أحسن التقاسیم في معرفة الأقالیم
cgietitle
1443/2/9 ۲۲:۰۲:۲۹
https://cgie.org.ir/ar/article/235951
1446/6/12 ۱۷:۳۸:۰۴
نشرت
5
أَحْسَنُ الْتَّقاسیمِ في مَعْرِفَةِ الْأَقالیم، اسم کتاب معروف في الجغرافیة باللغة العربیة، من آثار الربع الأخیر من القرن 4هـ/ 10م، لأبي عبدالله شمسالدین محمد بن أحمد المقدسي.
یقول المقدسي بصراحة في أحد المواضع إنه کان في 375هـ یبلغ من العمر 40 سنة، وإنه کان في حاضرة فارس، وأتم الکتاب فیها (ص 8-9؛ ظ: میکل، 315). کما یقول إنه عرضه بعد سنتین في مکة علی عالم أندلسي (ظ: ص 223، الهامش). ولکن بازورث یخمن من خلال عبارة في أحسن التقاسیم أن هذا الأثر تم تألیفه في نهایة عهد سعدالدولة ابن سیف الدولة الحمداني (تـ 381هـ/ 991م)، ذلک لأن حکم الأسرة الحمدانیة لمدینة بدلیس ذکرت في أحسن التقاسیم (ص375) بصیغة الماضي (إیرانیکا).
قسم الکتاب إلی مقدمة و بابین، وتشتمل المقدمة التي تضم أکثر من سُبع الکتاب علی الموضوعات التالیة: أسلوب تدوین الکتاب، ورواد الجغرافیة، و بیان المصطلحات، و تاریخ التألیف، و بعض الملاحظات، و فهرس المحتویات، والبحار و أهوالها، والأنهار، و المدن المتفقة الأسماء، واللهجات، وأسلوب بیان المؤلف، وخصائص کل إقلیم، والمراهب و تصنیفها، و الطرق، والقبب و المراقد الأسطوریة، وجدول للولاة و الأقالیم و صورة أمصار الإسلام (ص 3-66). وقد تم التعریف في الباب الأول بـ 6 أقالیم عربیة، وفي الباب الثاني بـ 8 أقالیم أعجمیة. وقد سمي في الباب الأول نصف العلام الإسلامي آنذاک والذي کان یقع خارج الجزیرة العربیة ببلاد العرب، واعتُبر أهالي الأقالیم الخمسة التالیة، و هي: مابین النهرین، وأقور (ربما تصحیف أڤور= أثور، ظ: ن.د، أثور)، والشام، ومصر، والمغرب (أهالي شمال أفریقیا الذین استطاعوا أن یتعلموا اللغة العربیة بسبب اتحادهم مع العرب في الجنس)، عرباً. واستعرض المؤلف في الباب الثاني 8 أقالی أعجمیة، هي: خاوران، والدیلم، والرحاب (أرمینیة وأران و جورجیا)، والجبال (آذربایجان وکردستان)، و خوزستان، وفارس، و کرمان، و السند. و اعتبر المؤلف في بدایة هذا الباب أهالیها أحسن الناس حالاً و أکثرهم علماً ودیناً (ظ: ص 257). ببدأ هذا القسم من الکتاب برسالة قصیرة في الجغرافیة لمؤلفها قباد (گواذ) الملک الساساني (ن.ص).
یعد أحسن التقاسیم کما ه الحال بالنسبة إلی صورة الأرض لابن حوقل، والمسالک والممالک للإصطخري، حصیلة سنوات من دسفار المؤلف إلی الأقطار الإسلامیة آنذاک. وفي الحقیقة فإن المؤلف لم یکتف بالقسم الأوسط من العلام الإسلامي، بل سافر أیضاً إلی فلسطین و خراسان. ویعرف المؤلف جیداً فلسطین والشام و جزیرة العرب والعراق وإیران، ولکنه لم یرغرب العالم الإسلامي (مراکش و إسبانیا)، کما لاتتجاوز معلوماته الصحیحة عن شرق العلام الإسلامي حدود السند.
کتب المقدسي في مطلع الکتاب صفحة مسجعة و ملیئة بالتصنع (ظ: ص 1-2)، تحدث فیها عن کیفیة أسفاره و معاشرته طبقات و شرائح الناس المختلفة للحصول علی المعلومات الجغرافیة (ص 2).
یشتمل هذا الأثر علی جغرافیة البلدان الإسلامیة فقط، حیث یثول المرلف مبرراً ذلک: «ولم نتکلف ممالک الکفار لأنها لم ندخلها» (ص 9)، بل إنه یقول حول بعض المدن مثل طرطوس: «وقد أعرضنا عن ذکر طرطوس وأعمالها لأنها بید الروم» (ص 152). وقد اعتبر هدفه من تألیف الکتاب إثبات الفادة الشاملة لعلم الجغرافیا، و سعی لإبطال التعامل المجرد مع هذا العلم کویلة للعمل، أو إرشاد المسافرین، أو وسیلة لقضا الوقت، أو حتی قراءة القصص العجیبة لرواة القصص. ویمکن الادعاء أن تعریف الجغرافیا في هذا الکتاب قریب من تعریفها الیوم، و هي تشمل الجغرافیا الطبیعیة و الاقتصادیة و الاجتماعیة و علم الإنسان و المعتقدات.
وموضوع البحث في هذا الکتاب هو دراسات شاملة حول المناطق الإسلامیة من الربع المسکون، و بیان الحِرَف الاقتصادیة والتجاریة والأنشطة الدینیة للسکان الذین یقطنونها. وأسلوب المؤلف هو أسلوب میداني قائم علی أساس المشاهدة والبحث في کتب مکتبات الري ورامهرمز و شیراز و البصرة و غیرها. و قد حدد المؤلف خصائص المناطق من حیث النفوس و اللغة والاختلافات الجسمیة و العقائد الدینیة واختلاف وسائل الإنتاج والعملات و الأطعمة والري ولاسلع المصدرة والمستوردة والطرق الموحشة والأربطة والمنازل والمسافة بین المدن، وکذلک جیولوجیة المناطق المختلفة وفقر المناطق و غناها و طرائفها. وکما یقول المؤلف في بیان نهجه: «وسنتکلم في کل إقلیم بلسانهم» (ص 32)، ویؤکد في موضع آخر أنه اتبع ما علیه الناس (ص 114-115). ویبدو أن هذا هو السبب الذي جعله یکتب أرض أثور (الموصل القدیمة) بتلفظها المحلي و هو «أڤور» بـ «الفاء» المثلثة، ثم وصلتنا عن النساخ بعده بت «القاف» (ظ: منزوي، 190). ومن المصطلحات الشائعة في هذا الأثر کلمة «جند» بمعنی القریة التابعة لمدینة، ویبدو أنها کانت مصطلحاً محلیاً، وقد أخذت من السریانیة مثل «أجنادین»، کما کان المؤلف یبادر هو نفسه إلی وضع الأسماء کلما لم یجد اسماً مناسباً، فهو یسمي منطقة أرمینیة و أران وجورجیا و آذربایجان و قسماً من کرستان بإقلیم «الرحاب» (ص 273).
یولي المؤلف في کتابه أهمیة خاصة إلی لغات البلدان التي یتناولها حیث قال: «وکلام أهل هذه الأقالیم الثمانیة بالعجمیة إلا أن منها دریة و منها منغلقة وجمیعها تسمی الفارسیة واختلافها بیّن و انعجامها مشکل، و سنبین ذلک في موضعه» (ص 259). ویقول عن أهل کرمان: «ولسانهم مفهوم یقارب الخراساني» (ص 471). ویقول عن آذربایجان: «به سبعین لساناً» (ص 375)، ویقول عن أرمینیة و أران: «وبأرمینیة یتکلمون بالأرمینیة و بالران بالرانیة وفارسیتهم مفهومة تقارب الخراسانیة في حروف» (ص 378). وسواد البصرة عجم کلهم (ص 413). ولیس في أقالیم العجم أفصح من لسان الخوزستانیین، وکثیراً ما یمزجون فارسیتهم بالعربیة (ص 418)، وغلب علی صُحار (جنوب عمان و شرق الیمن) الفرس (ص 92) وکلامهم في الأسواق بالفارسیة. و أکثر أهل عدن و جدة فرس، إلا أن لغتهم هي العربیة (ص 96). ویتحدث المؤلف أیضاً عن احتفالات النیروز عند أهالي عدن ودقهم للطبول (ص 100). کما یدور الحدیث في أحسن التقاسیم عن الأماکن الثقافیة في کل مدینة، وتم التعریف بمکتبة عضد الدولة وفهارسها في فارس ومکتبات الري والبصرة ورامهرمز (ص 413). وفي الحقیقة فإن هذه المواضیع تعین الباحث علی دراسة کیفیة اضمحلال کل منطقة ثقافیاً، وتنعکس بین سطورها بوضوح صمود الناس لحفظ ثقافتهم، حیث یقول عن قاضي القضاة – علماً إن القضاة أقرب للحکام العرب من الطبقات الأخری – في بغداد: «إذا حضرت مجلس قاضي القضاة ببغداد أخجل من کثرة ما یلحن» (ص 183).
ألف أحسن التقاسیم باللغة العربیة الفصحی، کما کان المؤلف یجید الفارسیة أیضاً، وقد استعمل العبارات الفارسیة بشکل صحیح (ظ: ص 432). کما ضمّن الجمل العربیة الکلمات الفارسیة: «ولاتری مثل آفروشتهم... و دوشابهم» (ص 370).
ونشهد النزعة العقلیة والحکمیة في جمیع أرجاء هذا الکتاب، رغم أنها لاتصل إلی حد الحیاد. فقصة ابن مرة التي جاءت في هذا الکتاب توحي بقصة برزویه الطبیب في کلیلة ودمنة لابن المقفع (لمزید من التفصیل، ظ: ص 365-366). ویعتبر المؤلف مجالسة الفقهاء والصوفیة بل و حتی التعلم من رواة القصص واجبه ومسؤولیته في البحث. وهو یتجنب التعبد والتعصب واسب و الکذب (ص 2-3). کما یدل میله إلی أبي حنیفة و الکرامیة والشیعة والمتصوفة علی سعة صدره، وروحه الباحثة عن الحقائق الفلسفیة و لادینیة لاختیار الأفصل، وقد ساعده ذلک علی الاستنتاجات العرفانیة من الإسلام. و کما یتضح من قصته في مسجد واسط، فقد کان من الدعاة و المؤیدین الصادقین للإسلام (ص 126).
ویعتبر أحسن التقاسیم بمثابة مرآة تنعکس فیها بوضوح أوضاع الجغرافیا الطبیعیة والسیاسیة والاقتصادیة والعقائدیة في الأقطار الإسلامیة. وقد جاءت في هذا الکتاب إشارات عن تاریخ الأسر الحاکمة: العباسیین (ص 131-132) و البویهیین (ص 132-133) والسامانیین (ص 337).
کما تناول المؤلف التعصبات الدینیة و مدی انتشار المذاهب الفقهیة. وعلی سبیل المثال یقول عن نفوذ الشیعة والمذاهب الأخری: «أکثر عمان شیعة، ولاماء فیه لمعتزلي، إنماهم في خفیة، وببیت المقدس خلق من الکرامیة لهم خوانق و مجالس» (ص 179). وقد کان ذلک بسبب ضغوط السلفیین السطحیین لالتعسف الإسماعیلیین، إذ کان للمعتزلة والمذاهب الأخری و حتی الحنابلة شهرة وانتشار في سائر أنحاء مصر في العهد الفاطمي (ص 202). ویذکر المؤلف الذي کان یتردد بین حدود الحاضرتین القدیرتین بغداد و القاهرة، النزعة الثقافیة و العقلیة للشعوب في عداد الخصائص الجغرافیة للمنطقة ویقایسها مع بعضها، حتی یقول عن أهل سوریة: ولیسوا کالأعاجم في العلم والدین والنهی، بعض ارتد وبعض للجزیة أسلم (ص 152)، وقد وردت الإشارة في هذا الکتاب أیضاً إلی العادات المذمومة التي جرت في بعض المناطق خلافاً للدین الإسلامي، و منها تربیة اکلاب في مصر (ص 202) و أکل لحم الکلب وشراؤه و بیعه علناً (ص 40).
اکتشف شپرنجر أحسن التقاسیم لأول مرة، ونقلت مخطوطته إلی أوروبا. و هو یعتبر هذا الکتاب أهم الکتب الجغرافیة في العلام، و أما کرامرس فقد اعتبره من خلال نظرة أکثر احتیاطاً أکثر الکتب الجغرافیة العربیة أصالة (ظ: کراتشکوفسکي، 1/ 208).
صنف المؤرخون کتا بأحسن التقاسیم استناداً إلی الحلقات التکاملیة للجغرافیة الإسلامیة بعد الإصطخري و ابن حوقل، باعتباره الحلقة الثالثة من مدرسة أبي زید البلخي (ظ: م.ن، 1/ 206-211). وتتضمن المخطوطات الأولی من أحسن التقاسیم بعض الخرائط کما هو الحال بالنسبة إلی کتابي الإصطخري وابن حوقل، وقد نشر المستشرق میلر تلک الخرائط في کتاب «الخرائط العربیة» في شتوتغارت سنة 1926-1931م.
وعلی حد قول کراتشکوفسکي، فقد أعد المقدسي أحسن التقاسیم في البدء في نسختین، إحداهما هي نفسها التي أکمل تألیفها في 375هـ، والثانیة هي النسخة التي أتمها في 378هـ، وهي نفسها التي استند إلیها یاقوت الحموي. وقد أهدی المؤلف النسخة الأولی إلی السامانیین والتثانیة إلی الفاطمیین (1/ 209-210).
وتقوم جمیع معلومات ناشري هذا الکتاب علی أساس المخطوطتین المحفوظتین في برلین و إستانبول، وقد کتبت المخطوطات الأکثر حداثة علی أساسهما. ویبدو أن مخطوطة إستانبول أقدم من مخطوطة برلین التي أهدیت إلی رجل یدعی أبا الحسن علي بن الحسن (المقدسي، 8)، وأشید فیها بالسامانیین أکثر. ولایلاحظ مثل هذا الإهداء في نسخة إستانبول. کتبت هذه المخطوطة بخط النسخ بقلم الحسن بن أحمد بن محمود بن کمال في رجب 658 هـ في 232 ورقة مؤلفة من 15 سطراً، ویتم الاحتفاظ بمکروفلمها في المکتبة المرکزیة لجامعة طهران (المرکزیة، 1/ 285). وقد ذکر هذا الکتاب في هذه النسخة باسم المسافات والولایات و هو عنوان عام للکتب الجغرافیة في ذلک العصر. یقول بازورث نقلاً عن مجیر الدین العلیمي (860-927هـ) في الأنس الجلیل بتاریخ القدس والخلیل إنه ذکر کتاب المقدسي باسم البدیع في تفصیل مملکة الإسلام (ظ: إیرانیکا)، ولکن الموضوع المعني لم یتم العثور علیه في النسخة الناقصة من طبعة هذا الأثر (عمان، 1973م). نشر دي خویه لأول مرة هذا الکتاب في 1877م مع تعلیقات و مقدمة قصیرة في «مجموعة الجغرافیا العربیة». وقد نشر أحسن التقاسیم من جدید بعد مراجعة مارکوارت و مقابلته مع مخطوطة إستانبول في 1906م في لیدن. ترجم أحسن التقاسیم لأول مرة إلی الإنجلیزیة علی ید شخصین یدعیان رَنکینْغ و آزو ونشر في کلکتا (1897-1901م). کما ترجم کرمر (1877م) ونلینو (1895م) وکراتشکوفسکي (1937م) أقساماً من هذا الکتاب (ظ: کراتشکوفسکي، 1/ 211-212).
کراتشکوفسکي، آ. ي.، تاریخ الأدب الجغرافي العربي، تجـ: صلاحالدین عثمان هاشم، القاهرة، 1963م؛ المرکزیة، المخطوطات؛ المقدسي، محمد، أحسن التقاسیم، تقـ: دي دخویه، لیدن، 1906م؛ منزوي، علي نقي، تعالیق علی أحسن التقاسیم، طهران، 1361ش؛ وأیضاً:
Iranica; Miquel, André, La Géographie humaine du monde musulman jusqu’au milieu du lle siècle, Paris, 1973.
علي نقي منزوي/ خ.
عزيزي المستخدم ، يرجى التسجيل لنشر التعليقات.
مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع
هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر
تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول
استبدال الرمز
الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:
هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول
الضغط علی زر التسجیل یفسر بأنک تقبل جمیع الضوابط و القوانین المختصة بموقع الویب
enterverifycode