إسْطَبَة، مدينة في الأندلس‌ تسمى‌ الآن‌ إستپا. كانت‌ هذه‌ المدينة العريقة التي تعود قدمتها إلى‌ قرون‌ قبل‌ ميلاد المسيح‌، تسمى‌ في عصر الإمبراطورية الرومية أستاپة، و هي نفس‌ المدينة المعروفة التي حاصرها الروم‌ في الحروب‌ الفونيقية الثانية بين‌ الروم‌ و قرطاجة، و فضل‌ أهاليها أن‌ يحرقوها، و يحترقوا هم‌ أيضاً أحياء، ولايستسلموا إلى‌ الروم‌ (EUE,XXII/802؛ البستاني، 12/387).

سقطت‌ هذه‌ المدينة في عصر الفتوح‌ الإسلامية في الأندلس‌ مثل‌ الكثير من‌ مدن‌ هذه‌ المنطقة الأخرى‌، بيد المسلمين‌، و تحولت‌ فيما بعد في القرن‌ 3ه‍/ 9م‌ إلى‌ مسرح‌ للصراع‌ بين‌ أموييي الأندلس‌ ومعارضيهم‌. و من‌ جملة ذلك تمكن‌ الإشارة إلى‌ ثورة ابن‌‌حفصون‌ (ن‌.ع‌) من‌ قاعدته‌ بُوبَشتر الواقعة في المناطق‌ الجبلية في جنوب‌ الأندلس‌ (عنان‌، 1/307- 308). و قد عزز ابن‌ حفصون‌ بشكل‌ تدريجي دعائم‌ سلطته‌ في جنوب‌ الأندلس‌، و سيطر على‌ الكثير من‌ مدن‌ تلك المناطق‌ و منها إسطبة. و في 278ه‍/891م‌ تكبد ابن‌‌حفصون‌ هزيمة فادحة أمام‌ عبدالله‌ بن‌ محمد الأمير الأموي للأندلس‌، و لكنه‌ استأنف‌ بعد بضع‌ سنوات‌ القتال‌ بعد إعداد العدة و العديد (ابن‌ الخطيب‌، 28؛ ابن‌ عذاري، 2/122؛ دوزي، II/58؛ ليفي پروفنسال‌، 370). و قد تفاوض‌ ابن‌ حفصون‌ مع‌ ألفونس الثالث‌ ملك ليون‌ و إبراهيم‌ بن‌ الحجاج‌ حاكم‌ إشبيلية من‌ أجل‌ تعزيز قدراته‌. و في 289ه‍/902م‌ وقعت‌ معركة ضارية في إسطبة إلى‌ جـوار نهر شنيل‌ بين ابن‌ حفصـون‌ و جند عبدالله‌ بن‌ محمـد. و في هذه‌ المعركة هزم‌ الجيش‌ الأموي في البدء، و لكنهم‌ هاجموا مرة أخرى‌ جنود ابن‌ حفصون‌، و استعادوا منهم‌ معقل إسطبة (عنان‌، 1/337؛ دوزي، II/86؛ ليفي پروفنسال، 378).

كانت‌ إسطبة تعد في القرن‌ 5ه‍/11م‌ من‌ معاقل‌ إشبيلية الكبيرة. وعلى‌ إثر وقوع‌ اشتباكات‌ في غرناطة بين‌ ابن‌ عمار (ن‌.ع‌) وألفونس السادس‌ ملك قشتالة المقتدر، اقترح‌ ابن‌ عمار أن‌ تسلم‌ هذه‌ القلعة مع‌ الغنائم‌ الحربية الأخرى‌ إلى‌ ألفونس بهدف‌ تحقيق‌ الصلح‌؛ ولكن‌ هذا الاقتراح‌ رفض‌، و أخيراً، وقعت‌ قلعة أسطلير بيد ألفونس بدلاً من‌ معقل إسطبة‌ (مذكرات‌ ...،72، 75).

و بعد مرور أكثر من‌ 5 قرون‌ من‌ حكم‌ المسلمين‌ في قرطبة، سيطر عليها أخيراً الملك المسيحي فرناندو في شوال‌ 633/حزيران‌ 1236. ومع‌ سقوط قرطبة سقطت‌ أيضاً المدن‌ الأخرى‌ و قلاع‌ المسلمين‌ ومنها إسطبة، و ألزم‌ المسلمون‌ بدفع‌ الخراج‌ (عنان، 2/425، 598).

و تعد إسطبة حالياً مدينة في مقاطعة سويل (إشبيلية) تقع‌ تقريبـاً على‌ مسافة 70كم‌ إلـى‌ الجنوب‌ الشرقي من‌ مدينـة إشبيلية و40كم‌ جنوب‌ قرطبة على‌ السفح‌ الشمالي لجبل‌ سان‌ فرنسيسكو. و تتمتع‌ هذه‌ المدينة الجبلية التي يتجاوز عدد سكانها 10 آلاف‌ نسمة، بأراض خصبة. و تعد الحبوب‌ و الزيتون‌ من‌ المحاصيل‌ الزراعية المهمة‌ فيها. و قد جعل‌ وجود المراعي الخضراء إسطبة مركزاً يتمتع‌ بإمكانيات‌ كبيرة لتربية المواشي. وتوجد في هذه‌ المدينة مصانع‌ للنسيج و الصابون و استخراج‌ الزيوت و الصناعات‌ الغذائية. و تتمتع‌ إسطبة أيضاً بمناجم‌ الكلس‌ واليشب‌. و قد بنيت‌ في هذه‌ المدينة كنيستان‌ على‌ الطراز القوطي تدعيان‌ سان‌ سباستيان‌ و سانتاماريا EUE)، أيضاً البستاني، ن‌.صص‌).

المصادر

ابن‌ الخطيب‌، محمد، أعمال‌ الأعلام‌، تق‍ : ليفي پروفنسال‌، بيروت‌، 1956م‌؛ ابن‌ عذاري، أحمد، البيان‌ المغرب‌ في أخبار الأندلس‌ و المغرب‌، تق‍ ‍: كولن‌ و ليفي پروفنسال‌، ليدن‌، 1951م‌؛ البستاني؛ عنان‌، محمد عبدالله‌، دولة الإسلام‌ في الأندلس‌، القاهرة، 1408/ 1988م‌؛ مذكرات‌ الأمير عبدالله‌، تق‍ : ليفي پروفنسال‌، القاهرة، 1955م‌؛ أيضاً:

Dozy, R., Histoire des Musulmans d’ Espagne, Leiden, 1932; EUE; Lévi-Provençal, E., Histoire de l’Espagne musulmane, Paris/Leiden, 1950.

عزت‌ ملا إبراهيمي/خ‌