الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / التاریخ / الإسکندر /

فهرس الموضوعات

الإسکندر

الإسکندر

تاریخ آخر التحدیث : 1442/9/15 ۲۲:۵۷:۰۹ تاریخ تألیف المقالة

اَلْإسْكَنْدَر، أو الإسكندر الثالث‌ (356-323 ق‌.م‌)، ابن‌‌فيليب‌ الثاني المقدوني، يعرف‌ في المصادر الإسلامية بالإسكندر المقدوني، أو الإسكندر الرومي، أو الإسكندر ذي القرنين‌؛ من‌ القادة و الملوك الشهيرين‌ في تاريخ‌ العالم‌ القديم‌، و الفاتح‌ لرقعة واسعة تمتد من‌ الساحل‌ الشرقي للمتوسط وحتى‌ مابعد نهر السند.

لانجد من‌ بين‌ الشخصيات‌ التاريخية الكبرى‌، سوى‌ شخصيات‌ قليلة امتزجت‌ حياتها بالعجائب‌ و المبالغات‌ و الأساطير كما هو الحال‌ بالنسبة إلى‌ الإسكندر. يشتمل‌ ما وصلنا عن‌ تاريخ‌ الإسكندر والأساطير حوله‌ ــ أو مايرتبط باسمه‌ بشكل‌ ما ــ على‌ قسمين: 1. المصادر الأوروبية، 2. المصادر الإيرانية ــ الإسلامية. والإسكندر في المصادر الأوروبية ــ بغض‌ النظر عن‌ مبالغات‌ المؤرخين‌ و الرواة و أساطيرهم‌ و التي لفت‌ شخصيته‌ بالغموض‌ إلى‌ حدما ــ يمتلك ملامح‌ واضحة و محددة نسبياً؛ وأما شخصية الإسكندر التاريخية في المصادر الإيرانية ـ الإسلامية فقد تعرضت‌ للتحريف‌ و الاضطراب‌ الكثير، بحيث‌ أن‌ عنصر الأسطورة يطغى‌ في هذه‌ المصادر على‌ الحقيقة التاريخية لحياته‌.

و يمكن‌ القول‌: إن‌ الاضطراب‌ و الإبهام‌ الموجودين‌ حول‌ شخصية الإسكندر في المصادر الإيرانية ـ الإسلامية، وليدان‌ 3 عوامل‌: 1. أسطورة قرابة الإسكندر مع‌ أسرة الكيانيين‌ في إيران‌، 2. اختلاط شخصية الإسكندر مع‌ شخصية ذي القرنين‌ القرآنية، 3. احتمال‌ أن‌ يكون‌ ذو القرنين‌ و قورش‌ الكبير مؤسس‌ الأسرة الأخمينية شخصية واحدة. علماً أن‌ الإسكندر استناداً إلى‌ بعض‌ الروايات‌ القديمة هو ابن‌ داراب‌، أو دارا الكبير الذي كان‌ من‌ الملوك الكيانيين‌، و نتيجة زواج‌ هذا الملك من‌ ابنة فيليب‌ المقدوني. و الملاحظة الثانية هي أن‌ شخصية الإسكندر المقدوني كانت‌ قد امتزجت‌ مع‌ شخصية تعرف‌ بذي القرنين‌ قبل‌ ظهور الإسلام‌ وذلك في تاريخ‌ مجهول‌. علماً أن‌ الأخير كان‌ على‌ مايبدو يجمع‌ بين‌ السلطتين‌ الدنيوية و الدينية، و بعد أن‌ نزلت‌ في القرآن‌ الكريم‌ آيات‌ بشأن‌ ذي القرنين‌ (الكهف‌/ 18/83- 98)، افترضت‌ هاتان‌ الشخصيتان‌ في التواريخ‌ و التفاسير الإسلامية كشخصية واحدة في الغالب‌ (مثلاً، ظ: أبوالفتوح‌، 3/ 449؛ البلعمي، 709-711؛ فخر‌الدين‌ الرازي، 21/163؛ الثعلبي، 359؛ القرطبي، 11/45-47). و الملاحظة الثالثة هي‌ أن‌ ذا القرنين‌ و قورش‌ الأول‌ من‌ الأسرة الأخمينية تم‌ تصورهما كشخص‌ واحد حسب‌ بعض‌ الدراسات‌ الأخيرة (آزاد، مخ‍ ‍(.

و مما يجدر ذكره‌ أن‌ احتمال‌ كون‌ الإسكندر المقدوني وذي‌القرنين‌ الوارد ذكره‌ في القرآن‌، شخصية واحدة ضعيف‌ جداً، إلا إذا قلنا بوجود إسكندرين،‌ أو شخصيتين‌ تمثلان‌ ذا القرنين‌ اتباعاً لفرضية فريق‌ من‌ المؤرخين‌ السلف‌ (مثلاً ظ: ابن‌ كثير، 4/ 418؛ خواندمير، 1/ 209). و من‌ جهة أخرى‌، فإن‌ التأثير التاريخي للإسكندر ذي القرنين‌ في الأدب‌ و الثقافة الإيرانية ـ الإسلامية واسع‌ إلى‌ درجة أن‌ مزيجاً من‌ كلا الشخصيتين‌ (الإسكندر بن ‌‌فيليب‌ و ذي‌القرنين‌ في القرآن‌) يطالعنا في الآثار الأدبية والصوفية و الأخلاقية، و في الثقافة الشعبية أيضاً.

إن‌ الاستعراض‌ التاريخي للإسكندر الذي ظهر‌ من‌ مقدونية، وهاجم‌ إيران‌ و أسقط الحكم‌ الأخميني الذي استمر 300 سنة، سيكون‌ ناقصاً إلى‌ حدما ــ بل‌ محيـراً ــ دون‌ الإشارة إلى‌ قصة قرابته‌ مع‌ الكيانيين‌، و توحده‌ مع‌ ذي القرنين‌، و كذلك توحد ذي القرنين‌ مع‌ قورش‌ الكبير. إن‌ درجة التمازج‌ بين‌ الإسكندر وذي‌القرنين‌ في التاريخ‌ و الأدب‌ الإيراني ـ الإسلامي ليست‌ بالدرجة التي يمكن‌ معها تجاهلها. و على‌ سبيل‌ المثال‌ فقد قدم‌ الإسكندر المقدوني باعتباره‌ ملكاً يونانياً مقتدراً و فاتحاً لإيران‌، وقدم‌ ذا القرنين‌ باعتباره‌ شخصية قرآنية. و بعبارة أخرى‌، رغم‌ أن‌ المقارنة المكثفة لما قيل،‌ أو كتب‌ حول‌ هاتين‌ الشخصيتين‌ التاريخيتين‌ ـ الأسطوريتين‌ نثبت إلى‌ حدما أنهما كانا شخصيتين‌ منفصلتين‌ من‌ جهات‌ مختلفة، ولكن‌ يبدو أنه‌ لايوجد في الأفكار الموجدة للأساطير، وغير المنتقِدة، سوى‌ إسكندر واحد، يظهر لنا حيناً ملكاً سفاحاً وتوسعياً، وحيناً ملكاً شبيهاً بالأنبياء يخرج‌ مع‌ الخضر النبي في طلب‌ ماء الحيوان‌.

إن‌ الروايات‌ المتعلقة بالإسكندر في المصادر الإيرانية، إما أنها أخذت‌ من‌ الأصل‌ البهلوي، أو من‌ المصادر غير البهلوية (اليونانية والسريانية و ربما المصادر الأخرى‌). و قد كتبت‌ في الأساس‌ بعض‌ هذه‌ الروايات‌ من‌ قبل‌ الإيرانيين‌ (الزرادشتيين‌ عادة) في العهد الساساني في كتب‌ مثل‌ خوتاي نامك، و انتقلت‌ بعد الإسلام‌ إلى‌ المؤلفات‌ البهلوية مثل‌ دينكرت‌ و بندهش‌ و أرداويراف‌ نامه‌، ثم‌ أصبحت‌ من‌ مصادر المؤرخين‌ الإيرانيين‌ و العرب‌. علماً أن‌ مثل‌ هذه‌ الأخبار التي لاتتعدى‌ المصادر البهلوية الساسانية قليلة نسبياً. و القسم‌ الآخر من‌ الروايات‌ المرتبطة بالإسكندر هي عبارة عن‌ القصص‌، و الروايات‌ المختلفة، و شبه‌ الأسطورية، أو المبالغ‌ فيها، و التي كتبت‌ باليونانية بعد الإسكندر، و ترجمت‌ فيما بعد إلى‌ اللغات‌ السريانية و البهلوية و العربية و الأرمنية و غيرها، وأضيفت‌ إليها أشياء كثيرة، و شقت‌ طريقها الى‌ المصادر الفارسية والعربية.

و قد وصف‌ الإسكندر في الأخبار و الإشارات‌ التي كتبها‌ الإيرانيون‌ أنفسهم‌ (الزرادشتيون‌ عادة) بأنه‌ رجل‌ مدمر وظالم‌ وذو طبيعة شيطانية، حيث‌ أسقط الدولة الأخمينية وقتل‌ أمراء إيران‌ وكبارها، و سبب‌ الكثير من‌ الدمار، و أحرق‌ كتب‌ الإيرانيين‌ الدينية ( أرداويراف‌ نامه، الفصل‌ 1: 3-7؛ دينكرت‌، 413,423,435,437,441,446؛ وست 28). و لذلك، فقد ذكر الإيرانيون‌ الإسكندر باعتباره‌ ملعوناً، و عدوه‌ من‌ طبقة الجبابرة المدمرين‌ والمثيرين‌ للفتن‌ و الملوك السيئين‌ أمثال‌ الضحاك وأفراسياب‌ (كارنامه ...،5، 71؛ «شهرستانها‌...» البند‌ 5). كما يبدو أن‌ المراد من‌ «كرساني الغاصب‌» في هوم‌ يشت‌ أفستا (البند 24) الذي كان‌ يطالب‌ بالحكم‌، و يحول‌ دون‌ نشر أحكام‌ الدين‌، هو الإسكندر المقدوني.

ولكن‌ هناك طائفة أخرى‌ من‌ الروايات‌ الإيرانية صورت‌ الإسكندر بشكل‌ آخر. تمتلئ هذه‌ الروايات‌ بالخيال‌ و الأساطير والمبالغات‌ و الإشادة به‌. فهو يبدو لنا في هذه‌ الروايات‌ نبياً عارفاً بالله، و مؤمناً و داعياً إلى‌ دين‌ الله‌، كما أنه‌ في نفس‌ الوقت‌ بطل‌ مقدام‌ و فاتح‌ للعالم‌. و هو في موضع‌ أمير حسن‌ السيرة من‌ سلالة الكيانيين‌، نراه‌ يبكي بسبب‌ موت‌ دارا؛ و في موضع‌ آخر يبدو لنا مسلماً موحداً، مقيماً للصلاة، و إيرانياً صحيح‌ النسب‌ (ظ: بهار، 2/130). يتوجه‌ إلى‌ حرم‌ الكعبة (الفردوسي، 7/1846)، و يُشاهَد على‌ قمة جبل‌ مع‌ إسرافيل‌ (م‌.ن‌، 7/1890)، و أخيراً، يبدو في موضع‌ آخر مسيحياً متديناً يقسم‌ بالصيلب‌ و زنار شماس‌ و روح‌ القدس‌ (م‌.ن‌، 7/1865).

إن‌ مصدر الأخبار المختلقة، و غالبية الأساطير حول‌ الإسكندر، هو كتاب‌ ألفه‌ رجل‌ مجهول‌ في مصر حوالي سنة 200م‌ ــ أي بعد الإسكندر بخمسة قرون‌ ـ ثم‌ نسب‌ إلى‌ الفيلسوف‌ و المؤرخ‌ المعاصر للإسكندر كليستنس‌ (ابن‌ أخت‌ أرسطو). عرف‌ هذا الرجل‌ المختلق‌ للأساطير في التاريخ‌ باسم‌ كليستنس‌ المزيف‌ (باج‌، 53؛ أيضاً ظ: صفا، حماسه‌ سرائي، 89 -90). و بالطبع‌ فإن‌ أساس‌ هذه‌ الروايات‌ المختلقة يعود إلى‌ عصر الإسكندر نفسه‌، حيث‌ نقل‌ قادته‌ و جنده‌ سيرته‌ ممزوجة بالكثير من‌ المبالغات‌ والأخيلة، و على‌ رأسهم‌ أونيسكريت‌ أحد قادة جيش‌ الإسكندر، وكليستنس‌ (360-327 ق‌.م‌) اللذان‌ كانا من‌ أهالي أولينس‌، ورافقا الإسكندر في حملاته‌ على‌ الشرق‌. و قد أصبحت‌ هذه‌ الروايات‌ الخاطئة فيما بعد موضوعاً لرواية كليتارخ‌ أحد قادة الإسكندر التاريخية (پيرنيا، 1/82).

و قد حول‌ كليستنس‌ مشاهداته‌ اليومية في أسفار الإسكندر الحربية إلى‌ كتاب‌ تاريخي، و كان‌ ينوي من‌ خلال‌ هذا الكتاب‌ أن‌ يجعل‌ شهرة مخدومه‌ تطبق‌ الآفاق‌، ولكن‌ عندما‌ ادعى‌ الإسكندر الألوهية بالقرب‌ من‌ الصغد، تحدث‌ نافياً هذا الادعاء ( تشمبرز ...، I/245). و اعتبر مؤلَّفه‌ أسمى‌ من‌ إنجازات‌ الإسكندر (بيرنيا، 2/1744). فقد تاريخ‌ كليستنس‌ بعد فترة حتى‌ ألف‌ ذلك المصري المجهول‌ مجموعة باليونانية استناداً إلى‌ الروايات‌ المزيفة و المبالغ‌ فيها التي وصلت‌ إليه‌ من‌ أونيسكريت‌ و كليستنس‌، و أضاف‌ إليها روايات‌ لاأساس‌ لها. وقد أصبحت‌ هذه‌ القصة فيما بعد مصدراً لحشد من‌ الأساطير اللاتينية و البهلوية و السريانية والأرمنية والعبرية و العربية و الحبشية و عدد آخر من‌ اللغات‌ حول‌ الإسكندر.

و في أواخر‌ عصر الساسانيين‌، ترجم‌ النص‌ اليوناني لكليستنس‌ المزيف‌ إلى‌ البهلوية، و منها إلى‌ السريانية. و رغم‌ أن‌ ترجمته‌ البهلوية، فقدت‌ بعد فترة، لكن‌ بقيت‌ الترجمة السريانية لهذا النص‌ و التي كانت‌ قد تمت‌ على‌ مايقول‌ نولدكه من‌ قبل‌ سرياني نسطوري (ظ: EI2، مادة إسكندرنامه‌؛ أفشار، 164-165). ويبدو أن‌ هذه‌ الترجمة السريانية أصبحت‌ بعد عدة قرون‌ مصدراً للترجمات‌ العربية لأخبار الأسكندر على‌ حد قول‌ نولدكه (ن‌.صص‌).

و خـلال‌ قرون‌ طويلة حدثت‌ إضافات‌ لكل‌ من‌ هذه‌ الترجمـات‌ متأثـرة بالعــادات‌ و التقاليـد و المعتقـدات‌ المحليـة و قـد اكتسبت‌ بعض‌ الأحداث‌ طابعاً إسلامياً في الترجمات‌ العربية لهذه‌ الأساطير؛ كما أضيفت‌ أشياء كثيرة عندما ترجمت‌ هذه‌ القصص‌ بعد الإسلام‌ من‌ العربية إلى‌ الفارسية لتظهر من‌ كل‌ هذه‌ الأساطير، إسكندرنامه،‌ أو «أخبار الإسكندر» على‌ قول‌ صاحب‌ مجمل‌ التواريخ‌ (ص‌ 506)، و نظمها شعراً شعراء من‌ أمثال‌ الفردوسي والنظامي (صفا، حماسة‌سرائي، 90؛ أيضاً ظ: ن‌.د، إسكندرنامه‌). كما أن‌ روايات‌ المؤرخين‌ العرب‌ و الإيرانيين‌ بعد الإسلام‌ حول‌ الإسكندر مأخوذة في الغالب‌ من‌ هذه‌ الأخبار و من‌ المحتمل‌ أن‌ تكون‌ منقولة أيضاً من‌ كتب‌ الإسكندر باللغات‌ الأخرى‌، و على‌ سبيل‌ المثال‌ فقد استند النظامي في منظومة «إسكندر نامه» إلى‌ المصادر اليهودية و النصرانية و البهلوية (ص‌ 69).

و تقدم‌ لنا الكثير من‌ المصادر الفارسية و العربية شجرات‌ أنساب‌ مختلفة عن‌ الإسكندر. ومع‌ كل‌ ذلك، فقد ذكر اسم‌ والد الإسكندر (فيليب‌) في معظمها على‌ الأشكال‌ التالية: فيلفوس‌، فيلقوس‌، فيلاقوس‌، فيلبس‌ و بيلبوس‌. و تطالعنا في شجرات‌ الأنساب‌ هذه‌ فضلاً عن‌ اسم‌ فيليب‌ أسماء مثل‌ مطريوس‌، ومصيريم‌ وهرمس‌ و ميطون‌ و عيص‌ و غيرها و لانلاحظ أثراً لها في التواريخ‌ اليونانية و الرومية للأسكندر و من‌ الواضح‌ أنها اختلقت‌ فيما بعد. و إن الروايات‌ المنقولة في غالبية هذه‌ المصادر مثل‌ تاريخ‌ الطبري (1/577)، و مروج‌ الذهب‌ للمسعودي (1/ 318)، و زين‌‌الأخبار للگرديزي (ص‌ 602-603)، و المنتظم‌ لابن‌ الجوزي (1/424-425)، و الكامل‌ لابن‌ الأثير (1/284)، و التواريخ‌ المتأخرة عنها تبعاً لها مثل‌ مجمل‌ فصيحي (فصيح‌، 1/51)، تنحدر بنسب‌ الإسكندر إلى‌ إبراهيم‌ الخليل،‌ أو سيدنا نوح‌.

إن‌ ارتباط شجرة نسب‌ الإسكندر باليهود، أو تلبسه‌ بالزي‌ الملكي المسيحي ناجم‌ دون‌ شك عن‌ خلق‌ أسطورة مسيحية تستند إلى‌ مخطوطات‌ مركز أرشيف‌ ملوك الإسكندرية، و نظم‌ أجزاء منها بهمة شخص‌ يدعى‌ يعقوب‌ ساروك الشاعر السرياني المسيحي في أوائل‌ القرن‌ 6م‌، وكل‌ ذلك يدل‌ على‌ أن‌ مثل‌ هؤلاء المترجمين،‌ أو جامعي أخبار الإسكندر أضافوا قسماً من‌ الروايات‌ والأساطير الدينية اليهودية و المسيحية إلى‌ الأصل‌ اليوناني. وتدل‌ القرائن‌ على‌ أن‌ مترجم‌ إسكندرنامه من‌ العربية إلى‌ السريانية كان‌ قسيساً مسيحياً (باج‌، 60,62,77).

و بغض‌ النظر عن‌ بعض‌ الاختلافات‌ الجزئية، فإننا نلاحظ في التواريخ‌ العربية و الفارسية السالفة 3 أنواع‌ من‌ النسب‌ للإسكندر:

 

1. النسب السامي ـ المسيحي

كما سبقت‌ الإشارة أنه عندما وصلت‌ أسطورة الإسكندر إلى‌ بعض‌ الأقوام‌ السامية اليهودية، أو المسيحية، فإن‌ كلاً أظفى‌ عليها صبغة رواياته‌ و معتقداته‌ المحلية والدينية. و عندما كان‌ الإسكندر يقترب‌ من‌ بيت‌‌المقدس‌، استقبله‌ الأحبار اليهود و عرضوا عليه‌ كتاب‌ دانيال‌ الذي كان‌ قد تنبأ به‌ وبفتوحاته‌ (م‌.ن‌، 74-73؛ أيضاً ظ: العهد القديم‌، سفردانيال‌، الإصحاح 7). ثم‌ إن‌ الإسكندر احترم‌ اليهود و مقدساتهم‌ و مارس‌ مراسيم‌ الفداء في مذبحهم‌ (البيروني، آثار ...،60؛ أبوالفدا، 1/60) واكتسب‌ شعبية بين‌ هؤلاء القوم‌ و اعتبر اليهود الإسكندر منقذهم‌ واعتبروا أباه‌ من‌ نسل‌ عيص‌ بن‌ إسحاق‌ بن‌ إبراهيم‌ تجليلاً له‌. وبا‌لإضافة إلى‌ ذلك، فإن‌ وجود منقولات‌ من‌ الكتاب‌ المقدس‌ في نص‌ قصة الإسكندر يدل‌ على‌ أن‌ المترجم‌ السرياني لهذه‌ القصة كان‌ من‌ النسطوريين‌ المسيحيين‌ (أفشار، 164) و هذا مايشير بحد ذاته‌ إلى‌ المحاولات‌ التي كانت‌ تبذل‌ لربط الإسكندر بالأصل‌ السامي.

 

2. النسب‌ المصري

أدى‌ التعامل‌ الحسن‌ للإسكندر مع‌ الكهنة المصريين‌ و احترامه‌ لمعابدهم‌ إلى‌ أن‌ يعتبروه‌ ابن‌ الإلٰه‌ آمون‌ وفكّرت‌ على‌ إثر ذلك مجموعة من‌ المصريين‌ باختلاق‌ أصل‌ مصري له‌. و استناداً إلى‌ شجرة النسب‌ التي اختلقها المصريون‌ للإسكنـدر، فعندما حُـرم‌ ملك مصـر نيكتانيبو ـــ أو نقطينابـوس‌ على‌ قول‌ البيروني (تحقيق‌ ...، 68). إثر هجوم‌ أردشير الثالث‌ الأخميني على‌ مصر من‌ العرش‌ و التاج‌، توجه‌ إلى‌ الملك المقدوني فيليب‌ على‌ أمل‌ أن يحظى‌ بالمساعدة منه‌. و خطف‌ هناك قلب‌ ألمبياس‌ إمرأة فيليب‌ بزي منجم‌ و بمساعدة السحر وحصلت‌ له‌ روابط معها، وكان‌ الإسكندر ثمرة هذا الارتباط غير المشروع‌ (ن‌.ص‌، باج‌، 85؛ پيرنيا، 2/1214، قا: 2/1177). و قد ذكر صاحب‌ مجمل‌ التواريخ‌ اسم‌ ملك مصر على‌ أنه‌ بختيانوس‌، و اسم‌ المرأة التي ارتبط معها الملك المصري أولمفيد ابنة فيلقوس‌ (ص‌ 31). و قد نقل‌ ابن‌‌العبري أيضاً هذه‌ الرواية بعينها تقريباً (ظ: تاريخ‌ ...،89).

 

3. النسب‌ الإيراني

فمن‌ بين‌ شجرات‌ الأنساب‌ التي عددتها المصادر العربية و الفارسية للإسكندر، تعتبر تلك التي اعتبرت‌ االإسكندر من‌ سلالة الملوك الكيانيين‌ الأبرز و الأطراف‌ بينها. ويرى‌ البعض‌ أنه‌ لما كان‌ تحمل‌ الهزيمة أمام‌ الإسكندر صعباً على‌ الإيرانيين‌، و لم‌‌يكن‌ بمستطاعهم‌ أن‌ يسلموا الدولة الأخمينية المقتدرة بيد شاب‌ أجنبي، فقد أشاعوا أن‌ الإسكندر كان‌ من‌ سلالة الملوك الإيرانيين‌. و على‌ أساس‌ شجرة النسب‌ الإيرانية هذه‌ التي نقلها المؤرخون‌ مع‌ اختلافات‌ يسيرة، فإن‌ الملك الكياني دارا تـزوج‌ من‌ ابنـة الملك الرومي فيلقـوس‌ ــ و التـي ذكر اسمها بأشكال‌ مختلفة (الطبري، 1/574؛ اليعقوبي، 1/115؛ مجمل‌، ن‌.ص‌؛ الفردوسي، 5/ 1779؛ البيروني، ن‌.ص‌) ــ بعد تغلبه‌ عليه‌. و لكنه‌ أعادها إلى‌ أبيه‌ عندما وجد نتن ريحها و لم‌‌يستطع‌ معالجتها بنبات‌ السندر، أو الاسكندروس‌ (الطبري، 1/574-575؛ الدينوري، 53-54؛ الگرديزي، 603؛ فصيح‌، 1/25؛ أيضاً ظ: الفردوسي، 5/1779-1781). و لم‌‌يخبر ملك الروم‌ أحداً بذلك، و بعد أن‌ وضعت‌ ابنته‌ حملها، أطلق‌ عليه‌ اسم‌ نبات‌ السندر، أو الإسكندر (ن‌.صص‌؛ الثعلبي، 359) و أعلن‌ أن‌ الأسكندر ابنه‌ هو. و هكذا، اعتبر الإيرانيون‌ الإسكندر من‌ خلال‌ نسبته‌ إلى‌ دارا الأول‌، بطلاً من‌ الأبطال‌ الإيرانيين‌، و‌ استحق أن يكسب حبهم و بالطبع‌ فإن‌ هذه‌ الصورة تختلف‌ عن‌ تلك التي رسمت‌ عنه‌ في روايات‌ الإيرانيين‌ الدينية (كريستن سن‌، 217).

و قد نقل‌ معظم‌ المؤرخين‌ السابقين‌ روايات‌ أخرى‌ أيضاً عن‌ نسب‌ الإسكندر. فقد نقل‌ البناكتي خلال‌ استعراضه‌ لروايات‌ الطبري و الدينوري، قصة أخرى‌ تحكي‌ أن‌ والد الإسكندر بازر‌ ابن‌ البان‌ كان‌ ملك الإسكندرية و قد حارب‌ أفليسون‌ بن‌ فوقا. وبعد الصلح‌، خطب‌ بازر ابنة أفليسون‌، و لكنها سقطت‌ من‌ عينه‌ على‌ إثر مكيدة دبرها خدمه‌. و أمر بازر الفتاة التي حملت‌ منه‌ أن‌ تذهب‌ إلى‌ مدينتها. فوضعت‌ البنت‌ حملها في الطريق‌ و لفّت‌ الوليد في خرقة و ألقته‌ على‌ قارعة الطريق‌. فوجدت‌ امرأة عجوز الطفل‌ بعد أن‌ دلتها عنزة عليه‌، و حملته‌ إلى‌ البيت‌ و سمته‌ الإسكندر. وبعد فترة، عثرت‌ عليه‌ أمه‌ صدفة و بعثته‌ إلى‌ أبيه‌ و أوكل‌ أبوه‌ الملك إليه‌ (ص‌ 41-42) و نقل‌ خواندمير أيضاً هذه‌ القصة نفسها بقليل‌ من‌ الاختلاف‌ (1/209-210). و نقل‌ النظامي في شرف‌‌نامه‌ في معرض‌ رده‌ على‌ نسبة الإسكندر إلى‌ دارا الأول‌، عدداً آخر من‌ الروايات‌ في هذا الباب‌ و يرى‌ أن‌ والد الإسكندر هو فيلقوس‌ اليوناني نفسه‌ (ص‌ 80 ـ82).

و لم‌‌يذكر في المصادر العربية و الفارسية شيء عن‌ طفولة الإسكندر، سوى‌ أن‌ والده‌ أوكل‌ أمره‌ إلى‌ أرسطو لكي يتعلم‌ الأدب‌ و الحكمة. فخدمه‌ الإسكندر لخمس‌ سنوات‌ ليبلغ‌ في العلم‌ والفلسفة أعلى‌ الدرجات‌ (الشهرستاني، 2/137). و استناداً إلى‌ ماذكره‌ الگرديزي (ص‌ 604) و ابن‌ الجوزي (1/427) فقد كان‌ أرسطو يتولى‌ منصب‌ الوزارة للإسكندر، و كان‌ كل‌ مايفعله‌ الأمير المقدوني بإشارته‌. فكان‌ أرسطو يحذره‌ عندما يخرج‌ من‌ مسار العدالة و الاعتدال‌. و يحذره خاصة في مكاتباته‌ من‌ القتل‌ والنهب‌ (ابن‌‌الأثير، 1/291؛ الدينوري، 64؛ حمزة، 40-41). و اعتبرت‌ بعض‌ المصادر أرسطو زميلاً للأسكندر في الدراسة و قد أصبح‌ فيما بعد وزيراً له‌ في عهد ملكه‌ (النظامي، 86، 93).

إن‌ ما تم‌ الاستناد إليه‌ في الغالب‌ من‌ حوادث‌ حياة الإسكندر في جميع‌ التواريخ‌ القديمة تقريباً هو حربه‌ مع‌ الإيرانيين‌. والاختلاف‌ الرئيس‌ بين‌ روايات‌ هذه‌ التواريخ‌ و ما جاء في المصادر الأوروبية في هذا المجال‌، هو أن‌ المنافس‌ الإيراني للإسكندر الذي هو في التواريخ‌ الأوروبية داريوس‌ الثالث‌ آخر ملك أخميني، يحل‌ محله‌ عادة «داراي دارا» أو «دارا الثاني» أو «دارا الأصغر» آخر الملوك الكيانيين‌. و لذلك نرى‌ دارا و الإسكندر إلى‌ جانب‌ بعضهما، أو في مواجهة أحدهما الآخر دوماً في آثار الأدب‌ الفارسي.

الصفحة 1 من2

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: