الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الادیان و التصوف / الإسفراییني، أبومحمد /

فهرس الموضوعات

الإسفراییني، أبومحمد

الإسفراییني، أبومحمد

تاریخ آخر التحدیث : 1442/9/15 ۱۸:۰۶:۵۳ تاریخ تألیف المقالة

اَلْإسْفَرايينيّ، أبومحمد نورالدين‌ عبدالرحمان‌ بن‌ محمد‌بن‌ محمد الكسرقي (4 شوال‌ 639-717ه‍/ 7 نيسان‌ 1242-1317م‌)، من‌ مشايخ‌ الطريقة الكبروية و مؤسس‌ الشعبة النورية الإسفرايينية.

تعتبر أقوال‌ خليفته‌ علاء‌الدولة السمناني أهم‌ مصادر معلوماتنا عن‌ الإسفراييني. ولد الإسفراييني، استناداً إلى‌ قوله‌، في خانقاه‌ الشيخ‌ أبي‌بكر الكتاني في قرية كسرق‌ من‌ توابع‌ مدينة إسفرايين‌، و لذلك فقد كان‌ والده‌ على‌ الأرجح‌ من‌ الصوفية أيضاً (ظ: لندلت‌، 6؛ أيضاً ظ: علاء‌الدولة، «تذكرة...»، 316). تعرف‌ منذ طفولته‌ على‌ الآداب‌ و الشعائر الخانقاهية و تلقى‌ أولى‌ تعاليمه‌ في هذا الطريق‌ من‌ والديه‌ ثم‌ كان‌ يحضر في معتكف‌ الشيخ‌ أبي‌بكر الكتاني، حيث‌ كان‌ الشيخ‌ أحمد الجورباني مشغولاً فيها بالإرشاد والتعليم‌، وتعرف‌ هناك على‌ درويش‌ يدعى‌ بورحسن‌. إن‌ بورحسن‌ الذي كان‌ من مريدي الجورباني وممثله‌، يتحدث‌ عن‌ طريقة الشيخ‌ و عن‌ شروط ذكره‌ و خلوته‌، حتى‌ أوجد شيئاً فشيئاً في قلب‌ الإسفراييني الاشتياق‌ و الإرادة للجورباني. تلقى‌ الإسفراييني أول‌ تعاليم‌ الذكر من‌ بورحسن‌، ثم‌ قام‌ لفترة بخدمة الشيخ‌ عندما نمت‌ في قلبه‌ محبة الجورباني، و تعلم‌ منه‌ قواعد الطريقة بشكل‌ كامل‌ (الإسفراييني، كاشف‌، 20، 21، «في كيفية...»، 148).

كان‌ الشيخ‌ أحمد الجورباني (تـ 969ه‍( نفسه‌ من‌ مشايخ‌ الطريقـة الكبرويـة، حيـث‌ كانـت‌ طريقته‌ تتصـل‌ ــ بواسطـة، أو واسطتيـن‌ عـلـى‌ قــول‌ ــ بالشيـخ‌ نجم‌‌الدين‌‌كبرى‌ (تـ‍ 618ه‍( (علاء‌الدولة، ن‌.م‌، 313، 315، أيضاً «مكتوبات‌»، 349).

شدّ الإسفراييني بعد وفاة والديه‌ الرحال‌ إلى‌ ولاية نسا بنية زيارة الشيخ‌ عبدالله‌، أحد المشايخ‌ الكبرويين‌ الآخرين‌ (الإسفراييني، كاشف‌، 21، 22). و قد كان‌ الشيخ‌ عبدالله‌ نفسه‌ مريداً للشيخ‌ رشيدالدين‌ الطوسي في البدء، ثم‌ أصبح‌ بإشارة منه‌ مريداً لرضي‌الدين‌ علي لالا و استلم‌ منه‌ خرقة التبرك (ن‌.م‌، 23-25) و كما نلاحظ فقد كان‌ الإسفراييني قد تلقى‌ التعاليم‌ من‌ اثنين‌ من‌ مريدي الشيخ‌ علي لالا، و تعلم‌ مبادئ الطريقة. وكان‌ في أوائل‌ مسيرته‌ و في الأوقات‌ التي كان‌ يعيش‌ فيها في مسقط رأسه‌، قد بلغ‌ في مراتب‌ السلوك و درجاته‌ مبلغاً، بحيث‌ أن‌ محبيه‌ ومصاحبيه‌ كانوا قد طلبوا منه‌ أن‌ يؤلف‌ كتاباً في الصوفية، ولكن‌ ذلك لم‌يتحقق‌، إلا عندما قدم‌ من‌ خراسان‌ إلى‌ العراق‌ بهدف‌ أداء الحج‌. و في 675ه‍/1277م‌ أقام‌ في بغداد و ألف‌ كما يقول‌ هو نفسه‌ كتاب‌ «في كيفية التسليك و الإجلاس‌ في الخلوة» (ظ: ص‌ 111-112).

و منذ ذلك الحين‌، كان‌ يقضي جلّ أوقاته‌ في بغداد التي كانت‌ مقامه‌ الدائم‌، فضلاً عن‌ رحلة له‌ إلى‌ مكة (قبل‌ 686ه‍( ثم‌ فترة من‌ الإقامة في المدينة و القيام بالإرشاد و التعليم في خانقاهاتها، وكان‌ يبادر إلى‌ تجديد نظام‌ مراكز الصوفية و إدارتها. و خلال‌ السنوات‌ التي سبقت‌ 689ه‍ انشغل‌ أيضاً بالتدريس‌ في موضع‌ يدعى‌ رباط سكينة و في هذه‌ الفترة نفسها كان‌ يصاحب‌ جمال‌‌الدين‌ الدستجرداني الذي كان‌ يتولى‌ شؤون أوقاف‌ العراق‌. وفي 689ه‍ تعلم‌ منه‌ علاءالدولة السمناني في الشونيزية قواعد السلوك (لندلت‌، 15-16). و هناك خبر آخر يشير إلى‌ أن‌ علاء‌الدولة كان‌ قد صاحب‌ الإسفراييني منذ 687ه‍ و في 689ه‍ نال‌ منه‌ إجازة الإرشاد و الهداية (ابن‌‌الكربلائي، 2/286).

يقول‌ علاء‌الدولة السمناني نفسه‌ إنه‌ كان‌ عازماً منذ فترة طويلة على‌ لقاء الإسفراييني، ولكن‌ أرغون‌‌خان‌ كان‌ يمنع‌ توجهه‌ إلى‌ بغداد، فبعثه‌ إلى‌ سلطانية التي كانت‌ المخيم‌ الصيفي لألجايتو وعمارته‌. و لاجرم في أن‌ السمناني أرسل‌ كتاباً إلى‌ الشيخ‌، و بعثه‌ إلى‌ بغداد بواسطة الأخي شرف‌‌الدين‌ و أفصح‌ عن‌ عذره‌ لقصوره‌ في مصاحبته‌. و بعث‌ الإسفراييني بدوره‌ رسالة في تفسير الواقعات‌ وتمييز المكاشفات‌ إلى‌ السمناني و ألبسه‌ الأخي شرف‌‌الدين‌ الخرقة الملمّعة بعد أن‌ استجاز‌ الإسفراييني كتبياً‌ (علاء‌الدولة، العروة ...، 318-322).

كان‌ حضور الإسفراييني في بغداد خلال‌ مدة تجاوزت‌ 40 سنة قد أوجد أحد المراكز المهمة للطريقة الكبروية في هذه‌ المدينة. ولم‌‌تكن‌ نشاطات‌ الشيخ‌ مقتصرة على‌ إرشاد الصوفيين‌ و الأمور الخانقاهية، بل‌ إن‌ نفوذه‌ السياسي كان‌ محسوساً خلال‌ السنوات‌ العشر الأولى‌ من‌ إقامته‌ في بغداد، كما تشهد بذلك رسائله‌ التي خاطب‌ فيها ملوك ذلك العصر و حكامه‌ و سلاطينه.و منها رسالته‌ التي دعا فيها إلى‌ الطريقة، الخواجه مجدالدين‌ ابن‌ الأثير وطلب‌ منه‌ الاهتمام‌ بالدراويش‌، و رسالته‌ الأخرى‌ إلى‌ رشيد‌الدين‌ فضل‌‌الله‌ و تاج‌‌الدين‌ علي‌شاه‌ اللذين‌ اشتركا في وزارة ألجايتو و3 رسائل‌ إلى‌ جمال‌‌الدين‌ الدستجرداني الذي كان‌ يصاحب‌ الإسفراييني، و انضم‌ أخيراً إلى‌ حلقة مريديه‌ و 5 رسائل‌ إلى‌ صدر‌الدين‌ الوزير الذي كان‌ صاحب‌ ديوان‌ كي خاتو‌ في حكومة غازان‌‌خان‌ و 3 رسائل‌ أيضاً إلى‌ نائبه‌ سعد‌الدين‌ الساوجي تتضمن‌ التبريك و التهنئة بمناسبة إقباله‌ على‌ الطريقة. كما يجب‌ أن‌ نذكر رسالتيه‌ الطويلتين‌ إلى‌ السلطان‌ و ربما كانت‌ الأولى‌ موجهة إلى‌ غازان‌خان‌ و الثانية بعد 10 سنوات‌ من‌ اعتناق‌ غازان‌ خان‌ للإسلام‌ و موجهة إلى‌ ألجايتو (ظ: لندلت‌، 15-18).

و من‌ أعماله‌ السياسية المهمة الأخرى‌ توسطه‌ في الاختلاف‌ بين‌ ألجايتو و غياث‌‌الدين‌ رابع‌ ملوك آل‌ كرت‌ و إزالة‌ التوتر الذي كان‌ قد حدث‌ بينهما، و قد كان‌ ذلك في 714ه‍، حيث‌ التقاه‌ في بغداد الخواجه رشيدالدين‌ فضل‌‌الله‌ وتاج‌‌الدين‌ علي‌شاه‌، وقد طلب‌ منهما أن‌ يزيلا انزعاج‌ ألجايتو و تألمه‌ من‌ غياث‌‌الدين‌ (سيفي، 614-616).

كان‌ الإسفراييني يحمل‌ آراء خاصة حول‌ سياسة المُلك والعلاقة بين‌ السلطة الدينية و سلطة الحكم‌ فكان‌ يعتبر العلاقة بين‌ السلطة الدينية و الدنيوية كالعلاقة بين‌ الملكوت‌ و الملك، ويرى‌ أن‌ العارف‌ هو قطب‌ الملكوت‌، و السلطان‌ قطب‌‌الملك، وأن‌ الناس‌ يتبعون‌ الملك في الصلاح‌ و الفساد كما تتبع‌ أعضاء الجسم‌ القلب‌، لأن‌ «الناس‌ على‌ دين‌ ملوكهم‌» (ظ: «في كيفية»،145).

و يؤكد الإسفراييني على‌ مفهوم‌ «الولاية» و يعتبر التراث‌ الروحي للنبي (ص‌) أساس‌ الحكم‌ و الملك و حجر أساسهما. و قد كتب‌ حوالي سنة 704 إلى‌ ألجايتو قائلاً إن‌ عنقاء المُلك يجب‌ أن‌ تحط على‌ فرع‌ شجرة الولاية المبارك، و معتبراً هناك الولاية أصل‌ الإسلام‌ و الإيمان‌ (لندلت‌، 17؛ ها 94).

و يبدو أن‌ هذه‌ الآراء لاتخلو من‌ تأثيرات‌ المذهب‌ الشيعي، ولعل‌ اعتناق‌ ألجايتو للمذهب‌ الشيعي الاثني عشري في 709ه‍ أن‌ يكون‌ مرتبطاً بهذا النوع‌ من‌ الأفكار و الآراء (ظ: م‌.ن‌، 17-18). كان‌ ألجاتيو يولي أيضاً اهتماماً خاصاً بالصوفية و قد ذكّر الإسفراييني في وصيته‌ التي كتبها في 709ه‍ بأن‌ سلطان‌ الإسلام‌ كان‌ قد وهبه‌ بيتاً كبيراً للإقامة فيه‌، كما كان‌ قد منحه‌ ملكية طاحونة و سفينتين على‌ نهري دجلة و الفرات‌ و عدد من‌ القرى‌ وقطعان‌ الأغنام‌، حيث‌ كان‌ قد خصص‌ القسم‌ الأكبر من‌ عوائد هذه‌ الثروة لبناء الخانقاه‌ الغربية (م‌.ن‌، 13).

و يرتكز أساس‌ كتاب‌ كاشف‌ الأسرار للإسفراييني على‌ شرح‌ وتفسير الحديث‌ النبوي التالي: «إن‌ للّه‌ سبعين‌ ألف‌ حجاب‌ من‌ نور وظلمة»، حيث‌ حرره‌ جواباً على‌ أحد إخوته‌ في الدين‌ و الذي سأله‌ عن‌ عدد الحجب‌ النورانية و الظلمانية و اختلافها وكيفية ارتفاعها. و استناداً إلى‌ مايقول‌ الإسفراييني فإن‌ الحق‌ إذا نظر بعين‌ العناية إلى‌ العبد، فإنه‌ يتجلى‌ في قلبه‌ بصفة إرادته‌ و من‌ هذا التجلي يظهر فيها ألم‌ الشوق‌ و الطلب‌ و هذا هو بداية السلوك في «طريق‌ الحق‌» وغايته‌ اجتياز الحجب‌ و الوصول‌ إلى‌ الحق‌. و يجب‌ على‌ المريد في هذا الطريق‌ أن‌ يمحو مراده‌ في مراد الحق‌ و يجعل‌ مراده‌ مراد الحق‌ ( كاشف‌، 13، 36).

و يقسم‌ الإسفراييني الحجب‌ النورانية و الظلمانية البالغة 70 ألفاً في طريق‌ الوصول‌ حسب‌ ترتيب‌ خاص‌ و يضع‌ سلوك السالك في 5 منازل‌ في كل‌ منها 14 ألف‌ حجاب‌ نوراني وظلماني في الطريق‌. و يواجه السالك في المنازل‌ الأربع الأولى‌ 28 ألف‌ حجاب‌ ظلماني مصدرها الهواجس‌ النفسية و 28 ألف‌ حجاب‌ نوراني مصدرها الصفات‌ القلبية و الروحانية و يبلغ‌ مجموع‌ الحجب‌ الظلمانية و النورانية 56 ألفاً تتواجد جميعها في الوجود الإنساني و تصدر من‌ الفطرة البشرية؛ و أما المنزل‌ الخامس‌ فيضم‌ 14 ألف‌ حجاب‌ نوراني خارج عن‌ الصفات‌ البشرية و متقدم على‌ الغيرة الإلٰهية، ألا و هي «السير في الله‌» (ن‌.م‌، 2، 3،6). و يوضح‌ انفصال‌ المراحل‌ الأربع‌ الأولى‌ عن‌ المرحلة الخامسة اختلافها الكيفي و هو السير في مقام‌ الفناء و أحوال‌ «موتوا قبل‌ أن‌ تموتوا» و في هذا المقام‌ تفنى الغيرة و الحب‌ الإلهي كل‌ ماهو غير الله‌. و المسافر في هذا الطريق‌ ليس‌ سالكاً سائراً، بل‌ مجذوباً طائراً (ن‌.م‌، 45).

و يقول‌ الإسفراييني حول‌ الإنسان‌ وخلقه،‌ إن‌ الله‌ خلق‌ الإنسان‌ من‌ الروح‌ و القالب‌ اللذين‌ هما من‌ عالمي الغيب‌ و الشهادة، وجعل‌ هذين‌ البعيدين‌ البعيدين‌ قريبين‌ قريبين‌ من‌ أحدهما الآخر حتى‌ ظهر من‌ امتزاجهما ولدان‌ صالح‌ و طالح‌ كالقلب‌ و النفس‌. و هو ينسب‌ في النهاية‌ حسنات‌ النفس‌ المطمئنة إلى‌ القلب‌، و قبائح‌ النفس‌ الأمارة إلى‌ النفس‌. ولذلك، فإن‌ لكل‌ منهما مظهراً في الإنسان‌ من‌ عالمي الغيب‌ و الشهادة. و على‌ هذا الأساس‌، فإنه‌ يرسم‌ صورة تندرج‌ فيها بمايتناسب مع القالب الترابي الظلماني الطبقات‌ السبع‌ لأرض‌ البشرية، و الطبقات‌ السبع‌ لسماء الروحانية بمايتناسب‌ مع‌ الروح‌ العلوية النورانية، كما يوجد في عالم‌ الغيب‌ أيضاً و بما يتناسب‌ مع‌ كل‌ من‌ هذين‌ العالمين‌، عالمان‌ في عالم‌ الغيب‌ أحمدهما 7 دركات‌ من‌ الجحيم‌، و الآخر 8 درجات‌ من‌ الجنة. وتمتد جذور 7 دركات‌ من‌ دركات‌ الجحيم‌ الظلماني و 7 درجات‌ من‌ درجات‌ الجنة في الفطرة الإنسانية، ولكن‌ الدرجة الثامنة من‌ الجنة خارجة عن‌ الفطرة الإنسانية (ن‌.م‌، 7-11). وعندما يجتاز السالك الدركات‌ السبع‌ من‌ الجحيم‌ النفساني، و يجتاز أيضاً الدرجات‌ السبع‌ للجنة الروحانية، فإنه‌ يكون‌ بذلك قد اجتاز مراتب‌ السالك السائر. ولكن‌ هذه‌ المقامات‌ الروحانية كانت‌ في المحل‌ و المكان‌، و السالك يضع‌ قدمه‌ كالفرجال‌ في مركز الوجود حتى‌ و إن‌ بلغت‌ نفسه‌ «مقام‌ الاطمئنان‌»، و لم‌‌يضع‌ قدمه‌ خارج‌ كيانه‌ وكأنه‌ يدور حول‌ نفسه‌، بمعنى‌ أن‌ السالك مادام‌ يضع‌ قدمه‌ في المكان‌، فإن‌ من‌ المحال‌ أن‌ يسير في اللامكان‌، لأن‌ القدم‌ اللامكاني هو قدم‌ آخر لايمكن‌ حصوله‌، إلا بواسطة الجذبة الربانية و أسلوب‌ المجذوب‌ الطائر للوصول‌ إلى‌ الحضرة الربانية مرتبط بها (ن‌.م‌، 44-45، 50-51). و قبل‌ بلوغ‌ هذا المقام‌ يكون‌ العبد طالباً و الحق‌ مطلوباً. و هذا هو المنزل‌ الخامس‌ من‌ منازل‌ الطريقة و الدرجة الثامنة من‌ الجنة و هو تجلي صفات‌ ذات‌ الألوهية و الطريق‌ في الله،‌ أو حجب‌ الغيرة الإلٰهية و ابتداء الولاية من‌ هنا (ن‌.م‌، 50-52).

و يقول‌ الإسفراييني إن‌ مقام‌ الأولياء على‌ 3 مراتب‌: الأولى‌ مرتبة عوام‌ الأولياء، و الثانية مرتبة خواص‌ الأولياء و الثالثة مرتبة خاصة خواص‌ الأولياء. و يقوم‌ أساس‌ هذه‌ المراتب‌ على‌ 99 صفة للذات‌ الإلٰهية و تتجلى‌ كل‌ 33 صفة من‌ صفات‌ الذات‌ الإلٰهية على‌ إحدى‌ هذه‌ المراتب‌ و نهاية هذه‌ المراتب‌ الثلاث‌ وتجليات‌ الصفات‌، هي نهاية الولاية و بداية النبوة، و هي مقام‌ أخص‌ الخواص‌ و القول‌ و «نهاية الأولياء بداية الأنبياء» يشير إلى‌ هذا المعنى‌. و لايمكن‌ تجاوز هذا المقام‌، وكل‌ من‌ أراد أن‌ يجتازه‌ فإن‌ جبرائيل‌ روحه‌ يصرخ‌ قائلاً: «لودنوت‌ أنملة لاحترقت‌» (ن‌.م‌، 53-55).

و هنا يبدو أن‌ الإسفراييني يريد أن‌ يقيم‌ علاقة بين‌ هذه‌ النظريـة و نظرية الشيخ‌ سعد الدين‌ الحموئـي (تــ 650ه‍( الـذي قال‌: «بداية الأولياء نهاية الأنبياء»، و يقول‌ إن‌ قول‌ الحموئي يشير إلى‌ سلوك الشريعة. أي إن كمال‌ الشريعة في نهاية النبوة، و قد كان‌ النبي (ص‌) في نهاية النبوة عندما نزلت‌ هذه‌ الآية: «اليوم‌ أكملت‌ لكم‌ دينكم‌ و أتممت‌ عليكم‌ نعمتي» (المائدة/5/3). و بعد هذه‌ النعمة كانت‌ شريعة محمد (ص‌) هي التي بلغت‌ الكمال‌ في نهاية النبوة. و على‌ هذا فعندما تبلغ‌ الشريعة الكمال‌ فإن‌ بلوغها هذا هو ابتداء الولاية ( كاشف‌، ن‌.ص‌).

و بعد اجتياز مراتب‌ الولاية، تأتي مراتب‌ النبوة التي هي في رأيه‌ على‌ 3 مراتب‌ أيضاً و يعبر عنها بـ‍ «الفردوس‌ الأعلى‌»: ففي المرتبة الأولى‌ عوام‌ الأنبياء، أو مرتبة «النبي»؛ و المرتبة الثانية لخوص‌ الأنبياء، أو «الرسل‌»، و يستأثر بالمرتبة الثالثة خاصة خواص‌ الأنبياء و هم‌ «أولوالعزم‌». و يقوم‌ أساس‌ هذه‌ المراتب‌ على‌ 902 صفة من‌ صفات‌ الذات‌ الإلٰهية و يتصف‌ كل‌ منها في كل‌ مرتبة بـ‍ 300 صفة و عندما تتصف‌ بجميع‌ هذه‌ الصفات‌، تبلغ‌ نهاية مرتبة النبوة و هي مقام‌ «الإنسان‌ الكامل‌»، وأما الصفتان‌ المتبقيتان‌، فأحدهما المرتبة المحمدية الخاصة و هي صفة «المريد» و ليس‌ لأي شخص‌ نصيب‌ منها ملكاً كان،‌ أو غير ملك، ففي «الوقت‌» الذي يستغرق‌ فيه‌ في الحق‌ لايشاركه‌ أحد وهو نفسه‌ يقول‌: «لي مع‌ الله‌ وقت‌ لايسعني فيه‌ ملك مقرب‌ ولانبي مرسل‌». و أما الصفة الأخرى‌ من‌ صفات‌ الذات‌ الإلٰهية فهي «القديم‌» حيث‌ لايمكن‌ لأحد غيره‌ أن‌ يدرك كنه‌ قدم‌ الله‌. ويرى‌ الإسفراييني أن‌ ظهور النبوة و الولاية موقوف‌ على‌ نزول‌ التجليات‌ الربانية، و يعتبر الإنسان‌ الكامل‌ التجلي لجميع‌ الصفات‌ الإلٰهية وهو يجمع‌ بين‌ الولي الكامل‌ و النبي الكامل‌ («پاسخ‌ به‌...»، 105، كاشف‌، 53-56).

و من‌ المميزات‌ البارزة لشخصية الإسفراييني اهتمامه‌ بإرشاد المريدين‌ و إصلاح‌ أحوالهم‌ الروحية، كما يقول‌ الجامي (ص‌ 440) إنه‌ كان‌ ذاشأن‌ عظيم‌ في تسليك الطالبين‌ و تربية المريدين‌ وكشف‌ وقائعهم‌ (أيضاً ظ: علاء‌الدولة، چهل‌ مجلس‌، 255-256؛ ابن‌ الكربلائي، 2/297- 298).

ويقول‌ الإسفراييني مستلهماً من‌ الحديث‌ المعروف‌ «من‌ عرف‌ نفسه‌ فقد عرف‌ ربه‌» إن‌ النفس‌ تصبح‌ بعد التربية و الصعود المرآة العاكسة لجمال‌ الألوهية. و على‌ سبيل‌ المثال‌ فإن‌ من‌ غير الممكن‌ صنع‌ مرآة من‌ الحديد المستخرج‌ من‌ المنجم‌، بل‌ يجب‌ صقله‌ كي يكتسب‌ القابلية على‌ أن‌ يكون‌ مرآة (ظ: «في كيفية»، 116، 117، أيضاً قا: مكاتبات‌، 35- 38).

و شرط التربية النفسانية هو «الطمأنينة القلبية‌» و هذا لايمكن‌ إلا عن‌ طريق‌ الذكر الذي هو أساس‌ طريق‌ السلوك. و هو يرى‌ أن‌ «لا إله‌ إلا الله‌» هو أفضل الأذكار و يقول‌ إن‌ الحق‌ تعالى‌ أودعه‌ علم‌ الأولين‌ و الآخرين‌ و تحقق‌ معنى‌ لا إله‌ إلا الله‌ يحرر السالك من‌ وجوده و يوصل‌ سلوكه‌ إلى‌ الحق‌ بعد إزالة الموانع‌ («في كيفية»، 123-125). و ما لم‌‌تستقر حقيقة هذه‌ الكلمة في باطن‌ السالك، لايتحقق‌ اطمئنان‌ القلب‌ و بالتالي فإن‌ التحرر من‌ النفس‌ لايصبح‌ ممكناً أيضاً. و هذا المقام‌ لايتحصل‌ إلا بمداومة الذكر. ويسمي الله‌ هذه‌ النفس‌ التي تطهرت‌ بصيقل‌ الذكر، وتنورت‌ بنور التوحيد، النفس‌ المطمئنة.

و تشتمل‌ آداب‌ الذكر 8 شروط: الأول‌ هو الطهارة الظاهرة، أي المحافظة الدائمة على‌ الوضوء، و الثاني طهارة الباطن،‌ أي تطهير الروح‌ من‌ الأرجاس، و الثالث‌ الصمت‌ و هو مقام‌ النجاة، و الرابع‌ الخلوة الدائمة و العزلة عن‌ الخلق‌، و الخامس‌ هو الصوم‌ الذي يرى‌ أن‌ ثوابه‌ خاص‌ بالحق‌ (الصوم‌ لي و أنا أجزي به‌)، و السادس‌ الرضا و التسليم‌، و السابع‌ السلوك بدلالة شيخ‌ كامل‌ يصل‌ طريق‌ ذكره‌ و خلوته‌ إلى‌ النبي، و الثامن‌ الدوام‌ على‌ ذكر لا إله‌ إلا الله‌ على‌ النفي و الإثبات‌ بالقلب‌ و اللسان‌ (ن‌.م‌، 128-134).

و يبدو أن تأثير أفكار و أقوال‌ أقطاب‌ الطريقة الكبروية، وخاصة تأثير مجدالدين‌ البغدادي (تـ‍ 616ه‍) و الذي هو نفسه‌ من‌ الممثلين‌ البارزين‌ لمذهب‌ الوحدة الشهودية، واضحاً في أفكار الإسفراييني وآثاره‌، فهو مثلاً يتبع‌ رأي البغدادي في تفسير القول‌ المشهور «ليس‌ في الوجود غير الله‌» و يقول‌ إن‌ ذلك يعني أن‌ العارف‌ يشاهد وجود الحق‌ في نفسه‌ و يظن‌ أن‌ ذلك الوجود هو نفسه‌ في حين‌ أن‌ وجوده‌ هو غير وجود «الحق‌». و يبدي الإسفراييني هذا الرأي نفسه‌ في بيان‌ معنى‌ العبارة المعروفة «ليس في الجبة سوى‌ الله‌» و يقول‌ إن‌ وجود الحق‌ يغمر وجود الصوفي‌ إلى‌ درجة لايرى‌ ذاته‌، وكل‌ مايراه‌ هو تجلي الحق‌ ( كاشف‌، 50).

كان‌ الإسفراييني يعارض‌ بشدة آراء ابن‌ عربي في وحدة الوجود. و قد كتب‌ كمال‌‌الدين‌ عبدالرزاق‌ الكاشاني إلى‌ علاء‌الدولة السمناني رسالة و استسفسر حول‌ رأي الإسفراييني بشأن‌ معتقدات‌ ابن‌ عربي (ظ: علاء‌الدولة، «مكتوبات‌» 337-342). ويصرح‌ علاء‌الدولة في الجواب‌ مؤكداً على‌ المدة التي استغرقت‌ 32 سنة و التي كان‌ له‌ فيها شرف‌ مصاحبة شيخه‌، بأنه‌ كان‌ يمنع‌ دوماً مطالعة مصنفات‌ ابن‌ عربي، حتى‌ إنه‌ عندما سمع‌ أن‌ مولانا نور‌الدين‌ الحكيم‌ و مولانا بدرالدين‌ يدرسان‌ الفصوص‌ لبعض‌ الطلبة، ذهب‌ ليلاً إلى‌ هناك، و أخذ منهما تلك النسخة و فرقها. كما أبدى‌ الإسفراييني لابنه‌ معارضته‌ لآراء ابن‌ عربي في وحدة الوجود، و منع‌ تعليمها و تعلمها (ظ: علاء‌الدولة، ن‌.م‌، 343). وفضلاً عن‌ ذلك، فإن‌ الإسفراييني الذي يعتبر «الصمت‌» محيط الطاعة، يفضله‌ على‌ تنظيرات‌ الغزالي أيضاً و ينتقد نقاشاته‌ وخطاباته‌ (ظ: الجامي 440، 441؛ أيضاً ظ: علاء‌الدولة، چهل‌ مجلس‌، 218).

ولم‌‌يكن‌ الإسفراييني يعارض‌ السماع‌، و قد نقل‌ بعضاً من‌ أقوال‌ المشايخ‌ و آرائهم‌ في هذا الباب‌، و كان‌ يشارك في مجالس‌ السماع‌. و في أحد هذه‌ المجالس‌ غشيته‌ غيبوبة‌ عندما سمع‌ ذكر لا إله‌ إلا الله‌ بصوت‌ عال‌ و عندما عاد إلى‌ وعيه‌، أنشد رباعياً وهو على‌ تلك الحالة (ظ: «باسخ‌ به‌...»، 83 -87). و رغم‌ أنه‌ كان‌ من‌ أهل‌ السنة، إلا أنه‌ كان‌ يكن‌ حباً كبيراً لأئمة الشيعة وأهل‌ بيت‌ الرسول‌ الأعظم‌ (ص‌)، و كان‌ يتوجه‌ لزيارة مراقدهم‌ (علاء‌الدولة، ن‌.ص‌).

يتميز نثر الإسفراييني بالسلاسة و البساطة، و هو مزدان بأشعاره‌ التي‌ نظمت‌ في الغالب‌ في قالب‌ الرباعيات‌ و بمضامين‌ صوفية (لنموذج‌ على‌ ذلك، ظ: كاشف‌، 14، 19، 27، 34، «پاسخ به‌»، 87، «في كيفية»، 137، 139، مكاتبات‌، 28، 52). و من‌ آثاره‌ كاشف‌ الأسرار المطبوعة مع‌ رسالة «في كيفية التسليك والإجلاس‌ في الخلوة» و «الإجابة على‌ عدد من‌ الأسئلة» في طهران‌، و كذلك مكاتباته‌ مع‌ علاء‌الدولة السمناني.

ذكر كتّاب‌ التذاكر تاريخ‌ وفاة الإسفراييني مع‌ شئ من الاختلاف‌ و هي 695و700و722ه‍ (غلام‌ سرور، 2/281؛ فصيح‌، 2/383؛ نوربخش‌، 59). و ذكر علاء‌الدولة أنه‌ دفن‌ في بغداد («تذكرة»، 316).

و من‌ أحفاده‌ نورالدين‌ عبدالرحمان‌ بن‌ أفضل‌‌الدين‌ محمد بن‌ عبدالرحمان‌ (722-797ه‍/1322-1395م‌) الذي كان‌ خليفته‌ في خانقاه‌ الإسفراييني و شيخ‌ الإسلام‌ في بغداد، وكان‌ له‌ مريدون‌ و أتباع‌ كثيرون‌ (ابن‌‌العماد، 6/ 349؛ الجامي، 452). و عندما نوى الأمير تيمور في 795ه‍ على‌ السيطرة على‌ العراق‌، بعث‌ السلطان‌ أحمد جلاير الشيخ‌ لإظهار طاعته‌ إلى‌ الأمير تيمور (غياث‌، 107- 108، 185؛ خواندمير، 3/455).

و يعد أحمد بن‌ محمد البيابانكي المعروف‌ بعلاء‌الدولة السمناني من‌ أشهر تلامذة الإسفراييني و مريديه،‌ حيث‌ تضم‌ مكاتباته‌ مع‌ شيخه‌ و أستاذه‌ مواضيع‌ صوفية مهمة و معلومات‌ تاريخية. كما كان‌ أمين‌‌الدين‌ عبدالسلام‌ الخنجي و شرف‌‌الدين‌ سعدالله‌ السمناني من‌ مريديه‌ و تلامذته‌ أيضاً (علاء الدولة، العروة، 314- 318؛ لندلت‌، 14). و من‌ تلامذة الإسفراييني الآخرين‌ جبرئيل‌ الخرم‌ آبادي الذي كان‌ يعمل‌ على‌ نشر أفكاره‌ و طريقته‌، و ألف‌ كتاباً في شرح‌ عقائد الإسفراييني و طريقته،‌ حيث‌ توجد مخطوطة منه‌ في إستانبول‌ (ن‌.ص‌، أيضاً ظ: ها 68).

 

المصادر

ابن‌ العماد، عبدالحي، شذرات‌ الذهب‌، القاهرة، 1351ه‍؛ ابن‌‌الكربلائي، حافظ حسين‌، روضات‌ الجنان‌، تق‍ : جعفر سلطان‌ القرايي، طهران‌، 1349ش‌؛ الإسفراييني، عبدالرحمان‌، «پاسخ‌ به‌ چندپرسش‌»، «في كيفية التسليك و الإجلاس‌ في الخلوة»، كاشف‌ الأسرار، تق‍ : هرمان‌ لندلت‌، طهران‌، 1358ش‌؛ م‌.ن وعلاء‌الدولة السمناني، مكاتبات‌، تق‍ : هرمان‌ لندلت‌، طهران‌، 1351ش‌/1972م‌؛ الجامي، عبد‌الرحمان‌، نفحات‌ الأنس‌، تق‍ : محمود عابدي، طهران‌، 1370ش‌؛ خواندمير، غياث‌‌الدين‌، حبيب‌‌السير، تق‍ : محمد دبيرسياقي، طهران‌، 1362ش‌؛ سيفي هروي، سيف‌، تاريخ‌ نامۀ‌هرات‌، تق‍ : محمد زبير صديقي، كلكتا، 1362ه‍/1943م‌؛ علاء‌الدولۀ السمناني، «تذكرة المشايخ‌»، «مكتوبات‌»، مصنفات‌ فارسي، تق‍ : نجيب‌ مايل‌ هروي، طهران‌، 1369ش‌؛ م‌.ن‌، چهل‌ مجلس‌، تق‍ : نجيب‌ مايل‌ هروي، طهران‌، 1366ش‌؛ م‌.ن‌، العروة لأهل‌ الخلوة و الجلوة، تق‍ : نجيب‌ مايل‌ هروي، طهران‌، 1362ش‌؛ غلام‌ سرور لاهوري، خزينة‌ الأصفياء، لكناو، 1290ه‍؛ غياث‌، عبدالله‌، تاريخ‌، تق‍ : طارق‌ نافع‌ الحمداني، بغداد، 1975م‌؛ فصيح‌ خوافي، محمد، مجمل‌ فصيحي، تق‍ : محمود فرخ‌، مشهد، 1340ش‌؛ القرآن‌ الكريم؛ نوربخش‌، محمد، «سلسلة الأولياء»، جشن‌‌نامۀ هانري كربن‌، تق‍ : حسين‌ نصر، طهران‌، 1356ش‌؛ و أيضاً:

 

Landolt, H., introd. Kāshif al-Asrâr (vide: PB, Esfarāyenī).

فريبا جايدرپور/خ‌.

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: