الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / التاریخ / الأسدي الطوسي /

فهرس الموضوعات

الأسدي الطوسي

الأسدي الطوسي

تاریخ آخر التحدیث : 1442/9/14 ۱۹:۳۷:۳۵ تاریخ تألیف المقالة

اَلْأَسَديُّ الطّوسيّ، أبومنصور (أبونصر) علي بن‌ أحمد (ت‍ـ ح 465ه‍/1073م)، شاعر و عالم‌ لغوي و كاتب‌ إيراني شهير. تلفّ‌ حياة الأسدي، بل‌ و حتى‌ عصره‌ هالة من‌ الإبهام‌ رغم‌ شهرته‌. فعلى‌ الرغم‌ من‌ أن‌ الباحثين‌ الغربيين‌ و الشرقيين‌ سعوا كثيراً منذ أواخر القرن‌ 19م‌ لأن‌ يسلطوا الضوء على‌ الجوانب‌ المظلمة من‌ حياته‌، إلا أن‌ مراحل‌ من‌ حياته‌ مازالت‌ غامضة لنا. ويمكن‌ تقسيم‌ المعلومات‌ القليلة الموجودة حول‌ الأسدي إلى‌ قسمين‌:

ألف ـ الأخبار المتفرقة الموجودة في آثار الأسدي نفسه‌ وكذلك الأخبار القصيرة لبعض‌ المصادر الأخرى‌. و قد ذكر الأسدي في خاتمة كتاب‌ الأبنية لأبي منصور موفق‌ الهروي، اسمه‌ و نسبه‌ وتخلصه‌ كالتالي: علي بن‌ أحمد الأسدي الطوسي الشاعر (ظ: ص‌ 97). و قد أشار بصراحة إلى‌ كونه‌ طوسياً في مقدمة گرشاسپ‌‌نامه‌ (ص‌ 14، الأبيات‌ 18-20) وكذلك إلى‌ تخلصه‌ (الأسدي) في ختام‌ الكتاب‌ (ص‌ 477، البيت‌ 3) و في نهاية مناظرة «المسلم‌ و المجوسي» («مناظرات‌»، 90). كما ذكرت‌ كنيته‌ «أبومنصور» في ديباجة لغت‌ فرس‌ (ط مجتبائي، 17). و قد ذكر الأسدي في خاتمة الأبنية أن‌ الفراغ‌ من‌ تأليف‌ الكتاب‌ كان‌ في شوال‌ 447 (ظ: ن‌.ص‌). كما يقول‌ في ديباجة گرشاسپ‌ نامه‌ إنه‌ نظم‌ هذه‌ المنظومة بطلب‌ من‌ محمد الحصي (الحصني) وزير أبي‌دلف‌ الشيباني حاكم‌ نخجوان‌، وباسمه‌ (ظ: ص‌ 13، البيت‌ 3 وما بعده‌، أيضاً ص‌ 15-19، 479) وكما جاء في المنظومة نفسها (ص‌ 476، البيت‌2)، فقد أنهى‌ نظمها في 458ه‍/1066م‌. و قد نقل‌ في بعض‌ مخطوطات‌ لغت‌ فرس‌ كشاهد على‌ كلمة «آزفنداق‌» (ظ: ط دبير‌سياقي، 105)، بيتاً من‌ گرشاسپ‌ نامه‌ (ص‌ 155، البيت‌ 4). وإذا ما كان‌ الأسدي هو الذي أدرج‌ هذا البيت‌ في لغت‌ فرس‌، فإن‌ هذا الكتاب‌ يكون‌ قـد دون‌ بعد نظم‌ گرشاسپ‌ نامه‌ (ظ: هرن‌، 31؛ خالقي، «أسدي طوسي»، 649). و من‌ جهة أخرى‌، فإننا نعلم‌ أن‌ الأسدي نظم‌ مناظرة «الرمح‌ والقوس‌» في مدح‌ شجاع‌ الدولة منوچهر (ظ: «مناظرات‌»، 109، البيت‌ 49). و رغم‌ أننا لانستطيع‌ معرفة ممدوحي الأسدي على‌ وجه الدقة في المناظرات‌، و لكن‌ لاشك في أن‌ هذا الشخص‌ هو شجاع‌‌الدولة منوچهر بن‌ شاوور (حك‍ ح‌ 456-512ه‍)، الأمير الشدادي الآني الذي سجل‌ اسمه‌ على‌ أطلال‌ سور مدينة آني بالخط الكوفي (ظ: تشايكين‌، 151؛ كسروي، 317). و بما أن‌ منوچهر تولى‌ حكم‌ آني في 456ه‍/1064م‌ في صغره‌، و أن‌ الأسدي كان‌ ينظم‌ گرشاسپ‌ نامه‌ في هذه‌ الفترة أيضاً، فإن‌ من المحتمل أن‌ هذه‌ المناظرة نظمت‌ بعد بضع‌ سنوات‌ من‌ نظم‌ هذا الأثر. و يتحدث‌ الأسدي في هذه‌ المناظرة («مناظرات‌»، 110، البيتان‌ 58-59)، وكذلك في ختام‌ گرشاسپ‌ نامه‌ (ص‌ 470، البيت‌ 57 و ما بعده‌) عن‌ شيخوخته‌. وعلى‌ هذا فإن‌ تاريخ‌ 465ه‍ الذي ذكره‌ هدايت‌ (1/287) كتاريخ‌ لوفاة الأسدي، يبدو صحيحاً (ظ: خالقي، ن‌.م‌، 650).

و يشير نظامي الشاعر الشهير‌ في القرن‌ 6ه‍/12م‌، في قطعة في «السخاء و الكلام‌» إلى‌ بخل‌ السلطان‌ محمود على‌ الفردوسي، وإكرام‌ أبي‌دلف‌ للأسدي (ص‌ 19). و لم‌‌يذكر رشيد الوطواط (ص‌ 74) فـي ذيل‌ صنعة «الإغراق‌ في الصفة» سوى‌ «دوبيت‌» واحـد لـ‍ «علي الأسدي» كشاهد، بحيث‌ لايلاحظ في الآثار المتبقية من‌ الأسدي والمصادر الأخرى‌. ولذلك، فإن‌ المعلومات‌ الدقيقة عن‌ حياة الأسدي، تقتصر تقريباً على‌ العقد الأخير من‌ عمره‌، و لانعرف‌ قبل‌ ذلك سوى‌ أنه‌ ولد في طوس‌ و كتب‌ بخطه‌ في 447ه‍ مخطوطة الأبنية.

ب‌ ـ القسم‌ الثاني، كتب‌ التذكرات‌، و أهمها تذكرة الشعراء لدولتشاه‌ السمرقندي (تأليف‌: 892ه‍/1487م‌)، و الذي يعد مصدر غالبية الاضطرابات‌ الموجودة في ترجمة حياة الأسدي. و لم‌‌يرد ذكر للأسدي في المصادر المتقدمة على‌ تذكرة الشعراء لدولتشاه‌، ومنها چهار مقاله‌ لنظامي العروضي و لباب‌ الألباب‌ للعوفي؛ وربما كان‌ السبب‌ أن‌ نظامي لم‌‌يكن‌ يعير أهمية إلى‌ الشعراء الذين‌ كانوا يترددون‌ على‌ البلاطات‌ الصغيرة، وكان‌ العوفي يركز اهتمامه‌ على‌ الشعراء الناظمين‌ للقصائد (ظ: تشايكين‌، 138؛ خالقي، ن‌.م‌، 651).

و استناداً إلى‌ قول‌ دولتشاه‌، فقد كان‌ الأسدي أستاذاً للفردوسي، و عندما رُغّب‌ في نظم‌ الشاهنامه‌، تذرع‌ بالشيخوخة، وحضّ‌ الفردوسي على‌ ذلك، و عندما عاد الفردوسي إلى‌ وطنه‌ طوس بعد الهروب‌ من‌ غزنين‌، و حلت‌ وفاته‌، دعا الأسدي، وكلفه‌ بنظم‌ مابقي من‌ الشاهنامه‌. فنظم‌ الأسدي خلال‌ يوم‌ و ليلة «أربعة آلاف‌ بيت‌ [!] كانت قد تبقت‌ من‌ الشاهنامه‌، وكان‌ الفردوسي على‌ قيد الحياة عندما طالع‌ مسودة تلك الأبيات‌، و أشاد بذهن‌ أستاذه‌ المستقيم‌، وقد بدأ ذلك النظم‌ من‌ أول‌ استيلاء العرب‌ على‌ العجم‌ المذكور في ختام‌ الشاهنامه (ص‌ 35-36). و استناداً إلى‌ هذه‌ الرواية، فإذا اعتبرنا الأسدي أستاذاً للفردوسي (ح‌ 329-416ه‍)، فإن‌ من‌ المفترض‌ أن‌ يكون‌ قد عاش‌ أكثر من‌ 150 سنة، و هو ما لايمكن‌ القبول‌ به‌. كما أن‌ كتّاب‌ التراجم‌ و المؤلفين‌ اللاحقين‌ استندوا بشكل‌ رئيس‌ إلى‌ أخبار دولتشاه‌ (ظ: إته، «حول‌ المناظرات‌»، 63-62؛ الرازي، 2/202؛ الشوشتري، 2/609-610؛ أوحدي، مادة «حكيم‌ أسدي طوسي»؛ آذر، 2/ 458-459) وذكر تقي‌الدين‌ الكاشي، أن‌ الأسدي الطوسي كانت‌ تربطه‌ مع‌ الفردوسي «نسبة قرابة» أيضاً (ظ: إته‌، ن‌.ص‌)؛ و لكنه‌ نظر هو نفسه‌ نظرة الشك إلى‌ قول‌ دولتشاه‌ المفيد بأن‌ القسم‌ الختامي من‌ الشاهنامه‌ من‌ نظم‌ الأسدي. كما نقل‌ عن‌ لغت‌ فرس‌ للأسدي أنه‌ كان‌ ينحدر بنسبه‌ إلى‌ «ملوك العجم‌» (ظ: الشوشتري، 2/ 609؛ هدايت‌، 1/283)؛ و لكن‌ لاتوجد إشارة إلى‌ ذلك في المخطوطات‌ المتوفرة عن‌ هذا المعجم‌. و من‌ جهة أخرى‌، فإننا لايمكن‌ أن‌ نجد في آثار الأسدي إشارة إلى‌ مضمون‌ أخبار دولتشاه‌ و التذكرات‌ الأخرى‌ وحسب‌، بل‌ إن‌ مايبدو من‌ هذه‌ الآثار يتناقض‌ بشكل‌ واضح‌ مع‌ مايقوله‌ دولتشاه‌.

ولأول‌ مرة بذل‌ هرمان‌ إته‌ قصارى‌ جهده‌ من‌ أجل‌ أن‌ يكشف‌ عن‌ سرحياة الأسدي (ظ: «حول‌ المناظرات‌»، 48 و مابعدها؛ م‌.ن‌، 40 و مابعدها). و قد قدم‌ مستنداً إلى‌ أخبار دولتشاه‌ فرضية مفادها أنه‌ كان‌ شخصان‌ يتخلصان‌ بـ‍ «الأسدي» يعيشان‌ في عصرين‌ مختلفين‌؛ أحدهما الأب‌ و اسمه‌ أبونصر أحمد بن‌ منصور، أستاذ الفردوسي، وناظم‌ «المناظرات‌» الذي توفي في عهدالسلطان‌ مسعود الغزنوي (421-432ه‍/1030-1041م)؛ والآخر ابن‌ أبي نصر و اسمه‌ علي بن أحمد، كاتب‌ الأبنية، و ناظم‌ گرشاسپ‌ نامه‌، وكاتب‌ لغت‌‌فرس‌ («حول‌ المناظرات‌»، 64-65). وقد سعى‌ إته‌ لأن‌ يطبق‌ ممدوحي الأسدي (الأب‌) في «المناظرات‌» على‌ رجال‌ الحكم‌ في العصر الغزنوي. و هو يرى‌ (ن‌.م‌، 69-68؛ م‌.ن‌، 41) أن‌ «شه‌ عادل‌ زاد» (ظ: «حول‌ المناظرات‌»، 82؛ البيت‌ 40؛ قا: الأسدي، «مناظرات‌»، 95، البيت‌ 40: شه‌ عادل»، ممدوح‌ الشاعر في مناظرة «الليل‌ والنهار» هو السلطان‌ محمود الغزنوي، و«والامنوچهر» ممدوح‌ الشاعر في مناظرة «الرمح‌ و القوس‌» (الأسدي، ن‌.م‌، 109، البيت‌ 49). هو تعبير شاعري لهذا السلطان‌، و«أبوالوفامطهر»، ممدوحه‌ في مناظرة «السماء والأرض‌» (ن‌.م‌، 101، البيتان‌ 55-56)، هو شمس‌‌الدولة أبوطاهر من‌ البويهيين‌ في همدان‌، و إن‌ رستم‌ الذي ذكر في البيت‌ الأخير من‌ المناظرة، هو أخوه‌ مجد‌الدولة أبوطالب‌ رستم‌، أمير الري، و المعاصر للسلطان‌ محمود. و يحتمل‌ إته‌ أن‌ الأسدي أزعج‌ السلطان‌ الغزنوي بسبب‌ مدحه‌ لمجد‌الدولة هذا، وتسبب‌ في أن‌ ينفيه‌ السلطان‌ (ن‌.ص‌).

و بعد صدور مقالة إته‌، بقيت‌ آراؤه‌ حول‌ الأسدي ثابتة لسنين‌، ولم‌‌يشك الكثير من‌ المستشرقين‌ و الباحثين‌ الإيرانيين‌ في صحة آرائه‌. وعلى‌ سبيل‌ المثال‌، فقد ذكر ستوري في مادة «الأسدي الطوسي»: «أبونصر علي بن‌ أحمد الأسدي ابن‌ أستاذ الفردوسي»، (III(1)/3، قا: V(1)/83-85). و كان‌ براون‌ (ص‌ 215-216) ونفيسي (ص‌ 47) من‌ الباحثين‌ الآخرين‌ الذين‌ أصروا على‌ آراء إته‌، و لكن‌ فروزانفر (ص‌ 449-453) ثم‌ شيراني (ص‌ 195- 198)، أبطلا فرضية إته‌ القائلة بوجود أسديّين (أيضاً ظ: يغمائي، 9-10). وقد حطم‌ تشايكين‌ المتخصص‌ الروسي في إيران‌، حقاً في 1935م‌ أسس‌ آراء إته‌ من‌ خلال‌ إعادة دراسة الأخبار المتعلقة بالأسدي وأثبت‌ أن‌ آراءه‌ لاتقوى‌ حتى‌ على‌ الصمود أمام‌ أكثر التقييمات‌ سطحية. و استناداً إلى‌ قول‌ تشايكين‌، فقد كان‌ إته‌ يسعى‌ لأن‌ يستخرج‌ ممدوحي الأسدي من‌ بين‌ سطور تاريخ‌ يميني ترجمة الجرفادقاني، و بالاعتماد على‌ ترجمة رينولد الإنجليزية لهذا الكتاب‌ الذي تسربت‌ إليه‌ أخطاء كثيرة، خاصة في ضبط الأعلام‌ (ص‌ 44). و قد رفض‌ تشايكين‌ رفضاً كاملاً تطبيق‌ ممدوحي الأسدي في‌ المناظرات‌ على‌ رجال‌ الحكم‌ في العصر‌الغزنوي، و ردّ عليه‌ بالتفصيل‌؛ ولكنه‌ أذعن‌ هو نفسه‌ أنه‌ لايعرف‌ من‌ ممدوحي المناظرات‌ سوى‌ شجاع‌‌الدولة منوچهر، ممدوح‌ مناظرة «الرمح‌ والقوس‌» و أبي نصرأحمد بن‌ علي ممدوح‌ مناظرة «المجوسي والمسلم‌». و قد أثبت‌ تشايكين‌ (ص‌ 146-147) بحق‌ أن‌ شجاع‌‌الدولة منوچهر، هو أمير آني الشدادي، و أن‌ أبا‌نصر‌أحمد بن‌ علي من‌ المحتمل‌ أن‌ يكون‌ ممدوح‌ اللامعي نفسه‌ (ظ: سروري، 3/1225، بيت‌ من‌ اللامعي كشاهد للكلمة «گهري»)، الذي ورد ذكره‌ في آثار البنداري (ص‌ 18: عبدالرزاق‌ أبونصر أحمد بن‌‌علي؟) و حمدالله‌ المستوفي (ص‌ 354: عميدالعراق‌ أحمد المعمولي؟) في ذيل‌ أحداث‌ سنة 450ه‍ (قا: إته‌، «حول‌ المناظرات‌»، 67-68). و يذكّر تشايكين‌ بأن‌ تخلص‌ الشعراء الناطقين‌ بالفارسية، يتغير عادة من‌ الأب‌ إلى‌ الابن‌. وعلى‌ سبيل‌ المثال‌: البرهاني و ابنه‌ الأمير معزي، أو وصال‌ و أبناؤه‌ الثلاثة وقار و فرهنك و داوري. و بالتالي فإذا كان‌ يوجد أسديان‌، الأب‌ والابن، فقد كان‌ من‌ المفترض‌ أن‌ يغير الابن تخلصه‌. و يضيف‌ تشايكين‌: امتنع‌ الأسدي بسبب‌ تواضعه‌ عن‌ نقل‌ أشعاره‌ كشواهد على‌ الكلمات‌ في لغت‌ فرس‌ (و أما الأبيات‌ القليلة التي جاءت‌ في لغت‌ فرس‌ فهي موضع‌ شك)، في حين‌ لو كان‌ أبوه‌ شاعراً، لنقل‌ أبياتاً عنه‌ برغبته‌ (ص‌ 143).

و بعد تشايكين‌، فإن‌ برتلس‌ المتخصص‌ الروسي المعروف‌ الآخر في الإيرانيات‌، أعاد بناء أطوار من‌ حياة الأسدي و خاصة الطور الأول‌ من‌ حياته‌، من‌ خلال‌ رؤيته‌ الثاقبة، و ملاحظاته‌ المنطقية. وفي مقالة بعنوان‌ «المناظرة الخامسة للأسدي الطوسي» (ص‌ 207 و مابعدها)، و كذلك في كتابه‌ تاريخ‌ أدبيات‌ فارسي، درس‌ بعمق‌ و شمولية مناظراته‌، و استنتج‌ من‌ خلال‌ مقارنات‌ بين‌ أبيات‌ من‌ هذه‌ المناظرة و أبيات‌ من‌ گرشاسپ‌ نامه‌ أن‌ ناظم‌ كلا الأثرين‌ شخص‌ واحد (ص‌ 16 و مابعدها). ثم‌ يضيف‌ أننا يمكن‌ أن‌ ندرك من‌ الأبيات‌ الأخيرة من‌ مناظرة «العرب‌ والعجم‌» أن‌ الشاعر أهدى‌ أثره‌ إلى‌ عميد نوقان‌ (إحدى‌ ناحيتي طوس‌)، أبي جعفر محمد (ن‌.ص‌؛ أيضاً ظ: الأسدي، «مناظرات‌»، 78، البيتان‌، 104-105). و لانعلم‌ هوية أبي جعفر محمد هذا، ولكن‌ الملاحظة المهمة أن‌ مناظرة «العرب‌ و العجم‌» نظمت‌ في طوس‌ مسقط رأس‌ الشاعر، و يمكن‌ القبول‌ أنها كانت‌ من‌ منظوماته‌ الأولى‌ و عهد شبابه‌. و عندما تذكر في هذه‌ المناظرة على‌ لسان‌ الرجل‌ الأعجمي الشخصيات‌ و الشعراء الإيرانيون‌ المعروفون‌ الذين‌ يتباهى بهم‌، لايرد ذكر للفردوسي (ظ: ن‌.م‌، 71 و مابعدها). و رغم‌ أن‌ برتلس‌ (ص‌ 19) أدرك بحق‌ خلافاً لإته‌ (ص‌ 41) أن‌ الأسدي لم‌‌يكن‌ في عداد شعراء بلاط الغزنويين‌، و لكن‌ احتماله‌ بأن‌ الأسدي امتنع‌ عن‌ ذكر اسم‌ الفردوسي من‌ باب‌ التنافس‌ معه‌ (ص‌ 43-44)، ليس‌ مقبولاً؛ فمن‌ هذه‌ المناظرة يبدو بوضوح‌، أن‌ الأسدي لم‌‌يجرب‌ نظم‌ الملاحم‌ في فترة شبابه‌ و حسب‌، بل‌ ما كان‌ شاعراً ماهراً في نظم‌ القصائد كي ينافس‌ الفردوسي.

و يحتمل‌ برتلس‌، أنه‌ يبدو من‌ هذه‌ المناظرة أن‌ الأسدي كان‌ قد تأثر في شبابه‌ بأفكار الشعوبيين‌، و كان‌ له‌ ميل‌ سافر إلى‌ التشيّع‌. و لكن‌ بما إن‌ حمل‌ الأفكار الشعوبية، و كذلك الميل‌ إلى‌ التشيع‌ كانا يعدان‌ جريمة سياسية في بلاط الغزنويين‌، فإنه لم‌‌يكن‌ أياً من‌ ناظمي القصائد بمستطاعه‌ أن‌ ينظم‌ مثل‌ هذه‌ القصيدة هناك ولايخشى‌ على‌ حياته‌ (ن‌.ص‌). وعلى‌ هذا فإن‌ من‌ المحتمل‌ أن‌ يكون‌ ممدوح‌ الأسدي، أي عميد نوقان‌، أبا‌جعفر محمداً، أحد القادة والدهاقنة‌ الإيرانيين‌ الإقطاعيين‌ في طوس‌، حيث‌ أهدى‌ الشاعر هذه‌ القصيدة إليه‌ في السنوات‌ الأخيرة من‌ حياة محمود (حك‍ 388-421ه‍/998-1030م‌) أو في عهد ابنه‌ و خليفته‌ مسعود؛ ذلك لأن‌ سخط الدهاقنة النبلاء على‌ العرب‌ يتجلى‌ بشكل‌ واضح‌ للغاية في جميع‌ أرجاء سلسلة براهين‌ العجم‌ (م‌.ن‌، 18-21). و لكن‌ الشاعر الذي لم‌‌يكن‌ بإمكانه‌ أن‌ يأمل‌ تقديم‌ الجوائز له‌ بسخاء دوماً، توجه‌ على‌ مايبدو من‌ طوس‌ إلى‌ غرب‌ إيران‌ في أواخر العصر الغزنوي، و تزامناً مع‌ هجوم‌ التركمان‌ و الجفاف‌ في خراسان‌ (431ه‍/1040م‌) (م‌.ن‌، 20). و الصورة المختصرة التي يرسمها برتلس‌ عن‌ المرحلة الثانية من‌ حياة الأسدي هي كالتالي: من المحتمل‌ أنه‌ ذهب‌ من‌ طوس‌ إلى‌ بلاط الجستانيين‌ في طارم‌، وأخيراً إلى‌ نخجوان‌، ومدح‌ بعد 464ه‍/1072م‌ في آني، شجاع‌ الدولة منوچهر بن‌ شاوور، كما أن‌ من‌ المحتمل‌ كثيراً أن‌ الشاعر ابتلي بالفقر و العوز الشديدين‌، في ترحاله هذا حتى‌ انحدر في 447ه‍/1055م‌ إلى‌ مستوى‌ كاتب‌ عادي للمخطوطات‌ (ن‌.ص‌).

و بعد برتلس‌، توصل‌ جلال‌ خالقي مطلق‌ ــ بشكل‌ مستقل‌ عن‌ برتلس‌ ــ إلى‌ نتائج‌ طريفة من‌ خلال‌ الدراسة الشاملة للأخبار المرتبطة بالأسدي، و اكتشف‌ بعض‌ ممدوحيه‌ في «المناظرات‌» وخاصة المرحلة الثانية من‌ حياته‌، حيث‌ سلط الضوء عليها، وأكمل‌ دراسات‌ برتلس‌ و تشايكين‌. و قد استند خالقي في دراسته‌ بشكل‌ رئيس‌ على‌ مسمّط جاء في ديوان‌ قطران‌، و لكنه‌ منسوب‌ في بعض‌ التذكرات‌ و منها دقائق‌ الأشعار إلى‌ الأسدي. و يذكّر خالقي بأن‌ هذه‌ التذكرة التي تبقى‌ منها 18 باباً من‌ 30 باباً، لايمكن‌ أن‌ تكون‌ قد كتبت‌ بعد‌ القرن‌ 8ه‍؛ فجميع‌ الشعراء الذين‌ دارالحديث‌ عنهم‌ في هذه‌ المجموعة، كانوا يعيشون‌ في فترة قبل‌ هذا التاريخ‌ («أسدي طوسي»، 646). ثم‌ حقق‌ خالقي المسمط المذكور من‌ جديد على‌ أساس‌ دقائق‌ الأشعار و ديوان‌ قطران‌ (ص‌ 450-453) (و قد تم‌ الرجوع‌ في هذه‌ المقالة الى‌ هذا المسمط من‌ نفس‌ تحقيقه هذا في مقالة «أسدي طوسي»، 653-657). و قد مُدح‌ في هذا المسمط شخصان‌ مختلفان‌ أحدهما أميرجستان‌ (ص‌ 655، البيت‌ 24، ص‌ 656، البيتان‌ 43-44). و كنيته‌ أبونصر (ص‌ 656، البيت‌ 37)، و الآخر شاب‌ يدعى‌ شمس‌‌الدين‌ (ص‌ 655، البيت‌ 24) بلقب‌ تاج‌الملك (ص‌ 655، البيت‌ 27). و توجد في ديوان‌ قطران‌ قصائد كثيرة (حوالي 20 قصيدة، لنموذج‌، ظ: ص‌ 36-37، 52، مخ‍) في مدح‌ أبي نصر جستان‌، و قد ذُكر أبوالمعالي في هذه‌ القصائد (مثلاً ظ: ص‌ 206، البيت‌ 12، مخ‍( كابن‌ لجستان‌ أيضاً. وجستان‌ هذا هو أمير من‌ أسرة الكنكريين‌ (أو المسافريين‌، فرع‌ من‌ الديالمة‌) كان‌ يحكم‌ طارم‌ في حدود سنوات 421-453ه‍. وقد مُدح‌ جستان‌ في هذا المسمط بصفات‌ مثل‌ المسدد والمنصور والمؤيد، و يدل‌ تكرار صفة المسدد في قصيدة لقطران‌ (ص‌ 36، البيت‌ 13) على‌ أنها كلها ألقاب‌ لجستان‌ (ظ: خالقي، «أسدي طوسي»، 653-662). ‌ثم يستنتج‌ خالقي من‌ خلال‌ المقارنة بين‌ ما قاله‌ الأسدي وقطران‌ حول‌ جستان‌ من‌ جهة، و مقدمة كتاب‌ الأبنية وحديث‌ كاتبه‌ أبي منصور الهروي من‌ جهة أخرى‌، أن‌ «الأمير المسدد المؤيد المنصور» هو الأمير الذي ألف‌ أبومنصور الهروي كتابه‌ باسمه‌، و هو نفسه أبونصر جستان‌ ممدوح‌ الأسدي و قطران‌، ويبدو من‌ الجملة الدعائية «حرسه‌ الله‌» التي ذكرها الأسدي كاتب‌ أقدم‌ مخطوطة للكتاب‌ (المؤرخة‌ في 447ه‍( بعد اسم‌ أبي منصور الهروي، أن‌ مؤلف‌ الكتاب‌، و الأمير الذي أهدي هذا الكتاب‌ له‌، وكذلك كاتبه‌ كانوا يعيشون‌ في زمان‌ واحد (خالقي، ن‌.م‌، 662-664). في حين‌ أن‌ الكثير من‌ المستشرقين‌ كانوا يعتقدون‌ قبل‌ ذلك أن‌ هذا الأمير ماهو، إلا منصور بن‌ نوح‌ الساماني (حك‍ 350-365ه‍/961-927م‌)، الملقب‌ بـ‍ «السديد»، ولم‌‌يكن‌ باحثون‌ آخرون‌ مثل‌ القزويني (ص‌ 264-266)، و بهار (2/24-25)، و محبوبي (ص ‌9) قد توصلوا في هذا الخصوص إلى‌ نتيجة قطعية (للتفصيلات‌، ظ: ن‌.د، أبومنصور موفق‌ الهروي).

ولاشك في أن‌ دراسة خالقي كـان‌ لها تأثير كبير في إزالة هالة الإبهام‌ التي كانت‌ قد لفت‌ لسنين‌ حياة الأسدي الطوسي وكتاب‌ الأبنية و مؤلفه‌، و لكن‌ من‌ الجدير ذكره‌ أن‌ هناك موانع‌ أيضاً في طريق‌ سلسلة استدلالاته‌: فقِدَم‌ موسوعة دقائق‌ الأشعار الذي أصر عليه‌ خالقي لمرات‌ عديدة، موضع‌ شك؛ ذلك لأنه‌ لم‌‌يتبق‌ من‌ الأبواب‌ الثلاثين‌ لهذا الكتاب‌ سوى‌ 18 باباً، و على‌ هذا الأساس‌ القائل بأن جميع‌ الشعراء المذكورين‌ فيه‌ يعودون‌ إلى‌ ماقبل‌ القرن‌ 8ه‍/14م‌، لايمكن‌ الحكم‌ بقدم‌ الكتاب‌. و من‌ جهة أخرى‌، و كما أشار خالقي نفسه‌، توجد في ديوان‌ قطران‌ 20 قصيدة في مدح‌ أبي نصر جستان‌ (ص‌ 36-37، 52، مخ‍( و منها مسمط (ص‌ 450-453) فيه‌ بعض‌ الألقاب‌ و الألفاظ المدحية المشابهة في مدح‌ هذا الأمير، حيث‌ لم‌‌ينسبه‌ مؤلف‌ دقائق‌ الأشعار إلى‌ قطران‌، بل‌ إلى‌ الأسدي. ولذلك، لايمكن‌ بسهولة نسبة هذا المسمط الذي جاء في أقدم‌ مخطوطات‌ ديوان‌ قطران‌، إلى‌ الأسدي بدلاً من‌ قطران‌ استناداً إلى‌ قول‌ مؤلف‌ دقائق‌ الأشعار. ثم‌ إن‌ مؤلف‌ دقائق‌ الأشعار هو شخص‌ يدعى‌ ميرعبدالوهاب‌، و قد اعتبره‌ إته‌ («الفهرست‌...»، I/819-824). الذي عرّف‌ لأول‌ مرة هذه الموسوعة بدون‌ ديباجة، هو نفسه‌ مير عبدالوهاب‌ الدولت‌‌آبادي مؤلف‌ تذكرۀ بي نظير (تأليف‌: ح‌ 1172ه‍/1759م‌) (أيضاً ظ: گلچين‌، 1/200). ومع‌ كل‌ ذلك، فحتى‌ إذا لم‌‌يكن‌ هذا المسمط من‌ نظم‌ الأسدي، فإن‌ أسس‌ نظرية خالقي مطلق القائلة بأن‌ الأسدي ومؤلف‌ كتاب‌ الأبنية، كانا يعيشان‌ كلاهما في بلاط أبي نصر جستان‌ في وقت‌ واحد، لاتنهار؛ ذلك لأن‌ الأمير الذي مدح‌ في أحدى‌ مناظرات‌ الأسدي (ظ: السطور التالية) بلقب‌ «شاه‌ عادل‌» و«أمير عادل‌» ينطبق‌ بصورة جيدة على‌ أبي نصرجستان‌ هذا.

الصفحة 1 من3

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: