الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الجغرافیا / أسترقة /

فهرس الموضوعات

أسترقة

أسترقة

تاریخ آخر التحدیث : 1442/9/13 ۲۲:۰۳:۳۹ تاریخ تألیف المقالة

أَسْتُرْقَة، أو أشترقة، مدينة في شمال غرب الأندلس، تسمی اليوم أستورغا. كانت هذه المدينة التي يعود تاريخها إلی عصر ماقبل الميلاد، مركز بلاد أستورياس موطن الشعوب الأستورية في شمال إسبانيا، و كانت تسمی أستوريكا. و قد سميت هذه المدينة فيما بعد في عصر حكم إمبراطور روما أوغوسطوس (27 ق.م -14م) بأستوريكا أوغسطا و قد كانت جزء من ولاية تاراكوننسيس إحدی الولايات الثلاث الكبری في إسبانيا في بداية الإمبراطورية الرومية.

وصفها بليني في القرن 1م بأنها مدينة عظيمة. كانت هذه المدينة آنذاك أحد مراكز المواصلات المهمة، و تتمتع بأهمية كبيرة في التنظيمات الإدارية و العسكرية لروما، بحيث كانت إحدی القواعد المهمة لأوغسطوس في هجومه علی كانتا‌بريا في شمال إسبانيا (29-19 ق.م). و بعد توحد مناطق أستورياس وغاليكيا في القرن 3م تحولت أستوريكا إلی أسقفية، و كانت في القرن التالي المركز الرئيس لكنائس أستورياس، و في نفس الوقت كانت بعض من فرق الرهبان المطرودة من الكنيسة تنشط في المناطق المجاورة لها. و في أواسط القرن 5م دمرت المدينة على يد ثيودوريك حاكم القوط، و فقدت أهميتها لفترة طويلة. وفي عهد حكم المسلمين، حيث سميت أستوريكا، أسترقة، أو أشترقة، بقيت مدينة صغيرة، و استعادت في الحقيقة أهميتها وازدهارها بشكل تدريجي بعد هذا العصر (بريتانيكا، مادة إسبانيا و أستورغا؛ كلير...، مادة أستورغا؛ EI2,S؛ EUE، مادة أستور وأستورغا وأستورياس؛ GSE، مادة أستورياس و غاليسيا؛ أيضاً ظ: الإدريسي، 2/731).

و مع بداية فتوحات المسلمين في الأندلس في أواخر القرن 1ه‍/ أوائل القرن 8م، جال طارق بن زياد في المناطق الجنوبية والوسطی من الأندلس، و في 93ه‍/712م فتح طليطلة عاصمة القوط، ثم هجم علی ناحية الشمال، و لكن قرب فصل الشتاء دفعه علی مايبدو إلی أن يعود إلی طليطلة، و يقضي الشتاء فيها، و قد جاء في رواية أنه هجم بعد فتح طليطلة و مناطقها الشمالية باتجاه جليقية (غاليكيا)، و جال في هذه المنطقة، و تقدم حتی أسترقة، ولكن أسترقة لم‌تفتح حتی هجم موسی بن نصير برفقة طارق علی شمال الأندلس، و كما يبدو فإن المصادر القديمة خلطت هذه الأحداث مع بعضها (ابن القوطية، 35؛ ابن الأثير، 4/564؛ المقري، 1/264-265، 271؛ قا: مؤنس، 78-79؛ سالم، 83-84، 103؛ السامرائي، 85-86).

و بعد أن التحق طارق بموسی، توجه بجيشه إلی الثغر الأعلی (أرغون)، و استولی علی مدنه المهمة. ثم قسم جنوده إلی جيشين للسيطرة علی المناطق الشمالية من الأندلس و فتحها بصورة كاملة، و هجم علی تلك المناطق من جهتين. و هجم طارق الذي كان يتولی قيادة أحد هذين الجيشين، أولاً علی منطقة بشكنس (باسك)، ثم فتح خلال حركته باتجاه الغرب أمابه، و ليون، ثم أسترقة (مؤنس، 102-104؛ سالم، 100-104؛ ليفي پروفنسال، I/26-28).

بقيت أسترقة منذ هذا التاريخ بيد المسلمين حتی حوالي 4 عقود، و لم‌تمر سنوات حتی ظهرت في شمالها مملكة أستورياس (أشتريس) التي أصبحت في العقود و القرون التالية مركز الحركات المسيحية و زحفها إلی قلب العالم الإسلامي الأندلسي. أصبحت أسترقة، شأنها شأن المدن الأخری في تلك المناطق موضع إسكان البربر المسلمين بعد فتح المسلمين لها، و كانت أحد مراكزهم الرئيسة أيضاً خلال ثورتهم في 123ه‍/741م. عمت ثورة برابرة الأندلس التي بدأت إثر التمرد الكبير لبرابرة المغرب، و اتساع نطاقه إلی الأندلس، في شمال تلك البلاد أولاً، و قد أخرجوا العرب الساكنين في تلك المناطق و من جملتها أسترقة وأعدوا جيوشاً ضخمة لمواجهة العرب. و التقی حشد كبير من هؤلاء البربر الذين كان بينهم برابرة أسترقة أيضاً، جيش الشام وذلك في معركة وادي سليط الكبری بالقرب من طليطلة، و قتل عدد كبير منهم ( أخبار...، 42-44؛ مؤنس، 195-204؛ حول ثورة برابرة المغرب، ظ: م.ن، 142-193).

و قد هيّأت هذه الحروب الدموية و نزاعاتهم المتعاقبة، وشيوع الجفاف و الجوع في الأندلس و الذي أدی إلی هجرة الكثير من البربر من الشمال إلی جنوب الأندلس، الفرصة المناسبة لمسيحي الشمال كي يوسعوا تدريجياً في الوقت نفسه من رقعة نفوذهم، ويستعيدوا من المسلمين قسماً من المناطق التي فقدوها. و في 133ه‍ أصبحت أسترقة التي كانت قبل ذلك أحد مراكز تمرد البربر، ملجأً للمسلمين الهاربين من ثورة المسيحيين و هجومهم في جليقية (أخبار، 61-62؛ مؤنس، 204-205 ،325-327؛ دوزي، II/130)، و لكن سقطت هذه المدينة بعد فترة قصيرة في 136ه‍/753م بيد المسيحيين. و سيطر ألفونسو الأول حاكم أشتريس و جليقية علی تلك المناطق، الواحدة تلو الأخری، في وقت كان فيه البربر يغادرون مدنهم و مراكزهم، و استعاد قسماً مهماً من المناطق التي كان المسلمون يسيطرون عليها و من جملتها أسترقة ( أخبار، ن.ص؛ مؤنس، 206-207، 343-350؛ دوزي، II/130-131؛ ليفي پروفنسال، I/68-70؛ أيضاً ظ: ن.د، ألفونسو)، و لكن أسترقة لم‌تسترد ازدهارها السابق حتی بعد مضي قرن في عهد أوردونو الأول (ليفي پروفنسال، I/293,312-313؛ EI2,S).

و استعادت أسترقة التي كانت تعد من الآن فصاعداً قسماً من رقعة حكم حكام أشتريس و جليقية أهميتها. و لم‌تكن هذه المدينة بمنأی عن النزاعات بين المسلمين و المسيحيين، فقد تعرضت خلال القرون 2-4ه‍/8-10م لهجوم المسلمين عدة مرات. و في 179ه‍/795م، وجه أمير الأندلس الأموي هشام جيشاً بقيادة عبدالكريم بن عبدالواحد بن مغيث إلی الشمال كي ينتقم للهزيمة التي كان قد تكبدها أخوه عبدالملك قبل سنة خلال الهجوم علی أشتريس. و زحف عبدالكريم باتجاه أسترقة، و استولی عليها، وهزم ألفونسو الثاني حاكم تلك المنطقة و حلفاءه هزيمة فادحة، وخلال مطاردته، حيث لجأ إلی جبال أشتريس و قلاعها الحصينة، أحرق الكثير من القری، و تسبب في الكثير من الدمار (الخشني، 94-95؛ ابن عذاري، 2/64-65؛ ابن الخطيب، 12؛ ليفي پروفنسال، I/143-144؛ قا: ابن الأثير، 6/146؛ المقري، 1/338، الذي خلط علی مايبدو بين حملات عبدالكريم و عبدالملك).

و استناداً إلی رواية المصادر المسيحية، أنفذ المنذر بن محمد أمير الأندلس الأموي جيشاً باتجاه أسترقة و ليون في 264ه‍/878م، و لكن ألفونسو الثالث سارع إلی مواجهته، و هزمه بالقرب من ليون. و قد انتهت هذه الحملة الفاشلة إلی عقد معاهدة مدتها 3 سنوات بين الجانبين (ليفي پروفنسال، I/322-323). و في نفس الفترة، أو قبلها ببضع سنوات طالب برمودو شقيق ألفونسو بالاستقلال في أسترقة، و حظي بدعم المسلمين (EUE، مادة أستورغا؛ قا: عنان، 358). و في عصر حكم ألفونسو الثالث تحولت أسترقة إلی قلعة منيعة، حيث كانت تشكل خطه الدفاعي أمام المسلمين إلی جانب عدد من المدن المهمة الأخری. و قد كانت هناك مجموعات كبيرة من العرب المولّدين و الذين كانوا قد انضموا إلی جبهة ألفونسو، يشكلون قسماً من قواته في أسترقة و المدن الأخری. كما تحولت التنظيمات الأسقفية في المدينة والتي كانت قد استأنفت نشاطها إلی مؤسسة قوية (ليفي پروفنسال، I/327؛ EI2,S). و قد كانت هذه المدينة مقر إقامة ألفونسو لفترة بعد عزله (ليفي پروفنسال، II/34).

و في عهد حكم أبناء ألفونسو، و صراعهم علی السلطة، كانت أسترقة علی ماروی ابن حيان إحدی المدينتين المهمتين اللتين دعم ممثلوهما بعد موت غارثيا، أردونو الثاني، و نصبوه حاكماً (5/123-124؛ أيضاً ظ: ليفي پروفنسال، II/34-35). و خلال صراع آخر حدث بعد فترة قصيرة من موت أردونو في النصف الأول من القـرن 4ه‍/10م بيـن أبنائه علـی خلافته، كانـت أسترقـة ــ علـی رواية ابن حيان أيضاً ــ لفترة قصيرة ملجأً لألفونسو أحد أبنائه (5/344؛ أيضاً ظ: ليفي پروفنسال، II/48-49).

و في النصف الثاني من القرن نفسه، أصبحت أسترقة مرة أخری ملجأً لأحد القادة المسيحيين المهزومين. ففي 374ه‍/984م لجأ إلی أسترقة راميرو الثالث حاكم ليون الشاب الذي كان قد هزم في حربه ضد برمودو الثاني، و فقد عاصمته، و طلب المساعدة من المنصور بن أبي عامر الحاجب الأموي المقتدر، ولكنه توفي بعد فترة قصيرة، و استطاع منافسه برمودو أن يتمتع بدعم المنصور العسكري من خلال عقد معاهدة معه، و دفع الجزية له، و أن يصبح الحاكم المطلق لليون بمساعدة جيش من مقاتليه الذين استقروا في رقعة حكمه (دوزي، 237-238؛ ليفي پروفنسال، II/235-237؛ أيضاً ظ: ابن خلدون، 4(2)/388-389). و مع كل ذلك، فقد أجبر هو نفسه المنصور علی أن يهجم علی رقعة حكمه، و يدمر عاصمته ليون، و ذلك بعد أن هجم علی قاعدة المسلمين و أخرجهم منها (دوزي، II/243-245؛ ليفي پروفنسال، II/239-240؛ أيضاً ظ: ابن خلدون، ن.ص).

و في 385ه‍/995م، هجم المنصور مرة أخری علی رقعة حكم برمودو كي يعاقبه بسبب منحه اللجوء لأحد معارضيه الذين كان لهم ضلع في التآمر ضده. و لم‌يكن برمودو، الذي كان قد نقل عاصمته إلی أسترقة بعد دمار ليون، ليستطيع الصمود أمام هجوم المنصور بسبب اضطراب أوضاع البلاد و تمرد النبلاء. و لذلك فقد فضل التصالح معه، و إنقاذ أسترقة من الخطر من خلال الإذعان لمطالبه و دفع الجزية (دوزي، II/249؛ ليفي پروفنسال، II/246؛ أيضاً ظ: ابن خلدون، ن.ص).

خضعت أسترقـة في أوائل القرن 12م لسيطرة جيوش أرغون، و اتجهت نحو الانحطاط منذ أوائل القرن 14م. و في القرن 15م خضعت المدينة لنفوذ الماركيس الذين كانوا يمثلون طبقة من نبلاء إسبانيا. و في 1810م حاصرها الفرنسيون و سيطروا عليها بعد معارك ضارية، و لكن الإسبان استعادوها في 1812م. و قد أدت المقاومة الشديدة لأهالي المدينة خلال المحاصرة إلی أن تعرف أستورغا بـ‍ «مقبرة الفرنسيين» (لاروس الكبير، بريتانيكا، كلير، أيضاً EUE، مادة أستورغا؛ EI2,S).

تعد أستورغا اليوم مدينة في محافظة ليون، و تقع علی بعد 96 كم إلی الجنوب الغربي من مدينة ليون علی الجانب الأيمن من نهر تويرتو، و سفوح سلسلة جبال مانثانال، و يبلغ ارتفاعها عن سطح البحر 869متراً. و تعتبر المدينة مركزاً للصناعات الغذائية، و التعاملات التجارية. و من آثار أستورغا القديمة السور المعروف في عصر الروم، و الكاتدرائية القوطية (1471م). و من آثارها الأكثر حداثة قاعة المدينة (القرن 18م) و القصر الأسقفي (القرن 19م). و قد كانت أستورغا مسقط رأس فرانسيسكو فيلاغران فاتح شيلي و حاكمها (بريتانيكا، لاروس الكبير، كلير، أيضاً EUE، ن.صص).

 

المصادر

ابن الأثير، الكامل؛ ابن حيان، حيان، المقتبس، تق‍ ‍: شالميتا، مدريد، 1979م؛ ابن الخطيب، محمد، أعمال الأعلام، تق‍ ‍: ليفي پروفنسال، بيروت، 1956م؛ ابن خلدون، العبر؛ ابن عذاري، أحمد، البيان المغرب، تق‍ ‍: ج.س.كولن و ليفي پروفنسال، ليدن، 1951م؛ ابن القوطية، محمد، تاريخ افتتاح الأندلس، تق‍‍ : إبراهيم الأبياري، القاهرة/بيروت، 1402ه‍/1982م؛ أخبار مجموعة، تق‍ ‍: إبراهيم الأبياري، القاهرة/ بيروت، 1401ه‍/1981م؛ الإدريسي، محمد، نزهة المشتاق، بيروت، 1409ه‍/1989م؛ الخشني، محمد، قضاة قرطبة، تق‍ : إبراهيم الأبياري، القاهرة/بيروت، 1402ه‍/1982م؛ سالم، عبدالعزيز، تاريخ المسلمين و آثارهم في الأندلس، القاهرة، 1986م؛ السامرائي، خليل إبراهيم صالح، الثغر الأعلی الأندلسي، بغداد، 1976م؛ عنان، محمد عبدالله، دولة الإسلام في الأندلس، القاهرة، 1408ه‍/1988م؛ المقري، أحمد، نفح الطيب، تق‍ ‍: إحسان عباس، بيروت، 1388ه‍/1968م؛ مؤنس، حسين، فجر الأندلس، القاهرة، 1379ه‍/1959م؛ و أيضاً:

 

Britannica, 1978; Collier’s Encyclopedia, New York, 1986; Dozy, R., Histoire des Musulmans d’ Espagne, ed. Lévi-Provençal, Leiden, 1932; EI2,S; EUE; Grand Larousse ; GSE; Lévi-Provençal, E., Histoire de l’Espagne musulmane, Paris, 1950.

مهران أرزنده/خ.

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: