الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الجغرافیا / أروندرود /

فهرس الموضوعات

أروندرود

أروندرود

تاریخ آخر التحدیث : 1442/9/11 ۱۴:۱۷:۳۳ تاریخ تألیف المقالة

أَرْوَنْدْرود، الاسم الآخر لنهر دجلة (ن.ع) الذي ورد مراراً في بعض المؤلفات المكتوبة بالفارسية الوسطى و كذلك في الشاهنامه للفردوسي، و أطلق منذ سنة 1338ش [1959م] ولأسباب سياسية على شط العرب (ن.ع)، و يلاحظ الآن أيضاً بهذا الشكل في الكتابات الفارسية.

و لكلمة أروند في المعاجم عدة معانٍ منها: السريع، القاطع، النشيط، المقتدر، القوي، التجربة، الاختبار، العين، الخلاصة، الأبهة، الجلال، الغبطة، الأمنية، السحر، الخديعة، الشأن، الشوكة، الجمال، السيادة ( لغت نامه...)؛ لكنها بوصفها علماً، اعتبرت بادئ الأمر اسماً على وزن و معنى ألوند (ن.ع)، القمة المعروفة في سلسلة جبال زاغروس قرب همدان و اسم نهر بهذا الاسم، ثم اسماً لدجلة. و وردت في برهان قاطع بمعنى بحر المحيط، و موج الماء، و عين ماء في سجستان ينبت فيها القصب بكثافة، و كذلك اسم والد لهراسب (1/111).

و في الفارسية الحديثة، استخدمت كلمة أَروند بمعنى النشيط في الأعلام مثل أروند أسب [الحصان النشط] و أروند دست [ماهر اليد] و غير ذلك. كما تشاهد هذه الكلمة في اللغتين الأرمنية و الإغريقية بشكل «إرواند» و «أُرُونتس»، لكن لم‌يرد لها ذكر في أفستا و بندهش (إيرانيكا، II/679-680).

ذُكر في أفستا نهر باسم أَرَنگ أورنگها الذي ينبع من جبال أرمينيا القديمة و تركيا، و بعد أن يقطع مسافة، يصب في الخليج الفارسي، و قد عُدَّ معادلاً لأروند (بندهش...، 229-230). و ورد اسم نهر رنگها مرتين في آبان‌يشت، و مراتٍ في بقية «اليشتات»، كما يشاهد هذا الاسم غالباً في الكتب البهلوية، ولكن بسبب عدم وضوح عبارات أفستا و اضطراب مضامين الكتب البهلوية، يصبح من الصعب تحديد موضعه.

و لايمكن القول بشكل جازم أي نهر من الأنهار المعروفة حالياً كان يسمى بهذا الاسم قديماً، وفي هذا المجال فقد خمّن كل واحد من المستشرقين أحد الأنهر الشهيرة، فرأى ونديشمان أنه نهر السند؛ و هارلز أنه جيحون؛ وشپيغل و يوستي و غايغر أنه سيحون؛ و دولاغارد أنه فولغا؛ ودارمستتر أنه دجلة؛ وماركوارت أنه زرأفشان؛ وبارتولمه و وست أنه نهر أسطوري (پورداود، 1/222). و من بين الباحثين المتأخرين أيضاً مَن رأوا أنه نهر أسطورى و قالوا إنه النهر الوارد في البهلوية باسم «أروند» و«أرنگ» و في أفستا باسم «رنگها»، و هو نهر أسطوري. و هذا النهر و نهر أسطوري آخر يدعى«وِه» كانا مقدسين لدى الإيرانيين، و يرون أنهما كانا يجريان في بلاد إيرانويج (بهار، 1/79).

و في الكتب البهلوية كثيراً ما ورد «أروند» بدلاً من «أرنگ» و يستنتج من بعض النصوص و بشكل واضح أن أروند في البهلوية هو اسم دجلة؛ و من ذلك ما ورد في الفصل 3 من بهمن‌يشت عندما ذكرت في البند الخامس أسماء أروند و الفرات وأسورستان (پورداود، 1/223).

و خلال العصر الساساني، أطلق الإيرانيون اسمي دجلة و السند على هذين النهرين بأن دعوا دجلة باسم «أروند» و السند باسم «وه رود» (بهار، ن.ص). و الجدير ذكره أن الكتّاب اليونانيين والرومانيين و الأرمن الذين كانت لديهم معلومات وافرة عن نهر دجلة و الأوضاع الجغرافية لبلاد مابين‌النهرين، و كانوا على معرفة بوجود سلسلة جبال تدعى أُرُنتس (ألوندكوه) غربي إيران و نهر بنفس هذا الاسم في سورية، لم‌يطلقوا أبداً اسم أروند على النهر الكبير الجاري في بلاد مابين‌النهرين، و في نقش داريوس الكبير في بيستون، حيث ذكر نهر دجلة (فره‌وشي، 77) مرتين، لم‌يرد أيضاً اسم أروند ( إيرانيكا، II/680).

أما الفردوسي فقد ذكر أروندرود عدة مرات في الشاهنامه، وفي موضع (1/66-67) قال بشكل واضح مامضمونه:

أگر پهلواني نداني زبــان به تازي تو أروند را دجله خـوان

[و إن تجهل اللغة البهلوية فسمِّ أرونــد دجلــة بـالعربيــة]

و يستنتج جيداً من أشعار الفردوسي الأخرى أن أروند كان الاسم الأصلي لنهر دجلة. و من ذلك ماورد في ترجمة حياة سابور الثاني بأن القصر الملكي بطيسفون كان واقعاً على شاطئ أروندرود. كما ذكر الفردوسي أرونددشت [سهل أروند] مما ينبغي أن يكون في موضع كان يوجد فيه قصر ملكي رئيس للساسانيين. و بعبارة أخرى، مثل هذا القصر ينبغي أن يكون في أطراف دستجرد، أو في سهل قصر شيرين و حلوان، حيث كان هذا الموضعان يقعان على مسافة قريبة من شرقي نهر دجلة، و في موضع آخر و خلال حديثه عن حكم هرمز الرابع ابن كسرى أنوشروان، قال الفردوسي إن كسرى كان يمضي الفصول الأربعة في أربعة أماكن: الصيف في إصطخر، و الخريف في أصفهان، والشتاء في طيسفون، و الربيع في أرونددشت ( إيرانيكا، ن.ص).

و في موضع آخر (9/341) قال الفردوسي:

چنان‌‌ديد‌كز‌ تازيان‌صد‌ هزار  هيونـان مست‌وگسستـه‌مهـار

گذر‌يافتندي‌بـه‌أرونـدرود نماندي ‌بر إين ‌بوم‌وبر تا‌روپود

[فقد رأى من العرب مائة ألف فارس، مراكبهم هائجة و مطلقة العنان، اجتازوا «أروندرود»، فلم يبق هناك لارطب و لايابس] مما يدعم كون أروندرود هو نهر دجلة (مشكور، 2-3).

و بحسب أحد الآراء، فإن كلا الاسمين دجلة (ديگله) و أروند، كانا مستخدمين لنهر دجلة خلال العصر الساساني (فره‌وشي، 80). و مهما يكن، فمن المسلَّم به أنه في جميع الروايات الواردة في الكتب البهلوية و العربية، أن هذا النهر من منبعه و إلى مصبه في البحر، كان يدعى دجلة، أو أروندرود (م.ن، 84). و من جهة أخرى و استناداً إلى دلائل جيولوجية، فإن النهرين الكبيرين دجلة و الفرات كانا في الماضي يسيران منفصلين و يصب كلّ منهما على حدة في الخليج الفارسي (رائين، 1/62)، و لكن منذ القرنين 5و6م (EI1,VII/339) أصبحا يلتقيان في موضع يدعى القُرنة يقع على بعد 75كم إلى الشمال من البصرة، فيشكلان شط العرب الذي يواصل سيره من هناك حتى مدخل الخليج الفارسي.

لم‌يرد اسم شط‌العرب في جغرافية العصور القديمة و لاجغرافية القرون الوسطى و لا الإسلامية، و يبدو أن أول عالم مسلم أورد اسم شط العرب في كتابه كان ناصرخسرو الذي شاهده سنة 443ه‍، فذكره في كتابه سفرنامه عند ذكره البصرة. و على هذا فإن مصطلح «شط العرب» ليس قديم الاستعمال، و قد ظهر حوالي القرن 4ه‍، و كان اسمه في كتب الجغرافية الإسلامية حتى ذلك التاريخ، دجلة العوراء، و في الفارسية «دجلۀ كور»، ذلك أن المسلمين كانوا يتصورون دجلة و الفرات بمثابة عيني إنسان، ولما كان هذان الاثنان يتصلان ببعضهما سمّوا مصبهما دجلة العوراء، وهو المصطلح الذي كان الإيرانيون قد ترجموه إلى «دجلۀ كور» [دجلة العَمياء] (مشكور، 2). و بهذا الصدد، يعتقد بهرام فره‌وشي مايلي: الحقيقة هي أن العرب التبس عليهم معنى كلمة فارسية كانت اسم لقسم من دجلة، فأبدلوها بكلمة عربية بنفس الصوت. ف‍‌‌«عوراء» في الأصل كانت كلمة فارسية تُلفظ على شكل «أوراه» و هي مركبة من كلمتين «أو» و تعني الماء، و «راه» [الطريق]، وتعني الكلمة المركبة «آبراه»، أو «آبراهه»، أي القناة التي تمكن الملاحة فيها. و قد سمى الإيرانيون هذا القسم الطافح بالماء من دجلة، «دجلۀ أوراه»، أي دجلة التي يمكن أن تتم الملاحة فيها، فالعرب الذين لم‌يعرفوا معنى «أوراه» اشتقوها من كلمة «أعور»، فكتبوا الكلمة بالعين فأصبحت عوراء (ص 87).

أما نهر دجلة فقد ظل يدعى دائماً بهذا الاسم في آثار جغرافيي العصر الإسلامي، و كان حمدالله المستوفي هو الوحيد الذي قال في نزهة القلوب (ص 214-215) الذي ألفه في 740ه‍، معرفاً هذا النهر: تتجمع فيه المياه التي تصل من خوزستان لتكوِّن شط‌العرب، و تصب أسفل البصرة في بحر فارس. و طول هذا النهر 300 فرسخ. و يدعوه الفرسُ أروندرود، كما أورد الفردوسي في الشاهنامه عن اجتياز الملك فريدون نهر أروندرود.

و يستفاد من ‌النص الوارد في نزهة القلوب أن عبارة «ويدعوه الفرس‌‌ أروندرود» يُقصد‌ بها نهر دجلة الذي طوله 300 فرسخ، ‌وليس‌‌شط‌العرب كما استند به بعض المتأخرين (ظ: آقايي، 608).

و منذ 1338ش/1959م بدأ استخدام اسم «أروندرود» بدلاً من «شط العرب» في إيران، و كانت الحكومة العراقية حتى 1975م تمتنع عن قبول إطلاق اسم أروندرود على هذا النهر، لكنها تقبّلت في هذه السنة و بشكل رسمي بموجب الاتفاقية التي سنذكرها في هذه المقالة، اسم «أروند رود» بدلاً من شط العرب (جعفري، بررسي...،357).

و منذ ذلك التاريخ اتخذت الخلافات الحدودية المتواصلة لسنوات بين إيران و العراق، طابعاً جديداً و عرفت ب‍ «قضية أروندرود». و منذ ذلك الحين و حتى اليوم عقدت عشرات الندوات، و صدرت مئات الكتب والمقالات في شتى البلدان وبشتى اللغات حول مسألتي «الخليج الفارسي» و «أروند رود»، وسنعرض فيما‌يلي بشكل موجز الجذور التاريخية لمسألة أروندرود و تطوراتها:

خلال حكم الإمبراطورية العثمانية التي كان عراق اليوم جزءاً من أراضيها المترامية الأطراف، كانت الخلافات بين الدولتين المتجاورتين، أي إيران و الدولة العثمانية، تنشب دائماً حول المناطق الحدودية، و لم‌يكن للدولة العثمانية في أي وقت اعتراض على سيادة إيران على أروندرود بحيث لم‌ترد أية إشارة إلى السيادة على أروندرود و الخط الفاصل بين الدولتين في هذه المنطقة في المعاهدات الأربعة المعقودة بين هذين البلدين، أي معاهدة قصر شيرين في 1639م، و معاهدة كردان في 1746م، ومعاهدة أرضروم في 1823م، و معاهدة أرضروم الثانية في 1847م، و كانت الدولتان تمارسان عملياً، سيادتهما بشكل مشترك على أروندرود (م. ن، كانونهاي...، 35-36). و قد نشب الخلاف بين إيران و الجار الغربي على أروندرود منذ حوالي 170 عاماً مضت. فعندما كان محمد شاه القاجاري يحاصر مدينة هراة (1253ه‍(، اغتنم والي بغداد آنذاك، الفرصة و شن هجوماً ليلياً مباغتاً على مدينة المحمرة (خرمشهر الحالية) و قتل عدداً من موظفي الجمارك الإيرانيين ومن أهالي المدينة و نهب المخازن الحكومية و قفل راجعاً إلى البصرة (مشكور، 4).

في 1255ه‍ و بغية تأديب والي بغداد، قرر الحاج الميرزا آقاسي الصدر الأعظم لإيران احتلال بغداد، فقاد جيشاً و توجه به إلى غربي البلاد فاستعان السلطان العثماني عبدالحميد بإمبراطور روسيا القيصرية، لكن بوساطة حكومتي روسيا و بريطانيا و ما ارتأتاه اقتُرح أن يجتمع مندوبو 4 دول هي إيران و الدولة العثمانية و روسيا و بريطانيا في مدينة أرضروم لوضع حلول للخلافات الناشبة بين الدولتين الإيرانية و العثمانية بشأن الحدود و كانت من بينها مسألتا أروندرود و المحمرة. و مثّل الجانب الإيراني الميرزا تقي خان الفراهاني (أميركبير)، فتوجه إلى أرضروم آخذاً على عاتقه هذه المهمة التي تولاها من أوائل سنة 1260 حتى 1263ه‍ و خلال تلك الفترة حدثت في أرضروم تطورات كثيرة، لكن تم أخيراً و في 16 جمادى الآخرة 1263ه‍/1847م توقيع معاهدة بين الدولتين الإيرانية و العثمانية لحل الخلافات الحدودية بينهما، و التي عرفت بمعاهدة، أو اتفاقية أرضروم الثانية. و قد ورد في المادة الثانية من هذه الاتفاقية مايلي: «تتعهد الدولة العثمانية بشكل تام أن تكون مدينة المحمرة و ميناؤها و جزيرة الخضر و المرسى و كذلك أراضي الساحل الشرقي، أي الجانب الأيمن لشط العرب، الذي هو تحت تصرف العشائر المعنية المعروفة الإيرانية بوصفها ملكاً تحت تصرف الحكومة الإيرانية و فضلاً عن هذا، فسيكون من حق السفن الإيرانية أن تتردد بحرية من الموضع الذي يصب فيه شط العرب بالبحر حتى نقطة التقاء حدود الجانبين في المدينة المذكورة» (م.ن، 4-7).

و برغم أن معاهدة أرضروم الثانية قد بينت بشكل لا لبس فيه أوضاع و سيادة الدولتين الجارتين بشأن أروندرود، فإن بروتوكول إستانبول الذي دُوِّن في 1913م، جعل للدولة العثمانية السيادة على أروندرود، باستثناء جزء صغيرمنه يقع مقابل خرمشهر، و في نفس تلك السنة تم تشكيل لجنة لترسيم حدود البلدين تم تنظيم محاضر جلساتها في 1914م، إلا أن بروتوكول إستانبول و محاضر جلسات ترسيم الحدود المدونة في 1914م، لم‌تتخذ شكلها النهائي أبداً و لم‌يُصادق عليها من قبل مجلسي السلطة التشريعية للدولتين الإيرانية و العثمانية (جعفري، ن.م، 36-37).

و خلال الحرب العالمية الأولى أي في أيار 1916 وُقّعت اتفاقية سرية سميت «سايكس ـ پيكو» بين فرنسا و بريطانيا تم بموجبها تقسيم الممتلكات الشاسعة للدولة العثمانية بين هاتين الدولتين. و كان من نتائج تنفيذ هذه الاتفاقية أن تعرضت الحدود الجغرافية للبلدان الإسلامية و بشكل خاص منطقة الشرق الأوسط لتحولات و تغييرات عجيبة. و في 1917م بدأت أركان الدولة العثمانية بالتزعزع تدريجياً، ثم انهارت في السنة التالية التي صادفت نهايـة الحرب العالمية الأولـى، و أسسـت علـى أنقاضها ــ فضلاً عن تركيا ــ دول أخرى مثل العراق و الأردن و سورية ولبنان و غيرها. و في 1932م أصبحت دولة العراق عضواً في عصبة الأمم، و بعد الاعتراف بها من قبل السلطات الإيرانية، واستناداً إلى مبدأ التوارث في القانون الدولي، أصبحت [دولة العراق] وريثة الاتفاقيات الحدودية مثل معاهدة أرضروم الثانية وبروتوكولات إستانبول و طهران و محاضر جلسات لجنة ترسيم الحدود (1914م) و بقية الاتفاقيات التي وقعتها الدولة العثمانية منذ العصر الصفوي و ماتلاه مع الدولة الإيرانية (بيگلري، 325).

و تدل الوثائق و المستندات التي نشرت خلال السنوات الأخيرة أن أصحاب القرار الواقعيين و من كان لهم القدرة في تقرير مصير المفاوضات خلال الحكم العثماني، كانوا ممثلي إمبراطوريتي روسيا القيصرية و بريطانيا بوصفهما الوسيطين المباشرين في عقد معاهدة أرضروم الثانية و بروتوكولات طهران و إستانبول و محاضر جلسات لجنة ترسيم الحدود. و كانت بريطانيا بشكل خاص مهتمة بقضية أروندرود الذي كان يشكل قسماً من طريق ارتباط أوروبا بالقارة الهندية، و لذا فقد كان لها أيضاً تدخل تام في تنظيم اتفاقية 1937م المعقودة بين إيران والعراق (م.ن، 326-327).

و على أية حال، فقد تواصل الخلاف الحدودي بين الدولتين إلى أن وُقعت في 1316ش/1937م اتفاقية حدودية أخرى على أساس معاهدة أرضروم الثانية و بروتوكول إستانبول و محاضر جلسات لجنة ترسيم الحدود بين إيران و العراق (جعفري، كانونهاي، 37). و قد تم تنظيم هذه الاتفاقية بناءاً على سيادة العراق على أروندرود بأسره و التي فرضت على إيران بضغط بريطاني، وخلافاً للمبادئ و الأعراف الدولية و الخاصة بترسيم الحدود النهرية بين الدولتين المتجاورتين و التي تأخذ بنظر الاعتبار خط القعر (التالوك)، بينما لم‌تتم مراعاة خط القعر إلا في منطقة صغيرة مقابل آبادان بحدود 5 كم. و مع كل ذلك، لم‌يلتزم العراق بالتعهدات التي كان قد أخذها على عاتقه و المتعلقة بحرية الملاحة في أروندرود و إنفاق العائدات المستحصلة من الضرائب على الملاحة، في صيانة و كري النهر و تحسين الملاحة في هذا الخط المائي (طلوعي، 173).

و عقب اتفاقية 1316ش/1937م نشب خلاف بين دولتي إيران و العراق بشأن الملاحة في أروندرود حول 3 نقاط: 1. كيفية إدارة أروندرود؛ 2. كيفية إنفاق العائدات المستحصلة من الملاحة؛ 3. مسألة الأعلام و إرشاد السفن (جعفري، ن.م، 43).

ظلت هذه الخلافات قائمة إلى أن قُرر بعد 20 عاماً و في 1336ش/1957م تطبيق مضامين الاتفاقيات المعقودة بحضور حكمٍ سويدي، لكن قبل تنفيذ هذا الأمر، تمّ في تموز 1958م إسقاط النظام الملكي في العراق بانقلاب عسكري قاده الزعيم عبدالكريم قاسم.

و في تشرين الثاني 1959، قال شاه إيران للمرة الأولى خلال مقابلة دارالحديث فيها حول أروندرود: «إن النهر الذي يقع على الحدود بين دولتين، لايمكن أن يستفيد منه جانب واحد، أو أن تكون السيادة عليه بيد جانب واحد». بعد عدة أيام رد عبدالكريم قاسم بشدة على تصريحات الشاه، و لم‌يكتفِ بتأكيد سيادة العراق على أروندرود مجدداً، بل رأى الامتياز الممنوح لإيران بموجب اتفاقية 1937م الخاص بالكيلومترات الخمسة من نهر أروندرود، عطية من العراق الذي يمكنه استعادته في حالة الضرورة (طلوعي، ن.ص).

و عقب هذه التصريحات اشتدت الحرب الإعلامية بين البلدين و تواصلت حتى بعد قيام الانقلاب العسكري الذي تزعمه العقيد عبدالسلام عارف وكذلك على عهد شقيقه عبدالرحمان عارف. وأخيراً و إثر المفاوضات المتواصلة في حزيران 1968 وافق الجانبان على تشكيل لجنة مشتركة لحل القضايا العالقة. لكن قبل أن يصل هذا الاتفاق مرحلة التنفيذ، أنهى إنقلاب عسكري آخر حكم اللواء عبدالرحمان عارف، و أصبح قائد الانقلاب أحمد حسن البكر على رأس حكومة بعثية جديدة، و عادت من جديد سياسة العنف و اللاسلم التي كان العراق ينتهجها في الماضي تجاه إيران (م.ن، 174). وفي 15 نيسان 1969 وضمن تكرارها ادعاءاتها السابقة، أنذرت الحكومةُ العراقيةُ الحكومة الإيرانية بضرورة أن تقوم سفنها بإنزال أعلامها خلال ترددها في مياه أروند رود، و أن تمتنع عن نقل أفراد القوة البحرية الإيرانية، و إلا فإن الحكومة العراقية ستبادر باستخدام القوة إلى إخراج أفراد القوة البحرية الإيرانية من السفن، كما لن‌يتم في المستقبل السماح للسفن المتجهة إلى الموانئ الإيرانية بالدخول إلى أروندرود.

و رداً على التهديدات العراقية، و استناداً إلى أن الحكومة العراقية و بعد مرور 32 سنة على عقد اتفاقية 1937م، و برغم الجهود المبذولة و الطلبات المتكررة من قبل إيران، و عدم اهتمام العراق بمواد هذه المعاهدة الحدودية و امتناعه عن تنفيذها، قامت إيران و من جانب واحد بإلغاء اتفاقية 1937م، و تم التأكيد على هذا الأمر في البيان الرسمي الصادر عن وزارة الخارجية الإيرانية المؤرخ في 27 نيسان 1969م/7 أرديبهشت 1348ش (م.ن، 174-175). و في نفس هذا البيان أعلنت الحكومة الإيرانية عن استعدادها لبدء مفاوضات مع الحكومة العراقية في سبيل توقيع اتفاقية جديدة و تثبيت الحدود في أروندرود على أساس خط التالوك حسب الأعراف الدولية المتداولة. و عقب صدور هذا البيان، أخذت السفن الإيرانية تسير في أروندرود مع أدلّاء إيرانيين وترافقها سفن حربية لحمايتها. و قد بادر العراق الذي اطلع على الإجراءات العسكرية الإيرانية على الحدود، إلى اتخاذ موقف دفاعي هذه المرة، و بعد يومين تقدم إلى مجلس الأمن التابع لمنظمة الأمم المتحدة بشكوى ضد إيران لكونها قد أقدمت من جانب واحد على إلغاء اتفاقية الحدود الموقعة بين البلدين. ومن جانبها ضمن ردها على شكوى العراق المقدمة إلى مجلس الأمن، دحضت إيران الادعاءات العراقية و أعلنت أن الإجراء الذي اتخذته الحكومة الإيرانية إنما كان يهدف إلى تحقيق حرية الملاحة في ممر مائي دولي. و لم‌يكسب العراق شيئاً من شكواه المقدمة إلى مجلس الأمن، فاشتدت أزمة العلاقات بين البلدين مع بدء الحرب الإعلامية بينهما. منحت الحكومة العراقية لجوءاً لمعارضي النظام الإيراني، و حينما تم استيلاء إيران على جزائر طنب و أبوموسى عقب جلاء القوات البريطانية منها في 30 تشرين الثاني 1971م/9 آذر 1350ش، ــ و من خلال مذكرة شديدة اللهجة اعتبرت هذه الجزر ملكاً للعرب و طلبت إلى إيران سحب قواتها منها. و لم‌تكتف الحكومة العراقية بذلك، فبادرت في الأول من كانـون الأول 1971م/10 آذر 1350ش، ــ و من غير أن تنتظر الرد الإيراني ــ إلى قطع علاقاتها السياسية معها وطلبت إلى القائم بأعمال السفارة الإيرانية ببغداد مغادرة الأراضي العراقية خلال 24 ساعة (م.ن، 175-176).

عقب قطع العلاقات السياسية بين البلدين، اتجهت العلاقات بينهما إلى التدهور بشكل متسارع و تصاعدت الحرب الإعلامية يوماً بعد يوم. وقام البلدان بتعزيز قواتهما على طول الحدود. وفي شباط 1974/ إسفند 1352، تقدمت الحكومة العراقية بشكوى إلى مجلس الأمن ضد إيران و ادعت أن إيران احتلت 5 كم2 من الأراضي العراقية الواقعة على الشريط الحدودي. فردّت إيران على ذلك بالحديث عن اعتداء القوات العراقية داخل الأراضي الإيرانية، ونتيجة المفاوضات التي أجراها ممثل الأمين العام للأمم المتحدة، وافق الجانبان على سحب قواتهما على طول الحدود. و كان أحد العوامل التي أدت إلى تراجع الحكومة العراقية و إظهارها المرونة هو تمرد أكراد شمال العراق الذين كانت هذه الحكومة عاجزة عن قمعهم بسبب الدعم الذي كانوا يتلقونه، فعقدت العزم أخيراً ــ من خـلال تلبية المطالـب الإيرانية بشـأن الخلافات الحدودية ــ على نيل رضا الدولة الجارة، من أجل قطع العون عن المتمردين.

و حدث أن عقد في آذار 1975م / إسفند 1353ش في الجزائر مؤتمر لزعماء الدول المصدرة للنفط (أوبك)، فطرح الرئيس الجزائري آنذاك هواري بومدين بمبادرة منه في الظاهر، و في الحقيقة بطلب من أحمد حسن البكر رئيس الجمهورية العراقية (م.ن، 176-178) فكرة الوساطة بين إيران و العراق وترتيب لقاء بين شاه إيران و صدام حسين نائب أحمد حسن البكر لإزالة الخلاف بين البلدين. و قد تم أول لقاء بين الجانبين في الجزائر في 5 آذار 1975م/14 إسفند 1353ش بحضور الرئيس بومدين. و عقب ذلك و في نفس اليوم و خلال جلسة مطولة أخرى أصبح البيان الإيراني ـ العراقي المشترك جاهزاً وأعلن عنه رسمياً في الجزائر في 6 آذار بعد ختام مؤتمر أوبك، و منذ ذلك الحين أصبح ذلك البيان أساس العلاقات بين البلدين (م.ن، 178-179). و في الفقرة الثانية من هذا البيان، أو الاتفاقية قُرر أن يعين الجانبان حدودهما المائية في أروندرود من ملتقى نهر خين حتى البحر على أساس خط التالوك، و في حالة حدوث تغيرات ناجمة عن ظروف طبيعية في القناة الرئيسة القابلة للملاحة، يبقى خط التالوك هو الحدود (جعفري، كانونهاي، 41-42).

تم التوقيع ببغداد بعد 3 أشهر في حزيران 1975 على اتفاقية الحدود الجديدة بين إيران و العراق و البروتوكولات الملحقة بها. و قد تضمنت هذه الاتفاقية مقدمة و 8 مواد و ملحقاً واحداً و 3 بروتوكولات؛ كان البروتوكول رقم 2 منها خاصاً بترسيم الحدود النهرية بين البلدين. كما كان لاتفاقية 1975م أربعة اتفاقات يتعلق واحد منها بضوابط الملاحة في أروندرود. و استناداً إلى المادة 102 من إعلان منظمة الأمم المتحدة، تم تسجيل هذه الاتفاقية في 1976م تحت الأرقام 14903-14907 في سكرتارية هذه المنظمة (ن.م، 39-40؛ للاطلاع على تفاصيل هذه الاتفاقية الحدودية و البروتوكولات و الاتفاقات و الخرائط الملحقة بها، ظ: گزيدۀ أسناد...، 189 و مابعدها).

وضعت اتفاقية الحدود الموقعة سنة 1975م بين إيران والعراق من خلال التحديد النهائي لخط التالوك في أروندرود بوصفه الحدود المشتركة للبلدين، حداً لواحد من الخلافات القديمة التي كانت قد أوجدت قضية أروندرود. و منذ ذلك الحين و إلى قيام الثورة الإسلامية في إيران لم‌يحدث شيء يستحق الذكر في العلاقات بين البلدين؛ ولأجل كسب ود شاه إيران قامت الحكومة العراقية أولاً بالتضييق على أنشطة الإمام الخميني في العراق،ثم أجبرته فيما بعد على مغادرة هذا البلد. ولذا فقد ساد الفتور العلاقات بين البلدين عقب انتصار الثورة الإسلامية في إيران.

أدى ازدياد قوة رجال الدين الشيعة في العراق وردّ فعل صدام حسين الذي كان قد تسلم منصب رئاسة الجمهورية أواسط سنة 1979م بدلاً من أحمد حسن البكر، من خلال اضطهاده علماء الشيعة و خاصة اعتقاله و إعدامه آية‌الله السيد محمد باقر الصدر، إلى تدهور العلاقات بين البلدين و إيجاد وضع متوتر في الحدود. و أخيراً و في 17 أيلول 1980م/26 شهريور 1359ش و في خطاب له أمام أعضاء المجلس الوطني العراقي، أعلن صدام حسين من جانب واحد إلغاء اتفاقية 1975م و ملاحقها نظراً لنقضها من قبل إيران، و أكد على أن العراق لايعترف بعد هذا اليوم بحق لإيران في أروندرود، و أنه سيفرض سيادته عليه (طلوعي، 181-183).

كان الإعلان عن إلغاء اتفاقية 1975م مقدمة لعدوان عسكري عراقي على الأراضي الإيرانية و قصف مطار طهران في 31 شهريور 1359 و بدء حرب شعواء استمرت 8 سنوات حتى 17 مرداد 1367ش (1988م) (م.ن، 186).

و أخيراً و بعد 8 سنوات من الحرب، وافقت الحكومة العراقية و تحت الضغط الإيراني و الظروف الدولية الخاصة التي واجهتها تلك الحكومة، على اتفاقية 1975م الحدودية؛ لكن لاينبغي فهم ذلك على أنه وضع حدٍّ للخلافات الحدودية بين البلدين و الحل النهائي لقضية أروندرود التي تتضمن بحد ذاتها عدة مطالب ومنها كري النهر. فأروندرود و بسبب تكدس كميات ضخمة من الوحل و حطام السفن الغارقة و الألغام البحرية، غير قابل للملاحة. و إن تكاليف كري هذا الممر الدولي بحاجة إلى مبالغ طائلة و حتى الآن لم‌تتخذ أية إجراءات عملية بشأن هذه التكاليف التي تتراوح بين 5-10 مليارات دولار (جعفري، «ناپايداري...»، 186). وأخيراً يمكـن القول إن قضية أروندرود لم‌تجد حتـى الآن حلاً كما ينبغي.

 

المصادر

آقايي، بهمن، «رژيم حقوقي أروندرود»، سياست خارجي، 1367ش، س 2، عد 4؛ برهان قاطع، محمد‌ حسين بن خلف التبريزي، تق‍ ‍: محمد معين، طهران، 1357ش؛ بندهش هندي، تج‍ : رقية بهزادي، طهران، 1368ش؛ بهار، مهرداد، پژوهشي در أساطير إيران، طهران، 1362ش؛ پورداود، إبراهيم، أدبيات مزديسنا، بومباي، 1938م؛ بيگلري، رستم، «رژيم حقوقي أروندرود و سابقۀ تاريخي آن»، مجموعۀ مقالات دومين سمينار بررسي مسائل خليج فارس، طهران، 1372ش؛ جعفري ولداني، أصغر، بررسي تاريخي اختلافات مرزي إيران وعراق، طهران، 1367ش؛ م.ن، كانونهاي بحران در خليج فارس، طهران، 1371ش؛ م.ن، «ناپايداري مرزها در خليج فارس»، مجموعۀ مقالات چهارمين سمينار خليج فارس، طهران، 1373ش؛ حمدالله المستوفي، نزهة القلوب، تق‍: جي لسترنج، ليدن، 1915م؛ رائين، إسماعيل، دريانوردي إيرانيان، طهران، 1350ش؛ طلوعي، محمود، جنگ خليج فارس وآيندۀ خاورميانه، طهران، 1370ش؛ الفردوسي، شاهنامه، تق‍ : أ. برتلس، موسكو، 1966-1971م؛ فره‌وشي، بهرام، «أروند‌رود»، مجلۀ دانشكدۀ أدبيات و علوم إنساني، طهران، 1348ش، س 17، عد 1؛ گزيدۀ أسناد مرزي إيـران ‌و عـراق،‌ دفتر ‌مطالعات سياسـي ‌و بين‌‌‌المللي‌ وزارت أمـور ‌خارجـة إيـران، طهـران، 1368ش؛ لغت نامۀ دهخدا؛ مشكـور، محمدجواد، أروندرود ومسألۀ شط العرب، طهران، 1348ش؛ و أيضاً:       

.EI1; Iranica

محمد حسن گنجي/ه‍.

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: