الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الفلسفة / الإسکندر الأفرودیسي /

فهرس الموضوعات

الإسکندر الأفرودیسي

الإسکندر الأفرودیسي

تاریخ آخر التحدیث : 1442/9/15 ۲۳:۳۱:۰۶ تاریخ تألیف المقالة

اَلْإسْكَنْدَرُ الْأَفْروديسيّ، الفيلسوف‌ المشائي و أبرز مفسر وشارح‌ لمؤلفات‌ أرسطو. كان‌ من‌ مدينة أفروديسياس‌ في شمال‌ شرق‌ منطقة كاريا في آسيا الصغرى‌، حيث‌ ماتزال‌ بقاياها ماثلة في منطقة آيدين‌ بتركيا. رغم‌ أن‌ التاريخ‌ الدقيق‌ لحياة الإسكندر غير معروف‌، ولكننا نعلم‌ أنه‌ كان‌ يعيش‌ بين‌ منتصف‌ القرن‌ 2 و بداية القرن‌ 3م و كان‌ معاصراً لإمبراطورين‌ روميين‌ هما سيبتيموس‌ سيفيروس‌ (193-211م‌) و ابنه‌ كاراكالا (211-217م‌). فقد استدعيا الإسكندر إلى‌ أثينا للتدريس حوالي 198م‌، أو بعد ذلك بفترة قصيرة، و قدم‌ تقديراً لهما أحد مؤلفاته‌ بعنوان‌ «فى‌ المصير».

تذكر المصادر اليونانية الإسكندر غالباً باسم‌ «المفسر» وأرسطو الثاني. كانت‌ مؤلفاته‌ تعتبر من‌ المصادر الرئيسة لشراح‌ آثار أرسطو المتأخرين‌ و مازالت‌ شروحه‌ على‌ مؤلفات‌ أرسطو نافعة إلى‌ حد بعيد للباحثين‌ في حياة و آثار هذا الفيلسوف‌ اليوناني. يبدو أنه‌ شرح‌ الكثير من‌ آثار أرسطو ــ وليس‌ كلهـا ــ و لكن‌ الكثير من‌ شروحاته‌ فقدت‌ و ما تبقى‌ منها يوجد الآن‌ في مجموعة «التفاسير اليونانية لآثار أرسطو». كما نشرت‌ شروحه‌ ومؤلفاته‌ الأخرى‌ في مجموعة «الملحقات‌ الأرسطية» في 3 مجلدات‌ (برلين 1885-1903م‌).

نشرت‌ في المجلد الثاني من‌ هذه‌ المجموعة «المؤلفات‌ الأصغر» و «في النفس‌» و كذلك رسالة «في العقل‌» بتحقيق‌ إيفوبرونز (برلين‌ 1887م‌)، و كذلك ملحقاتها و إضافاتها، ومنها «المسائل‌ الطبيعية» و «في المصير» بتحقيق‌ إيفوبرونز (برلين‌ 1892م‌). و بالإضافة إلى‌ ذلك، فقد وصلنا مايقرب‌ من‌ 35 مؤلفاً صغيراً للإسكندر في الترجمات‌ العربية و قد ضاع‌ الأصل‌ اليوناني لبعض‌ منها. و أهمها المقطوعات‌ التي نقلها ابن‌ رشد في تفسيراته‌ لآثار أرسطو، و خاصة في تفسيره‌ على‌ مابعد‌الطبيعة لأرسطو (13/12-13).

و يعدّ الإسكندر الأفروديسي أكثر مفسري آثار أرسطو وفاء ودقة في بيان‌ مبادئه‌ و معتقداته‌. و هو يستحق‌ دراسة و تقييماً شاملاً و كاملاً لم‌‌يقدم‌ حتى‌ الآن‌ و يجب‌ أن‌ يتم‌ في المستقبل‌. فهو يتتبع‌ في شروحه‌ مؤلفات‌ أرسطو وآراءه‌ بدقة لانظير لها، بل‌ إنه‌ يتناول‌ التناقضات‌ و الاختلافات‌ المحتملة بين‌ أفكاره‌ في النص‌ الواحد و يحاول‌ كشفها و حلها. و في المواضع‌ التي تخلو فيها النصوص‌ من‌ الإبهام‌ و الصعوبة، يكتفي ببضع‌ ملاحظات‌ حولها، وفي المواضع‌ التي يحتمل‌ وجود استنتاجات‌ و تفسيرات‌ مختلفة في النص‌، يتطرق‌ إليها كلها و يحاول‌ أن‌ يقدم‌ الحل‌، أو التفسير الذي يبدو أكثر صحة في نظره من‌ خلال‌ مقارنتها بالمواضيع‌ التي ذكرها أرسطو في آثاره‌ الأخرى‌. و قد لايوافق‌ أرسطو في رأي، أو أكثر فلايتناولها بالنقاش‌ (ظ: فيلبرت‌، 396 -369، خاصة 369-371).

يتناول‌ الإسكندر فيما بقي من‌ شروحه‌ لآثار أرسطو، مسائل‌ المنطق‌، و مافوق‌‌الطبيعة، و الأرصاد الجوية، كما يقوم‌ في كتابيه‌ «في النفس‌» و «بحوث‌ حول‌ الطبيعيات‌» (الفيزياء)، بتحليل‌ وتفسير نظريات‌ أرسطو في علم‌ النفس‌ و الإنسان‌، و فيما يتعلق‌ بالمسائل‌ الأخلاقية نراه‌ يدافع‌ عن‌ نظريات‌ أرسطو أمام‌ معتقدات‌ الفلاسفة الرواقيين‌ و اعتراضاتهم‌، وعن‌ نظرية قدم‌ العالم‌ أمام‌ الأفلاطونيين‌. ولكننا نجد في هذا المجال‌ أهم‌ آراء الإسكندر في حقـل‌ علم‌ النفس‌، و نظرية المعرفـة، و الأهم‌ من‌ كل‌ ذلك ــ كمـا سنرى‌ ــ حول‌ العقل‌ و التفكير. و الإسكندر يعد أيضاً مؤيداً ومدافعاً متحمساً عن‌ حرية الإرادة (الاختيار) في الإنسان‌، و هو ينتقد و يرد في كتابه‌ «في المصير» نظرية النزعة المصيرية للرواقيين‌ بشكل‌ معمق‌.

و من‌ جهة أخرى‌، فعلى‌ الرغم‌ من‌ جميع‌ الجهود التي يبذلها لكي يبقى‌ وفياً لآراء أرسطو، إلا أنه‌ قد ينحرف‌ أحياناً عن‌ بعض‌ معقتداته‌ و يطرح‌ رأيه‌ الخاص‌ و يحاول‌ إثباته‌. و على‌ سبيل‌ المثال‌ فإن‌ أرسطو يرى‌ أن‌ «الجزئيات‌» ذات‌ وجود جوهري وحقيقي كما نعلم‌، ولكنه‌ من‌ جهة أخرى‌، يعتبر «الكليات‌» أو المفاهيم‌ الكلية الموضوعات‌ الحقيقية للمعرفة، كما أنه‌ و استناداً إلى‌ رأيه‌ حول‌ «المادة» (الهيولى) و الصورة، لايعتبر أي صورة منفصلة عن‌ المادة و لايستثني من‌ هذه‌ القاعدة، سوى‌ الألوهية والعقل‌. و هنا يرى‌ الإسكندر أن‌ الجزئيات‌ ليست‌ مقدمة لنا، بل‌ إنها مقدمة في ذاتها على‌ الكليات‌ أيضاً، و ذلك خلافاً لرأي أرسطو الذي يرى‌ أن‌ الجزئيات‌ ذات‌ واقع‌ أكثر، و الكليات‌ متمتعة بحقيقة أكثر، و يرى‌ الإسكندر أن‌ الجزئيات‌، أو «الجواهر غير القابلة للقطع» على‌ حد تعبيره‌ لو لم‌‌‌تكن‌ موجودة، لما كان‌ بمقدور المفاهيم‌ الكلية، أو الكليات‌ أن‌ يكون‌ لها وجود أيضاً. والكليات‌ هي مفاهيم‌ يشترك فيها الكثير من‌ الجزئيات‌، و بذلك فإن‌ المفاهيم‌ الكلية لاتوجد، إلا في الفكر، و الفكر ينتزعها من‌ الجزئيات‌، و عندما لانفكر فيها فسوف‌ لايكون‌ لها وجود. و بعبارة أخرى‌، فإن‌ تفكيرنا هو الذي يفصل‌ الصورة الممتزجة مع المادة عنها و يضفي الوجود على‌ المفاهيم‌ الكلية.

تتمتع‌ آراء الأسكندر حول‌ النفس‌ و العقل‌ بأهمية خاصة بين‌ معتقداته‌. و هو يرى‌ اتباعاً لنظرية أرسطو حول‌ الاتحاد بين‌ المادة والصورة، أن‌ نفس‌ الإنسان‌ هي أيضاً صورة الجسد العضوي، أي الجسد. فالنفس‌ ليست‌ جوهراً مستقلاً عن‌ الجسد؛ فأعمال‌ النفس‌ ترتبط أيضاً بشكل‌ مباشر مع‌ تركيبة الجسد و حركاته‌. و مظاهر المزج‌ بينهما هي سبب‌ وجود النفس‌ (104، السطران 28-29). وعلى‌ هذا، فلأن‌ النفس‌ هي صورة الجسد و كماله‌، فإنها تفسد مع‌ فساد الجسد أيضاً؛ فالنفس‌، و الجسد «يفسدان‌ معاً». و هكذا، فإن‌ الإسكندر ينكر خلود النفس‌.

و من‌ جهة أخرى‌، يوجد بين‌ آثار الإسكندر، كما أشرنا، مؤلف‌ صغير بعنوان‌ «في العقل‌» كان‌ له‌ بين‌ مؤلفاته‌ الأخرى‌ النصيب‌ الأكبـرو الأوسع من‌ التأثير على‌ فلاسفة العصور التاليـة ومنهم‌ فلاسفة العالم‌ الإسلامي و كذلك الفلاسفة الأوروبيين‌ في القرون‌ الوسطى‌. ترجم‌ هذا المؤلف‌ المترجم‌ المعروف‌ إسحاق‌ بن حنيـن‌ (تـ ‍298ه‍/911م‌) إلى‌ العربية، ثم‌ ترجمت‌ هذه‌ الترجمة العربية فيما بعد في القرون‌ الوسطى‌، إلى‌ اللاتينية. كان‌ النص‌ العربي لهذا المؤلف‌ قد نشر لأول‌ مرة بعنوان‌ «النص‌ العربي لكتاب‌ في العقل‌ للإسكندر الإفروديسي» بتحقيق ج‌. فينغان‌، مع‌ مقدمة في «مجموعة مقالات‌ جامعة سان‌ جوزيف‌» في بيروت‌. و نشر عبدالرحمان‌ بدوي بعد ذلك نفس‌ النص‌ على‌ أساس‌ مخطوطات‌ أخرى‌ في شروح‌ على‌ أرسطو مفقودة في اليونانية ... (بيروت‌، 1971م‌، ص‌ 31-42)، و أضاف‌ نصه‌ اليوناني أيضاً في خاتمة الكتاب‌. يوجد أصله‌ اليوناني في الصفحات‌ 103-106 من‌ المجلد الثاني لـ «الملحقات‌ الأرسطية».

و مما يجدر ذكره‌ هنا أن‌ اسم‌ أرسطو الذي ذكر في نص‌ «في العقل‌» للإسكندر، أدى‌ إلى‌ اختلاف‌ وجهات‌ النظر بين‌ الباحثين‌، لأن‌ اسم‌ «أريستوكلس‌» من‌ أهالي مسينا (مدينة في جزيرة صقلية‌» جاء في بعض‌ المخطوطات‌ بدلاً من‌ «أريستوتلس‌» و يقال‌ إن‌ الإسكندر كان‌ تلميذه‌. كان‌ هذا الرأي قد شاع‌ منذ القرن‌ ‍10ه‍/16م‌ و مابعده‌؛ في حين‌ ذكر اسم‌ «أرسطو» في المخطوطات‌ الأخـرى‌ و منها فـي نـص ترجمتها العربيـة لإسحاق‌ بن‌ حنيـن‌ والتي كان‌ قد تم‌ استنساخها دون‌ شك من‌ أقدم‌ المخطوطات‌.

و في هذا المجال‌، فإن‌ بل‌ مرو المتخصص‌ المعاصر في أرسطو توصل‌ بعد دراسة معمقة و شاملة إلى‌ أن‌ أرسطو الذي ذكر في رسالة الإسكندر، و تم‌ التطرق‌ إلى‌ آرائه‌، هو فيلسوف‌ مشائي آخر باسم‌ أرسطو من‌ موتيلنه‌ (المدينة الرئيسة في جزيرة ليسبوس‌ في بحر إيجـة). و تـدل‌ دراسة مرو علـى‌ أن‌ أرسطـو ــ الذي يسمى‌ في المصادر «أرسطو الأصغر» ــ كان‌ قد توفي في الثلث‌ الأخير من‌ القرن‌ 2م‌، و أن‌ الإسكندر كان‌ من‌ الممكن‌ أن‌ يكون‌ تلميذه‌ بين‌ سنة 175-180م‌. و يصفه‌ الطبيب‌ اليوناني المشهور جالينوس‌ (129-199م‌) في أحد مؤلفاته‌ حول‌ مرض‌ و موت‌ أرسطو هذا، بأنه‌ رجل‌ «كان‌ يحتل‌ المرتبة الأولى‌ في البحوث‌ المشائية» (ظ: مرو، 399-401). 

لقد كانت‌ نظرية العقل‌ و مسألته‌، أو «البحث‌ المتعلق‌ بالعقل‌» على‌ حد التعبير المتداول‌ بين‌ المتخصصين‌ المعاصرين‌ في أرسطو، دوماً من‌ دوافع‌ اختلاف‌ الآراء و التفسيرات‌ بين‌ شراح‌ آثار أرسطو و خاصة علم‌ النفس‌ لديه‌ و علينا أن‌ نبحث‌ عن‌ سبب‌ ذلك في أقوال‌ أرسطو نفسه‌ و تعابيره‌ حول‌ العقل‌، لأن‌ معظم‌ أقواله‌ في هذا المجال‌، موجزة و مبهمة أحياناً إلى‌ الحد الذي تكون‌ فيه‌ الاستنتاجات‌ و التفسيرات‌ مختلفة و متضادة أحياناً. وفي هذا المجال‌ فإن‌ الفصلين‌ 4و5 من‌ الكتاب‌ الثالث‌ «في النفس‌» لأرسطو هـو الذي أثار الاختلاف‌ فـي الآراء بشكل خاص (ظ: ن‌.د، 6/629-632).

و يبدو أن‌ مبحث‌ العقل‌ و صعوباته‌ عند أرسطو، كان‌ يشغل‌ حتى‌ معاصريه‌ و تلامذته‌. و من‌ بينهم‌ ثيوفراستس‌ تلميذه‌ وخليفته‌ في المدرسة المشائية الذي تطرق‌ إلى‌ ذلك المبحث‌ لأول‌ مرة، و تتوفر الآن‌ أجزاء من‌ مؤلفه‌ في هذا المجال‌ منقولة في المصادر التالية (ظ: باربوتن‌، مخ‍ ‍). و يدور حديثه‌ بشكل‌ رئيس‌ حول‌ منشأ العقل‌ و كيفية ظهوره‌. و قد اكتفى‌ أرسطو نفسه‌ في هذا المجال‌ بحديث‌ قصير و عابر، حيث يقول‌: و يبقى‌ العقل‌ وحده‌ الذي يدخل‌ من‌ الخارج‌، و هو وحده‌ الإلٰهي، لأن‌ أي نوع‌ من‌ النشاط البدني لاعلاقة له‌ بنشاط العقل‌ (الكتاب‌ II، الفصل‌ 3، البند b 736، السطران 28-29). لقد كانت قد أثارت‌ هذه‌ الإشارة القصيرة تفسيرات‌ مختلفة بين‌ المتخصصين‌ في أرسطو. إن‌ قيد «من‌ الخارج‌» في قول‌ أرسطو هذا كان‌ قد أدى‌ إلى‌ ظهور هذا التفسير و هو العقل‌ من‌ وجهة نظره‌ ليس‌ نتاج‌ الانتشار العضوي والنفسي للإنسان‌، بل‌ إن‌ منشأه إلٰهي و سماوي، و هو يدخل‌ إلى‌ نفس‌ الإنسان‌ من‌ «الخارج‌». و هكذا فإن‌ موضوع‌ العقل‌ كان‌ قد أصبح‌ أحد العوامل‌ الرئيسة للبحث‌ و اختلاف‌ الآراء بين‌ المشائيين‌ والافلاطونيين‌ في القرون‌ التالية.

و عندما كان‌ أرسطو الثاني (الأصغر) و تلميذه‌ الأسكندر قد تطرقا في النصف‌ الثاني من‌ القرن‌ 2م‌ إلى‌ مسألة العقل‌ لدى‌ أرسطو، أخذا بعين‌ الاعتبار خلفية ذلك الموضوع‌. و يدل‌ تقرير الإسكندر حول‌ العقل‌ على‌ أن‌ أستاذه،‌ أي أرسطو الثاني، يقدم‌ رأياً خاصاً حول‌ العقل‌ كي يزيل‌ الصعوبات‌ الناجمة عن‌ التعبير الأرسطي حول‌ «العقل‌ من‌ الخارج،‌ أو الخارجي». و من‌ جهة أخرى‌، تجب‌ الإشارة إلى‌ هذه‌ الملاحظة و هي أن‌ أرسطو الأصغر كان‌ قد تأثر في تلك الفترة بآراء الفلاسفة الرواقيين‌، و مزج‌ الآراء الأرسطية و الرواقية. و يشير الإسكندر في تقريره‌ إلى‌ العناصر غير الأرسطية في تفسير أرسطو الأصغر و يسعى‌ لأن‌ يفصلها عن‌ آراء أرسطو التقليدية. ويمكننا أن‌ نشير من‌ بين‌ هذه‌ الآراء غير الأرسطية، أي الرواقية إلى‌ هذه‌ العناصر: الحضور الشامل‌ و الكائن‌ في العالم‌ للعقل‌ للإلٰهي؛ الاستنتاج‌ ذو الصبغة المادية لفطرة الإنسان‌ العقلية؛ التعبير عن‌ تفكير الإنسان‌ كنوع‌ من‌ النشاط الإلٰهي المتواجد في كل‌ مكان‌ و الاعتقاد بتأثير الله‌ على‌ الموجودات‌ الجزئية تحت‌ فلك القمر و كذلك العناية الإلٰهية.

و يضم‌ تقرير الإسكندر قسمين‌: حيث‌ يقدم‌ بداية في القسم‌ الأول‌ تفسير لرأي أرسطو الكبير حول‌ العقل‌ «من‌ الخارج‌»، ثم‌ إيضاحات‌ حول‌ كيفية تأثير ذلك العقل‌ على‌ العقل‌ الإنساني وتفكيره‌. إن‌ ما يقدمه‌ الإسكندر في هذا القسم‌، لايمكن‌ اعتباره‌ الآراء الخاصة بأرسطو الأصغر، بل‌ إن‌ هذا القسم‌ هو في الحقيقة انعكاس‌ لعقيدة المشائيين‌ العامة حول‌ العقل‌ في النصف‌ الثاني للقرن‌ 2م‌؛ و هكذا، يمكن‌ اعتبارها أيضاً آراء الإسكندر نفسه‌ في موضوع‌ العقل‌. و أما القسم‌ الثاني، أو الختامي من‌ ذلك التقرير، فيضم‌ الآراء الخاصة بأرسطو الأصغر، خاصة مايذكره‌، تحت‌ تأثير عقائد الرواقيين‌، حول‌ خلود العقل‌ «من‌ الخارج‌» وكونه‌ إلٰهياً، ويسعى‌ من‌ أجل‌ أن‌ يزيل‌ الصعوبات‌ و الشكوك التي يتضمنها هذا الرأي. و يتشدد الإسكندر في معارضة هذا القسم‌ من‌ آراء أرسطو الأصغر و يحاول‌ أن‌ يثبت‌ أن‌ هذه‌ الصعوبات‌ لاوجود لها أساساً.

يقسم‌ العقل‌ حسب‌ ماكتبه‌ الإسكندر إلى‌ 3 أقسام‌: 1. العقل‌ المادي، أو الهيولاني؛ 2. العقل‌ بالملكة؛ 3. العقل‌ الفعال‌، الذي يسميه‌ الإسكندر «العقل‌ من‌ الخارج،‌ أو الخارجي»، و الذي يسمى‌ في الترجمتين‌ العربية و اللاتينية «العقل‌ المستفاد، أو المكتسب‌».

إن‌ العقل‌ المادي، أو الهيولاني، هو نوع‌ من‌ الاستعداد المحض‌ في نفس‌ الإنسان‌ ليست‌ له أية صورة، و لاوجود واقعي، و لكنه‌ يتمتع‌ بإمكانية أن‌ يصبح‌ كل‌ شيء، أي بإمكانه‌ أن‌ يفكر في كل‌ شيء، و بعبارة أخرى‌، أن‌ يجعل‌ بالقوة كل‌ شيء «معقولاً». و على‌ هذا فإن‌ العقل‌ الهيولاني هو العقل‌ بالقوة، و ليس‌ بالفعل،‌ أو هو حسب‌ تعبير الإسكندر «وليس‌ هو واحداً من‌ الموجودات‌ بالفعل‌ إلا أنه‌ قد يمكن‌ فيه‌ أن‌ يصير متصوراً للأشياء الموجوده‌ كلها»، بل‌ هو قوة محضة بإمكانها أن‌ تقبل‌ الصور و المعقولات‌ خلال‌ مسيرة اكتمال‌ النفس‌ (107، السطور، 16-18).

إن‌ العقل‌ بالملكة، هو نوع‌ من‌ القدرة على‌ إدراك صور المعقولات‌ حسب‌ القوة الكامنة فيه‌، مثل‌ الملكة التي يتمتع‌ بها الصناع‌، أو الفنانون‌ و يستطيعون‌ بواسطتها أن‌ يؤدوا أعمالهم‌ حسب‌ ذلك الفن‌ و يصبحوا صناعاً، أو فنانين‌. و يتحول‌ العقل‌ الهيولاني إلي عقل‌ بالملكة ويستطيع‌ أن يفكر و المتكاملون‌ (أي البشر) يتمتعون‌ به‌ (ص‌ 107، السطور، 25-28).

النوع‌ الثالث‌ من‌ العقل‌ و هو غير العقلين‌ المذكورين‌، وهو العقل‌ الفعال‌، و العقل‌ الهيولاني يصبح‌ عقلاً بالملكة بواسطته‌، ومثاله‌ ــ كما يقول‌ أرسطو ــ الضياء، أو النور؛ فكما أن‌ النور يؤدي إلى‌ الرؤية بالفعل‌ للألوان‌ المرئية بالقوة، فإن‌ العقل‌ الفعال‌ يحوّل‌ أيضاً العقل‌ بالقوة، أو الهيولاني إلى‌ العقل‌ بالفعل‌. وهذا العقل‌ الفعال‌ نظراً لطبيعته معقول‌ و بالفعل‌ هكذا؛ لأنه‌ فاعل‌ التفكير و يرشد العقل‌ الهيولاني إلى‌ الفعلية. و العقل‌ بالفعل‌ هو المعقول‌ بالفعل‌ نفسه‌ و صورة المعقول‌ نفسها. و المعقول‌ بالفعل‌ هو أيضاً العقل‌ بالفعل‌ نفسه‌، فعندما يكتسب‌ العقل‌ صورة المعقول‌ و يعزله‌ عن‌ المادة، يحوله‌ إلى‌ معقول‌ بالفعل‌ ليتحول‌ هو نفسه‌ أيضاً إلى‌ عقل‌ بالفعل‌. و يسمى‌ مثل‌ هذا العقل‌ الفعال‌ «العقل‌ من‌ الخارج‌» وهو ليس‌ جزءاً، أو قوة من‌ أنفسنا، بل‌ يحدث‌ فينا من‌ الخارج‌ (ص‌ 108، السطران، 22-23).

و مما يجدر ذكره‌ هنا، أن‌ مايسميه‌ الإسكندر «العقل‌ من‌ الخارج‌»، يسمى‌ في الترجمة العربية لإسحاق‌ بن‌ حنين‌ «العقل‌ المستفاد»، أو «المستفاد من‌ الخارج‌» وقد شق‌ هذا المصطلح‌ طريقه‌ منذ تلك الفترة ــ أو قبلها ــ في الفلسفة الإسلامية أيضاً (ظ: شروح‌ ...،36-37). و يسمي الإسكندر، أو أرسطو الأصغر هذا النوع‌ الثالث‌ من‌ العقل‌، أي الفعال‌ و الخارجي «العقل‌ الإلٰهي» أيضاً. و هذا العقل‌ فاعل‌ دوماً، لأنه‌ هو بالفعل‌؛ و هو ينشط عندما تظهر أداة خاصة نتيجة تركيبات‌ صحيحة عن‌ الأجسام‌؛ و حنيئذ يقـوم‌ بنشاط مـادي على‌ العقـل‌. ومثل‌ هـذا العقل‌ ــ حسـب‌ رأي أرسطو ــ إلٰهي خالد (ص‌ 112، السطر 27- ص‌ 113، السطر 3).

و أما فيما يتعلق‌ بكيفية تأثير العقل‌ الفعال‌ على‌ العقل‌ الإنساني فيقال‌ إن‌ العقل‌ الفعال‌ هو «نوع‌ من‌ الطبيعة» «أو نوع‌ من‌ الجوهر» (الأوسيا) يتمتع‌ بمقتضى‌ جبلته‌ بالمعقولية بالفعل‌، و لايعود بحاجة إلى‌ أن‌ يتجرد من‌ قبل‌ العقل،‌ أو الفكر الإنساني حتى‌ يتحول‌ إلى‌ معقول‌ بالفعل‌ و يدركه‌ عقلنا. إن أي‌ شيء آخر، سوى‌ العقل‌، ليس‌ معقولاً بالفعل‌ و بحد ذاته‌ و العقل‌ بالفعل‌ يضفي المعقولية على‌ الأشياء التي‌ تصبح‌ معقولة. وعلى‌ هذا، فإن‌ لم‌‌يكن‌ هناك عقل‌، لما كان‌ أي شئ معقولاً، لأنه‌ لايوجد أي شئ معقول‌ بالطبع‌ سوى‌ العقل‌. و من جهة أخرى‌، فإن‌ العقل‌ في المادة (الهيولى) يشبه‌ جوهراً في جوهر هو بالفعل‌ دائماً في فعله‌ و أعماله‌. و يوجد في فطرة الإنسان‌ ــ التـي هي بدورها مزيـج‌ من‌ الأجسام‌ ــ استعـداد يصبح‌ على‌ مر الزمن‌ و اتساعه‌ بمثابة أداة بيد العقل‌ و هو بدوره‌ يحتل‌ مكاناً في ذلك المزيج‌. و تلك الأداة هي أيضاً بدورها جسم‌ يسمى‌ العقل‌ بالقوة. و هو وليد مزيد من‌ الأجسام‌ المستعدة لقبول‌ العقل‌ بالفعل‌ و بذلك، يمكن‌ القول‌ إن‌ الإنسان‌ يتمتع‌ منذ الولادة بالاستعداد للتعقل‌، أو التفكير، حيث‌ يتحول‌ مع‌ مرور الزمن إلى‌ المقدرة على‌ التفكير و بإمكانه‌ أن‌ يقبل‌ في ذاته‌ كل‌ معقول‌ ويفكر فيه‌؛ ولإنه‌ يفكر فيه‌، فإن‌ ذلك المعقول‌ بالفعل‌ الذي هو طبعاً عقل‌ بالفعل‌، يشغل‌ مكانة‌ في ذهن‌ الإنسان‌ و يتحول‌ إلى‌ خصوصية بإمكانها أن‌ تنتزع‌ المعقولات‌ بالقوة.

و في هذا المجال‌، يضفي العقل‌ الفعال‌ الكمال‌ على‌ العقل‌ المادي (الهيولاني). و بعبارة أخرى‌ فإن‌ العقل‌ الفعال‌ ليس‌ هو الصانع،‌ أو الموجد للعقل‌ بالقوة، بل‌ يوصله‌ إلى‌ الكمال‌ و حسب‌، ويجعله‌ قادراً على‌ أن‌ يقوم‌ بنفسه‌ بعملية التجريد و الانتزاع‌، أو يصبح‌ على‌ حد تعبير الإسكندر «مرادفاً في الفعل» للعقل‌ الإنساني. وكما قيل‌ فإن‌ هذا العقل‌ هو نفس‌ العقل‌ الذي يدخل‌ الإنسان‌ «من‌ الخارج‌» و يصبح‌ الإنسان‌ متمتعاً بالخلاقية بعد بلوغ‌ مرحلة من‌ الكمال بمساعدة هذا «العقل‌ من‌ الخارج‌»، و يستطيع‌ أن‌ يفصل‌ المعقولات‌ بالقوة عن‌ قشرها المادي. و من‌ جهة أخرى‌، يزول‌ العقل‌ بالقوة الذي هو نتاج‌ تركيبات‌ من‌ الأجسام‌ في الجسم‌ الإنساني، بزوال‌ الجسم‌ و فساده‌؛ و لكن‌ ذلك العقل‌ الفعال،‌ أو «العقل‌ من‌ الخارج‌» الذي هو «العقل‌ الإلٰهي»، و ليس‌ له‌ امتزاج‌ مع‌ المادة، يظل‌ باقياً على‌ حاله‌ و بتجاوز العقل‌ البشري.

و كما قيل، فإن الإسكندر يقدم‌ في القسم‌ الأخير من‌ تقريره‌ آراء جديدة حول‌ نشاط العقل‌ الإلٰهي و تدبيره‌ في إدارة العالم‌ تحت‌ فلك القمر (قا: ص‌ 113، السطور، 6-12). و كما نعلم‌، فإن‌ أرسطو كان‌ من‌ جهة يعتبر العقل‌ الإلٰهي السبب‌ الأفضل‌ لكل‌ حركة، و من‌ جهة أخرى‌ يرى‌ أن‌ أي نوع‌ من‌ الكون‌ و الفساد في الفضاء الذي تحت‌ فلك القمر، ناجم‌ عن‌ حركات‌ الأجرام‌ السماوية وخاصة الشمس‌. و أخيراً، فقد كان‌ يرى‌ أن‌ الطبيعة، هي أصل‌ كل‌ نوع‌ من‌ الحركة. و لكن‌ أرسطو الأصغر و الإسكندر يحاولان‌ أن‌ يوفقا بشكل‌ ما بين‌ هذه‌ الآراء الأساسية. و هكذا، يقال‌ إن‌ ذلك العقل‌ الإلٰهي إما أنه‌ هو المدبر لوحده‌ لأشياء هذا العالم‌ ــ ويربط، أو يفصل‌ بينها، و يستمد العون‌ في هذا المجال‌ من‌ إلٰه‌ سماوي ــ وبناء على‌ ذلك فإنه‌ أيضاً خالق‌ العقل‌ بالقوة في الإنسان‌، أو ذلك العقل‌ الإلٰهي بمكافئة الحركة المنظمة للأجرام‌ السماوية لأن‌ بها يكون‌ ما هاهنا بقربها و بعدها و لاسيما الشمس‌ و إما أن‌ يكون‌ بهذا البعد و القرب‌ و بحركة الأجرام‌ السماوية تكوّن‌ الطبيعة، وتكوّن‌ الطبيعة هي التي تدبر الأشياء مع‌ العقل‌ و نحن‌ نجد هذه‌ النظرية حول‌ الطبيعة في مؤلف‌ آخر للإسكندر نفسه‌ أيضاً. و بناء على‌ هذه‌ النظرية فإن‌ طبيعة الأشياء التي تحت‌ فلك القمر، أي مبدأ حركتها، تظهر نتيجة لحركة الأجرام‌ السماوية. إن‌ الأجرام‌ الإلٰهية السماوية تمنح‌ الأشياء هاهنا قوة إلٰهية و التي إما أن‌ تكون‌ قوة حياة الكائنات‌ الحية، أو أن‌ تتحد مع‌ صور الأجسام‌ الأولى‌ (في هذا الخصوص‌، ظ: مقالة بل‌ مرو في مجلة‌ هرمس‌). و أخيراً ينتقد الإسكندر هذه‌ النظرية ــ التي ينسبها إلى‌ الفلاسفة الرواقيين‌ــ، خاصة و إن‌ العقل‌ الإلٰهي يوجد أيضاً حسب‌ هذه‌ النظرية في أدنى‌ الأشياء كما أنه‌ يوجد بصورة عامة عقل‌ و عناية في الأشياء ها‌هنا هي العقلية و العنائية سابقاً و العناية هنا تعود إلى‌ تلك الأجرام‌ الإلٰهية و بذلك، فإن‌ التفكير، أو التعقل‌ لاوجود له‌ بالنسبة لنا و ليس‌ من‌ عملنا نحن‌، بل‌ تظهر طبعاً تركيبة العقل‌ بالقوة و الشبيهة‌ بالأداة بشكل‌ مباشر مع‌ ظهورنا و تنشط بواسطة العقل‌ من‌ الخارج‌. و يقال‌ إن‌ العقل‌ من‌ الخارج‌ مفارق‌ المادة، أو (مفارق‌ لها)، و هو مفارقنا أيضاً، ولكن‌ ليس‌ بأن‌ ينتقل،‌ أو يغير مكانه‌، بل‌ إنه‌ يبدو وكأنه‌ من‌ تلقاء نفسه‌ و مفارق‌ و مجرد من‌ المادة. ومفارقته‌ عنا تكون‌ بأن‌ لايُفَكَّر فيه‌ و لايقبل‌ البحث‌ عنه‌ (ص 113، السطور، 12-24).

و قد سبقت‌ الإشارة في البدء إلى‌ أن‌ الإسكندر كتب‌ مؤلفاً مستقلاً تحت‌ عنوان‌ «في مصير و قدرة إرادتنا، إلى‌ الحكام‌» كان‌ قد قدمه‌ إلى‌ إمبراطور روما آنذاك و ابنه‌. و مما يجدر ذكره‌ هنا أن‌ النظرة العالمية الفلسفية للرواقيين‌ كانت‌ شائعة إلى‌ حد بعيد في عصر الإسكندر، وكما قلنا فإن‌ أرسطو الأصغر نفسه‌ أستاذ الإسكندر لم‌‌يكن‌ قد سلم‌ من‌ تأثير معتقدات‌ الرواقيين‌ و آرائهم‌. ومن‌ بين‌ خصائص‌ فلسفة الرواقيين‌ «النزعة الجبرية»، أو «النزعة المصيرية» بتعبير أفضل‌. و يعد خروسيبوس (282-206 ق.م‌) المؤيد المتحمس‌ لهذه‌ النزعة بين‌ الشخصيات‌ الرواقية البارزة. ويعارض‌ الإسكندر بشدة في مؤلفه‌ هذا، آراء ذلك الفيلسوف‌ الرواقي. و هدف الإسكندر الرئيس‌ هو الدفاع‌ عن‌ حرية الإرادة، أو الاختيار لدى‌ الإنسان‌. فالإنسان‌ يمتلك المقدرة على‌ أن‌ يختار عمله‌ و سلوكه‌ بشكل‌ مستقل‌ و حر. فهو حر تماماً في اختياراته‌. وهو يستطيع‌ أن‌ يختار «ممكناً» بين‌ ممكنين‌، أي أن‌ مايظهر في شيء من‌ الممكن‌ أن‌ لايظهر بنفس‌ الطريقة. ولو لم‌‌يكن‌ ذلك، لكان‌ أي تفكير و رؤية مستقبلية مقدمة على‌ أعمالنا من‌ قبيل‌ العبث‌. و يهاجم‌ الإسكندر في ذلك المؤلف‌ و خاصة الفصول‌ 16-20 بشدة النزعة الجبرية لخروسيبوس‌ و يثبت‌ أن‌ مثل‌ هذه‌ النزعة تقضي على‌ كل‌ نوع‌ من‌ المسؤولية الإنسانية، و المقاييس‌ و النظم‌ الأخلاقية، و العادات‌ و التقاليد و بالتالي المعتقدات‌ الدينية في المجتمع‌ البشري. و نحن‌ نكتفي هنا بالإشارة إلى‌ خلاصة للملاحظات‌ الأساسية في استدلالات‌ الإسكندر في ذلك المؤلف‌، حيث‌ يقول‌: إن‌ من‌ نتائج‌ الإيمان‌ بالجبرية إلغاء قيمة أي فضيلة وقيمة أخلاقية، و الانفلات‌ و عدم‌ التورع‌ عن‌ ارتكاب‌ أية رذيلة وعمل‌ سيء. و هذا الإيمان‌ يستلزم‌ أن‌ يبطل‌ كل‌ نوع‌ من‌ الأمر والنهي، و العقاب،‌ أو الثواب‌، و أي ترغيب‌ و تحذير كما يزول‌ أي اختيار حر بين‌ الحسنات‌ و السيئات‌؛ و تزول‌ العناية الإلٰهية والتقوى‌ و رعاية المقاييس‌ الدينية. و يضيف‌ أخيراً أن‌ مثل‌ تلك النزعة الجبرية، ستلغى‌ في الحياة العملية حتى‌ من‌ قبل‌ أنصارها ذلك لأنهم‌ هم‌ أنفسهم‌ (إشارة إلى‌ الرواقيين‌) يرون‌ أن‌ المجرمين‌ الذين‌ دفعهم‌ على‌ مايبدو مصيرهم‌ الخاص‌ و الظروف‌ القاهرة المحيطة بهم‌ إلى‌ الجريمة، يستحقون‌ العقاب‌ و يعاقبونهم‌ عملياً (ظ: «الملحقات‌ الأرسطية».

 

الإسكندر و الفلاسفة المسلمون‌

علينا قبل‌ كل‌ شيء أن‌ نذكّر بأن‌ معظم‌ الفلاسفة المسلمين‌ تأثروا ــ بواسطة، أو بدونها و من‌ حيث‌ يشعرون‌ و لايشعرون‌ ــ بآراء الإسكندر حول‌ علم‌ النفس‌ وخاصة موضوع‌ العقل‌، و أبدوا إزاءها، ردود فعل‌ إيجابية، أو سلبية. وتجب‌ الإشارة هنا إلى‌ أن‌ الكثير من‌ المؤلفات‌ الصغرى‌ للإسكندر الأصغر بالإضافة إلى‌ بعض‌ شروحه‌ لآثار أرسطو كان‌ قد ترجم‌ إلى‌ العربية، بحيث‌ أن‌ الأصل‌ اليوناني لبعضها ضاع‌، ولم‌‌يتبق‌ سوى‌ ترجمتها العربية. و قد تم‌ العثور حتى‌ الآن‌ على‌ حوالي 35 مخطوطة منها بشكل‌ متفرق‌ في مكتبات‌ الشرق‌ وأوروبا، أو الاهتداء إليها. و قد نشر لحد الآن‌ البعض‌ منها أيضاً. ونحن‌ نشاهد عناوين‌ أكثر هذه‌ الترجمات‌ في المصادرالعربية. ويذكر ابن‌‌النديم‌ 15 رسالة (ص‌ 313)، في حين‌ أن‌ ابن‌‌أبي‌أصيبعة ينسب‌ إلى‌ الإسكندر 40 رسالة بالإضافة إلى‌ شروح‌ على‌ آثار أرسطو (1/70-71؛ للعناوين‌ والمخطوطات‌ العربية لآثار الإسكندر، ظ: بدوي، 99-94؛ فان إس، 168-148؛ غتيه‌، 255-278).

و لأن‌ الدراسة المفصلة حول‌ تأثر الفلاسفة المسلمين‌ بمؤلفات‌ الإسكندر تتجاوز حدود هذه‌ المقالة، فإننا نكتفي هنا بملاحظات‌ سريعة حول‌ موقف‌ الفلاسفة المسلمين‌ من‌ الإسكندر، و نرجع‌ القارئ إلى‌ دراسات‌ الآخرين‌.

لقد تطرق‌ جميع‌ الفلاسفة المسلمين‌ تقريباً اعتباراً من‌ الكندي ومابعده‌ بـ‍ «مبحث‌ العقل‌». و علينا أن‌ نبحث‌ عن‌ الدافع‌ الأهم‌ لذلك في تأثير الأفكار الأفلوطونية المحدثة عليهم‌. و لكننا يجب‌ أن‌ لانغفل‌ التأثير القوي لعلم‌ النفس‌ و خاصة نظريات‌ أرسطو حول‌ العقل‌. إن موضوع‌ العقل‌ لدى‌ الفلاسفة المسلمين‌ هو مزيج‌ من‌ آراء أرسطو و الأفلاطونية المحدثة. و هناك الآن‌ اختلاف‌ بين‌ الباحثين‌ حول‌ كيفية و مدى‌ تأثير مؤلفات‌ الإسكندر و خاصة رسالة «في العقل‌» على‌ آراء الفلاسفة المسلمين‌. و نحن‌ نجد بين‌ جميع‌ الفلاسفة المسلمين‌ تقريباً مصطلحات‌ مثل‌ «العقل‌ الهيولاني» أو «العقل‌ بالقوة» أو «العقل‌ بالملكة» أو «العقل‌ المستفاد» أو «العقل‌ الفعال‌». و هي كلها في عداد المصطلحات‌ التي استخدمها الإسكندر في مؤلفه‌. و لكن‌ الموضوع‌ المهم‌ يتمثل‌ في الاستنتاجات‌ و التفاسير التي قام‌ بها كل‌ من‌ الفلاسفة المسلمين‌ لتلك المصطلحات‌. و في هذا المجال‌ يبدو الاختلاف‌ في الآراء ملفتاً للنظر و خاصة حول‌ مفهوم‌ «العقل‌ المستفاد» و تفسيره ولكننا لانتطرق‌ إليه رعاية للاختصار (لتفصيل‌ هذه‌ النظريات‌، ظ: فينغان‌، 178-159؛ تري‌، 67-34؛ جيلسون‌، 5-107).

و في الختام، جدير بالذكر‌ أن‌ ابن‌ رشد كان‌ أكثر الفلاسفة المسلمين‌ اطلاعاً على‌ مؤلفات‌ الإسكندر، خاصة و أنه‌ كان‌ يمتلك الترجمة العربية ل‍‍ـ «في العقل‌»، و هو يذكره‌ أربعين‌ مرة في شرحه‌ الكبير على‌ «في النفس‌» لأرسطو الذي لم‌‌يتبق‌ منه‌ سوى‌ ترجمته‌ اللاتينية، و يتطرق‌ إلى‌ آرائه‌ حول‌ النفس‌ و خاصة موضوع‌ العقل‌، وينتقد آراءه‌ نقطة فنقطة في ذات‌ الوقت‌ الذي يمتدحه‌ فيه‌ (ظ: كرافورد، 575-576 ). و يعد صدرالدين‌ الشيرازي الفيلسوف‌ الوحيد بعد ابن‌‌رشد بين‌ الفلاسفة المسلمين‌ الذي ينقل‌ في كتابه‌ الكبيـر الأسفار أقساماً مهمـة من‌ نـص‌ الترجمة العربيـة لــ «فـي العقل‌» للإسكندر للتأكيد على‌ اتحاد النفس‌ مع‌ العقل‌ الفعال‌ (ظ: 1(3)/ 428-433).

و من‌ أجل‌ التحقيق‌ أكثر حول‌ الإسكندر، يمكن‌ الرجوع‌ إلى‌ المصادر التالية أيضاً بالإضافة إلى‌ المصادر التي ذكرت‌ في قسم‌ المصادر: بدوي، عبدالرحمان‌، أرسطو عندالعرب‌، القاهرة، 1947م‌، ص‌ 251-283، 289-293؛ و أيضاً:

 

Hamlin, O., La théorie de l’intellect d’après Aristote et ses commentateurs, Paris, 1953, pp. 29-37; Moraux, P., Alexendre d’Aphrodise, exégète de lanoétique d’ Aristote, Liège, 1951; id, Autour d’ Aristote, Louvain, 1955, pp. 55-295; Zeller, E., Die Philosophie der Griechen, Hildesheim, 1963, III(1)/817-831.

 

المصادر

ابن‌ أبي أصيبعة، عيون‌ الأنباء، القاهرة، 1299ه‍/ 1882م‌؛ ابن‌ رشد، تفسير مابعد الطبيعة، تق‍ ‍: م‌، پويژ، بيروت‌، 1948م‌؛ ابن‌ النديم‌، الفهرست‌؛ شروح‌ على‌ أرسطو مفقودة في اليونانية، تق‍ : عبدالرحمان‌ بدوي، بيروت‌، 1971م‌؛ صدرالدين‌ الشيرازى، الأسفار الأربعة، طهران‌، 1383ه‍؛ و أيضاً:

 

Alexandri Aphrodisiensis Praeter commentaria scripta minora, De Anima libri cum mantissa, ed. Ivo Bruns, Berlin, 1887, vol. II; Aristotle, De generatione animalium ; Badawi, ʿA., La transmission de la philosphie grecque au monde arabe, Paris, 1968; Barbotin, E., La théorie aristotelicienne de l’intellect d’après Théophraste, Paris, 1954; Crawford, S., Arerrois Cordubensis, commentarium magnum, in Aristotelis De Anima libros, Massachusets, 1953; Finnegan, J., «Texte arabe du peri nou d’Alexandre d’Aphrodise», Mélanges de l’université Saint Joseph, Beirut, 1956, vol. XXXIII; Gätje, H., «Zur arabischen Überlieferung des Alexander von Aphrodisias», ZDMG, 1967, vol. CXVI; Gilson, E., «Les sources greco-arabes de l’augustinisme avicennisants», Archives d’histoire doctrinale et littéraire du Moyen Age, 1929-1930, vol. IV; Moraux, P., Der Aristotelismus bei den Griechen, von Andronikos bis Alexander von Aphrodisias, Berlin, 1984, vol. II; Théry, G., Autour de décret de 1910, II, Alexandre d’Aphrodisie, Belgique, 1926; Van Ess, J., «Über einige neue Fragmente des Alexander von Aphrodisias…», Der Islam, 1966, vol. XLII; Wilpert, P., «Reste verlorener Aristoteles Schriften», Hermes, 1940, vol. LXXL.

شرف‌ الدين‌ خراساني (شرف‌)/خ‌.

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: