م، 36؛ دوزي، 600-601 ؛ شجنة، 59؛EI1). و بعد هذه الهزيمة، فإن يحيى بن حمود، الملقب بالمعتلي والذي كان يحكم مالقة، أخرج قرمونة من قبضة محمد بن عبدالله البرزالي حليف ابن عباد، و هدد حكم ابن‌عباد بهجماته المتوالية على أراضي إشبيلية. و في 427ه‍ أرسل ابن‌عباد جيشاً بقيادة ابنه إسماعيل إلى قرمونة، و حاصر جنود إشبيلية قرمونة بمساعدة طائفة من البربر، و سيطروا على المدينة بعد معركة ضارية انتهت بمقتل يحيى بن حمود، و أعاد ابن‌عباد الحكم فيها مرة أخرى إلى محمد بن عبدالله البرزالي. و لكن سرعان‌ما حدث اختلاف بين ابن‌عباد و البرزالي، فأرسل ابن‌عباد جيشاً إلى قرمونة، و استولى عليها، ثم سيطر على مدينة استجة في شرق قرمونة، وضم كلا المدينتين إلى إشبيلية. و جهز البرزالي بمساعدة حاكمي غرناطة ومالقة و اللذين كانا كلاهما يخشيان النزعة التوسعية لحاكم إشبيلية، جيشاً، و هاجم إشبيلية في 431ه‍. وهزم جيش إشبيلية في المعركة، و قتل إسماعيل‌بن‌عباد (ابن‌عذاري، ط بيروت، 3 / 203؛ عنان، ن.م، 36-39؛ دوزي، 602-605). 
و عقب محمد بن إسماعيل، تولى ابنه أبوعمرو، الملقب بالمعتضد بالله في 433ه‍ الحكم في إشبيلية. و قد بدأ حكمه بالقضاء على المعارضين الداخليين و عمل على توسيع رقعة حكمه من خلال السيطرة على مدن شلب و لبلة و شنتمرية في الغرب والجزيرة الخضراء في الجنوب ( ابن‌الخطيب، 155؛ ابن‌عذاري، ط بيروت، 3 / 204، 231). و قد بسط نفوذه في عهد حكمه على جميع الإمارات الصغيرة و الكبيرة في غرب الأندلس و جنوبها و أنهى حكم البربر في شرق الأندلس و جنوب شرقيها، و بذلك، ضمت إشبيلية في عهده القسم الأكبر من مناطق الأندلس القديمة، وشملت المثلث الجنوبي من شبه الجزيرة حتى ضفة الوادي الكبير. ثم اتسعت على امتداد الوادي الكبير باتجاه الغرب حتى المناطق الجنوبية من البرتغال و سواحل المحيط الأطلسي، و تحولت إلى أكبر ممالك الطوائف و أقوى قوة عسكرية في الأندلس. وقد كان من جملة الأحداث التاريخية في عهده، هجوم ملك قشتالة، فعندما هاله هو و المسيحيين الآخرين الاتساع المتنامي لإشبيلية و قوتها العسكرية، فقد هاجم في 445ه‍ أراضي إشبيلية و بطليوس و أجبر المعتضد على دفع خراج باهظ (ابن‌عذاري، ط بيروت، 3 / 209-214، 230-231؛ وات، 109؛ عنان، دول، 39- 48؛ EI1). 
 

الصفحة 1 من2

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: