الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الفقه و علوم القرآن و الحدیث / الاستصحاب /

فهرس الموضوعات

الاستصحاب

الاستصحاب

تاریخ آخر التحدیث : 1442/9/13 ۲۲:۲۱:۲۴ تاریخ تألیف المقالة

اَلِاسْتِصْحاب، أحـد الأدلـة لـدی بعـض المذاهب الفقهیة، وأحد الأصول العملیة في المدرسة الأصولیة المتأخرة للإمامیة وهو عبارة عن صدور حکم في موضوع‌ما علی أساس الیقین السابق في الشک الحالي.

و کما یستنبط من الاستخدامات القدیمة لهذه الکلمة، فإن معناها الأولي في اللغة، طلب صحبة الشيء (مثلاً ظ: نصر بن مزاحم، 132-133؛ أیضاً بیتاً شاهداً في العین للخلیل، 3/124). فسر الاستصحاب في کتاب العین للخلیل، ومصنفي الأزهري والجوهري تبعاً له بهذه العبارة التقلیدیة «کل شيء لازم [لاءم في بعض النسخ] شیئاً فقد استصحبه» و هو تعبیر ليس واضحاً کثیراً لنفس المعنی (الخلیل، ن.ص؛ الأزهري، 4/262؛ الجوهري، 1/162). و مایلاحظ فضلاً عن ذلک في آثار الجوهري وابن‌فارس، تعبیر علی شکل مثال هو: «استصحبته الکتاب وغیره» حیث اعتبره الجوهري فعلاً ذا مفعولین بمعنی وضع شيء مع شيء آخر (ن.ص؛ أیضاً ظ: الزمخشري، 249)، في حین أن هذا الفعل جاء في نقل الفیومي عن ابن‌فارس بصورة «استصحبت الکتاب» واعتُبر ذا مفعول واحد (الفیومي، مادة صحب؛ أیضاً الزمخشري، ن.ص).

و قد اعتبر الفیومي هذا الاستخدام حلقة وصل بین الاستخدام اللغوي القدیم و الاستخدام الاصطلاحي في الفقه، و قال إن تسمیة هذا الأسلوب الفقهي بـ‍ «استصحاب الحال» سببه أن الحالة المعنیة في الماضي و الحاضر تبدو عند الاستناد إلیه مترافقة و لایمکن فصلها (ظ: ن.ص؛ أیضاً علاءالدین البخاري، 3/377؛ لتأیید هذا الرأي، ظ: المفید، التذکرة، 45).

و قد ظهرت ماهیة الاستصحاب خلال مسیرة تاریخیة کما هو الحال بالنسبة إلی الکثیر من الموضوعات الأصولیة، کما طرأت علی البحث في حجیته تحولات و اختلافات في الآراء أسوة بتعریفه. و یمکن القول بشکل إجمالي إن الاستصحاب کان یستعمل باعتباره أحد الأسالیب العامة للجمع و التوفیق بین الشکوک، عندما لم‌یکن یتوفر دلیل. ومن شأن تعبیر الخوارزمي (ت‍ـ 568ه‍( الذي یقول إن الاستصحاب هو «آخر مدار للفتوی» بعد الکتاب والسنة و الإجماع و القیاس (ظ: الشوکاني، 237)، أن یدل إلی حد کبیر علی مکانة الاستصحاب في المدارس الفقهیة.

و من خلال نظرة تاریخیة، یبدو أن استخدام الاستصحاب کاصطلاح فقهي بدأ منذ القرن 3ه‍/9م، و لکن بعض الأسالیب التي اکتسبت اسم الاستصحاب خلال مسیرة تدوین أصول الفقه، کان لها خلفیة أبعد. وخلال القرون 3-5ه‍، کان مصطلح «استصحاب الحال» یستخدم علی شکل ترکیب إضافي لـ «الحکم في أمر شرعي بعد حدوث نوع من التغییر مثل حکمه قبل التغییر» (ظ: الشریف المرتضی، «الحدود»، 262)، و قد کانت صحة هذا الأسلوب موضع نقاش. وفي بدایة القرن 5ه‍/11م، أطلق الغزالي مصطلح «الاستصحاب» بشکل واسع علی بعض من الأصول العقلیة و اللفظیة أیضاً (ظ: تتمة المقالة) و قد ترک هذا التناول من قِبَل الغزالي تأثیراً عمیقاً في آثار الأصولیین اللاحقین من المذاهب المختلفة. و یتمثل آخر تحول في مباحث الاستصحاب في الاتساع الخاص الذي طرأ علی هذا الأسلوب باعتباره أصلاً واسع الاستخدام و ذلک في النظام الأصولي للشیخ الأنصاري، حیث ألقی بظلاله علی الفقه الإمامي المتأخر.

 

جذور الاستصحاب في القرنین 1و2ه‍

لاشک في أننا یجب أن نعتبر قاعدة عدم نقض الیقین بالشک التي کانت دوماً جزء لایتجزأ من المبحث الأصولي للاستصحاب، أحد أقدم الأسالیب الفقهیة، حیث کانت مطروحة بین الفقهاء في أوائل القرن 2ه‍ علی الأقل؛ فهناک روایة تعود إذا ما أخذنا بها تعود بخلفیة هذا الأسلوب إلی عهد الإمام علي (ع). فقد ذکر محمدبن‌مسلم الفقیه الإمامي المعروف (تـ‍ 150ه‍) في المجموعة التي سمیت الأربعمائة (النجاشي، 324)، أو أدب أمیرالمؤمنین (ع) (البرقي، 215)، نقلاً عن علي (ع) علی شکل قاعدة عامة قائلاً: «من کان علی یقین فأصابه شک فلیمض علی یقینه فإن الشك لاينقض اليقين» (ظ: ابن بابویه، 619؛ ابن شعبة، 109؛ أیضاً المفید، الإرشاد، 159).

وفي عصر ظهور الفقه الإمامي في النصف الأول من القرن 2ه‍ یلاحظ هذا المعنی وهو أن «لاینقض اليقين بالشک» في الموضوعات الفقهیة المختلفة الواردة في الروایات المنقولة عن الإمامين الباقر، أو الصادق (ع) (ظ: الکلیني، 3/352؛ الطوسي، تهذيب ...، 1/8، 422؛ أیضاً فقه الرضا (ع)، 79).

و في ذلك العصر ذاته، یمکن البحث عن استخدام هذا الأسلوب في عدم نقض الیقین بالشک في قالب نماذج من الآراء الفقهیة لأبي حنیفة و الشافعي أیضاً (مثلاً ظ: محمدبن‌الحسن، 1/69؛ الخوارزمي، 2/153؛ الشافعي، 1/14، 37، 5/262)؛ و في المقابل، فإن فتوی مالک ــ حول الشخص الموقن بالطهارة ثم یشک في الحـدث ــ بوجوب تجدید الطهارة (ظ: ابن القاسم، 1/13-14؛ ابن‌هبیرة، 1/64)، تدل علی أن استعمال الأسلوب المذکور لم‌یکن شاملاً. و في الآثار الأصولیة للقرن 5ه‍ ادعی البعض الإجماع والاتفاق علی أن الشک غیر معتبر، دون أن یعیروا أهمیة للمعارضین، فیما یتعلق بمسألة الشک بعد الیقین بشکل عام، وفیما یتعلق بنموذج الشک في بقاء الطهارة (ظ: الطوسي، عدة ...، 304؛ البزدوي، 3/379)، ولکن یوجد أصولیون شککوا في حتمیة هذا الأمر (ظ: أبوإسحاق، التبصرة، 527- 528).

 

بلورة الاستصحاب في المذاهب الفقهیة

استناداً إلی روایة أبي‌الطیب الطبري، و تأیید المصادر المختلفة، وضع داود الأصفهاني مؤسس المذهب الظاهري، في أواسط القرن 3ه‍/9م، أصول أسلوب سمي في المصادر الأصولیة للقرن 5ه‍ «استصحاب الحال»، أو «استصحاب [حکم] الإجماع» حسب ضبط بعض المصادر (ظ: السبکي، 3/169-170، نقلاً عن أبي‌الطیب؛ أیضاً أبوالحسین البصري، 2/884؛ ابن حزم، 5/3-4؛ أبوإسحاق، ن.م، 526). و یبدو أن من المستبعد بالنسبة إلی المصطلح الأخیر أن یکون قد استعمل من قبل أتباع داود، خاصة إذا علمنا بتهرب الظاهریين من انتشار استخدام الإجماع (ظ: ن.د، 5/687). وعلی أي حال، فإن القول بحجیة هذا الاستصحاب نسب بالإضافة إلی داود، إلی عدد من الفقهاء الشافعیین، أو المائلین إلی ذلک المذهب فـي القـرن 3ه‍ : أبـي ثـور، و الـمـزنـي، و ابـن سـریــج ــ (ظ: أبوإسحاق، ن.ص؛ علاءالدین البخاري، 3/377؛ قا: أبوإسحاق، اللمع، 117)، حیث کان لهذا الرأي في القرن التالي، أتباع أیضاً بین الشافعیة و الحنابلة مثل ابن‌خیران و أبي‌بکر الصیرفي وابن‌شاقلا و ابن‌حامد (ظ: علاءالدین البخاري، أبوإسحاق، ن.صص؛ الکلوذاني، 4/255-256؛ ابن قیم، 1/341).

وقد کان المثال المتداول و التقلیدي للاستصحاب الذي یدافع عنه داود و الآخرون المذکورون، مسألة فقهیة قدیمة مفادها أن الشخص إذا قام للصلاة متیمماً و وجد أثناء الصلاة ماء للوضوء، فهل یجب علیه أن یتم صلاته بالتیمم، أم أن من الواجب علیه أن یتطهر بالماء و یستأنف صلاته؟ و بالطبع فقد کان هناک بین فقهاء القرن 2ه‍ من یتفق في الرأي في هذا الحکم مع القائلین بالاستصحاب، و لکن استنادهم کان قائماً علی أسس أخری (مثلاً ظ: مالک، 40-41؛ أیضاً الکلیني، 1/63-64؛ الطوسي، تهذیب، 1/200، 203-204).

و رغم أن نظریة استصحاب الحال و مثالها التقلیدي، تعرضت في القرن 5ه‍ لانتقادات أساسیة من قبل أصولیین مثل أبي الحسین البصري من المعتزلة، و أبي الطیب الطبري و أبي إسحاق الشیرازي و الغزالي من الشافعیة، و أبي‌یعلی ابن‌الفراء من الحنابلة (ظ: أبوالحسین البصري، 2/884 و مابعدها؛ أبوإسحاق، التبصرة، أیضاً السبکي، ن.صص؛ الغزالي، 1/224؛ الکلوذاني، 4/254)، إلا أن استصحاب حکم الإجماع کان له في القرون التالیة مؤیدون مثل الآمدي و ابن الحاجب و ابن‌قیم الجوزیة و الشوکاني (ظ: الآمدي، 3/374؛ ابن قیم، 1/343؛ الشوکاني، 238).

و قد طرح الأصولیون الحنفیون المتقدمون بشکل تقلیدي في الکتب الأصولیة إلی جانب غالبیة المتکلمین باعتبارهم المعارضین الرئیسیین لحجیة الاستصحاب (مثلاً ظ: الطوسي، عدة، 303؛ علاءالدین البخاري، 3/378)، و لکن کان هناک بین الحنفیین فقهاء کانت لهم نظرة مختلفة في هذا المجال. و أشار علاءالدین البخاري في حدیثه عن استصحاب الحال و قول بعض الشافعیین المتقدمین إلی حجیته، حیث أبدی أبومنصور الماتریدي (تـ‍ ‍‍333ه‍) وجهة نظر قریبة منهم، وقد کان لاتجاهه هذا مؤیدون بین مشایخ الحنفیة في سمرقند (3/377- 378). و استناداً إلی هذاالنقل، فقد أوجب أبومنصور العمل بهذا الاستصحاب في حالة عدم العثور علی دلیل من الکتاب و السنة.

و في القرن 5ه‍، طرحت نظریة معتدلة بین أوساط الحنفیین کان أبوزید الدبوسي من أوائل القائلین بها؛ وقد کانت النظریة الجدیدة للحنفیین قائمة علی أن الاستصحاب لایمکن الاستناد إلیه لإثبات حکم، أو إلزام خصم، و لکنه یصلح لأن یتمسک به المکلف ل‍ـ «دفع الحکم» (ظ: م.ن، 3/378؛ قا: نظریة أخری لغیر الحنفیة، السبکي، 3/171). و قد أخذ بهذا الرأي أشخاص مثل البزدوي (3/378) و السرخسي (2/225-226)، و درسوه، و کانت النظریة الغالبة في الفقه الحنفي المتأخر (علاءالدین البخاري، ن.ص).

 

استصحاب الحال و أصل البراءة

ارتبط أصل البراءة الذي کان مستخدماً لدی المذاهب المختلفة في القرون 2-4ه‍ مع اختلافات في نطاق استخدامه، تدریجیاً بمصطلح الاستصحاب، واعتبر أحیاناً في الآثار الأصولیة للقرن 5ه‍ کأحد مصادیق الاستصحاب. وقد تحدث أبوإسحاق الشیرازي في التبصرة (ص 529) عن وجوب «استصحاب براءة الذمة» علی أساس دلیل العقل، و اعتبر في اللمع (ص 116) «استصحاب حال العقل»، أو أصل البراءة دلیلاً یلجأ إلیه الفقیه عند فقدان الدلیل الشرعي. کما یمکن أن نجد مایشبه هذا المعنی في کلام أبي‌الطیب الطبري (ظ: الشوکاني، ن.ص)، و الجویني (ص 50)، و أبي‌یعلی ابن الفراء (ظ: الکلوذاني، 4/251-252؛ قا: البزدوي، ن.ص). و کمنعطف في هذا الموضوع، اعتبر الغزالي (1/217-221) «دلیل العقل والاستصحاب» الدلیل الرابع من أدلة الفقه، و رأی أن أصل البراءة هو أکثر أنواع الاستصحاب أصالة (عن تأثیر هذا التقسیم، ظ: المحقق الحلي، المعتبر، 5-6؛ الشهيد الأول، 5؛ لمزید من التفصیل، ظ: ن.د، البراءة).

 

الاستصحاب في أصول الإمامیة

أوجب الشـیـخ المـفیـد (تــ ‍413ه‍) عبـر جملة عابـرة دون الإیضاح، الحکـم بمقتضی استصحاب الحال (التذکرة، 45)، وکما صرح الشیخ الطوسي، فإن الاستصحاب الذي یقصده لم‌یکن علی مایبدو سوی استصحاب الحال التقلیدي بمثاله المعروف فیما یتعلق بالمتیمم الذي یجد الماء أثناء الصلاة (عدة، 303؛ أیضاً ظ: المفید، المقنعة، 61). و قد انتقد الشریف المرتضی (تـ‍ 436ه‍( بشدة اعتبار هذا الاستصحاب، واشتهر کعلامة فارقة في معارضة الاستصحاب (ظ: الذریعة، 2/345 ومابعدها؛ أیضاً الطوسي، ن.ص). و من بین علماء القرن التالي، ذکرابن زهرة في «الغنیة» خلاصة لآراء الشریف المرتضی مؤیداً لها (ص 548). وتلاحظ في الآثار الأصولیة لمدرسة الحلة في القرنین 7 و 8ه‍ آراء جدیدة حول الاستصحاب؛ فقد دافع المحقق الحلي في المعارج عن موقف الشیخ المفید أولاً، و أجاز بعد انتهاء بحثه في معرض الاستنتاج، استصحاب حکم الشرع في حالة ما إذا کان دلیل الحکم المقتضي له بشکل مطلق، و أوجب التحاکم إلی استمرار الحکم (ص 206 و مابعدها)؛ و أشار صاحب المعالم إلی اختلاف ظریف بین استنتاجه و الموقف الذي یرید الدفاع عنه في البدء (ص 267). و اعتبر المحقق الحلي في المعتبر استصحاب حکم الشرع عدیم الاعتبار بشکل کامل، کما هو الحال بالنسبة إلی الشريف المرتضی، و حصر الاستصحاب المعتبر في التمسک بالبراءة الأصلیة و الحالات المشابهة لها (ص 6-7؛ أیضاً ظ: الشهید الأول، 50). و یعتبر عالم الحلة الآخر العلامةالحلي من الأشخاص الذين عززوا حجیة استصحاب حکم الشرع (ظ: ص 250-251؛ أیضاً الإسترابادي، 141). و حتی القرن 10ه‍ مانزال نری موقفین مختلفین بین الأصولیین في هذا المجال (ظ: الشهید الثاني، 37؛ صاحب‌المعالم، ن.ص). و في القرون التالیة کانت حجیة الاستصحاب و خاصة بعض الأنواع منه، موضع نقاش بین الأصولیین و الأخباریین، حيث کان الأخباریون علی سبیل المثال یخطّئون في بعض مباحثاتهم التمسک بالاستصحاب في الشبهة الحکمیة، و یعتبرون حجیته محدودة بالشبهة الموضوعیة (ظ: المظفر، 3/311؛ قا: الإسترابادي، ن.ص).

و قد خضعت مباحث الاستصحاب في الآثار الأصولیة للقرن 13ه‍ للبحث بشکل أدق، وقد بلغت هذه البحوث ذروتها من خلال مؤلفات الشیخ الأنصاري؛ فقد ترک أسلوب القدماء الذي کان یصنف فیه الاستصحاب في عداد الأدلة الظنیة الاجتهادیة مثل القیاس، و اعتبره أصلاً عملیاً کالبراءة و الاشتغال (2/543). وقد بحث في الفرائد (2/541 و مابعدها) بالتفصیل الاستصحاب من حیث ماهیته و أقسامه و أدلة الحجیة و تصنیف الآراء في حجیته.

و رغم أن آراء الشیخ الأنصاري حول الاستصحاب، کانت أساس مناهج الأصولیین الإمامیین من بعده، إلا أن العلماء اللاحقین مثل آخوند الخراساني، کان لهم أیضاً دور مهم في إکماله و استمراره، بل إنهم أبدوا في بعض المواضع آراء مخالفة (مثلاً للاستصحاب في مواضع الشک في المقتضي و الرافع، ظ: آخوند الخراساني، 387؛ قا: الأنصاري، 2/558). و في الأصول الإمامیة المتأخرة، لایجري الاستصحاب في حالة وجود أمارة معتبرة، بحیث لاتطرح الأصول العملیة الأخری في حالة جریان الاستصحاب في مسألة‌ما (ظ: م.ن، 2/706 ومابعدها؛ آخوند الخراساني، 428 ومابعدها).

 

بعض أقسام الاستصحاب

يعد حدیث أبي إسحاق الشیرازي في اللمع (ص 116-117) من أقدم أمثلة تقسیم الاستصحاب، حیث تحدث عن قسمي الاستصحاب: 1. استصحاب حال العقل (البراءة)؛ 2. استصحاب حال الإجماع. و تحدث الغزالي في تقسیمه عن 4 أنواع من الاستصحاب لها أحکام مختلفة في الحجیة: 1. استصحاب البراءة الأصلیة، 2. استصحاب عموم الدلیل حتی دخول المخصص واستصحاب النص حتی دخول الناسخ، 3. استصحاب الحكم الذي یحکم الشرع بثبوته و استمراره، 4. استصحاب [حکم الإجماع (ظ: 1/221-223). و قد تکرر هذا التقسيم کثیراً في الآثار الأصولیة التالیة مع تغییرات غیر أساسیة. و لإیضاح القسم الثاني یجب القول إن أصل مسألة العموم و الخصوص کانت تحظی بالاهتمام منذ قرون مضت من قبل العلماء المسلمین، ولم‌یکن هناک اختلاف کبیر في الآراء، من حیث المحتوی حول إبقاء العموم والنص حتی العثور علی المخصص و الناسخ؛ و لکن البعض مثل الجویني و الکیاهراسي و ابن السمعاني انتقدوا تسمیة هـذا المبحـث بالاستصحـاب، لأنهـم کانـوا یـرون أنـه یرتبـط بـ‍ «اللفظ» [من المباحث اللفظیة] (ظ: الشوکاني، 238). وکان طرح القسم الثالث من الاستصحاب من آثار التیار الذي کان قد ظهر خلال معارضة حجیة استصحاب حکم الإجماع؛ وقد أکد هؤلاء المعارضون الذین کانوا قد انتقدوا اتساع نطاق الاستصحاب فیما یتعلق بالأحکام الشرعیة (ولیس أحکام العقل و لا الأصول اللفظیة)، في الحالات التي یدل فیها الدلیل الشرعي علی ثبوت واستمرار حکم ما، علی الأخذ بنظر الاعتبار دوام الحکم، واستصحاب ذلک الحکم الشرعي (أیضاً ظ: السبکي، 3/169؛ ابن‌قیم، 1/340؛ الشوکاني، ن.ص).

وقد دارالحدیث أحیاناً في المصادر الأصولیة عن الاستصحاب المقلوب، أو الاستصحاب التراجعي الذي یقوم أساس الاستدلال فیه علی إلحاق الماضي بالحاضر في حالة العلم بالحکم الحالي والشک بالحکم السابق. وقد عمل الفقهاء الشافعیون في حالات محدودة للغایة بمثل هذا الاستصحاب (ظ: السبکي، 3/170؛ أیضاً عن رد حجیته، ظ: الأنصاري، 2/547؛ المظفر، 3/281). کما أن مصطلح «الاستصحاب الکلي» الذي دارالحدیث عن حجیة بعض من صوره في الآثار الإمامیة المتأخرة هو عبارة عن الاستصحاب الذي یکون فیه وجود الموضوع الکلي في الزمن الماضي معلوماً علی وجه الیقین ضمن فرد من أفراده، و قد ظهر الآن شک في بقاء الکلي نفسه (ظ: الأنصاري، 2/ 638 و مابعدها؛ آخوند الخراساني، 405 ومابعدها).

 

المصادر

آخوند الخراساني، محمد کاظم، کفایة الأصول، قم، 1409ه‍؛ الآمدي، علي، الإحکام، تق‍ : إبراهیم عجوز، بیروت، 1405ه‍/1985م؛ ابن بابویه، محمد، الخصال، تق‍ : علي أکبر الغفاري، قم، 1403ه‍؛ ابن حزم، علي، الإحکام، بیروت، 1405ه‍/1985م؛ ابن زهرة، حمزة، «غنیة النزوع»، ضمن الجوامع الفقهیة، طهران، 1276ه‍؛ ابن شعبة، الحسن، تحف العقول، تق‍: علي‌أکبر الغفاري، طهران، 1376ه‍؛ ابن القاسم، عبدالرحمان، المدونـة الکبری، القاهـرة، 1324-1325ه‍؛ ابن‌قیم الجوزیـة، محمـد، أعلام الموقعیـن، تق‍ : طه عبدالرؤوف سعد، بیروت، دارالجیل؛ ابن هبیرة، یحیی، الإفصاح، تق‍ : محمد راغب الطباخ، حلب، 1366ه‍/1947م؛ أبوإسحاق الشیرازي، إبراهیم، التبصرة، تق‍ : محمد حسن هیتو، دمشق، 1403ه‍/1983م؛ م.ن، اللمع، تق‍: محمد بدرالدین النعساني، بیروت، 1988م؛ أبوالحسین البصري، محمد، المعتمد، تق‍ : محمد حمیدالله و آخرون، دمشق، 1385ه‍/1965م؛ الأزهري، محمد، تهذیب اللغة، تق‍: عبدالکریم العزاوي و محمدعلي النجار، القاهرة، الدارالمصریة؛ الإسترابادي، محمد أمین، الفوائد المدنیة، ط حجریة، 1321ه‍؛ الأنصاري، مرتضی، فرائد الأصول، تق‍: عبدالله النوراني، قم، 1407ه‍؛ البرقي، أحمد، المحاسن، تق‍: جلال‌الدین المحدث الأرموي، قم، 1371ه‍؛ البزدوي، علي، «أصول الفقه»، في حاشیة کشف الأسرار (ظ: هم‍، علاءالدین البخاري)؛ الجوهري، إسماعیل، الصحاح، تق‍ : أحمد عبدالغفور عطار، القاهرة، 1376ه‍/1956م؛ الجویني، عبدالملک، الورقات، تق‍ : حسن‌زاده، طهران، 1368ش؛ الخلیل بن أحمد، العین، تق‍ : مهدي المخزومي و إبراهیم السامرائي، بیروت، 1408ه‍/1988م؛ الخوارزمي، محمد، جامع مسانیـد أبي حنیفة، حیدرآباد الدکـن، 1332ه‍؛ الزمخشري، محمـود، أساس البلاغـة، تق‍ : عبدالرحیم محمود، بیروت، 1399ه‍/1979م؛ السبکي، علي و عبدالوهاب السبکي، الإبهاج، بیروت، دارالکتب العلمیـة؛ السرخسي، محمد، الأصول، تق‍ : أبوالوفا الأفغانـي، حیدرآباد ‌الدکن، 1372ه‍؛ الشافعي، محمد، الأم. بیروت، دارالمعرفة؛ الشريف المرتضى، علي، «الحدود والحقائق»، رسائل الشريف المرتضى، تق‍ أحمد الحسيني، قم، 1405ه‍ ،ج 2؛ م.ن، الذريعة، تق‍ : أبو القاسم گرجي، طهران، 1348ش؛ الشهید الأول، محمد، ذکری الشیعة، ط حجریة، 1272ه‍؛ الشهيد الثاني، زین‌الدین، «تمهید القواعد»، مع ذکری الشیعة (ظ: هم‍، الشهید الأول)؛ الشوكاني، محمد، إرشاد الفحول، القاهرة، مطبعة مصطفى البابي الحلبي؛ صاحب المعالم، الحسن، معالم الأصول، تق‍: مهدي محقق، طهران، 1362ش؛ الطوسي، محمد،تهذیب‌الأحکام، تق‍: حسن الموسوي الخرسان، النجف، 1379ه‍؛ م.ن، عدة الأصول، طهران، 1317ه‍؛ علاءالدین البخاري، عبدالعزیز، کشف الأسرار، إستانبول، 1308ه‍؛ العلامة الحلي، الحسن، مبادئ الوصول، تق‍: عبدالحسین محمد علي البقال، النجف، 1404ه‍/1984م؛ الغزالي، محمد، المستصفی، بولاق، 1322ه‍؛ فقه الرضا (ع)، مشهد، 1406ه‍؛ الفیومي، أحمد، المصباح المنیر، 1347ه‍/1929م؛ الکلوذاني، محفوظ، التمهید، تق‍: محمد ابن‌علي بن إبراهیم، مکة، 1406ه‍/1985م؛ الکلیني، محمد، الکافي، تق‍: علی‌أکبر الغفاري، طهران، 1391ه‍؛ مالك بن‌أنس، الموطأ، حاشیة الکاندهلـوي، کراتشي، مکتبـة آرام بـاغ؛ المحقـق‌الحلي، جعفـر، معارج الأصول، تق‍: محمدحسین‌الرضـوي، قم، 1403ه‍‍؛ م.ن، المعتبــر، ط حجرية، إیــران، 1318ه‍؛ محمـدبـن‌الحســن الشيبانـي الأصـل، تق‍: أبوالوفا الأفغاني، حیدرآباد الدکن، 1386ه‍/1966م؛ المظفر، محمـد رضا، أصول الفقـه، النجف، 1386ه‍/1967م؛ المفید، محمد، الإرشاد، النجف، 1382ه‍؛ م.ن، المقنعة، قم، 1410ه‍؛ النجاشي، أحمد، رجال، تق‍: موسى الشبیري الزنجاني، قم، 1407ه‍؛ نصر بن مزاحم، وقعة صفین، تق‍ : عبدالسلام محمد هارون، القاهرة، 1382ه‍.

 

أحمد پاکتچي/خ.

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: