الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / التاریخ / أستاذ الدار /

فهرس الموضوعات

أستاذ الدار

أستاذ الدار

المؤلف :
تاریخ آخر التحدیث : 1442/9/13 ۰۷:۵۶:۵۵ تاریخ تألیف المقالة

أُسْتاذُ الدّار، عنوان كان يطلق علی بعض أصحاب المناصب الكبيرة في بلاط الخلفاء و الأمراء و السلاطين المسلمين و الذين كانت مسؤولياتهم و نطاق سلطتهم متغيرة، وكانوا يبلغون أحياناً في ذروة قوتهم الوزارة، أو الإمارة، أو السلطنة أيضاً.

ذكر أستاذ (أستاد) الدار بألفاظ أستاد دار و أستادار و أستدار، و ذكر منصبه علی شكل الأستادارية، و الأستادارية و الأستدارية أيضاً. و يبدو أن الصورة الأخيرة هي التي دفعت القلقشندي إلی أن يعتبره تركيباً فارسياً خالصاً، مركباً من «استد» (استدن = الأخذ) و«دار» (أصل مضارع «داشتن» و يعني ذا، أوصاحب) (قا: أسماء مناصب أخری في عصر المماليك مثل: خازندار، سلاحدار، دوادار)، و أن يعتبر الشكل إستدّار (بكسر الهمزة و تشديد الدال) صحيحاً (5/457). و لكن رأي القلقشندي هذا لايبدو صحيحاً، فأستاذالدار تركيب فارسـي ـ عـربي من «أستاد» بمعنی الرئيس والكبير، و«دار» بمعنی البيت. و يؤيد ذلك ماذكر من مسؤوليات لصاحب هذا المنصب، و قد استخدمه الكتّاب الآخرون أيضاً في الغالب بهذا الشكل. و بالإضافة إلی ذلك، فإن تركيب «أستادسراي» في اللغة الفارسية (مثلاً ظ: محمدبن‌المنور، 1/358-359) يعادل أستاذالدار و قد استخدم بنفس المعنی (أيضاً ظ: نهاية المقالة).

و لانعلم بالضبط متی ظهر هذا المنصب، و لكنه كان شائعاً منذ أواسط العصر العباسي في بغداد علی الأقل. و رغم ماقيل من أن أول من تولى هذا المنصب كان المظفر بن‌ محمد بن ‌جهير «أستادار» الخليفة العباسي المقتفي الذي تولی الوزارة فيما بعد (ابن تغري بردي، النجوم، 5/267؛ قا: ابن إياس، 1(1)/310؛ عن أستاذدار آخر من هذه الأسرة، ظ: ابن‌الأثير، الباهر، 51-52). إلا أن هناك روايات أخری تدل علی أن قدم هذا المنصب تعود إلی ماقبل ذلك بكثير؛ حيث ذكر جمال الدولة أبونصر ابن رئيس الرؤساء في وقائع سنة 494ه‍ بلقب أستاذدار الخليفة العباسي المستظهر (م.ن، الكامل، 10/326). و ذكر قبله بجيلين في وقائع سنة 352ه‍ فرج الخادم بعنوان أستاذالدار لأبي محمد المهلبي وزير معزالدولة الديلمي (أبوعلي مسكويه، 2/196-197)، و قيل إن عضدالدولة كان يتولی أيضاً الأستاذدارية (الصابي، محمد، 58؛ الصابي، هلال، 77).

و رغم أن التعاريف الواضحة التي وصلتنا عن مسؤوليات الأستاذدار و نطاق نفوذه، لاتتجاوز القرن 7ه‍، و لكن و من الواضح أن أستاذالدار كان يتمتع في العصر العباسي بنفوذ كبير باعتباره رئيس البلاط في جهاز الخلفاء و الأمراء. فقد قيل أستاذدار المهلبي الوزير كان يهيمن علی جميع شؤونه الخاصة، حتی دسّ السم أخيراً للوزير (أبوعلي مسكويه، ن.ص). كما كان عضدالدين أبوالفرج ابن رئيس الرؤساء أستاذالدار للخليفة المستنجد، يسيطر أيضاً علی دارالخلافة سيطرة كاملة (ظ: ابن‌خلكان، 5/151؛ هندوشاه، 315-316؛ الذهبي، 21/75). و قد نسب موت الخليفة إليه أيضاً. و عندما ولي المستضيء الخلافة، اشترط أبوالفرج أن يستوزره، و يولي ابنه كمال‌الدين الأستاذ‌دارية (هندوشاه، ن.ص؛ أبوالفداء، 5/68). و في 575ه‍ اعتقل مجدالدين أبوالفضل ابن الصاحب أستاذدار الخليفة العباسي الناصر، ابن العطار الوزير، و ألقاه في السجن (م.ن، 5/83). و قد بلغ مجدالدين من علو المكانة في بلاط الخليفة حداً بحيث إنه يستصغر الوزارة لنفسه، و يأنف منها (الايوبي، 13؛ قا: ابن‌جبير، 227). كان أستاذالدار في هذا العصر يتولی أحياناً العمل الديواني أيضاً؛ وعلی سبيل المثال فإن جلال‌الدين عبدالله بن يونس أستاداراً الخليفة الناصر، كان يتولی أيضاً رئاسة الدواوين (هندوشاه، 329). و كان نصرالدين أحمد‌بن ناقد في 628ه‍ نائباً ووزيراً وأستاداراً للخليفة في نفس الوقت (ابن الفوطي، ط بغداد، 21). كما كان ابن العلقمي وزير المستعصم العباسي أستاذدار الخليفة قبل أن يتولی الوزارة (ظ: هندوشاه، 355-356) و عندما تولی الوزارة، شغل منصب الأستاذدارية محيي‌الدين يوسف ابن الجوزي ابن أبي الفرج‌ابن‌الجوزي (ابن‌الفوطي، ط بيروت، 105؛ ابن‌كثير، 13/211). وكان يوسف ابن‌الجوزي من العلماء والمدرسين الحنابلة، و تولی لفترة رئاسة حسبة المدينة، و هو الذي بنی ووقف المدرسة الجوزية بدمشق. و في 656ه‍ قبض عليه هولاكو و قتله (العيني، عقد...، 1/175-184؛ عن بقية أساتذة الدار لدى الخلفاء، مثلاً ظ: الأيوبي، 124، 127-128، 132؛ ابن‌واصل، 3/197).

و فيما عدا الخلفاء كان لسلاطين إيران و العراق و آسيا الصغری أستاذدارية أيضاً، كانوا يتولون بالدرجة الأولی مهمة الإشراف علی شؤون البلاط (كائن، 223). فقد كان أمين‌الدين أميرداد الأصفهاني أستاذدار السلطان غياث‌الدين كيخسرو السلجوقي، و متولي أوقاف ممالكه «وكان يحض دائماً علی الامتثال للأوامر الملكية، و أعمال‌الخير...» (الآقسرائي، 88). وكان للسلطان جلال‌الدين مينكبرني أيضاً أستاذدار، ولكنه عزل فيما بعد بسبب سوء تصرفه في الأموال التي كانت قد أعطيت له لإدارة بلاط السلطان (النسوي، 295-296). و يبدو أن النسوي كاتب ترجمة هذا السلطان الخوارزمشاهي، و كما تفيد المصادر، كان من جملة أوائل الكتّاب الذين تناولوا بشكل واضح و مختصر في ذات الوقت المسؤولية الرئيسة للأستاذدار و هي الإشراف على شؤون البلاط و الحرم، و أشار إلی مرتبات خدم السلطان وحشمه (ص 294). و لكن الإيضاحات الأكثر تفصيلاً في هذا المجال قدمت في الغالب من قبل مؤرخي القرون التالية وخاصة في الأقطار الغربية من العالم الإسلامي، حيث كان الأستاذدار يتمتع فيها بقوة و نفوذ أكثر، و سلطات و صلاحيات أكبر. و علی سبيل المثال فقد ذكر ابن فضل الله العمري، أن مهمة الإشراف علی جميع ماتحتاج إليه بيوتات السلطان، و رئاسة الغلمان و الخدم، ودفع المرتبات و النفقات كانت تقع على عاتق أستاذالدار (مسالك...، 3/222-223). و قد اعتبر هو نفسه في موضع آخر أستاذالدار أقرب شخص إلی مخدومه، و ذكر أن من واجباته تكليف حاشية السلطان بالأعمال المختلفة، و استخدام الموظفين الكفوئين، أو معاقبة الموظفين الخاطئين، و الإشراف علی المطبخ و «الطست دارية» و«فراش خانه» [دار الفراشين]، بل وحتی دفع مرتبات مماليك السلطان ( التعريف...، 134-136).

و كما يبدو مما ذكره المؤرخون، فلاشك في أن نفوذ أستاذالدار بدأ بالتزايد منذ عهد أمراء آل زنكي و الأيوبيين، حتى إنهم كانوا يتدخلون في عزل الحكام و نصبهم، و قد تولی بعض منهم إمارة المدن المهمة في مصر و الشام و مابين‌النهرين، فكان بدرالدين لؤلؤ أمير الموصل المعروف، أستاذدار نورالدين أرسلان شاه زنكي (ابن واصل، 3/202؛ ابن الدواداري، 8/45). كما تولی محمود ابن سنجرشاه حفيد عماد‌الدين‌زنكي الحكم بفضل أستاذداره (ظ: ابن شداد، 3(1)/232).

و من أشهر أساتذة ‌الدار في العصر الأيوبي، الأمير فخرالدين چهاركس، أستاذدار الملك العزيز عمادالدين الأيوبي سلطان دمشق (المقريزي، السلوك، 1(1)/115؛ ابن واصل، 3/11،31)، وعزالدين أيبك أمير صَرخَد و أستاذدار الملك المعظم توران‌شاه الأيوبي (م.ن، 3/210) و علي بن رسول أستاذدار الملك المسعود صلاح‌الدين يوسف سلطان اليمن الأيوبي و الذي كان يمسك بزمام جميع الأمور باعتباره نائب السلطان الأيوبي في اليمن، و قد بلغ من القوة و النفوذ أخيراً بحيث أسس أسرة حكام بني رسول في اليمن (العيني، ن.م،1/49؛ أبوالفداء، 3/185). و استناداً إلی تقرير المقريزي (ن.م، 1(2)/275)، فقد كان الملك الناصر صلاح‌الدين داود الأيوبي أميرالكرك في البدء بمثابة أستاذالدار في بلاط الملك العادل سيف‌الدين أبي بكر الأيوبي سلطان مصر.

و عصر المماليك كان أهم عصر يتمتع فيه أستاذالدار بصلاحيات لم‌تعهد من قبل، و يسيطر علی جميع الشؤون العسكرية و المدنية. و المعلومات التي قدمها لنا ابن فضل‌الله العمري و القلقشندي من بعده حول مسؤوليات أستاذالدار و أنواع الأستاذدارية، تعود إلی هذا العصر. و مع كل ذلك، فإن تقارير المصادر حول أساتذةالدار قد يبلغ اضطرابها حداً بحيث يصبح من الصعب أن ندرك أن أساتذةالدار أنفسهم كانت لهم درجات مختلفة، وكانوا ينقسمون تبعاً لذلك إلی طبقات شتى. و يبدو أن الأستاذدارية كانت تعتبر أساساً في عصر المماليك و المجتمع العسكري الذي أوجدوه من جملة المناصب العسكرية، فقد كان أستاذالدار يعد من جملة «أرباب السيوف» بالإضافة إلی المسؤوليات التي ذكرت سابقاً. و في هذا المنصب كان أساتذة‌الدار يعدون حسب درجاتهم من جملة قادة «العشرات» (ابن‌إياس، 1(1)/335) و أحياناً من أمراء «المئين» (القلقشندي، 4/20، 60)، و قد يرتقون إلی درجة أمراء «مقدمي الألوف» (ابن‌إياس، 1(1)/585). و يؤيد هذه الدرجات ماذكره القلقشندي (ن.صص) من أن منصب الأستاذدارية كان عادة بيد 4 أشخاص، يتولی أكبرهم قيادة «الألف» فيما كان الأشخاص الثلاثة الآخرون من أمراء الإسطبل، أي قادة «المئين» و أحياناً أقل منها (عن المناصب العسكرية، ظ: أيالون، «أسماء...»، 190). و فضلاً عن ذلك، فإن كلاً من أساتذةالدار الكبار هؤلاء كان يتمتع بصلاحيات خاصة في حدود منصبه، و هذا هو سبب حدوث خلط أكثر بين أنواع أساتذة الدار و درجاتهم.

و علی أي حال، فقد كان أستاذالدار يصنف أحياناً في عداد «أرباب القلم»، أو الديوانيين (القلقشندي، 4/53، 11/156). وخاصة عندما فوض السلطان الظاهر برقوق الأمور المالية إلی الأمير جمال‌الدين محمود أستاذالدار، و منذ ذلك الحين أصبح أستاذالدار ينافس الوزير من ناحية صلاحية التصرف في الأمور (المقريزي، الخطط، ط بولاق، 2/222؛ أيضاً ظ: أيالون، «دراسات...»، 61-62). و عندما اختار السلطان الناصر فرج بن برقوق أستاذداره مشاوراً له و مشرفاً علی الوزارة بشكل رسمي (القلقشندي، 11/153-156)، أخذت سلطة الوزارة تتجه نحو الضعف حتی كان الوزير المعزول يوكل أمره إلی أستاذالدار لمعاقبته و مصادرة أمواله (ابن تغري بردي، النجوم، 13/58). كما يبدو من لقب الأمير يلبغا السالمي: «الأمير الوزير المشير الأستادار» (المقريزي، ن.م، ط القاهرة،1 (2)/92، 93، 4/74)، فقد كان أستاذالدار يتولی أحياناً بالإضافة إلی منصبه، الوزارة، ومنصب مستشار السلطان (ابن إياس، 2/84)، و كان يتدخل علی الأقل في انتخاب الوزير (ابن الدواداري، 9/125).

و فضلاً عن ذلك، فقد فوضت رئاسة «الديوان المفرد» التي قيل إن السلطان برقوق هو الذي أسسها و خصص لها عائدات بعض المناطق (القلقشندي، 3/453؛ المقريزي، ن.م، 1(2)/54)، و كان واجبها الرئيس دفع مرتبات المماليك السلطانيين (أيالون، «دفع...»، 283-284)، إلی أستاذالدار (القلقشندي، ن.ص). ويری القلقشندي (ن.ص) أن الديوان المفرد كان قائماً علی عصر الفاطميين أيضاً، و ذكر في موضع آخر (6/215) أن هذا الديوان هو نفسه ديوان الأستاذدارية (ظ: أيالون، ن.ص)، ويعتبر من جملة الدواوين الأربعة (ديوان الوزارة و الديوان الخاص و ديوان الجيش و ديوان الأستاذدارية)، و بإمكانه أن يخاطب ديوان الإنشاء بشكل مباشر (القلقشندي، 6/201، 211، 212).

و تتناقض روايات المؤرخين فيما يتعلق بعنوان رئيس ديوان الأستاذدارية، ولكننا نستطيع أن نستنتج من خلال دراسة هذه الروايات بشكل دقيق أن أستاذدار السلطان الذي كان كبير الأستاذدارية، كان يسمی أستادار العالية (مثلاً ابن تغري بردي، ن.م، 13/205)، و لعل هذا الأستادار كان يتولی أيضاً منصب مستشار السلطان (مثلاً ظ: العيني، السيف...، 318-319) و كان غير أستادار الديوان المفرد. فقد ذكر في وقائع سنة 798ه‍ الأمير جمال‌الدين محمود بعنوان أستادار العالية، و الأمير قطلوبك العلائي بعنوان أستادار الديوان (ابن الفرات، 9(2)/429، 434، 437). و أما المشرف علی الديوان المفرد، فقد كان علی مايبدو نائب رئيس هذا الديوان، أو وكيل الأستادار، أو رئيس هذا الديوان نفسه، لأن القاضي سعدالدين ابن غراب ذكر في نفس التاريخ كمشرف علی الديوان المفرد (م.ن، 9(2)/429). و لذلك فإن المشرف على الديوان المفرد لم‌يكن يمثل الأستادار بشكل مطلق، بل كان أستادار الديوان المفرد (قا: أيالون، ن.ص). كما يمكن إدراك الاختلاف بين أستادار العالية، و أستادار الديوان المفرد من أن أستادار العالية الأمير جمال‌الدين محمود عندما عزل، عين السلطان بدلاً منه ناصرالدين محمد بن قايماز أستادار الديوان المفرد (ابن الفرات، 9(2)/302-303). و بالطبع يمكن القول إن أستادار العالية الذي كان يعد من جملة أمراء «مقدمي الألوف» (ابن إياس، 1(1)/585)، كان يرأس أساتذة الدار الآخرين.

و يجب القول فيما يتعلق بواجبات هؤلاء الأساتذة الدار إن السلاطين المملوكين لم‌يكونوا يتدخلون في جزئيات الأمور، بل كانوا يقسمون صلاحياتهم بين الأمراء و كبار الدولة مثل أساتذة الدار (ظ: هالت، 247-248). فعندما كان السلطان بيبرس يذهب من مصر إلی الشام، جعل أستاذداره شمس‌الدين آق‌سنقر الظاهري نائباً للسلطنة (العيني، عقد،2/185). وعين السلطان أستاذداره الآخر عزالدين أيدمر الظاهري في 661ه‍ حاكماً علی الكرك (ن.م، 1/355)، و شغل بعد ذلك منصب نيابة حكومة دمشق (ن.م، 2/90). كما كان الأمير الحاج ابن مغلطاي أستاذدار السلطان منصور بن أشرف شعبان، نائب حكومة الإسكندرية (السخاوي، 2/322). و كان نواب الأستاذدار يتمتعون أيضاً بسلطة و نفوذ كبيرين. و علی سبيل المثال، فإن تاج‌الدين أحمد بن أبي‌الفرج نائب و مباشر الأمير ركن‌الدين بيبرس جاشنگير (چاشني كير)، أستادار السلطان ناصر محمد بن قلاوون في ديوان الأستاذدارية، حتی إنه لم‌يكن يعمل في ديوان الوزارة إلا برأيه (المقريزي، المقفی...، 1/563؛ أيضاً ظ: الصقاعي، 57-58). و قد تولی ركن‌الدين بيبرس الأستاذدار بعد ذلك السلطنة بلقب المظفر. و في عهد المنصور قلاوون أيضاً، كان أستاذداره شمس‌الدين سنقر المعروف بالأعسر، أميرالشام و رئيس الدواوين أيضاً (م.ن، 88، 107). و كان أرغون شاه الناصري أستاذدار السلطان الناصر ناصرالدين الحسن يجمع بين نيابة السلطنة في صفد و حلب ودمشق (ابن حبيب، 3/137). و كان الأستاذدار يرسل أحياناً في المهمات الحربية. و علی سبيل المثال فإن حسام‌الدين أستاذدار السلطان حسام‌الدين لاجين هجم في 697ه‍ علی السيس بجيش تولی قيادته و استولی عليها، و كلف بعد ذلك بالاستيلاء علی اليمن (ابن الدواداري، 8/369-370). و قد تولی حسام‌الدين نفسه منصب الأتابكية على عهد السلطان الناصر محمد بن قلاوون (م.ن، 9/7). و تولی ‌ركن‌الدين بيبرس جاشنگير منصب الأستاذدارية (المقريزي، السلوك، 1(3)/794). و تولی أستاذدار السلطان منذ 732ه‍ رئاسة و قيادة المماليك السلطانية أيضاً، في حين أنه كان يتولی قبل ذلك قيادة المماليك السلطانية الباطواشية، و هي طبقة من المماليك الخاصين بالسلطان نشؤوا في البلاط، وكانوا يكلفون بتربية أبناء الأمراء و السلاطين (ن.م، 2(2)/341-342؛ قا: العريني، 119-120). من الأستاذدارية المعروفين في هذا العصر، بهادر بن عبدالله المنچكي أستاذدار السلطان برقوق الذي اعتبره ابن تغري بردي ( المنهل...، 3/435-436) أعظم من ولى هذه الوظيفة، و عده نقلاً عن العيني رومياً، أو إفرنجياً.

و فضلاً عن السلاطين، فقد كان لسيدات البلاط الكبيرات أستاذدارية خاصون بهن. و علی سبيل المثال، فقد ذكر الأمير علاء‌الدين علي الطيبرسي كأستاذدار لخوند بَرَكه أم السلطان أشرف شعبان (ابن إياس، 1(2)/356-357). و كان للخلفاء العباسيين في مصر أستاذدارية أيضاً، و قد أقر السلطان ركن‌الدين بيبرس في بلاط الخليفة العباسي في القاهرة، نفس الدرجات والمناصب السلطانية و منها الأستاذدارية (ابن الدواداري، 8/79؛ العيني، ن.م، 1/309)، حتى قيل إن التنظيمات الحكومية للمماليك انتقلت أيضاً إلی جهاز حكم المغول في الشام، و أقروا نفس تلك الدواوين ومن جملتها الأستاذدارية (ابن الدواداري، 9/322). ويبدو من أحد التقارير أن السلطان سليم العثماني، كلف بعد الاستيلاء علی مصر يونس الأستاذدار بالعثور علی إقطاعات المماليك الشركسية (دهمان، 294). و كان بعض الأستاذدارية يرتكبون المظالم مستغلين سلطاتهم، أو يفرضون الضرائب غير المتعارفة، ولايدفعون مرتبات المماليك. و لذلك فقد كانوا أحياناً يتعرضون للعقوبات و النفي، أو مصادرة أموالهم. فقد نفي في 782ه‍ ناصرالدين محمد بن آقبغا أستاذدار السلطان منصور علاءالدين علي من القاهرة (ابن العراقي، 2/495)، و كان الأمير جمال‌الدين يوسف بن أحمد الأستاذدار يجبي من الصيادين ضرائب غير قانونية (المقريزي، الخطط، ط القاهرة، 1(2)/97-98).كما ذكر المؤرخون المظالم التي كان يرتكبها عبدالغني بن أبي الفرج أستاذدار السلطان المؤيد الشيخ المحمودي، و الذي تسبب في هروب الفلاحين، و دمار المدن و القرى، و لذلك فقد هرب خوفاً من السلطان (ابن إياس، 2/13-15). و كان شرف‌الدين يونس النابلسي أستاذدار السلطان قانصو الغوري من جملة الأستاذدارية الذين صودرت أموالهم، و قد سجن و تعرض للتعذيب (م.ن، 4/282). كما تعرض الأستاذدار مجدالدين ابن‌بقري في 869ه‍ للحبس و الضرب بسبب عدم كفاءته و ذلك بأمر السلطان الظاهر خوشقدم، ولم‌تكن حالة خليفته زين‌الدين بأفضل منه، فقد صادر السلطان أمواله (م.ن، 2/424-425). و تعرض أيضاً المنصور بن‌صفي الأستاذدار التالي لغضب السلطان وعُزل في 870ه‍ رغم أنه بلغ مرتبة عالية لدى السلطان (م.ن، 2/427، 435).

و قد ترك بعض الأستاذدارية آثاراً مثل المدارس والخانقاهات و الرباطات عرفت في الغالب بأسمائهم. فقد بنی‌ الأمير فخرالدين أبوالفتح أستاذدار الملك الكمال محمد الأيوبي المدرسة الفخرية، و مسجداً و رباطاً في القاهرة، و رباطاً في مكة (المقريزي، ن.م، ط بولاق، 2/367-368). و بنی جمال‌الدين آقوش الذي كان من غلمان الملك الصالح نجم‌الدين أيوب وأستاذداره أيضاً مدرسة وخانقاهاً معروفين في دمشق (العيني، عقد،2/211؛ ابن‌تغري بردي، ن.م، 3/24-25). و بنی الأمير جمال‌الدين محمود أستاذدار السلطان برقوق في 797ه‍ المدرسة المحمودية في القاهرة (المقريزي، ن.م، 2/395). كما شيد جمال‌الدين يوسف بن أحمد الأستاذدار خانقاهاً فيها، و كان له أوقاف كثيرة سوی ذلك (بركي، 141، الهامش). وأسس الأمير علاءالدين آقبغا أستاذدار السلطان الناصر ‌محمد بن‌‌قلاوون المدرسة الآقبغاوية (المقريزي، ن.م، 2/384؛ ابن إياس، 1(1)/504). و بنی‌‌ فخرالدين ابن‌ أبي‌‌الفرج الأستاذدار الأرمني الأصل للسلطان المؤيد الشيخ المحمودي مدرسة في القاهرة (م.ن، 2/41).

و كما سبقت الإشارة، يبدو أن أستادار العالية كان يتميز عن الأستاذدارية الآخرين بالرئاسة و السلطة. و يبدو أن أستادار الصحبة كان يتمتع بأهمية خاصة بعده. فقد كان صاحب هذا المنصب يتولی الرئاسة و الإشراف علی مطبخ السلطان وطعامه ومائدته، و كان يسمی في عصر الفاطميين صاحب المائدة (القلقشندي، 3/481، 516، 4/21). و كان أستادار الصحبة يصنف أيضاً في عداد «أرباب السيوف» و أمراء «العشرات» (م.ن، 4/21، 5/139؛ الظاهري، 115). و كان أيْتمُش بن عبدالله المؤيدي أستادار صحبة السلطان الظاهر جقمق (ابن تغري بردي، المنهل، 3/142) من بين الأشخاص الذين كانوا يتولون هذا المنصب، وكذلك تاج بن سيفة الشوبكي أستادار صحبة السلطان المؤيد الشيخ المحمودي (ن.م، 4/6؛ عن بعضهم الآخرين، ظ: م.ن، النجوم، 15/265، 266،355).

وكانت أستاذدارية الأملاك، أو رئاسة أستاذدارية الأملاك تعد أيضاً من المناصب المهمة (ابن‌إياس، 1(2)/490، 519، 520، 631)، و كان صاحبه يتولی في الحقيقة رئاسة ديوان الأملاك (القلقشندي، 3/457). و يجب اعتبار المسؤولية التي ذكرها السبكـي للأستــاذدارــ و هي أن يعامل المزارعين و القرويين بالرحمة، و لايضيع حق الأمير و القرويين (ص 39-40) ــ متعلقة بأستاذدار الأملاك نفسه (أيضاً ظ: اليوسفي، 383).

و كما تحدث ابن إياس عن أستاذدارية آخرين لانعلم بالضبط واجبات البعض منهم، مثل: الأستادار الثاني (1(2)/95،170) الذي ربما كان يخدم تحت إشراف أستادار السلطان، أو أستادار العالية؛ و أستادار خاص الخاص الذي ذكر في هذا الموضوع باعتباره متولي كسوة الكعبة (1(2)/477)؛ و أستادار الذخيرة، أو أستادار الذخيرة الشريفة (2/227،3/395، 5/277)؛ وأستاذدارية الشعير (5/210، 222)، و أستاذدارية البحيرة (1(2)/74).و قد استخدم في الأدب الفارسي تركيب «أستادسراي» بدلاً من أستاذدار (ظ: محمد بن المنور، 1/358-359؛ مرزبان بن رستم، 1/68؛ الخاقاني، 5،181؛ نجم‌الدين، 59-60؛ المولوي، 4/2086).

 

المصادر

الآقسرائي، محمود، مسامرة الأخبار و مسايرة الأخيار، تق‍ ‍: عثمان توران، أنقرة، 1933م؛ ابن الأثير، علي، الباهر، تق‍‍ : عبدالقادر أحمد طليمات، القاهرة، دارالكتب الحديثة؛ م.ن، الكامل؛ ابن إياس، محمد، بدائع الزهور، تق‍ ‍: محمد مصطـفــی، القـاهـرة، 1402-1404ه‍؛ ابــن‌تـغـري بـردي، المنـهـل الصـافـي، تق‍ ‍: نبيل محمـدعبدالعزيز و آخـرون، القاهرة، 1986م؛ م.ن، النجـوم؛ ابن جبير، محمد، رحلة، تق‍ ‍: ويليام رايـت و دي‌خويـه، ليدن، 1907م؛ ابن‌حبيب، الحسن، تذكـرة النبيـه، تق‍ ‍: محمـد محمـد أميـن، القاهـرة، 1986م؛ ابن خلكـان، وفيــات؛ ابن ‌الـدواداري، أبوبكـر، كنزالـدرر، ج 8، تق‍ ‍: أولـرخ هـارمـان، القاهـرة، 1391ه‍/ 1391ه‍/1971م، ج 9، تق‍ ‍: هانس روبـرت رويمر، القاهـرة، 1379ه‍/1960م؛ ابـن‌شـداد، محمـد، الأعلاق الخطيـرة، تق‍ ‍: يحيی عبارة، دمشق، 1978م؛ ابن‌العراقي، أحمد، الذيل علی العبر، تق‍ ‍: صالح مهدي عباس، بيروت، 1409ه‍؛ ابن‌الفرات، محمد، تاريخ، تق‍ ‍: قسطنطين زريق، بيروت، الجامعة الأميركية؛ ابن‌فضل‌الله العمري، أحمد، التعريف بالمصطلح الشريف، تق‍ ‍: محمد حسين شمـس‌الـديـن، بـيـروت، 1988م؛ م.ن، مسالك الأبـصـار، الـطبـعـة المصـورة، تق‍ ‍: فؤادسزگين، فرانكفورت، 1408ه‍/1988م؛ ابن‌الفوطـي، عبدالرزاق، الحوادث الجامعـة، بيـروت، 1407ه‍/1987م؛ م.ن، ن.م، تق‍: مصطفی جواد ومحمدرضاالشيبي، بغداد، المكتبة العربية؛ ابن‌كثير، البداية؛ ابن‌واصل، محمد، مفرج الكروب، تق‍‍ : جما‌ل‌الدين الشيال، القاهرة، 1960م؛ أبوعلي مسكويه، أحمد، تجارب الأمم، تق‍ ‍: ه‍ . ف.آمدروز، القاهرة، 1333ه‍/1915م؛ أبوالفداء، المختصر في أخبار البشـر، بيروت، 1380ه‍/1960م؛ الأيوبي، محمد، مضمار الحقائق و سر الخلائق، تق‍ : حسن حبشي، القاهرة، 1968م؛ الخاقاني، بديل، منشآت، تق‍ ‍: محمد روشن، طهران، 1362ش؛ دهمان، محمد أحمد، «طمع الدول المجاورة بالمماليك»، العراك بين المماليك والعثمانيين الأتراك، بيروت، 1406ه‍/ 1986م؛ الذهبي، محمد، سير أعلام النبلاء، تق‍ ‍: بشار عواد معروف، بيروت، 1986م؛ السخاوي، محمد، الضوء اللامع، القاهرة، 1353ه‍؛ الصابي، محمد، الهفوات النادرة، تق‍ : صالح الأشتر، دمشق، 1387ه‍/1967م‍؛ الصابي، هلال، رسوم دارالخلافة، تق‍ ‍: ميخائيل عـواد، بيـروت، 1986؛ الصقـاعـي، فضـل الله، تالـي كتـاب وفيـات الأعيـان، تق‍ : جاكليـن سوبلة، دمشـق، 1974م؛ الظاهـري، خليـل، زبدة كشـف الممالك، تق‍ ‍: بولس راويس، باريس، 1894م؛ العريني، الباز، المماليك، بيروت، 1967م؛ العيني، محمود، السيف المهند، تق‍ : فهيم شلتـوت ومحمـد مصطفی زيـادة، القـاهـرة، 1966-1967م؛ م.ن، عقـد الجمـان، تق‍ : محمد محمد أمين، القاهرة، 1408ه‍/1988م؛ القلقشندي، أحمد، صبح الأعشی، القاهرة، 1383ه‍/1963م؛ محمد ابن المنور، أسرار التوحيد، تق‍ ‍: محمد رضا شفيعي كدكني، طهـران، 1366ش؛ مرزبان بن رستم، مرزبان نامه، تحرير سعدالدين الوراوينـي، تق‍ ‍: محمد روشن، طهـران، 1355ش؛ الـمـقـريـزي، أحـمـد، الخطط، بـولاق، 1270ه‍؛ م. ن، ن. م، تق‍ ‍: غاستون ويت، القاهرة، 1911-1913،1922-1924م؛ م.ن، السلـوك، تق‍ ‍: محمد مصطفـی زيادة، القاهـرة، 1970م؛ م.ن، المقفی الكبيـر، تق‍ ‍: محمد اليعلاوي، بيروت، 1991م؛ المولوي، كليات شمس، تق‍ : بديع الزمان فروزانفـر، طهـران، 1338ش؛ نجـم‌الديـن الـرازي، عبدالله، مرمـوزات أسـدي، تق‍‍ ‍: محمدرضا شفيعي كدكنـي، طهران، 1352ش؛ النسوي، محمد، سيرة السلطان جلال‌الدين منكبرتـي، تق‍ ‍: حافظ أحمـد حمدي، القاهرة، 1953م؛ هندوشـاه بن‌سنجر، تجـارب السلـف، تقـ ‍: عبــاس إقبال الآشتياني، طهران، 1357ش؛ اليوسفـي، موسى، نزهة الناظـر، تق‍ : أحمد حطيط، بيروت، 1986م؛ و أيضاً:

 

Ayalon, D., «Names, Titles and Nisbas of the Mamlūks», Israel Oriental Studies, 1975, vol. V; id, «Payment in Mamluk Military Society», Journal of Economic and Social History of the Orient,Leiden, 1958, vol. I; id, «Studies on the Structure of the Mamluk Army», Bulletin of the School of Oriental and African Studies,London, 1953-1954, vols. XV-XVI; Berkey, J., The Transmission of Knowledge in Medieval Cairo, Princeton, 1992; Cahen, C., Pre-Ottoman Turkey, tr. J. Jones-Williams, London, 1968; Holt, P.M., «The Position and Power of the Mamlūk sultan», Bulletin of the School of Oriental and African studies, London, 1975,vol. XXXVIII.

صادق سجادي/خ.

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: