اَلْأَسْعار، جمع سِعر بمعنى ثمن البضاعة، عنوان مسألة كلامية و فقهية (للبحث الفقهي، ظ: ن.د، التسعير). واجه متكلمو المسلمين منذ فترة طويلة هذه المسألة و هي: من الذي يتسبب في غلاء و رخص الأسعار؟ هل ذلك ناجم عن الله وحده؟ أم يعود إلى الإنسان فحسب؟ و هل كلاهما لهما دور فيه؟ كان الأشاعرة يؤمنون بالرأي الأول، في حين أن العدلية (= الإمامية والمعتزلة) كانوا يستحسنون الرأي الثالث.

يفترق السعر من الناحية اللغوية ببعض الاختلافات عن الكلمة المرادفة له و هي الثمن. حيث يرى القاضي عبدالجبار ( المغني، 11/55، شرح...، 788) أن السعر يصدق على عمليات الشراء والبيع التي تتم برضى المشتري و البائع، و يطلق على تعيين مقدار الشيء الذي يأخذه البائع بدلاً عن بضاعة ما، و يبيعها. وبعبارة أخرى فإن السعر هو القيمة المتفق عليها للبضاعة، و لكن الثمن هو القيمة التي تعادل البضاعة من الناحية العرفية و بشكل استحقاقي. و قد عرفت بعض المصادر الثمن تعريفاً يخالف تماماً تعريف القاضي عبدالجبار (علوي مقدم، 121).

و على أي حال، فإن المسألة المتمثلة في العامل الذي يسبب الرخص و الغلاء لها خلفية قديمة في العالم الإسلامي. و استناداً إلى مانقله أحمد بن‌حنبل (3/156)، و أبوداود السجستاني (3/373)، و ابن‌‌بابويه (ص 388)، فقد طلب المسلمون من النبي (ص) أن يعين أسعار البضائع، و لكنه (ص) أكد أن الأسعار بيدالله، إن شاء رفعها، و إن شاء خفضها.

و يمكن أن نفهم من الرسالة التي عرف بها ابن النديم (ص 333) بعنوان كتاب الأسعار لما‌شاء‌الله بن الأثري أن مسألة الأسعار كانت من الموضوعات التي بحثها العلماء في أواخر القرن 2 وأوائل القرن 3ه‍، حيث كانت هذه المسألة قسماً من البحث الأساسي للمتكلمين حول إسناد، أو عدم إسناد أفعال الإنسان والآثار الناجمة عنهما إلى الله (ظ: ن.د، الأجل). و قد كان البعض من المتكلمين المسلمين أدركوا جيداً أن ارتفاع و انخفاض الأسعار يرتبطان ارتباطاً كاملاً بنظام العرض و الطلب (ابن متويه، 2/435؛ العلامة الحلي، كشف المراد، 371)، و لكنهم لم‌يكونوا متفقي الرأي حول أسباب زيادة العرض و الطلب و انخفاضهما. حيث كان العدلية يرون أن الغلاء و الرخص يصدران أحياناً من الله، و أحياناً من الحكومات و البشر أنفسهم؛ و على سبيل المثال فعندما يزيد الله بضاعة، أو ينقصها، أو يزيد حاجة الناس إلى بضاعة ما، أو يقللها، أو في الحالات التي يزيد الله فيها من الزلازل، أو الأمراض الفتاكة، و يقل، أو يزيد نتيجة لذلك عدد مشتري البضائع، فإن المتسبب في الغلاء و الرخص هو الله. ولكن في الحالات التي تسيطر فيها الحكومة على توزيع البضائع، أو تضطر إلى تعيين الأسعار، أو يحتكر البعض البضائع، فإن البشر أنفسهم يكونون هم المتسببين في الغلاء و الرخص (ابن بابويه، 389؛ النوبختي، 72؛ القاضي عبدالجبار، المغني، 11/56-57؛ ابن‌متويه، 2/435-436).

و أما الأشاعرة فإنهم ينسبون الغلاء و الرخص في جميع الحالات إلى الله تعالى لأنهم يعتبرون الله الفاعل الحقيقي لجميع الأعمال و الخالق لها، و يعتبرونه أيضاً المحدد للأسعار في حالات الجفاف و شيوع الأمراض, و كذلك في حالات حكم الحاكم وغير ذلك (ظ: ابن فورك، 138)، فهم يرون أننا إذا نسبنا التأثير إلى وجود فاعل آخر غير الله تعالى، فإن هذا يستلزم أن نعتبر وجود فاعل غير الله هو المؤثر؛ في حين أنه هو الفاعل الحقيقي و أن نسبة هذه الأمور إلى الغير هو من باب المجاز والاتساع في الكلمات (ظ: الباقلاني، 330؛ التفتازاني، 4/320).و هم يرون أن حكمة الحق تعالى تقتضي أحياناً زيادة البضائع و انخفاض أسعارها، و قلتها و ارتفاع أسعارها أحياناً أخرى (ظ: ابن فورك، 139).

المصادر

ابن بابويه، محمد، التوحيد، تق‍ ‍: هاشم الحسيني الطهراني، طهران، 1387ه‍؛ ابن فورك، محمد، مجرد مقالات الشيخ أبي الحسن الأشعري، تق‍ ‍: دانيل جيمـارة، بيروت، 1987م؛ ابـن متويـه، الحسن، المجمـوع فـي المحيط بالتكليـف، تق‍ ‍: هوبـن، بيروت، 1986م؛ ابـن النديـم، الفهرست؛ أبــوداود السجستاني، سنـن، تق‍ ‍: محمد محيي‌الدين عبدالحميد، بيروت، دارالفكر؛ أحمد بن حنيل، مسند، بيروت، دارالفكر؛ الباقلاني، أبوبكر، التمهيد، تق‍ ‍: مكارتي، بيروت، 1957م؛ التفتازاني، مسعود، شرح المقاصد، تق‍ ‍: عبدالرحمان عميرة، بيروت، عالم الكتب؛ العلامة الحلي، الحسن، أنوار الملكوت في شرح الياقوت، تق‍ ‍: محمد نجمي، طهران، 1338ش؛ م.ن، كشف المراد، تق‍ ‍: إبراهيم الموسوي الزنجاني، بيروت، مؤسسة الأعلمي؛ علوي مقدم، محمد، مقدمة الفروق اللغوية لأبي هلال العسكري، مشهد، 1363ش؛ القاضي عبدالجبـار، شرح الأصول الخمسة، تق‍ ‍: عبدالكريـم عثمان، القاهرة؛ م.ن، المغنـي، تق‍ ‍: محمد علي النجار و عبدالحليم النجار، القاهرة، الدارالمصرية للتأليف والترجمة؛ النوبختي، إبراهيم، الياقوت، قم، 1413ه‍ .

فاطمة رحمتي/خ.