الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الادب العربی / الاشتقاق /

فهرس الموضوعات

الاشتقاق


تاریخ آخر التحدیث : 1442/9/26 ۱۰:۲۹:۲۲ تاریخ تألیف المقالة

اَلِاشْتِقاق، مصطلح في قواعد اللغة العربية. و الاشتقاق لغة يعني أخذ شيء من شيء آخر (ظ: لين، IV / 1577). و تقابل هذه الكلمة تقريباً الإتيمولوجيا (دراسة تعنى بأصل الكلمات وتاريخها). و بحسب مصطلح العلماء العرب، فهو نزع لفظ من لفظ آخر بشرط مناسبتهما معنىً و تركيباً، و مغايرتهما في الصيغة (الجرجاني، 27). و مع الأخذ بنظر الاعتبار هذا التعريف يمكن القول إن الاشتقاق يبحث في مصدر كلمةٍ ما، و يتتبع العلاقات بين الكلمات التي ترتبط ببعضها باللفظ و المعنى بشكل من الأشكال. 

معرفة مصادر البحث

منذ القدم استرعى موضوع الاشتقاق اهتمـام الكثير من العلمـاء و اللغوييـن العرب. و منذ بـدء القرن 2ه‍ بدأ التأليف في هذا المضمار. و قد أورد السيوطي في المزهر أسماء 12 شخصاً ممن ألفوا بشكل مستقل تحت عنوان الاشتقاق، أو اشتقـاق الأسمـاء (1 / 351): 1. قُـطْـرُب (تـ 206ه‍(؛ 2. الأخفش الأوسـط (تـ 215ه‍)؛ 3. الأصمعـي (تـ 216ه‍)، الذي طبع كتابه الاشتقاق عدة مرات، منها في القاهرة (1400ه‍ / 1980م)؛ 4. أبونصر الباهلـي (تـ 231ه‍)؛ 5. المبـرد (تـ 285ه‍)، الذي يمكـن العثـور في كتابـه المقتضـب علـى أقسـام من كتابـه فـي بـاب الاشتقـاق؛ 6. المفضـل بن سلمة (تـ 300ه‍)، الذي هو غير المفضل الضبـي (تـ 168ه‍) خـلافـاً لرأي هارون (ص 28)، و ما ورد في «دائرة‌ المعارف الإسلامية» (EI2)؛ 7. الزجّاج (تـ 311ه‍(، الذي كان كتابـه من مصادر السيوطي في المزهر (ن.ص)؛ 8. ابن السـرّاج (تـ 316ه‍)، الذي كان كتابه من مصادر الجواليقي في المعرَّب (ص 3)، و كذلك السيوطي في المزهر (ن.ص)، و طبع ضمن كتـاب الأصول في النحو (بغداد، 1973م)؛ 9. ابن دريد (تـ 321ه‍)، الذي طبع كتابه الاشتقاق بتحقيق فوستنفلد (1854م)، و أيضاً بتحقيق عبدالسلام محمد هارون (القاهرة، 1958م). و استناداً إلى مايقوله ابن‌دريد نفسه فإن دافعه لتأليف الكتاب هو الردّ على من يرى «عن جهل، أو تجاهل» أن أسماء مثل كَلْب وكُلَيْب قبيحة، ويعيب على حاملي تلك الأسماء؛ و قد حاول أن يبين سبب هذه التسميات (1 / 4-6). و يبدأ كتابه بأمثلة من اشتقاق أسماء النبي الأكرم (ص). و خلال حديثه يقدم أحياناً معلومات تاريخية عن القبائـل العربية و كذلك الأعلام (ظ: هارون، 33)؛ 10. النحّاس (تـ 338ه‍)؛ 11. ابن خالويه (تـ 370ه‍)؛ 12. الرمّاني (تـ 384ه‍).

و على عهد هؤلاء المشاهير نعرف عدداً آخر ممن نسبت إليهم مؤلفات في الاشتقاق، لكن السيوطي لم‌يذكرهم: 1. أبو المنذر هشـام‌ بـن محمـد بن السائـب الكلبي (تـ 204ه‍)، اشتقاق أسماء البلـدان؛ 2. أبـوالوليـد عبد‌الملك بـن قطن المهـري القيروانـي (تـ 256ه‍)، اشتقاق الأسماء (أو اشتقاق الأسماء مما لم‌يأتِ به قطـرب)؛ 3. ابـن‌أبـي‌‌طاهـر طيفـور (تـ 280ه‍ )، كتـاب المشتـق؛ 4. أبو‌القاسم عبدالرحمان بن إسحاق الزجّاجـي (تـ 337ه‍(، اشتقاق أسماء الله تعالى و صفاته المستنبطة من التنزيل (بغداد، 1974م)؛ 5. ابن درستويه (تـ 347ه‍)، الذي ينسب إليه كتابا الاشتقاق الكبير و الاشتقاق الصغير؛ 6. أبو عمر محمد بن عبدالواحد، المعروف بالمطرِّز و الملقب بغلام ثعلب (تـ 345ه‍)، تفسير أسماء الشعراء؛ 7. ابن جني (تـ 392ه‍)، المبهج في اشتقاق أسماء الشعراء (ظ: عبدالتواب، 47-50؛ الشرقاوي، 183).

و منذ أوائل القرن 5ه‍ / 11م و مابعده أيضاً بذلت جهود في مجـال الاشتقـاق: 1. الـزجـاجـي (تـ 415ه‍)، اشتـقـاق الأسمـاء؛ 2. أبوعبيد البكري (تـ 487ه‍)، اشتقاق الأسماء؛ 3. علي بن محمد الخوارزمـي (تـ 560ه‍)، اشتقـاق أسمـاء المـواضـع و البـلـدان؛ 4. ابن‌مالك (تـ 672ه‍)، رسالة في الاشتقاق؛ 5. أبوبكر محمد بن ‌أحمد الوائلي البكري (تـ 685ه‍)، الاشتقاق؛ 6. محمد صديق‌خان بهادر (تـ 1307ه‍)، العَلَمُ الخَفّاق في عِلْم الاشتقاق (إستانبول، 1296ه‍).

و برغم كل هذا، فلاينبغي أن يوقع اسم الاشتقاق الذي سميت به هذه الكتب، الباحث في الخطأ، ذلك أن الاشتقاق لم‌يكن قد اتخذ له بعدُ أسساً علمية محددة ليمكن اعتباره علماً مستقلاً؛ وبعبارة أخرى، فإن استنباط هؤلاء العلماء من علم الاشتقاق هو نفسه مايمكن العثور عليه في أي معجم آخر. و يؤيد كتابا ابن‌دريد هذا الرأي بشكل واضح، ذلك أنه لم‌يتناول في كتابه الجمهرة موضوع الاشتقاق؛ بأقل مما تناوله في كتابه الاشتقاق. وعلى هذا فإن جميع كتب اللغة الضخام بدءاً من العين للخليل والتهذيب للأزهري، و انتهاء بالمعجمات الضخام المتأخرة اهتمت على الدوام بأمر الاشتقاق؛ و حتى مؤلفات التاريخ و الجغرافيا والأدب و بشكل خاص كتب التفسير و قواميس مفردات القرآن الكريم، ملأى هي الأخرى بمعرفة جذور الكلمات مما كان محط اهتمام الكتّاب المسلمين. فياقوت مثلاً شرح في معجم البلدان جذور الأعلام الجغرافية، و انبرى ابن خلكان في خاتمة كل واحدة من مقالاته للبحث عن أصول اسم مَن كتب ترجمة حياته.
و مع كل هذا، ربما أمكن القول إن حاجة المسلمين الشديدة لفهم ألفاظ القرآن أدت أكثر من أي شيء إلى ظهور حركة واسعة لمعرفة جذور الكلمات في الأدب العربي. و لذا يلاحظ أن أوائل كتب الاشتقاق الخاصة بالأسماء الواردة في القرآن الكريم وبشكل خاص مشكل القرآن لابن قتيبة الموجود حالياً بين أيدينا، ألفت تزامناً مع تأليف أوائل المعجمات الضخمة المنظمة. و منذ ذلك الحين و ماتلاه توسعت عملية تأليف كتب الاشتقاق الخاصة بالقرآن بشكل ملحوظ؛ فظهرت آثار جليلة مثل مفردات القرآن للراغب (تـ 502ه‍).
و في العصر الراهن أيضاً حظي اشتقاق ألفاظ القرآن الكريم بالاهتمام، و من ذلك اشتق جفري في «الكلمات الدخيلة في القرآن» و بأسلوب المستشرقين قسماً كبيراً من ألفاظ القرآن الكريم، و بحث حسن المصطفوي في التحقيق في كلمات القرآن (طهران، 1360ش) بأسلوب نصفه حديث و نصفه تقليدي في جميع كلمات القرآن. و عن الاشتقاق بشكل عام ألف بعض معاصرينا أيضاً عدة آثار جديرة بالاهتمام: 1. عبدالقادر المغربي، الاشتقاق و التعريب (القاهرة، 1908م)؛ 2. عبدالله أمين، الاشتقاق (القاهرة 1376ه‍ / 1956م)؛ و في هذا الأثر القائم على استنتاجاته وتجاربـه الشخصية قدّم المؤلـف ــ ضمن توسيعه نطاق تبويب الاشتقاق ــ فهرستاً ألفبائياً بأسماء الأعلام الذين اشتُقت الأفعال من أسمائهم (ص 53 و ما بعدها)؛ 3. فؤاد حنا طرازي، الاشتقاق (بيروت، 1968م)، و قد درس الاشتقاق الخاص بالأسماء والأفعال، و انبرى لنقد وجهات نظر العلماء الماضين. 
و لاينبغي تصور كون معلومات الماضين عن الاشتقاق، علماً مكتملاً يتطابق و علم الإتيمولوجيا الحديث، ذلك أنهم جميعاً أهملوا في كل الأحوال تقريباً الجانب التاريخي للكلمة، لكن أكثر جوانب بحوثهم رصانة يمكن أن يُعدّ ــ فيما يحتمل ــ في مجال الصرف. لكن في هذا الجانب أيضاً والذي وُضعت له قواعد ببركة القياس، فإن بعض السنن تؤدي بعمل العلماء إلى طريق مسدود. فقد أدى الاعتقاد مثلاً بكون الكلمات من ثلاثة أحرف إلى أن يعدّوا كلمة مثل اسم (من الجذر SM) مشتقة حيناً من وسم، وحيناً آخر من سمو، و آخر من أشكال أخرى (ظ: ن.د، الاسم). وقد أدى عدم معرفة اللغات القديمة ــ سواء السامية، أم الهندية الأوروبية ــ و قلة الاهتمام بعلم الدلالة، إلى ظهور آراء عجيبة أحياناً حول الكلمات الجامدة و بشكل خاص الكلمات الأجنبية. 

الصرف و الاشتقاق

يرى ابن جني أنه يمكن من خلال معرفة التصريف فقط، الاطلاع على علم الاشتقاق، و يقول: توجد علاقة وثيقة بين التصريف و الاشتقاق، ففي التصريف ــ بأسلوب سيبويه والقدماء بطبيعة الحال ــ تؤخذ كلمةٌ ما بعين الاعتبار وتُصرّف بوجوه مختلفة، فيصنع مثلاً من الفعل ضرب ذي الثلاثة أحرف، ضربب على وزن جعفر و في الاشتقاق أيضاً يؤخذ المصـدر ضَرْب بعين الاعتبار، و يُشتق منـه الماضي و المضـارع ( المنصف، 1 / 2-4؛ أيضاً ظ: ابن عصفور، 1 / 28). و بطبيعة الحال فإن هدف التصريف من عرض الأمثلة هو إظهار التغيرات التي تحدث في الصوامت الأصلية (الجذر) لتصنع منها كلمات جديدة، لكن في الاشتقاق فإن ذكر أمثلة كهذه هو لإيضاح كيفية انتزاع صيغة من صيغة أخرى. و من البديهي أن هذا الأمر يستوجب معرفة تلك التغيرات و استخدامها. و مع كل ذلك فإن عمومية التصريف هي أكبر من الاشتقاق، ذلك أن الاشتقاق سكت عن بعض الكلمات مثل جبل وحجر التي لايُعثر لها على أي شكل 
أوّلي، بينما وضعها التصريف في بناء «فَعَل» (ظ: السيوطي، المزهر، 1 / 351؛ EI2). و من جهة أخرى فإن التصريف هو واسطة بين النحو و الكلمة و هو أقرب إلى النحو من الاشتقاق، بينما الاشتقاق مرتبط بشكل أكبر بالكلمات و في البحث عن نقطة البداية فيها (ابن جني، ن.م، 1 / 4). 

أنواع الاشتقاق


ألف ـ الاشتقاق الصغير

هو أكثر أنواع الاشتقاق شيوعاً، الذي يكون فيه ترتيب و توالي الصوامت الأصلية في الكلمات المشتقة والمشتق منها، واحداً، مثل علم > عالم > اِعْلَم...؛ وقد سمى البعض هذا النوع من الاشتقاق، الاشتقاق الأصغر (التهانوي، 1 / 767؛ الصالح، 174)، كما أن فريقاً دعاه الاشتقاق العام (وافي، 172). ويقوم شطر كبير من الكلمات في اللغة العربية على هذا النوع من الاشتقاق، لكن علماء الصرف تناولوا جزءاً فقط من هذه العلاقة، وإن ما يرد في كتب النحو في مادة المشتقات (اسم الفاعل، اسم المفعول، المصدر الميمي،...)، هو جزء من الاشتقاق الصغير.
و في مجال الاشتقاق الصغير اهتم النحويون دوماً بالبحث في أصل المشتقات و أبدوا بشكل عام رأيين: يرى البصريون أن المصدر أصل المشتقات؛ بينما يرى الكوفيون أن الفعل هو الأصل. و قد عرض ابن الأنباري آراء المدرستين بشكل مفصل و انبرى للبحث و الدراسة بشأنهما، و أيَّدَ هو رأي البصريين (1 / 235-245؛ أيضاً ظ: الزجاجي، 56-63؛ أبوالبقاء، 143-149). 
و مع كل هذا عدَّ سيبويه ــ الـذي هو من أعلام البصرييـن ــ الاسم و بسبب التمكن الأكبر، أصلاً و الفعل مشتقاً منه (1 / 20-21؛ أيضاً ظ: ابن السراج، 1 / 40؛ ابن برهان، 1 / 101). و الرأي الآخر المنبثق من وجهة نظر البصريين هو أن المصدر أصل الفعل، والفعل أصل الوصف (اسم الفاعل، اسم المفعول،...) (ظ: ابن‌الشجري، 1 / 293). كما يرى البعض أن المصدر و الفعل كليهما لهمـا الأصالة، و لم‌يُشتـق أي منهما مـن الآخـر (ظ: ابن عقيـل، 1 / 559؛ السيوطي، همع...، 1 / 186). و تدعيماً منه لرأي أستاذه أبي علي الفارسي، أنكر ابن جني التقدم الزماني في الاسم والفعل و قال: من حيث الزمان لايمكن تقديم أي من هذين الاثنين على الآخر (ظ: الخصائص، 2 / 33-40). 
و مازال الاختلاف في وجهات النظر بشأن المشتقات قائماً حتى الوقت الحاضر، حيث قدم المعاصرون أيضاً آراء في هذا المضمار؛ فأيد البعض وجهة نظر البصريين (الصالح، 181)، بينما كان البعض يدحضونه و يعتقدون أن فكرتهم متأثرة بالنحويين الفرس، ذلك أن أصل الاشتقاق في اللغات الآرية هو المصدر الاسمي، و في اللغات السامية، الفعل (ولفنزن، 14). كما قال فريق إن الأفعال تُشتق من أسماء المعاني (عدا المصادر)، و أسماء الأعيان و أسماء الأصوات،... و هذه الأفعال بدورها تصبح أصلاً لبقية مشتقات اللغة (أمين، 14). يقول البعض إن أصل المشتقات في العربية يمكن أن يكون فعلاً و يمكن أيضاً أن يكون اسماً. وبطبيعة الحال فإن مايسمى المشتقات اشتُق بشكل عام من الأفعال. لكن هذه الأفعال نفسها هي أحياناً أصلٌ، و أحياناً أخرى مشتقة من الأسماء الجامدة (ظ: يعقوب، 196). 
جدير بالذكر أنه لايوجد خلاف حول ما دعاه علماء علم الصـرف مشتقاً، أي اسم المصدر و اسم المرة و المصدر الميمـي و ظـرف الزمان و ظـرف المكان و اسم الفاعـل و اسم المفعـول و الصفة المشبهة و صيغة المبالغة و اسم التفضيل و اسم الآلة، إذ عَدَّ جميعهم الفعل أصلاً لها، و أصل الأفعال المزيدة أيضاً الفعل الماضي الثلاثي (ظ: م.ن، 196-197). و بطبيعة الحال، فهناك كلمات لاتنسجم مع هذه القاعدة، فأصل بعض أسماء المكان اسمٌ، مثل مأسَدة و مَسْبَعة اللتين أصلهما أسد و سبع. و لهذا خصص ابن قتيبة فصلاً لاشتقاق الصفات من الأسماء (ص 468-469؛ أيضاً ظ: رايت، I / 148). و هنا يلاحظ أنه في مجال الصرف وعلى أساس القياس يمكن أن يتسع أمر الاشتقاق إلى ما لا نهاية، لكن قدماء اللغويين ــ اعتقاداً منهم بكون اللغة توقيفية ــ حددوا نطاق العمل، ذلك أنه استناداً إلى هذا الرأي لايمكن اشتقاق و استخدام الكلمات التي لم‌تسمع في اللغة العربية، بالقياس (ظ: ابن فارس، الصاحبي، 57). 

ب ـ الاشتقاق الكبير (القلب اللغوي)

و هذا الاشتقاق هو نفسه الذي دعاه ابن جني الاشتقاق الأكبر و خصص له فصلاً من كتابه الخصائص (2 / 133-139)؛ و فضّل المعاصرون إطلاق مصطلح الاشتقاق الكبير عليه (مثلاً ظ: أمين، 1-2؛ الصالح، 186؛ هارون، 27). و ينتج هذا النوع من الاشتقاق عن قلب صوامت الكلمة ذات الأحرف الثلاثة، أو الأربعة و استبدال مواضعها، مما يوجد بينها معنىً مشتركاً، مثل كلم > كمل > مكل > ملك > لكم > لمك، التي تشترك جميعها بمعنى واحد: القَوّة و الشدّة (ظ: ابن جني، ن.م، 2 / 134- 138). 
يقول ابن جني: إذا كان معنى أحد هذه الأشكال بعيداً عن الصور الأخرى، فينبغي العثور بدقة على معنىً مشترك بينها (ن.م، 2 / 134). و قد عُدَّ القلب اللغوي من أسس اتساع اللغة العربية، وخصص له قدامى اللغويين في بحوثهم فصلاً مستقلاً (مثلاً ظ: ابن فارس، ن.م، 329؛ الثعالبي، 564-565؛ السيوطي، المزهر، 1 / 476-481). و تعود فكرة القلب في الكلمات إلى الخليل بن ‌أحمد الفراهيدي. فقد سعى أن يجمع مفردات اللغة العربية اعتماداً على جميع الأشكال المحتملة الناتجة عن تغيير مواضع الصوامت، ويميز بين المستعمل و غير المستعمل منها، كما نُظِّم كتابه العين على أساس هذه الفكرة. و برغم كل هذا يعدّ ابنُ جني نفسَه أولَ من سمى العلاقة بين هذه المجموعة مـن المفردات، الاشتقاق الأكبر، و أن أحداً قبله لم‌يختر له اسماً؛ و بطبيعة الحال فإنه يقرّ بأن أبا‌علي الفارسي كان قد أدرك هذه العلاقات قبله، لكنه لم‌يطلق عليها اسماً و لم‌يشرحها (ن.م، 2 / 133). و يمكن احتمال أن تكون نظرية ابن جني مستلهمة من فكرة الخليل، لكن الاختلاف الواضح بيـن أسلوب الخليـل في العيـن ــ و كذلك بقية كتّاب المعاجـم الذين اتّبعوه ــ و بيـن منهـج ابن جنـي هـو أن هؤلاء ــ خلافاً لابن جني ــ لم‌يكونوا يرجعون الصور الناتجة عن قلب المفردات إلى معنىً موحَّد (لمعرفة المعاني المشتركة بين المفردات في الاشتقاق الكبير، ظ: كيا، 1 و ما بعدها). 
و من بين العلماء المتقدمين أيّد البعض مثل الزجاج رأي ابن‌جني، كما دحضه البعض مثل السيوطي (ظ: ن.م، 1 / 347، 354). و من بين المعاصرين أيضاً دحض فريقٌ رأيَ ابن‌جني متهمين إياه بالتكلف (مثلاً ظ: يعقوب، 202-204)، كما التزم فريقٌ جانبَ الاعتدال، فقالوا إن رأي ابن‌جني صحيح في شطر من المفردات وغير صحيح في شطر آخر منها (الصالح، 194؛ أيضاً ظ: يعـقـوب، 204)؛ كـذلك يـرى البـعـض أن الـقـلـب ــ كما كان الأقدمـون يعتقدون ــ هو من سنن العرب، و لايمكن وضعه في عداد وتقسيمات الاشتقاق، و أن الاشتراك المعنوي بين المفردات الناتجة عن تغيير مواضع الصوامت هو من باب الترادف و ليس من باب الاشتقاق (ن.ص). و الجدير ذكره أن الاشتقاق الكبير سُمي أيضاً الاشتقاق الصغير (ظ: التهانوي، 1 / 767). 

ج ـ الاشتقاق الأكبر

و الاشتقاق الأكبر هذا هو نفسه الإبدال اللغوي، و يتناول علاقات المعنى بين المفردات التي يكون فيها أحد الصوامت الثلاثة قد تغير إلى صامت آخر قريب المخرج مع المحافظة على الترتيب، مثل: نعق > نهق، جذم > جذل. و الإبدال اللغوي يكون مصحوباً أحياناً بالقلب أيضاً، مثل: أتحم > أحتم > أدهم (ظ: كيا، چهار)؛ لكن ظاهرة الإبدال عُدّت ظاهرة صوتية ولفظية أكثر منها اشتقاقية (ظ: السيوطي، ن.م، 1 / 460؛ يعقوب، 208). و قد تحدث ابن‌جني عن الإبدال اللغوي من غير أن يسميه و قدم أمثلة عليه ( الخصائص، 2 / 145-152؛ أيضاً ظ: السيوطي، ن.م، 1 / 460-475). 
د‌ ـ النَّحْت (أو اشتقاق الكبّار، ظ: أمين، 2): النحت في اللغة يعني بَرْي القلم و الحجر و الخشب و غير ذلك، و في المصطلح هو أن تُبنى من اختصار كلمتين، أو أكثر، أو جملة، كلمة جديدة يكون معناها مشتقاً من المفردات الأولية. و الكلمة المبنية تتخذ لها شكلاً في القوالب الرباعية و الخماسية و السداسية و السباعية (ظ: ابن فارس، الصاحبي، 461؛ ميناجيان ،162؛ جرجس، 62-63). و كان ابن فارس أول من طرح مفهوم النحت بشكل واسع، و رأى أن أغلب المفردات التي تزيد حروفها على 3 هي منحوتة، مثـلاً ضِبَطْر (= المقتدر و السمين) من: ضَبَطَ + ضَبَرَ؛ صَهْصَلِـق (= الصوت المرتفع و الصراخ)، من: صَهَل + صَلَقَ. و هو يرى ظاهـرة النحت قياسية (ن.ص، أيضاً معجم...، 1 / 328). كما عَـدَّ ابن مالك أيضاً كونه قياسياً أمراً جائزاً (ظ: السيوطي، المزهر، 1 / 485). و تناول قدامى اللغويين العرب أيضاً موضوع النحت، لكن أياً منهم لم‌يسمِّهِ نوعاً من الاشتقاق، فقد خصص السيوطي مثلاً في المزهر فصلاً مستقلاً له، و عدَّ الدافع لاتجاهه إليه، عدم جواز اشتقاق مفردة واحدة من لفظين في القياس الحرفي (1 / 482-485). و برغم كل ذلك فإن بعض معاصرينا جعلوا النحت في عداد تقسيمات الاشتقاق (أمين، ن.ص؛ الصالح، 243). 
و للنحت أنواع مختلفة: 
1. النحت من الجملة: مثل بَسْمَلَ من «بسم‌الله الرحمٰن الرحيم»؛ حَوْقَلَ من لاحول و لاقوة إلا بالله (ظ: ميناجيان، 165). 
2. النحت من اسم علم بشكل تركيب إضافة، مثل عبد شمس > عبشمي (صفة نسبية). و استخدام هذا النوع من النحت نادر جداً، و يبدو أنه لوحظ في 8 مفردات فقط (ظ: السيوطي، ن.م، 1 / 485؛ ميناجيان، 165-166). 
3. النحت من أصلين مستقلين، مثل جَلُدَ + جَمُدَ > جُلْمود (الحجر الكبير و الصلد)؛ لا + أَن > لَنْ؛ هَلْ + أَمْ (أو هاء التنبيه + لم) < هَلُمَّ (ظ: وافي، 181؛ يعقوب، 210-212؛ المغربي، 21-25). 

المصادر

ابن الأنباري، عبدالرحمان، الإنصاف في مسائل الخلاف بين النحويين، تق‍ : محمد محيي‌الدين عبد الحميد، بيروت، 1380ه‍ / 1961م؛ ابن برهان العكبري، عبد‌الواحد، شرح اللمع، تق‍ : فائز فارس، الكويت، 1984م؛ ابن جني، عثمان، الخصائـص، تق‍ : محمـد علـي النجـار، القـاهــرة، 1374ه‍ / 1955م؛ م.ن، المنصـف، تق‍ : إبراهيم مصطفى و عبدالله أمين، القاهرة، 1373ه‍ / 1954م؛ ابن دريد، محمد، الاشتقاق، تق‍ : عبد‌السلام محمد هارون، بغداد، 1399ه‍ / 1979م؛ ابن السراج، محمد، الأصول في النحو، تق‍ : عبدالحسين الفتلي، بيروت، 1988م؛ ابن الشجري، هبة‌الله، الأمالـي، حيدر آباد الدكـن، 1349ه‍ ؛ ابن عصفـور، علي، الممتـع في التصريــف، تق‍ : فخرالدين قباوة، بيروت، 1390ه‍ / 1970م؛ ابن عقيل، عبدالله، شرح على ألفية ابن مالك، تق‍ : محمد محيي‌الدين عبدالحميد، القاهرة، 1350ه‍ ؛ ابن فارس، أحمد، الصاحبي، تق‍ : أحمد صقر، القاهرة، 1977م؛ م.ن، معجم مقاييس اللغة، تق‍ : عبدالسلام محمد هارون، القاهرة، 1368ه‍ ؛ ابن قتيبة، عبدالله، أدب الكاتب، تق‍ : محمد محيي‌الدين عبدالحميد، القاهرة، 1382ه‍ / 1963م؛ أبوالبقاء العكبري، عبدالله، التبيين، تق‍ : عبدالرحمان العثيمين، بيروت، 1406ه‍ / 1986م؛ أمين، عبدالله، الاشتقاق، القاهرة، 1376ه‍ / 1956م؛ التهانوي، محمد أعلى، كشاف اصطلاحات الفنون، تق‍ : اشپرنگر، كلكتا، 1862م؛ الثعالبي، عبدالملك، فقه اللغة و سر العربية، القاهرة، 1357ه‍ / 1938م؛ الجرجاني، علي، التعريفات، بيروت، 1985م؛ جرجس، رمسيس، «النحت في العربية»، مجلة مجمع اللغة العربية، القاهرة، 1961م، ج 13؛ الجواليقي، موهوب، المعرّب، تق‍ : أحمد محمد‌ شاكر، القاهرة، 1936م؛ الزجاجي، عبدالرحمان، الإيضـاح، تق‍ : مازن مبارك، بيروت، 1394ه‍ / 1974م؛ سيبويه، عمرو، الـكتاب، تق‍ : عبدالسلام محمد هارون، القاهرة، 1408ه‍ / 1988م؛ السيوطي، المزهر، تق‍ : محمد أحمد جاد المولى و آخرون، القاهرة، 1986م؛ م.ن، همع الهوامع، تق‍ : محمد بدر‌الدين النعساني، بيروت، دار المعرفة؛ الشرقاوي إقبال، أحمد، معجم المعاجم، بيروت، 1407ه‍ / 1987م؛ الصالح، صبحي، دراسات في فقه اللغة، بيروت، 1973م؛ عبد‌التواب، رمضان و صلاح‌الدين هادي، مقدمة اشتقاق الأسماء للأصمعي، القاهرة، 1400ه‍ / 1980م؛ كيا، صادق، قلب در زبان عربي، طهران، 1340ش؛ المغربي، عبـدالقـادر ، الاشتقاق والتعريب، القاهـرة ، 1908م ؛ ميناجيان ، ك.، «النحت قديمـاً وحديثاً»، اللسان العربي، الرباط، 1972م، ج 9، عد 1 ؛ هارون، عبدالسلام محمد، مقدمة الاشتقاق (ظ: هم‍ ، ابن دريد)؛ وافي، علي عبد الواحد، فقه اللغة، القاهرة، 1388ه‍ / 1968م؛ ولفنزن، إ.، تاريخ اللغات السامية، بيروت، 1980م؛ يعقوب، إميل بديع، فقه اللغة العربية و خصائصها، بيروت، 1982م؛ و أيضاً:

EI2; Lane, E., Arabic-English Lexicon, Beirut, 1980; Wright, W., A Grammar of the Arabic Language, London, 1967.

بابك فرزانه / ه‍

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: