الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الجغرافیا / الإسکندریة /

فهرس الموضوعات

الإسکندریة

الإسکندریة

تاریخ آخر التحدیث : 1442/9/16 ۰۹:۴۴:۵۰ تاریخ تألیف المقالة

اَلْإسْكَنْدَريَّة، ثاني مدينة كبرى ‌في مصر و أهم‌ موانئها وحاضرة محافظة الإسكندرية، تقع‌على‌ ساحل‌البحر المتوسط والساحل ‌الغربي من‌ دلتا النيل‌ على‌ مسافة حوالي 183كم ‌شمالي غرب ‌القاهرة على‌خطي الطول ‌الشرقي 29°و54´ و العرض‌ الشمالي 31°و12´ (بريتانيكا، 1978م‌، ماكرو،I/479؛ تشمبرز ...، I/218).

إن‌ قدم ‌تاريخ ‌الإسكندرية البالغ‌2,300 سنة، و ماضيها المزدهر يمتد لألف‌سنة في نشر الحضارة و الثقافة و العلوم‌، والأصالة والقوة و التحرك الذي أضفته ‌في الماضي على‌علوم‌ مثل ‌الفلسفة والرياضيات‌ و الطب‌ و الفلك و الملاحة و الدور الذي لعبته‌ في ظهور و نشر الحضارة الهلينية و نقل‌علوم‌ اليونان‌، و كذلك علاقتها من ‌الناحية التاريخية بشخصيات‌ مثل ‌الإسكندر و مارك أنطوني و كليوباترا، كل ‌ذلك جعل‌ هذه ‌المدينة تتمتع‌ بشهرة قل‌ ماتمتعت‌ بها مدينة أخرى‌ في العالم‌.

 

الأوضاع ‌الطبيعية

يبلغ ‌طول ‌الإسكندرية من الشرق ‌إلى ‌الغرب‌ حوالي 40 كم‌، و تقع ‌على ‌امتداد ربوة من‌ حجر الكلس‌ بعرض ‌5/1-3 كم‌ و إن ‌الأرض ‌اليابسة البارزة المتقدمة في البحر، و المتكونة من ‌الترسبات ‌المتراكمة لحائل ‌أمواج‌ قديم‌ يسمي هپتاستاديم‌، تربط جزيرة فاروس ‌بحاضرة المدينة. و الخليجان ‌الواقعان‌ على‌ هذا الرأس ‌ذي الانحناء الشديد، يشكلان ‌الآن ‌حوضي كل‌ من ‌الميناءين الشرقي و الغربي للإسكندرية (بريتانيكا، 1986م‌، XIII/249؛ كلير ...، I/524).

تتميز الإسكندرية بصيف‌ معتدل‌ و شتاء بارد مصحوب‌ عادة بعواصف‌ شديدة و أمطار غزيرة و البَرَد أحياناً. يبلغ‌ معدل‌ الحرارة في الصيف‌ 26° سنتيغراد و في الشتاء 14° سنتيغراد، و يبلغ‌ متوسط الأمطار السنوية 200 مليمتر (البستاني، 1/193؛ بريتانيكا، ن‌.ص‌). تضاعف‌ عدد سكان‌ الإسكندرية منذ أواخر القرن‌ 19م‌ حتى‌ 1980م‌ إلى‌ حوالي 10 أضعاف‌ بسبب‌ النمو السريع‌ للولادات‌ والهجرة من‌ الضواحي إلى‌ المدينة. كان‌ عدد سكان‌ الإسكندرية يبلغ‌ حوالي 5/1 مليون‌ نسمة حسب‌ إحصائية 1960م‌، حيث‌ بلغ‌ هذا الرقم‌000,2,893 نسمة في 1986م‌ («تقويم‌...»، 753؛ بريتانيكا، 1986م‌، XIII/250؛ تشمبرز، ن‌.ص‌).

تعتبر الإسكندرية من ‌المراكز الصناعية المهمة في مصر بحيث ‌ينتج‌ فيها ثلث ‌المنتجات ‌الصناعية لمصر. تتمثل ‌أغلب ‌الأنشطة الاقتصادية لهذه ‌المدينة في مجال ‌المعاملات ‌المصرفية المواصلات ‌البحرية و الخزن و إنتاج ‌المنسوجات‌. كما تعتبر الزراعة من ‌الأنشطة الاقتصادية الرئيسة في القسم ‌الداخلي من ‌الإسكندرية، حيث‌ يعد القطن ‌أهم ‌صادراتها. يتم ‌القسم ‌الأكبر من‌ تجارة مصر عن‌ طريق ‌مينائي الإسكندرية الغربي و الشرقي، ويعد الميناء الغربي أهم‌ من‌ الشرقي. حيث ‌يتم ‌تصدير جميع‌ قطن ‌مصر والقسم ‌الأكبر من‌ نفطها و كذلك المحاصيل ‌الزراعية و بعض ‌الصادرات ‌من ‌السلع ‌عن ‌طريق ‌هذا الميناء (كلير، بريتانيكا، ن‌.صص‌؛ EI2;GSE,I/240؛ أيضاً ظ: البستاني، 1/212).

يخضع قطاع ‌التربية و التعليم‌ في الإسكندرية لإشراف ‌الحكومة كما هو الحال ‌بالنسبة إلى‌مدن‌ مصر الأخرى‌، و يشمل‌ النظام ‌التعليمي الحكومي الدورات ‌التمهيدية و الابتدائية والثانوية و المدارس ‌المهنية. تتمتع ‌الإسكندرية بجامعة أسست‌ في 1942‌م، كما تعتبر مكتبتها من ‌المكتبات ‌الكبرى ‌في مصر. ولها 5 متاحف ‌أهمها المتحف‌ الإغريقي ـ الرومي الذي يمثل ‌مجموعة من ‌الآثار التاريخية التي اكتشفت‌ غالبيتها في المدينة نفسها (بريتانيكا، 1986م‌، XIII/251؛ GSE,I/241 تشمبرز، I/248).

تحولت‌ الإسكندرية في 1960م ‌إلى ‌محافظة بشكل ‌رسمي حيـث‌ يتولى ‌إدارتهـا محافـظ و مجلس‌ معظـم ‌أعضائـه منتخبـون‌ (بريتانيكا، ن‌.ص‌).

 

تأسيسها

عزم‌ الإسكندر في 332 ق‌.م ‌بعد بداية هجومه‌ على‌ إيران ‌على ‌أن ‌يبني عاصمة للمتلكاته‌ الجديدة و قاعدة للسيطرة على ‌مياه ‌المتوسط، و قد اختار مدينة رقودة، أو راكوتيس القديمة (التي يعود تاريخها إلى‌1500 ق‌.م‌). بجوار جزيرة فاروس ‌شمال ‌نوكراتيس (نقراطيس‌) و بدأ ببناء المدينة الجديدة. ثم‌ أوكل‌ مواصلة العمل‌ إلى ‌نائب‌ سلطنته‌ كليومينس‌ و غادر مصر (المسعودي، أخبار ...، 181؛ الإسكندري، تاريخ ‌مصر إلىالفتح‌ ...، 105؛ سالم‌، 11-12، 15-16؛ سترابن‌، VIII/29-30؛ آرين‌،I/225؛ «پاولي...» I/244؛ بريتانيكا، ن‌.ص‌). صمم‌ خريطة المدينة المعمار اليوناني دينوقراطيس‌ على ‌شكل‌ شطرنجي بشوارعها الثمانية التي كانت ‌تمتد من ‌الشمال ‌إلى ‌الجنوب ‌و من‌ الشرق‌ إلى ‌الغرب‌. كان‌ يقع ‌في وسط المدينة ميدان ‌واسع ‌بُني‌ فيه ‌قصر الإمبراطور و المسرح ‌و المتحف ‌و المكتبة (سالم‌، ن‌.ص‌ كلير، I/524-525 تشمبرز، ن‌.ص‌؛ تارن‌، 14؛ أيضاً ظ: ياقوت‌، 1/260، حيث‌يشير إلى ‌الشكل ‌الشطرنجي للمدينة و شوارعها الثمانية). وبعد حوالي قرن‌ من‌ تأسيسها أصبحت‌ الإسكندرية تتمتع ‌بعظمة لاتوازيها أية مدينة في العالم ‌القديم ‌(بريتانيكا، 1986م‌، XIII/252).

رغم‌ أن ‌الأخبار و الروايات‌ في المصادر الإسلامية حول‌ بناء الإسكندرية (ظ: ابن ‌عبدالحكم‌، 37-41؛ أبوعبيد، 628- 629؛ الكندي، فضائل‌...،33-34، 48-49؛ ابن‌خرداذبه‌، 160؛ القزويني، 143-144) ممتزجة مع ‌الأساطير و لاتنطبق‌ مع ‌الحقيقة كما أيد ياقوت ‌ذلك (ن‌.ص‌)، و لكنها تدل ‌على ‌الحضارة الكبيرة والمزدهرة في هذه ‌المدينة في العصور القديمة.

 

تاريخ‌ الإسكندرية في العصرين‌ الإغريقي و الرومي

عندما توفي الإسكندر في 323 ق‌.م‌ و قسمت‌ رقعة حكمه‌ الشاسعة بين‌ قادتـه‌، أصبحت‌ أرض‌ مصـر من‌ نصيب‌ بطلميـوس‌ الأول‌ سوتير (= المنقذ). و قد جاء من‌ بابل‌ إلى‌ الإسكندرية و أسس‌ أسرة البطالسة في مصر. و وسع‌ رقعة إمبراطوريته‌ بعد السيطرة على‌ سورية وقبرص‌ و فينيقيا (العبادي، العصر...، 28-36؛ زيدان‌، 1/72؛ أيضاً ظ: آمريكانا، GSE,XXI/331;XXII/750) ثم عمل على بناء السدود و المعابد الفخمة و مزج بين الأديان اليونانية والمصرية القديمة من‌ أجل‌ إيجاد الوحدة الدينية بين‌ المصريين‌ وأعلن‌ عبادة الإلٰهة سارابيس‌ الدين‌ الرسمي للدولة و بنى‌ معبد سراپيوم‌ لتلك الإلٰهـة. كمـا أسس‌ منـارة الإسكنـدريـة البحريـة و مـدرستهـا (= المتحف‌) و مكتبتها المعروفة (الإسكندري، ن‌.م‌، 109؛ سالم‌، 36-37؛ البستاني، 1/195؛ بريتانيكا، ن.ص؛ قا: عبادي، ن‌.م‌، 157؛ظ: تتمة المقالة) استدعى‌ سوتر علماء كثيرين‌ من‌ اليونان‌ لتعزيز مدرسة الإسكندرية، و ألف‌ هو نفسه‌ كتاباً حول‌ حياة الإسكندر و سيرته‌ (الإسكندري، ن‌.م‌، 115-116؛ العبادي، ن‌.م‌، 156؛ آرين‌، I/3).

اختار سوتير في 285 ق‌.م ‌ابنه ‌بطلميوس‌ الثاني فيلادلفوس‌(= محب‌الأخ‌) (ح‍ك‍285-247 ق‌.م‌) خليفة له ‌و أوكل ‌إدارة الأعمال‌ إليه‌. وقد عزز بطلميوس ‌الثاني العلاقات‌ السياسية و التجارية لمصر مع ‌الدولة الرومية وكان ‌حليفاً للروم‌ في حروب ‌قرطاجة. وقد ضمت‌ في عهده‌ الحبشة و الجزيرة العربية و ليبيا و فينيقيا وأجزاء من‌ آسيا الصغرى‌ و جزر البحر المتوسط إلى‌ أرض‌ مصر (الإسكندري، ن‌.م‌، 117، عمون‌، 49-50؛ آمريكانا، GSE، ن‌.صص‌). كان‌سوتير يبدي اهتماماً خاصاً بنشر العلوم‌. فقد عزز مكتبة الإسكندرية الكبرى‌ وترجم ‌التوراة بمساعدة العلماء اليهود إلى‌ اليونانية و اهتم ‌كثيراً بالفلاسفة و المفكرين‌. كما عمل‌ على‌ ازدهار الشعر و الأدب‌ اللذين ‌كانا قد اتجها إلى‌ الانحطاط مع‌ انتشار الفلسفة و وقوع‌ الأحداث‌ السياسية المختلفة، حيث‌ إن ‌الإسكندرية تحولت‌ في عصره‌ إلى ‌أكبر مركز علمي و أدبي في العالم ‌(عمون‌، 49؛ العبادي، ن‌.ص‌، 62؛ الإسكندري، ن‌.م‌، 109؛ البستاني، 1/193؛ آمريكانا، ن‌.ص‌).

شهدت‌ الإسكندرية لمرات‌ عديدة منذ حكم‌ بطلميوس‌ الرابع‌ الملقب ‌بفيلوباتور (محب‌الأب‌) و حتى ‌نهاية حكم‌ اليونانيين ‌لمصر، ثورات ‌ضد حكامها. و منها ثورة أهالي الإسكندرية على ‌بطلميوس‌ الرابع ‌في 205 ق‌.م‌، حيث‌ اختاروا بعد عزله ‌ابنه ‌بطلميوس‌ الخامس‌ إپيفانس‌(حك‍ 205-181 ق‌.م‌) خليفة له‌. و في هذه ‌الفترة عزم‌ أنطيوخوس‌ الملك السلوقي الذي رأى‌ اضطراب‌ أوضاع ‌مصر، على ‌احتلال ‌الإسكندرية بعد السيطرة على ‌سورية وفينيقيا. و لكن ‌بعد أن ‌اختار بطلميوس‌ الخامس‌ ابنته ‌زوجة له‌، انسحب‌ من‌ مصر، و أعاد المدن ‌التي كان ‌قد سيطر عليها (زيدان‌، 1/75-76؛ آمريكانا، XXII/751).

و في عهد حكم‌ بطلميوس‌ السابع ‌الملقب ‌إيوئرغيتس‌ الثاني، رحل ‌الكثير من‌ أهالي الإسكندرية و خاصة المفكرين ‌و الأساتذة البارزين ‌في مدرستها و الذين ‌كانو قد ضاقوا ذرعاً بطغيان‌ وظلم ‌حكامها إلى‌ البلدان‌ الأخرى‌، و منذ ذلك الحين ‌أخذت‌ الحوزات‌ العلمية في الإسكندرية تتجه‌ إلى‌ الضعف ‌حتى ‌حكم ‌الرومان‌. ورغم ‌أن ‌بطلميوس‌ السابع ‌بذل ‌الكثير من ‌الجهود في طريق ‌نشر العلم ‌حتى ‌إنه ‌هو نفسه ‌ألف ‌بعض‌ الكتب ‌في المجالات ‌المختلفة، إلا أنه ‌لم‌‌يستطع ‌استعادة ‌المكانة العلمية للإسكندرية (زيدان‌، 1/77- 78؛ عمون‌، 52؛ آمريكانا، ن‌.ص‌). و منذ هذه‌ الفترة وحتى‌ عهد حكم‌ كليوباترا لاتتوفر لدينا معلومات‌ كثيرة عن‌ الأحداث‌ السياسية و التاريخية للإسكندرية، سوى‌ بعض ‌الثورات ‌الداخلية. و في 51 ق‌.م ‌و بعد موت‌ أولتس‌ بطلميوس ‌الحادي عشر، جلست ‌ابنته‌ كليوباترا على ‌العرش‌ في الإسكندرية و أعلنت‌ نفسها ملكة لمصر، و لكن ‌أخاها ثار عليها بعد فترة و أخرجها من‌مصر. لجأت‌ كليوباترا إلى‌ الرومان ‌و طلبت ‌المساعدة منهم‌. فحاصر يوليوس‌ قيصر الروم‌ الإسكندرية في 48 ق‌.م‌، و أعاد كليوباترا إلى‌ الإسكندرية بعد احتلالها. قيل ‌إن ‌قسماً كبيراً حوالي 700 ألف ‌مجلد من‌مكتبة الإسكندرية احترق ‌على ‌إثر هذا الهجوم ‌(العبادي، العصر، 100-103؛ الإسكندري، تاريخ‌ مصر إلى‌ الفتح‌، 134؛ زيدان‌، 1/ 79؛ سالم‌، 36؛ البستاني، 1/ 198).

و بعد موت‌ يوليوس ‌في 44 ق‌.م‌، أصبح‌ الجزء الشرقي من ‌الإمبراطورية الرومية من ‌حصة أنطوني بعد تقسيمها بين ‌اثنين‌ من ‌قادته ‌وهما مارك أنطوني (ماركوس‌ ‌أنطونيوس‌) وأوكتافيانوس‌ (القيصر أوغسطس‌). وقد عشق‌ أنطوني، كليوباترا عند لقائه‌ بها (في 41 ق‌.م‌)، إلى ‌الحد الذي دفعه‌ إلى ‌أن‌ يزهد في كل‌ شيء ويذهب‌ معها إلى‌ الإسكندرية. و في 30 ق‌.م ‌احتل‌ أوكتافيانوس‌ الإسكندرية. و باحتلال ‌الإسكندرية و موت‌ كليوباترا المفجع ‌انتهت ‌دولة البطالسة في‌ مصر و أصبحت‌ الإسكندرية منذ ذلك الحيـن‌ تابعة للدولة الرومية بشكـل‌ رسمي (العبـادي، ن‌.ص‌، 104-106؛ علي، 350، 359-361؛ الإسكندري، ن‌.م‌، 134-136؛ آمريكانا، VII/89؛ بريتانيكا، 1986م‌، XIII/252).

و في عهد حكم ‌الروم تقلص ‌الاقتدار السياسي للإسكندرية. وحدّ أوكتافيانوس ‌من‌ تدخل‌ كبار الإسكندرية الذين ‌كان ‌أغلبهم ‌من‌ أصل ‌يوناني، في شؤون ‌البلد و منح ‌اليهود في المقابل ‌حقوقاً وامتيازات‌ كثيرة (الإسكندرية، ن‌.م‌، 141-143). و خلال القرنين ‌1-2م ‌أخذت ‌الاختلافات ‌و النزعات ‌تدب ‌بين‌ اليهود و اليونانيين‌ في جميع ‌أرجاء مصر و خاصة في الإسكندرية و قتل ‌عدد كبير من‌ كلا الطرفين ‌في الثورات ‌الداخلية (العبادي، الإمبراطورية ...، 125-127؛ جودائيكا، II/589-590). و في أوائل ‌القرن‌2م ‌و مع ‌انتشار المسيحية في الإسكندرية زادت‌ وتيرة الاختلافات‌؛ وخاصة في أواخر حكم ‌ترايانوس‌(98-117م‌)، حيث ‌عمد اليونانيون ‌الذين‌ كانوا قد هربوا إلى ‌الإسكندرية خوفاً من‌ اليهود، إلى ‌الانتقام‌ وارتكبوا المجازر بحق ‌الكثير منهم. و على‌ إثر هذه ‌الثورات ‌دمرت‌ الكثير من ‌الآثار و المعابد و عم ‌الفقر و الجفاف‌ الإسكندرية و مدن ‌مصر الأخرى‌ تزامناً مع‌ هذه ‌الأحداث ‌بسبب‌ انخفاض ‌منسوب‌ مياه ‌النيل ‌(العبادي، ن‌.م‌، 136-139؛ الإسكندري، ن‌.م‌، 144-147).

و منذ أواخر القرن‌3م‌و على ‌إثر ظهور الاختلافات ‌بين ‌الملكانيين ‌و اليعاقبة انهمك الروم‌ في قمع ‌مسيحيي الإسكندرية الذين ‌كان ‌أغلبهم‌ من ‌اليعاقبة. و في عهد ديوكلتيانوس‌ (حك‍ 284-305م‌)، تصرف ‌المسيحيون ‌الإسكندرية، و لكن ديوكلتيانوس استعاد المدينة بعد محاصرة دامت ‌8 أشهر وطفق‌ يذبح ‌المسيحيين ‌دون ‌رحمة. و لذلك اتخذ الأقباط، بداية حكمه‌، أي سنة 284م‌ مبدأ لتاريخهم ‌و أطلقوا على ‌هذه ‌الفترة اسم ‌عصر الشهداء (عمران‌، 21؛ العبادي، ن‌.م‌، 243-247؛ الإسكندري، ن‌.م‌، 150؛ عمون‌، 59؛ سالم‌، 42) و أخيراً، أعلنت‌ المسيحية في عهد قسطنطين‌ الأول ‌إمبراطور روما الشرقية (حك‍ 323-337)، الدين‌ الرسمي في الإسكندرية و تهيأت‌ الأرضية لحدوث‌ تفرقة أكثر في الكنيسة. وقد حدث‌ أول ‌اختلاف‌ بين ‌أسقفي الإسكندرية الكبيرين‌ و هما أثاناسيوس‌ و أريوس‌ بشأن ‌مفهوم ‌التثليث‌. وقد انتهى ‌هذا الاختلاف‌ في 325م‌ بتشكيل ‌مجلس ‌نيقيا (نيقية).و في 391م‌ دمر مسيحيو سرابيوم ‌معبد البطالسة و جميع‌ الآثار المتبقية من‌ مكتبة الإسكندرية الكبرى‌ و التي كانت‌ كليوباترا قد حفظتها. و في 451م‌ قتلت‌ مجموعة من‌ المسيحيين ‌أحد الفلاسفة الأفلاطونيين ‌المحدثين‌ و يدعى ‌هيپاتيا، و على‌ أثر هذه ‌الحادثة آلت‌ الثقافة اليونانية في الإسكندرية إلى ‌الانحطاط (ابن ‌العبري، 136؛ أليري، 71-76؛ العبادي، ن‌.م‌، 247-253؛ غيبون‌، 303، 315-318؛ بريتانيكا، ن‌.ص‌).

و من‌ الأحداث‌ الأخرى‌ التي تستحق ‌الذكر في عهد حكم‌ الرومان‌، احتلال‌ هذه ‌المدينة من ‌قبل‌ جنود هرقل ‌الأول ‌(حك‍ 610-641م‌)، والأخرى‌ هجوم ‌الإيرانيين ‌على ‌مصر الذين ‌احتلوا الإسكندرية بعد فتح‌ بيت‌‌‌المقدس‌ و دمشق‌ و أنطاكية في 617م‌، ولكن‌ الإسكندرية سقطت‌ مرة أخرى ‌بيد إمبراطورية روما الشرقية بعد حوالي 10 سنوات‌، أي في 628م‌ بعد الصلح‌ مع ‌الروم ‌(ابن ‌‌العبري، 155؛ عمران‌، 71-74؛ بتلر، 57- 58، 95، 109-112). و بعد أن‌ استعاد هرقل‌ الإسكندرية قرر أن‌ يوجد التفاهم ‌بين‌ كنيستي القسطنطينية و الإسكندرية؛ و لكن ‌جهوده ‌فشلت‌ واضطر أخيراً للجوء إلى ‌قمع ‌المسيحيين ‌الأقباط فاشتدت ‌الاضطرابات ‌نتيجة لذلك وهرب ‌الكثير من ‌أهالي الإسكندرية من ‌المدينة، وهيأ هذا الاضطراب ‌في الأوضاع‌ الأرضية المناسبة لفتح‌ مصر من‌ قبل ‌المسلمين ‌(ظ: م‌.ن‌، 202-225؛ بريتانيكا، ن‌.ص‌).

 

منارة الإسكندرية الكبرى‌

عندما جعل‌ بطلميوس ‌الأول ‌(سوتير) الإسكندرية عاصمة إمبراطوريته‌، بنى‌ منارة بحرية كبيرة بارتفاع ‌135 متراً (وقيل‌120متراً) بهدف ‌السيطرة أكثر على‌ مياه‌ المتوسط و توجيه ‌السفن‌ في شمال ‌الإسكندرية و شرق ‌جزيرة فاروس‌، حيث‌ تعد إحدى‌ عجائب ‌الدنيا السبع ‌في العالم ‌القديم‌. أوكل سوتير بناءها إلى‌ المهندس‌ اليوناني سوستراتوس‌ و قد انتهى ‌في أوائل ‌عهد بطلميوس‌ الثاني فيلادلفوس‌ (المقريزي، الخطط، 1/156-157؛ الإسكندري، تاريخ ‌مصر إلى ‌الفتح‌، 109؛ بريتانيكا، ن‌.ص‌، البستاني، 13/194؛ كلير ...، I/524-525؛GSE, I/359). و قد نسبت ‌بعض‌ المصادر الإسلامية بناء منارة الإسكندرية إلى‌امرأة باسم‌ دلوكة ابنة الزباء أو إلى‌ ملكة مصر كليوباترا (ظ: ابن‌ ‌‌عبدالحكم‌، 40-41؛ ياقوت‌، 1/62؛ أيضاً ظ: الدمشقي، 36). كما يرى ‌البعض‌ أن‌ باني الأهرام ‌و المنارة هو شخص‌ واحد (ابن‌‌‌حوقل‌، 142؛ صفة المغرب‌ ...،139-140). و قد كانت ‌تنتصب‌ فوق ‌المنارة التي كان ‌يبلغ ‌ارتفاعها 300 ذراع ‌على ‌قول‌ ابن ‌حوقل‌ (ن‌.ص‌) وبنيت ‌بهدف‌ رصد النجوم‌، مرآة كانت ‌تراقب‌ من ‌خلالها حركة السفن‌ في البحر المتوسط (قا: الدمشقي، ن‌.ص‌، المقريزي، ن‌.ص‌، 1/156). وكما قدمت ‌المصادر الإسلامية روايات ‌مبالغاً فيها حول‌ بناء الإسكندرية، فإنها نقلت‌أيضاً قصصاً مشابهة حول‌ منارتها ومرآتها (ظ: ابن‌خرداذبه‌، 115؛ الثعالبي، 524؛ ابن ‌رسته‌، 79). كتب‌ ناصرخسرو الذي زار الإسكندرية في 349ه‍، في هذا المجال ‌قائلاً: كانت ‌قد صنعت ‌على ‌تلك المنارة مرآة حراقة كي تسقط من ‌هذه ‌المرآة نار على ‌كل‌ سفينة للروم ‌قادمة من‌ إستانبول ‌و تحرقها عندما تصبح ‌مقابل ‌تلك المرآة... (ص‌70-71). و قيل ‌إن ‌الروم ‌كسروا هذه‌ المرآة بالحيلة في عهد الوليد بن عبدالملك (حك‍ 86 -96ه‍( الثعالبي، 523؛ القزويني، 146، هفت‌كشور...، 67؛ القلقشندي، صبح‌...، 3/317- 318).

دمـر قسم ‌من‌ منارة الإسكندريـة في 180ه‍ علـى ‌إثر زلــزال ‌( العيون‌...،301). كما دمرت ‌زلازل ‌عديدة و خاصة في 271ه‍ و344ه‍ أجزاء أخرى‌ منها (ظ: المسعودي، التنبيه‌...،48؛ القلقشندي، مآثر ...، 1/256؛ المقريزي، ن‌.م‌، 1/156-157). بحيث‌ لم‌‌يتبق ‌فيها ما يبعث‌ على ‌العجب‌ في أواخر القرن‌6ه‍ سوى‌ قلعة مربعة كانت ‌تستخدم ‌للرصد و ذلك على ‌قول ‌الهروي (ص‌49)، و أيضاً ياقوت‌ (1/262-263) الذي زارها هو نفسه‌. و منذ القرن‌7ه‍، أخذت‌ المنارة تتهدم‌، و رغم ‌أن ‌ركن‌‌الدين ‌بيبرس‌ قام ‌بترميمها 703ه‍ (المقريزي، ن‌.م‌، 1/ 58)، إلا أن ‌أثراً لم‌يتبق ‌منها في القرن ‌8ه‍ على‌ ما ذكر القلقشندي (صبح‌، ن‌.ص‌)، و كذلك استناداً إلى ‌رواية رحلة ابن‌ بطوطة إلى ‌الإسكندرية في 726ه‍ و750ه‍ (ص‌39-40).

 

مدرسة الإسكندرية، أو متحفها

أسس‌ بطلميوس ‌الأول ‌سوتير في 280 ق‌.م ‌مركزاً علمياً كبيراً باسم‌ «موسيوم‌» الذي كان‌ يعتبر في الحقيقة جامعة كبيرة و اشتهر في المصادر الإسلامية بمدرسة الإسكندرية تجمع‌ فيه ‌منذ البدء علماء بارزون‌ من‌ جميع‌ أرجاء اليونان‌ و انشغلوا بالتدريس‌ و البحث ‌في علوم الرياضيات ‌والفلسفة و الفلك و الطب‌ و الجغرافيا و التاريخ المختلفة كما أسس‌ سوتير مكتبة إلى ‌جانب‌ هذه ‌المدرسة حوّلها خلفاؤه ‌إلى ‌أكبر مكتبة في العالم ‌آنذاك من‌ خلال ‌جمع ‌كتب ‌نفيسة من‌ جميع‌ أنحاء اليونان ‌ومصر و آسيا، حيث‌ أصبحت‌ تضم ‌أكثر من‌700 ألف‌ مجلد (طومار). و بتأسيس‌ هذه ‌المدرسة و المكتبة، أصبحت‌ الإسكندرية أحد أهم ‌مراكز العلم‌ و الأدب‌، حيث‌ أحدثت ‌خلال‌7 قرون ‌من ‌الازدهار تحولات‌كبيرة في مجال‌ الثقافة و الحضارة والعلوم ‌المختلفة (ظ: برنال‌، 1/ 169-171؛ أليري، 32-33؛ رنان‌، 154؛ اليازجي، 2/33-40).كان ‌هذا المتحف ‌(أو المدرسة) جزء من ‌القصر الملكي على ‌قول‌ سترابن ‌وكان ‌على ‌رأسها كاهن‌ يعين ‌من ‌قبل ‌الإمبراطور، و يشرف‌ على‌ عمل ‌الأساتذة و البحوث ‌التي كانت‌ تتم ‌(VIII/35).

الصفحة 1 من2

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: