أَسْماءُ بْنُ خارِجَة (تـ‍ 82ه‍/701م)، من أشراف الكوفة، ووجهائها، تحظى المعلومات المتعلقة بأسرة أسماء بأهمية كبيرة لفهم مصيره و مواقفه إزاء أحداث الكوفة في السنوات الوسطى من القرن 1 ه‍ .ينحدر نسبه إلى قبيلة بني فزار‌ة (الكلبي، جمهرة...، 434). وفد أبوه خارجة بن حصن في 9ه‍ - 631م على النبي (ص) مع وجهاء بني فزارة بعد غزوة تبوك (ابن سعد، 1/297؛ الطبري، 3/122). وكان عمه عيينة بن حصن أيضاً من كبار العرب وشجعانهم و عرف بعدائه للنبي (ص) (لتفاصيل أكثر، ظ: ابن‌سعد، 2/66؛ الواقدي، 1/443؛ الطبري، 2/566، 595)، لكنه وفد على النبي (ص) في فتح مكة و أسلم (الواقدي، 2/803؛ ابن سعد، 2/153). كان بنوفزارة خلال الأحداث المعروفة بالردة من القبائل التي تمردت على الخليفة، حيث أغارت على قافلة للمسلمين (البلاذري، فتوح...، 1/115؛ ابن الأعثم، 1/14).

لم تذكر المصادر الموجودة سنة ولادة أسماء و كذلك الأحداث الأخرى في حياتة حتى 51ه‍ - 671م، ولكن يمكننا أن نخمن أن ولادته كانت في 2ه‍/623م مع الأخذ بنظر الاعتبار ماذكر من أن وفاته كانت في الثمانيين من عمره (ابن حبان، الثقات، 4/59؛ الصفدي، 9/61؛ ابن حجر، 1/104).

و الصورة التي ترسمها لنا المصادر عن حياة أسماء تشير إلى أنه كان شخصاً ذا نفوذ كبير و مؤيداً لبني أمية إلى حد كبير، حتى صرحوا بأنه أموي الهوى (أبو الفرج، 13/38)، و لكن يبدو أنه كان يتدخل في الأحداث باعتباره عامل لوالي المدينة (ظ: تتمة المقالة).

تعود أول معلومة لنا عن حياته إلى عهد معاوية. وفي 51ه‍/ 671م شهد أسماء مع بعض من وجهاء الكوفة و بناء على طلب زياد على إثارة حجر بن عدي للفتنة و عدائه للخليفة، بل و حتى على كفره، فاتخذ معاوية من ذلك ذريعة و قتل حجر و أصحابه في مرج العذراء (البلاذري، أنساب...، 4/254؛ ابن قتيبة، 4/94؛ أبوالفرج، 16/8). كما أن زواج عبيدالله بن زياد والي العراق من هند بنت أسماء في عهد حكمه للبصرة (البلاذري، ن.ص، 4/381؛ ابن قتيبة، 4/97؛ أبوالفرج، 18/129)، من شأنه أيضاً أن يدل على مكانة أسماء و أسرته في الكوفة.

و رغم أننا نصادف اسم أسماء أحياناً عند استعراض أحداث العراق خلال ثورة الإمام الحسين، و لكن دوره في الأحداث ليس واضحاً تماماً سوى في موضع، أو موضعين. قيل إنه كلف مع محمد بن الأشعث لاعتقال هاني بن عروة (البلاذري، ن.م، 2/80؛ الدينوري، 336؛ الطبري، 5/364)، و لكنه حينما اعترض فيما بعد على سلوك ابن زياد مع هاني أمر بمعاقبته (م.ن، 5/367) و لعل هذا هو السبب الذي دفع أبا نصر سهل البخاري (ص 50) للإشارة إلى حضوره في كربلاء، أو إشارة شخص آخر إلى اسمه بين من دعوا الإمام الحسين (ع) إلى الكوفة و ذلك بسبب مشاركة أسماء في الأحداث القريبة من واقعة كربلاء و مابعدها (فلهاوزن، 165، ها 1)، في حين أن المصادر الأخرى لم تصرح بحضوره في كربلاء. كما نعلم أن أسماء حذر المختار من معارضة ابن زياد قبل واقعة كربلاء بقليل (البلاذري، ن.م، 4/385)، و مع كل ذلك، فقد استمر المختار بذم عبيدالله حتى أمر باعتقاله و سجنه (ن.ص؛ الطبري، 5/570).

و في 67ه‍/686م كان أسماء من جملة المرافقين لابن المطيع عند استيلاء المختار على الكوفة و محاصرة عبدالله بن المطيع في دار الإمارة، و حيث رغبه في طلب الأمان من المختار لنفسه ولوجهاء الكوفة الآخرين (البلاذري، ن.م، 5/227؛ الطبري، 6/31). وخلال هجوم الأزراقة على الكوفة كان هو و شبث بن ربعي من المحذرين لإبراهيم بن الأشتر من محاربة الخوارج مدفوعاً بالحسد كما قيل (م.ن، 6/124). و لعل هذا السبب و كذلك العلاقات الوثيقة لأسماء مع عبيدالله بن زياد هي التي دفعت المختار إلى تحريض القبائل العربية على هدم دار أسماء (أبوالفرج. 13/37؛ أيضاً ظ: نشوان، 183). و قيل إن أسماء هرب في هذه الفترة مرتين من الكوفة إلى البادية، أو ذهب إلى الشام بناء على بعض الروايات الأخرى: مرة بعد أن أقسم المختار على أن يهدم بيته (البلاذري، ن.م، 5/241؛ الدينوري، 303؛ أبوالفرج، ن.ص) ومرة أخرى خوفاً من مصعب بن الزبير (م.ن، 13/38).

و بعد انتصار عبدالملك بن مروان على مصعب بن الزبير وعند دخوله الكوفة اعترض أسماء على تولية حميد بن حريث الكلبي على أموال بني فزارة و قد أدى غضب بني فزارة هذا إلى الحرب بين بني قيس و بني كلب، حيث عرفت باسم «يوم بنات قين» (الكلبي، نسب...، 2/596؛ البلاذري، ن.م، 5/310؛ أبوالفرج، 7/115). و قد شارك ابنه عيينة في هذه الفتن (ابن الأثير، 4/315)، حتى قيل إنه سجن بعد هذه الحوادث بأمر الحجاج (أبوالفرج، 17/117).

وفي 72ه‍/691م تزوج بشر بن مروان الذي كان قد ولي الكوفة من قبل عبدالملك، من هند بنت أسماء (البلاذري، أنساب، 5/173؛ أبوالفرج، 18/129). و تشاور معه خلال هجوم الأزارقة على الكوفة و كذلك مع وجهائها الآخرين (المبرد، 3/1298).

أشارت المصادر أحياناً إلى حضور أسماء في مجالس الحجاج (أبوالفرج، 10/81). و استناداً إلى إحدى الروايات، فقد أبلغ أسماء الحجاج في الأيام الأولى من حكومته باسم الشخص الذي كان متهماً بالمشاركة في الثورة ضد عثمان، فأمر الحجاج بقطع عنقه (الطبري، 4/404). و بعد موت بشر بن مروان، تزوج الحجاج من هند بنت أسماء (أبوالفرج، 16/41) و قد أشارت بعض المصادر إلى لقاءات جمعته مع عبدالملك بن مروان (بن قتيبة، 1/226؛ التنوخي، 222؛ ابن عساكر، 3/1؛ اليغموري، 289). هناك اختلاف بشأن تاريخ وفاة أسماء. و ذكر معظم المؤرخين مثل خليفة بن‌ الخياط (1/333)، أن وفاته كانت في 65 أو 66ه‍/684 أو 685م (أيضاً ظ: ابن‌‌حبان، مشاهير...، 75؛ ابن حجر، 1/104)، ولكننا إذا أخذنا بنظر الاعتبار تأكيد المصادر الأخرى على لقاء أسماء بالحجاج بن يوسف (البلاذري، ن.م، 5/330؛ الطبري، 4/403-404) و كذلك حديث أسماء بعد موت عميربن حباب الذي قتل في 70ه‍/689م (ابن‌ الأثير، 4/317)، فإن هذه الروايات لاتبدو صحيحة (ظ: البلاذري، ن.م، 5/327)، فليس من المستبعد أن يكون قد حصـل خلـط بيـن أسماء هـذا و أسمـاء بـن‌ حارثـة الأسلمـي (تــ 66ه‍/685م)، الذي كان من أصحاب النبي (ص) (ابن سعد، 4/321؛ ظ: أبونعيم، 3/7-8؛ قا: ابن‌حبان، الثقات، 4/59). وعلى هذا الأساس، فإن قول الصفدي الذي ذكر مع شيء من الترديد أن وفاة أسماء كانت في 82ه‍/701م، يبدو أكثر دقة بين الروايات الموجودة (9/61)

ذكر أسماء في بعض المصادر في عداد التابعين الذين رووا الحديث عن الإمام علي (ع) (مسلم، 104) و عبدالله بن مسعود (ابن أبي حاتم، 1(1)/325: قا: ابن حبان، مشاهير، ن.ص). و ذكره محمد بن إسماعيل البخاري أيضاً في عداد الكوفيين (1/(2)/55؛ أيضاً ظ: ابن عساكر، ن.ص؛ السمعاني، 10/213؛ الذهبي، 3/536)، و لكن من الجدير بالذكر أن شخصية أخرى ذكرت في بعض المصادر باسم أسماء بن حكم الفزاري؛ الذي كان من أصحاب الإمام علي (ع) في معركة صفين (نصر بن مزاحم، 321) و قد روى عن الإمام (ع) أيضاً (ابن أبي حاتم، السمعاني، ن.صص). ولذلك، فليس من المستبعد أن يكون قد حدث خلط في المصادر المتقدمة و بعدها بين أسماء ابن خارجة و شخصيتين أخريين يحملان هذا الاسم عاشا في نفس عصره، و ذلك في بعض الملاحظات التي سبقت الإشارة إليها.

نسبت بعض المصادر حِكماً إلى أسماء (المبرد، 1/320؛ الجاحظ، 3/96، 115. ابن قتيبة، 3/56، مخ‍؛أبوالفرج، 18/128-129؛ اليغموري، 289-290). و يذكر ابن النديم في معرض ذكره لكتب أسطورية حول قصص العشاق أثراً يحمل عنوان كتاب أسماء بن خارجة الفزاري، و لانعلم بالضبط نوع مواضيعه (ص 366). و قد أثنى عدة شعراء مثل القطامي (ابن سلام، 122)، والأخطل (ابن عساكر، 3/3؛ الصفدي، 9/60)، و الأعشى بن أبي ربيعة (أبوالفرج، 16/162)، و الفرزدق (م.ن، 19/35؛ اليغموري، 290) على أسماء و وصفوه بأنه ذومروءة. و في هذا المجال، يستوقفنا تحمس أسماء في الدفاع عن عبدالله بن الزبير الأسدي الذي كان معروفاً بأنه شاعر بني أمية (أبوالفرج، 13/33-34) وأشعاره المعروفة في مدح أسماء. و أدى سخاءه إلى أن يُصنف في عداد أجواد الكوفة (ابن حبيب، 154، ابن عبدربه، 1/294؛ ابن‌قدامة، 116). حتى إن الحجاج قد أثنى عليه بعد موته (الجاحظ، 1/215؛ ابن عبدربه، 3/290).

لانعرف إلاعدداً من أبناء أسماء كان لهم كلهم دور في أحداث تلك الفترة: الأول هو مالك بن أسماء الذي كان من جملة كبار قومه و ولى أصفهان لفترة من جانب الحجاج، و لكنه اعتقل وسجن بسبب خيانته في الأموال (الجاحظ، 2/181؛ أبوالفرج، 16/41). و كان الشخص الثاني الذي ذكره الطبري (5/365) عند ذكر اعتقال هاني بن عروة، حسّان بن أسماء (ابن عساكر، 3/1؛ الذهبي، 3/535، 4/357). والابن الآخر لأسماء هو عيينة الذي كان في جيش ابن زياد عند قيام المختار (الطبري، 6/90؛ لتفاصيل عنه، ظ: أبوالفرج، 17/117). و من أولاده الآخرين هند التي عرفت بسبب تزوجها من ابن زياد ثم بشر بن مروان والحجاج بن يوسف و قد نقل أبوالفرج الأصفهاني عن حياتها (18/128). كما ذكرت بعض المصادر أعقاب أسماء مثل أفلح بن‌مالك بن أسماء الذي كان من وجهاء خراسان و كانت تربطه علاقة مع أبي مسلم (المقريزي، 68).

المصادر

ابن أبي حاتم، عبدالرحمان، الجرح و التعديل، حيدرآباد الدكن، 1371ه‍/1952م؛ ابن الأثير، الكامل؛ ابن الأعثم، أحمد، الفتوح، حيدرآباد الدكن، 1395ه‍/1975م؛ ابن حبان، محمد، الثقات، حيدرآباد الدكن، 1398ه‍/1978م؛ م.ن،مشاهير علماء الأمصار، تق‍ : فلايشهمر، القاهرة، 1379ه‍؛ ابن حبيب، محمد، المحبر، تق‍ : إيلزه ليختن شتيتر، حيدرآباد‌الدكن، 1361ه‍/1942م؛ ابن‌حجر العسقلاني، أحمد، الإصابة، القاهرة، 1328ه‍؛ ابن سعد، الطبقات الكبرى، بيروت، دارصادر، ابن‌سلام الجمحي، محمد، طبقات الشعراء، ليدن، 1913م؛ ابن عبدربه، أحمد، العقد الفريد، تق‍ : أحمد أمين و آخرون، بيروت، 1402ه‍/1983م؛ ابن عساكر، علي، تاريخ مدينة دمشق، عمان، دار البشير؛ ابن قتيبة، عبدالله، عيون الأخبار، القاهرة، 1343ه‍/1935م؛ ابــن قدامـة المقدسي، عبـدالله، التبيين فـي أنسـاب القـرشيين، تق‍ : محمد نايف الدليمي، بيروت، 1408ه‍/1988م؛ ابن النديم، الفهرست؛ أبوالفرج الأصفهاني، الأغاني، القاهرة، 1280ه‍؛ أبونعيم الأصفهاني، أحمد، معرفة الصحابـة، تق‍ :محمد راضي حاج عثمان، المدينة /الرياض، 1408ه‍/1988م؛ البخاري سهل، سر السلسلة العلوية، النجف، 1381ه‍/1962م؛ البخاري، محمد، التاريخ الكبير، حيدرآباد الدكن، 1382ه‍/1962م؛ البلاذري، أحمد، أنساب الأشراف،ج 2، تق‍ : محمد باقر محمودي، بيروت، 1394ه‍/1974م، ج 4، تق‍ : إحسان عباس، بيروت، 1400ه‍/1979م، ج 5، تق‍ : غوتين، بيت المقدس، 1936م؛ م.ن، فتوح البلدان، تق‍ : صلاح‌ الديـن المنجد، القاهرة، 1956م؛ التنوخي، محسن،.المستجاد من فعلات الأجـواد، تق‍ : محمد‌ كـرد علي، دمشق، 1970م؛ الجاحظ، عمرو، البيـان و التبيين، تق‍ : حسن السندوبي، القاهرة، 1351ه‍/1933م؛ خليفة بن الخياط، تاريخ، تق‍ : سهيل زكار، دمشق، 1967م؛ الدينوري، أحمد، الأخبار الطوال، تق‍ : عبدالمنعم عامر، القاهرة، 1959م؛ الذهبي، أحمد، سير أعلام النبلاء، تق‍ : شعيب الأرنؤوط و آخرون، بيروت، 1408ه‍/1988م؛ السمعاني، عبدالكريم، الأنساب، حيدرآباد الدكن، 1399ه‍/1979م؛ الصفدي، خليل، الوافي بالوفيات، تق‍ : يوزف فان إس، فيسبادن، 1393ه‍/1973م؛ الطبري، تاريخ؛ الكلبي، محمد، جمهرة النسب، تق‍ : ناجي حسن، بيروت، 1408ه‍/ 1988م؛ فلهـاوزن، يوليـوس، الخـوارج و الشيعـة، تج‍ : عبدالرحمان بدوي، القاهرة، 1958م؛ الكلبي، محمد، جمهرة النسب، تق‍ : ناجي حسن، بيروت، 1408ه‍/1988م؛ المبرد، محمد، الكامل، تق‍ : محمد أحمد‌ الدالي، بيروت، 1406ه‍/1986م؛ مسلم بن‌الحجاج، الكنى والأسماء، تق‍ : مطاع الطرابيشي، دمشق، 1404ه‍/1984م؛ المقريزي، أحمد، النزاع والتخاصم فيما بين بني أمية و بني‌هاشم، القاهرة، 1913م؛ نشوان الحميري، الحور العين، تق‍ : كمال مصطفـى، القاهرة، 1367ه‍/1948م؛ نصر بن مزاحم، وقعة صفيـن، تق‍ : عبـدالسـلام محمـد هـارون، القاهـرة، 1382ه‍؛ الـواقـدي، محمـد، ‌المغـازي، تق‍ : مرســدن‌جـونز، لنـدن، 1966م؛ اليغموري، أحمد،‌نور القبس، مختصر المقتبس، لمحمد بن عمران المرزباني، تق‍ : رودلف زلهايم، فيسبـادن، 1384ه‍/1964م.

محمد مهدي أميني/خ.