الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الفقه و علوم القرآن و الحدیث / الأحکام السلطانیة /

فهرس الموضوعات

الأحکام السلطانیة

الأحکام السلطانیة

تاریخ آخر التحدیث : 1443/2/10 ۲۱:۰۲:۴۷ تاریخ تألیف المقالة

اَلْأَحْکامُ الْسُّلْطانیَّة، عنوان مشترک لکتابین قیمین لأبي الحسن الماوردي، وأبي یعلی ابن الفراء اللذین عاشا في القرن 5 هـ، حیث تطرق فیهما المؤلفان إلی أسلوب الحکم في الإسلام و نمطه، وبحثت فیهما المسائل و الأ\کام التي تتعلق بشؤون الحکم المختلفة.

 

تاریخها

لم تطرح هذه المسائل والأحکام بشکل واسع في العصر الإسلامي الأول، فقد اجتازت الحضارة الإسلامیة کما هو حال حضارات العلام الأخری مساراً یتدرج من البساطة الی التعقید فیما یتعلق بمسائل الحکم و قوانینه. و هذا یعني عدم وجود نموذج و تشریعات خاصة تنظم الحکم والسیاسة في عهد الخلفا الأوائل، ثم في عصر بني أمیة بسبب الفتن و التفرقة و الفتح، و کذلک انعدام الثبات السیاسي. وفي الحالات التي کان یوجد فیها نص من القرآن، أو سیرة للنبي (ص) فقد کان یتم العمل بها کأحکام یجب تنفیذها، و في حالات أخری کان الخلیفة یتخذ أسلوباً خاصً حسب مقتضیات الزمان. وعلی سبیل المثال یمکننا ذکر کتاب عمر إلی سعد بن أبي وقاص عند فتح العراق، حیث جاءت فیه ملاحظات حول تقسیم الغنائم و الخراج في الأراضي المفتوحة، و کذلک عندما جاء بلال بن رباح وأصحابه إلی عمر لحل مسألة الخراج في العراق و الشام، فأصدر إثر ذلک بعض الأوامر (أبویوسف، 23-24).

ولعلنا لانجد في هذا العهد المبکر إلا رسائل طرحت فهیا قضایا الحکم بأسلوب الوعظ. ومن أهم هذه الرسائل کتاب الإمام علي (ع) إلی مالک الأشتر، حیث یزخر بالإرشادات و النصائح حول الحکم وسلوک الحاکم (ظ: نهج‌البلاغة، الکتاب 53).

وفي عصر بني العباس کانت الأوضاع مختلفة إلی حدما. ذلک لأن وجود خلفاء مقتدرین في هذه الأسرة مثل هارون الرشید، کان له تأثیر کبیر في تشکل الخلافة الإسلامیة و تنظیمها من جهة. ومن جهة أخری فإن الجهود التي بذلها فقهاء أبرزهم أبوحنیفة والأوزاعي و مالک لتدوین الأسس الفقهیة کان لها بدورها أثر خاص في اتساع «الأحکام السلطانیة». ورغم أن الفقهاء کان لها بدورها أثر خاص في اتساع «الأحکام السلطانیة». ورغم أن الفقهاء لم یکن لهم من الناحیة العملیة سوی دور ضعیف في الأمور المتعلقة بالحکم، إلا أن الأحکام والقضایا المرتبطة بالخلافة الإسلامیة في جمیع الأبعاد و خاصة في أبواب مختلفة مثل الخمس و الزکاة و أخذ العشر و الخراج و الضرائب و خاصة موضوع القضاء الذي کان من الضروري أن ینطبق مع قوانین الشرع، کل ذلک لم یکن ممکناً من الناحیتین العلمیة و النظریة، إلا من خلال فتاوی الفقهاء. و من بین الظواهر اللافتة للنظر في بدایة العصر العباسي، ازدهار التألیف و الترجمة و التدوین. و علی سبیل المثال یمکننا أن نذکر شخصیة مثل ابن المقفع الذي اقتبس في ترجماته من النصوص البهلویة، أو في بعض الحالات من النصوص الیونانیة علی الأرجح (ظ: عباس، 543-546)، والذي ألف آثاراً مثل الأدب الکبیر، والأدب الصغیر، و الدرة الیتیمة التي طرح فیها بشکل مختصر موضوع السیاسة وإدارة البلاد (مثلاً ظ: «الأدب الصغیر»، 30-32، مخـ، «الدرة الیتیمة»، 65-67، مخـ)»، کما أن کتاب التاج في سیرة أنوشروان و نامۀ تنسرکان لهما دون شک أثر کبیر في الأسلوب الفکري و خاصة في أسلوب تدوین الآثار المذکورة بعده. و فضلاً عن ذلک فإن کتاب رسالة الصحابة لابن المقفع – والذي خوطب فیه الخلیفة العباسي المنصور – یشتمل علی توجیهات حول جیش خراسان و أهل الکوفة والبصرة و الشام والحجاز، والقضاة و حاشیة الخلیفة والضرائب، ویعد من الآثار القیمة في هذا العصر (ظ: م.ن، «رسالة الصحابة»، 121-124، مخـ؛ للآثار المذکورة، ظ: ن.د، ابن المقفع). وفي الفترة نفسها قام القاضي أبویوسف الذي کان من مؤسسي المدرسة الفقهیة للحنفیة بتألیف أثر بعنوان الخراج بناء علی طلب هارون الرشید، وتناول فیه موضوعات حول الخراج، بل و حتی الأمور الأخری من زکاة و غنائم حربیة وأحکام جزائیة. ولم یأل محمد بن الحسن الشیباني الذي کان من فقهاء الحنفیة الآخرین جهداً فيتناول المسائل الفقهیة في مجال تشریعات الحکم (مثلاً ظ: الجامع ...، 15-25، 192-196، 346، مخـ، الحجة...، 1/ 422، 428، مخـ). ونری بعده ابن القاسم أحد تلامذة مالک یمزج في المدونة الکبری المسائل الفقهیة مع نوع من مسائل الحکم (کمثال ظ: 6/ 202، 328، مخـ). ومنذ ذلک الحین بدأ تألیف الآثار المخلتفة التي کانت ترتبط بشکل خاص، أو ضمني بقضایا الحکم و یستحق الذکر هنا کتابا الخراج لیحیی بن آدم و الحسن بن زیاد اللؤلؤیي (ابن الندیم،258). کما بذل الشافعي في مؤلفاته (4/ 159، 240، 6/ 3، 130، 197، مخـ) وأبوعبید القاسم بن سلام في الأموال (ص 6، 24، 33، 64، مخـ) و مؤلفو الآثار الفقهیة و کبت الحدیث الآخرون جهداً في هذا العصر في البحث حول قضایا الحکم (مثلاً ظ: البخاري، 4/ 62، 8/ 13، مخـ؛ مسلم، 2/ 37، 45، 59، 75، مخـ؛ ابن ماجة، 2/ 774، 847، مخـ؛ أبوداود، 3/ 130، 4/ 126، مخـ؛ الترمذي، 3/ 612، 4/ 32، مخـ؛ النسابي، 3/ 404، 460).

وقد کانت الآراء الفقهیة تطرح في هذه الآثار لیس باعتبارها آراء واجبة التنفیذ علی أمراء الحکم، بل کانت باتجاه تکامل و تدوین النظام الفقهي لکل مذهب، و استناداً إلی میول الخلفاء و الأمراء إلی أي من هذه المذاهب،وکذلک إلی سلطة الفقهاء المختلفین و نفوذهم، فإن تطبیق الأمور کان یتم مع الآراء المطروحة للمذهب نفسه. و علی أیة حال، فقد کانت کتب الفقه و الحدیث في أواخر القرن 2 و في القرن 3هـ حافلة بالآراء التي کان یُستند إلیها في أمور الحکم. و من الواضح أن هذا الاتجاه استمر بین الفقهاء في القرن 4هـ أیضاً (مثلاً ظ: الرازي، 123-156، 159-164، 207)، ولکن الجهشیاري ألف في القرن نفسه کتاب الوزراء و الکتّاب من خلال رؤیة تاریخیة إلی تنظیمات الحکم في عصر معین من الحضارة الإسلامیة (ظ: ص 8-14)، وبعد أن یشیر إلی أن أول من طرح و دون شیئاً باسم الدیوان في الحکومة الإسلامیة کان عمر بن الخطاب (ص 17)، یتناول بالحبث العهود المختلفة للخلفاء والوزراء وأصحاب المناصب في الإسلام حتی عصر المأمون. ولعل ضرورة تألیف مثل هذا الأثر کانت تتجلی في شکل الحکم و تنظیماته وحدود واجباته و صلاحیاته و کان قد تم تعیینها إلی حدما، و نحن نستطیع أن نری ذلک بوضوح في النصف المتبقي من کتاب الخراج لقدامة بن جعفر. وجمیع المؤلفات حتی ماقبل تألیف هذا الکتاب باستثناء بعض الکتب التاریخة تسلط الضوء علی المواضیع برؤیة فقهیة، واستناداً إلی آیات القرآن، و سیرة النبي الأعظم (ص)، و الأصول التي وضعها الخلفاء، ولکن المؤلف تناول في هذا الأثر تعریف المؤسسات الحکومیة المختلفة، والذکر الإجمالي لواجباتها وصلاحیاتها آخذاً بعین الاعتبار ما کان سائداً في نظام الحکم (مثلاً ظ: قدامة، 19 و مابعدها)، کما خصص قسماً للمواضیع المتعلقة بالحقوق الإنسانیة و الحقوق الفردیة (م.ن، 6233 و ما بعدها). وبعد قدامة من أوائل الذین طرحوا في کتبهم الفکر السیاسي، و جعلوا فیها الدین و السیاسة معاً، و لعل طرح هذه المسألة کان بتأثیر أفکار الإیرانیین التقلیدیة (م.ن، 436-437؛ عن تواصل هذا الفکر، ظ: الماوردي، تسهیل...، 148-149، 153).

 

کتب الأحکام السلطانیة

حذا مؤلفو الکتب الفقهیة في القرن 5هـ/ 11م حذو أسلافهم في الاهتمام بأمور الحکم، و نحن نستطیع أن نلاحظ ذلک في کتب المذاهب المختلفة (مثلاً ظ: الشیخ المفید، 269-277؛الشریف المرتضی،236 و ما بعدها؛ ابن حزم، 8/ 420، 11/ 333، 12/ 3؛ الشیخ الطوسي، 3/ 515، 525، 577؛ السغدي، 630، 689، 770؛ أبو إسحاق، 213، 251؛ ابن البراج، 2/ 27، 518، 556).

وفي هذا القرن بالضبط ألف الماوردي أثراً هاماً للغایة یشتمل إلی حدما علی هیکلیة عامة للحکم في الإسلام. و قد بحث الماوردة في هذا الکتاب و بشک لصریح تماماً جزئییات الحکم من قبیل الخلافة و الإمامة والوزارة و الإمارة و غیر ذلک کفقیه متبحر في شؤون الحکومة، وقد بدأ ببیان کیفیة انتخاب الخلیفة و الإمام و خلفائه (ص 7-8، 15-17)، ثم بین بعد ذلک الواجبا إزاء الرعیة (ص 18) و ذکر طبقات الوزراء و تعیینهم (ص 25، 31-32)، ومضی بعد ذلک مبیناً الشؤون الحکومیة المختلفة، وتحدث في الفضل الأخیر عن الإشراف علی الشؤون العامة مستخدماً مصطلح «الحسبة» بشأنها (ص 299 و مابعدها). وقد طرح الماوردي الذي کان قاضیاً و فقیهاً شافعیاً في جمیع أجراء الکتاب آراء أصحاب المذاهب الثلاثة الحنفي و المالکي و الشافعي من منظار فقهي.

وفي هذه الفترة – و ربما بعد الماوردي بقلیل – ألف القاضي الحنبلي أبویعلی ابن الفراء أثراً یحمل نفس الاسم، ولعلنا نستطیع أن نعتبره إعادة تألیف و تحریر لکتاب الماوردي. وقد نقل أبویعلی جمیع ماجاء في الأحکام للماوردي تقریباً و لم یحذف سوی بعض أقواله المشتملة علی الاحادیث و الروایات، وبیّن فیما یتعلق بآراء الفقهاء آراء أحمد بن حنبل، بعد أن حذف آراء الشافعي. و في بعض المواضع التي نقل فیها الماوردي آراء فقهاء مثل أبي حنیفة و أبي یوسف و محمد بن الحسن الشیباني و مالک و الشافعي، ذکر أبویعلی نفس المواضیع، ولکنه امتنع عن ذکر أسماء الفقهاء (مثلاً ظ: الماوردي، الأحکام...، 170-171، 173، 174؛ قا: أبویعلي، 143-145). وبالطبع فإننا نلاحظ في کتابه بعض الإضافات أیضاً (مثلاً ظ: الماوردي، ن.م، 165؛ قا: أبویعلی، 139-140) یرتبط أکثرها ببیان آراء أحمد و احنابلة. علی أیة حال، فإن هذین الکتابین اللذین یکمل بعضهما الآخر، واللذین جاء في أحدهما آراء أبي حنیفة ومالک والشافعي، فیما ذکرت في الآخر آراء أحمد، یمکن أن یُستند إلیهما معاً کمؤلَّف و احد یطرح الآراء الفقهیة للقرن 5 هـ حول المسائل الحکومیة. ویتمتع کلا الکتابین بأهمیة کبیرة في مجال البحث بشأن تاریخ الحکم في الإسلام أیضاً.

یتضمن الأحکام السلطانیة للماوردي 20 باباً، حیث یذکر المؤلف نفسه العناوین في المقدمة (ص 4). و یبددها ببیان أن اللّه جعل لأمته زعیماً هو خلف النبي، و حافظ الدین، و أنه أعطاه السیاسة کي یدبر الأمور استناداً إلی الشریعة الإلهیة. و هویری أن الإمامة أصل تقوم علیه قواعد الدین، و تنتظم به مصالح الأمة، وتنبعث منه الولایات الخاصة. ولذلک یری المؤلف نفسه ملزماً بأن یبحث موضوع الإمامة قبل کل شيء في مجال شؤون الحکم (ص 3-4)، وبذلک یخصص الباب الأول للإمامة (أیضاً ظ: أبویعلی، 19 و مابعدها). و هو یری وجوب عقد الإمامة علی الأمة بإجماع الفقهاء و کبارالدین، و بعد أن یطرح رأیین حول شرعیة، أو عقلیة هذا الوجوب، یذکر شروط الإمامة (ص 5-7). ویختلف هذا القسم عن ما أورده أبویعلی في کتابه. و یذکر الماوردي 7 شروط للإمام (ص 6)، في حین لایذکر أبویعلی سوی 4 شروط، و هو یری استناداً إلی رأي أحمد بن حنبل أن بعض الشروط التط ذکرها الماوردي غیر واجبة (أبویعلی، 20).

ویمضي المؤلف بالحدیث عن نوعین من عقد الإمامة: الأول إجماع المسملین علی الإمامة، وبیعة أهل الحل و العقد، والثاني أن یختار الإمام السابق شخصاً یتمتع بشروط الإمامة خلیفة له (ص 7-9؛ أبویعلی، 23؛ قا: فضل الله، 47، حیث یطرح النوع الاخر من التصدي للخلافة، أي أخذ الخلافة بالسیف). و یبدو من الطبیعي جداً أن یکون محور الحدیث في هذا الکتاب الإمامة والخلافة. و المصدر الوحید لهذه النظریة السیاسیة هو التعالیم الإسلامیة، و هذه النظریة نموذج للحکم و بنایة السلطة السیاسیة، ولایمکن أن تدرک إلا من خلال رؤیة شرعیة و تجربة الخلافة. و هنا تعود الأصالة إلی الشریعة الإلهیة، و تکون جمیع الأمور الأخری مستحقة للاعتبار تبعاً لها، و من الواضح جداً أن الخلیفة نفسه خلیفة صاحب الشریعة نیابةً عن نبي الإسلام (ص) (عن هذه النظریة، ظ: ص 3؛ أبویعلی، 19؛ نظامي، 10-11؛ عن الرأي المخالف الذي یقول بأن الخلیفة و حتی الملک ینتخبان مباشرة من عندالله و أنهما صاحبا شریعة، قا: عنصر المعالي،144- 148، 167-176، الذي في معالجته للموضوع لایری فیه أي تشابه مع الأفکار الإسلامیة في شأن الخلیفة؛ نظام الملک، 11-12؛ الغزالي، 81-82؛ النخجواني 9-10).

وقد حظي هذا النوع من الرؤیة إلی الخلافة للماوردي و التي تمثل فکره السیاسي، باهتمام الباحثین المعاصرین، حیث یمکننا ملاحظة ذلک في المقالات المختلفة التي کتبت في هذا المجال (کمثال، ظ: إسحاق، 275-314؛ الخدوري، 17-18؛ روزنثال، 27-37؛ لاؤوست، 11-92؛ لیتل، 1-15؛ جب، 291-302).

وتطرق المؤلف في الباب الثاني من الکتاب (ص 25) إلی کیفیة انتخاب الوزیر. و الوزرارة علی نوعین: وزارة «التفویض» و وزارة «التنفیذ» و تذکران أیضاً بعناوین «العامة و الخاصة» و «المطلقة والمقیدة» (أیضاً ظ: تحفة الوزراء، 75). والقسم الأول هو أن یولي الخلیفة أحد الأشخاص الوزارة و یوکل إلیه تدبیر جمیع الأمور. و هنا تطرح شروط مثل هذا الوزیر، وهي شروط تشبه شروط الإمام، سوی عدم وجوب النسب القرشي فیما یتعلق بالوزیر (الماوردي، ن.ص؛ قا: أبویعلی، 29، الذي لم یجزئ هذا الشرط الأخیر). والنوع الآخر هو وزارة التنفیذ. وحسب هذا القسم تتقلص السلطة التنفیذیة للوزیر إلی حد کبیر، ذلک لأن الوزیر في هذه الآلة یعمل وفقاً لرأي و تدبیر الإمام والخلیفة، ولایتمتع بحد ذاته بسلطة علی الأمور. فهو في الحقیقة جسر بین الحلیفة و الولاة و الرعایا (ص 29؛ أبویعلی، 31). ومن الواضح أن الشروط المذکورة في هذا النوع من الوزارة لیست حاسمة، فلیست هناک من شروط ذات قیمة سوی الصدق و الأمامة و غیرهما (ظ: ص 30؛ أبویعلی، ن.ص). و بعد بیان الاختلافات بین هذین النوعین من الوزارة من ناحیة سلطي الوزراء، یطرح المؤلف أیضاً کیفیة علاقة الخلیفة بهم (ص 30-33؛ أبویعلی، 31-33). ومع الأخذ بنظر الاعتبار أن الماوردي وأبایعلی یبحثان بمثل هذه الدقة تفاصیل مسائل الحکم، فقد ظهر في نفس الفترة في الشرق شخص مثل عنصر المعالي، ألف بقلم ناصح کتابه الموسوم بقابوس نامه (ظ: ص 159-176).

یختص الباب الثالث من الکتاب بأمراء البلاد المختلفة. وقد طرحت الإمارة بنوعین عامة وخاصة: فالإمارة العامة تکون من ناحیة الخلیفة حیث کان الأمیر یولی علی مدینة، أو بلد. وقد کان نطاق سلطة مثل هذا الأمیر یشمل مسائل کتدبیر الجیش، و ارتزاق الجند، و ترتیب التحصینات، و الأمور المرتبطة بالقضاء مثل النتخاب القاضي والحاکم، وأخذ الخراج والصدقات، و اختیار عمال علی هذا القسم من الأمور، والاهتمام بشؤون الرعایا (ص 35؛ أبویعلی، 34). والثانیة هي الإمارة الخاصة التي تتضمن نفس أسلوب الانتخاب بالختلاف واحد، هو تقلص نطاق سلطة الأمیر. وفي مثل هذا النوع من الإمارة، لایحق للأمیر التدخل في أمور مثل القضاء، و جمع الخراج و الصدقات (ص 37-38؛ أبویعلی، 36-37).

ویدور الباب الرابع حول أمراء الجیش الذین یعینون في الحقیقة لمحاربة المشرکین. و تنقسم هذه الإمارة أیضاً إلی نوعین: أحدهما یقتصر علی التدابیر الحربیة و العسکریة، وله حالظ تشبه حالة الإمارة الخاصة؛ و الأخری تشمل جمیع الأحکام مثل تقسیم الغنائم، و عقد معاهدة الصلح و غیر ذلک، و یمکن اعتبارها شبیهة للإمارة العامة (ص 43؛ أبویعلی، 39).

وأما الباب الخامس فیدور حول موضوع قتال أهل الردة و أهل البغي، ویترق الماوردي في البدء إلی ذکر موضوع الارتداد، و بیان بعض آراء الفقهاء مثل أبي حنیفة و مالک حول توبة المرتد مقدماً تعریفاً لهذه الجماعة (ص 69-70؛ قا: أبویعلی، 51). ویستمر هذا القسم من الکتاب بذکر موضوعات حول إثبات الارتداد و توبة المرتد و فروعها، و کذلک الأحکام المتعلقة بهذه الفئة (ص 70-73؛ أبویعلی، 51-53).

وتشکل مسألة القضا و الإجراءات موضوع الباب السادس. ویری الماوردي (ص 83-84) وأبویعلی (ص 60-61) أن هناک 7 شروط یجب أن تتوفر في القاضي. ویمکننا أن نجد في هذا الباب موضوعات مثل تولیة منصب القضاء، ونطاق صلاحیاته، و البحث في جواز وجود قاضیین في مدینة واحدة (ص 88-93؛ أبویعلی، 64-69). ومما یجدر ذکره أن هذا الموضوع حظي دوماً منذ القدم باهتمام الفقهاء و المؤلفین من حیث العلاقة المباشرة بین القضاء و الأحکام الشرعیة و الفقهیة، و قد ألفت بالإضافة إلی الکتب المختلفة التي تناولت مسألة القضاء من وجوهها المختلفة، آثار کثیرة بعنوان مشترک هو أدب القاضي (ن.ع)، أو أدب القضاء (کمثال، ظ: ابن الندیم، 78، 258، 259). ویمکن اعتبار هذا الباب من الکتاب منطبقاً إلی حدما مع «الإجراءات» في العصر الحاضر. و قد حظي هذا الباب باهتمام المستشرق الإنجلیزي آمدروز الذي نشر مقالة بعنوان «منصب القاضي في الأحکام السلطانیة» (ظ: ص 761-796).

ویدور الباب السابع من الکتاب حول «ولایة المظالم». و تتجلی العدالة التي هي أحد الأرکان المهمة في الفکر الإسلامي، في شکل دیوان المظالم في الحکومة الإسلامیة. وقد کان مجلی التحقیق یتشکل بحضور والي المظالم و ممثلین من خمسة أصناف هم: الحماة و الأعوان لإحصار ذوي النفوذ إلی المجلس، والقضاة و الحکام للاطلاع علی مایحدث، و الفقهاء الذین یُستفتون في الحالات المشکلة، و الکتّاب لتدوین مایحدث في المجلس، و الشهود الذین یشهدون علی ما یجري (ظ: ص 100). ویشرف والي المظالم علی المجموعات المختلفة. و من واجباته متابعة أمور مثل التحقیق في اعتداءات الولاة علی الرعیة، والتحقیق بشأن جور العمال، و أخذ أموال مثل الخراج، و التدقیق في عمل کتّاب الدواوین، و التحقیق في حالات «المسترزقة» (موظفي الدواوین) الذین انخفضت مرتباتهم، دو تأخرت، و أمور أخری من هذا القبیل (ص 101-104؛ أبویعلی، 76-79). ومن موضوعات هذا الباب الأخری بیان الفرق بین القاضي و والي المظالم (أیضاً ظ: آمد روز، «ولایة المظالم»، 635-674).

وخصص الباب الثامن من الکتاب لموضوع «النقابة».

وفي الأبواب 9-17 تناول المؤلف الأبعاد الاجتماعیة لموضوعات فقهیة مثل صلاة الجماعة و الحج و الزکاة و الحقوق المالیة الأخری وإحیا الموات و المباحث الأخری المتعلقة بالأراضي.

ویرتبط الباب 18 بالدواوین. و تؤس هذه الدواوین للمحافظة علی مایرتبط بالحکومة، و هي مجموعة من التنظیمات التي تنشأ لمتابعة الحسابات في أرجاء البلاد، والأموال و العائدات العامة و غیرها. و بعد تعریف هذه التنظیمات و بیان سبب تسمیتها، ذکر المؤلف خلفیتها التاریخیة، و أول من أسس الدواوین في الإسلام (ص 249؛ حول بعض الاختلافات الجزئیة، ظ: أبویعلی، 237). ثم یذکر المؤلف بعض أنواع الدواوین (ص 253-254؛ أبویعلی، 240). وبعد أن یفصل بین البلاد المسلمة، والبلاد التي یعیش فیها أهل الذمة یتطرق إلی مسألة الخراج و العشر و الجزئیة. وقد ذکرت في هذا الباب أیضاً معادن و أحکامها الشرعیة و موضوعات من هذا القبیل (ص 258-260). وتشغل موضوعات مثل عزل و تعیین العمال، و کیفیة الشروط و تعیین نطاق عمل کل منهم و فترة تولیهم المناصب و عزلهم، قسماً آخر من هذا الباب (ص 261-265؛ أبویعلی، 247 و مابعدها) و یخضع جزء من أموال المسلمین التي لاتعود إلی شخص معین، و یعد من حقوق بیت المال، للمتابعة تحت إشراف دیوان خاص. و یعد تقسیم هذا النوع من الأموال إلی فيء و غنائم و صدقات مقدمة بحث مفصل في هذا المجال (ص 266-267؛ أبویعلی، 251 و مابعدها). و قد کان منصب الکتابة في الدیوان من الأعمال المهمة، و کان من المفترض في الشخص الذي یتولی مثل هذه المسؤولیة أن یتمتع بصفتي العدالة و الکفاءة. و یدور الفصل الأخیر من هذا الباب حول الأمور التي تقع علی عاتق کاتب الدیوان (ص 268 و ما بعدها؛ أبویعلی، 253 و مابعدها؛ أیضاً ظ: نظامي، 12 و مابعدها).

وأما موضوع الباب 19 فهو الأحکام الجزائیة، و قد تطرق فیه المؤلف إلی الجوانب التنفیذیة للحدود و التعزیرات.

و خصص الباب الأخیر من الکتاب لأحکام الحسبة، و التي ترتبط أساساً ارتباطاً خاصاً بمسألة الأمر بالمعروف و النهي عن المنکر. و من جملة المسائل المطروحة في هذا الباب الشروط التي یجب أن تتوفر في والي الحسبة، و توضیح أن عمل الحسبة هو حلقة الوصل بین أحکام القضاء و أحکام المظالم (ص 299- 300؛ أبویعلی، 284-285). وینتهي هذا الباب بموضوع الأمر بالمعروف و النهي عن المنکر، و واجبات المحتسب (ص 303 وما بعدها؛ أبویعلی، 287 و مابعدها؛ أیضاً ظ: آمروز، «ولایة الحسبة»، 77-101, 287-314).

وقد استفاد المؤلفون اللاحقوق علی نطاق واسع من کتابي الأحکام السلطانیة، ویمکننا أن نذکر من بینهم أشخاصاً مثل ابن الإخوة (ص 9)، وابن قیم الجوزیة (ص 22، 46، 51-52)، والزرکشي (ص 57، 132)، وابن رجب (ص 13، 14، 17)، وفضل الله بن روزبهان (ص 50، 191، 212). و یحظی کتاب الماوردي من بینهما باهتمام خاص لدی المستشرقین، و قد ترجم عدة ترجمات بالإضافة إلی طبعاته المختلفة. نشر الأحکام السلطانیة للماوردي لأول مرة بمساعي المستشرق الألماني إنغر في بون (1853م)، وطبع هذا الکتاب طبعات أخری في القاهرة (1298، 1324، 1327، 1380، 1386هـ)، کما نقحه فیها محمد بدرالدین الغساني في 1909م. و من بین ترجماته: الترجمة الهولندیة لکایزر تحت عنوان «القانون العام و الإداري في الإسلام مقارنة بالقانون المشابه في الهند الهولندیة» لاهاي، 1862م؛ ترجمه إلی الفرنسیة أوستورغ في باریس (1900-1906م)، وکذلک فانیان في الجزائر 1915م، وطبعته الثانیة في باریس، 1982م. نُشر کتاب الأحکام السلطانیة لأبي یعلی ابن الفراء أیضاً مرة في مصر (1356هـ/ 1938م)، وأخری في بیروت (1403هـ/ 1983م) بتحقیق محمدحامد الفقي.

 

المصادر

ابن الإخوة، محمد، معالم القربة، تقـ: روبن لیفي، کمبردج، 1937م؛ ابن البراج، عبدالعزیز، المهذب، قم، 1406هـ؛ ابن حزم، علي، المحلّی، تقـ: أحمد شاکر، بیروت، 1347-1352هـ/ 1928-1933م؛ ابن رجب، عبدالرحمان، «الاستخراج لأحکام الخراج»، موصوعة الخراج، بیروت، 1399هـ/ 1979م؛ ابن القاسم، عبدالرحمان، المدونة الکبری، القاهرة، 1324-1325هـ؛ ابن قیم الجوزیة، محمد، أحکام أهل الذمة، تقـ: صبحي الصالح، دمشق، 1381هـ/ 1961م؛ ابن ماجة، محمد، سنن، تقـ: محمد فؤاد عبدالباقي، بیروت، 1395هـ/ 1975م؛ ابن المقفع، عبدالله، «الأدب الصغیر»، «رسالة الصحابة»، «الدرة الیتیمة»، رسائل البلغاء لکرد علي، القاهرة، 1331هـ؛ ابن الندیم، الفهرست؛ أبوإسحاق الشیرازي، إبراهیم، التنبیه، بیروت، 1403هـ/ 1983م؛ أبوداود السجتساني، سلیمان، سنن، تقـ: محمد محیي‌الدین عبدالحمید، القاهرة، دارإحیاء السنة النبویة؛ أبوعبیدالقاسم بنی سلام، الأموال، بیروت، 1988م؛ أبویعلیی، محمد، الأحکام السلطانیة، تقـ: محمدحامد الفقي، بیروت، 1403هـ/ 1983م؛ أبویوسف، یعقوب، «الخراج»، موسوعة الخراج، بیروت، 1399هـ/ 1979م؛ البخاري، محمد، صحیح، إستانبول، المکتبة الإسلامیة؛ تحفة الوزراء، المنسوب إلی عبدالملک الثعالبي،تقـ: حبیب علي الراوي وابتسام مرهون الصفار، بغداد، 1977م؛ الترمذي، محمد، سنن، تقـ: أحمد محمد شاکر وآخرون، بیروت، دار إحیاء التراث العربي؛ الجهشیاري، محمد، الوزراء و الکتّاب، تقـ: حسن الزین، بیروت، 1408هـ/ 1988م؛ الرازي، أحمد، حلیة الفقهاء، تقـ: عبدالله بن عبدالمحسن الترکي، بیروت، 1403هـ/ 1983م؛ الزرکشي،محمد، إعلام الساجد بأحکام المساجد، تقـ: أبوالوفا مصطفی المراغي، القاهرة، 1384 هـ؛ السغدي، علي، التنف في التفاوی، تقـ: صلاح‌الدین الناهي، بیروت/ عمان، 1404هـ/ 1984م؛الشافعي، محمد، الأم، تقـ: محمد زهري النجار، بیروت، دارالمعرفة؛ الشریف المرتضی، علي، الانتصار، تقـ: حسن الخرسان، النجف، 1391هـ/ 1971م؛ الشیباني، محمد، الجامع الکبیر، حیدرآبادالدکن؛ م.ن، الحجة علی أهل المدینة، تقـ: أبوالوفا الأفغاني، حیدرآبادالدکن، 1385هـ/ 1965م؛ الشیخ الطوسي، محمد، الخلاف، قم، 1411هـ؛ الشیخ المفید، محمد، المقنعة، قم، 1410هـغ عباس، إحسان، «نظرة جدیدة في بعض الکتب المنسوبة لابن المقفع»، مجلةمجمع اللغة العربیة، دمشق، 1397هـ/ 1977م، ج 52(3)؛ عنصر المعالي، کیکاووس، قابوس‌نامه، تقـ: سعید نفیسي، طهران، 1312ش؛ الغزالي، محمد، نصیحة الملوک، تقـ: جلال‌الدین همائي، طهران، 1351ش؛ فضل الله بن روزبهان، سلوک الملوک، حیدرآبادالدکن، 1386هـ/ 1966م؛ قدامة بن جعفر، الخراج، تقـ: محمدحسین الزبیدي، بغداد، 1979م؛ الماوردي، علي، الأحکام السلطانیة، بیروت، 1405هـ/ 1985م؛ م.ن، تسهیل النظر و تعجیل الظفر، تقـ: محیي‌ هلال السرحان، بیروت، 1401هـ/ 1981م؛ مسلم بن الحجاج، صحیح، بیروت، 1397هـ/ 1977م؛ النخجواني، محمد بن هندوشاه، دستور الکاتب، تقـ: عبدالکریم علي‌زاده، موسکو، 1976م؛ النسائي، أحمد، سنن، تقـ: عبدالغفار سلمیان البنداري و کسروي حسن، بیروت، 1411هـ/ 1991م؛ نظام‌الملک، حسن، سیر الملوک (سیاست‌نامه)، تقـ: هیوبرت دارک، طهران، 1347هـ؛ نظامي العروضي، أحمد، چهار مقاله، تقـ: محمد قزویني، لیدن، 1327هـ/ 1909م؛ نهج‌البلاغة؛ و أیضاً:

Amedroz, H. F., «The Hisba Jurisdiction in the Ahkam Sultanlyya of Mawardi», ibid, 1916; id, «The Mazalim Jurisdiction in the Ahkam sultaniyya of Mawardi», ibid, 1911; id, «The Office of Kaki in the Ahkam Sultaniyya of Mawardi», ibid, 1910; Gibb, H. A. R., «Al-Mâwardi’s Theory of the Khilâfah» Islamic Culture, 1937, vol. XI; Ishaque, Kh. M., «Al-Aḥkām al- Sultānīyah», Islamic Studies, 1965, vol. IV(1); Khadduri, M., Law in the Middle East, Washington D. C., 1955, VO. I; Laoust, H., «La Pensée et l’action politiques d’al-Māwardī», Revue des études Islamiques, Paris, 1968, vol. XXXV(1); Little, D., «A New Look at Al-Ahkām al-Sultāniyya», The Muslim World, NewYork, 1974, vol. LXIV; Rosenthal, E. I. J., Political Thought in Medieval Islam, Cambridge, 1962.

فرامرز حاج منوچهري/ خ.

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: