اَلْأَحْبار، اسم یطلق علی فریق من علماء الدین الیهود، وقد اکتسب في الثقافة الإسلامیة معنی أوسع، وأطلق علی علماءالدین من أهل الکتاب، بل حتی علی فقهاء الإسلام، وعلی کل عالم و صالح بشکل اعم.

والأحبار في اللغة العربیة جمع حبر (بکسر الحاء و فتحها)، وقیل إن الحِبر (بالکسر) أفصح، لأنه یجمع علی أحبار (علی وزن أفعال)؛ و مع ذلک فقد رأی البعض خلاف ذلک، و رأوا أن الحَبر (بالفتح) هو الأصح (ظ: ابن منظور، مادة حبر).

ذکرت کلمة الأحبار 4 مرات في القرآن الکریم (المائدة/ 5/ 44، 63؛ التوبة/ 9/ 31، 34)، واقترنت في الموضعین الأولین مع کلمة «الرّبانیون» و في الموضعین الأخیرین مع «الرُهبان». وقد ذُکر کلا الفریقین في سورة المائدة مشفوعین بالثناء؛ فهم حفظة الوحي الإلهي والتوراة، وهداة الناس إلی الحلال والحرام، ولکننا نطالع في آیات سورة التوبة رؤیة مختلفة، ففي هذه الآیات و بعد ذکر بعض معتقدات الیهود والنصاری حول إسناد بنّوةعُزیر النبي و عیسی المسیح (ع) إلی الله و ذم هذه المعتقدات، فقد أدین بشدة اتخاذ «الأحبار و الرهبان» أرباباً من دون الله (التوبة/ 9/ 30 ومابعدها). کما ذَکرت آیة أخری دن الکثیر من الأحبار والرهبان یأکلون أموال الناس بالباطل و یکنزون الذهب والفضة (التوبة/ 9/ 34). ویقول الجبائي المتکلم المعتزلي في تفسیر الآیة الأخیرة إن ماجاء في سورة التوبة یرتبط بالأموال التي کان الأحبار یمتلکونها من الجهات التي یحرم منها أخذها (ظ: الشیخ الطوسي، 5/ 210).

کانت کلمة «الحبر» و«الأحبار» معروفة و مستعملة لدی العرب، فقد استخدمها شعراء العصر الجاهلي (ظ: جفري، 50)، وبقیت مستعملة بعد انتشار الإسلام، کما ذُکر الأحبار في کتب الحدیث في مواضع عدیدة، حیث کانوا یرجعون إلی النبي (ص)، أو الأئمة (ع) لطرح الأسئلة علیهم.

واقترنت کلمة الأحبار مع اسم محدث معروف هو کعب الأحبار (ن.ع). وذکر ابن هشام أن اسمه کعب بن الأشرف، وذکره بلقب «سید الأحبار» (3/ 209، 210).

وعلی الرغم من شهرة هذا الفریق من الیهود بین المسلمین، إلا أن علماء الإسلام لم یکونوا یعرفون معنی «الأحبار» بشکل صحیح علی مایبدو، فقد کان معظمهم یقارنونهم مع الربانیین استناداً إلی القرآن الکریم، والضحاک هو الوحید الذي فرق بین علماء الأحبار و الرهبان الدینیین (السیوطي، 4/ 176). وذکر الطبري فهرساً لتفاسیر العلماء المسلمین في مضمون هذه الکلمة: فالربانیون هم علماء و حکماء بصیرون في سیاسة الناس وتدبیر أمور المجتمع و مجتهدون في رعایة مصالحهم، والأحبار هم العلماء الراسخون في علمهم، کما قیل: الربانیون قرّاء الیهود، والأحبار فقهاؤهم، أو الربانیون فقهاء الیهود، والأحبار علماؤهم، أو الربانیون هم العلماء الفقهاء، وفوق الأحبار (6/ 161، 162؛ في هذین المضمارین، أیضاً ظ: السیوطي، 3/ 86).

وعرّف الحسن البصري الأحبار بأنهم العالمون بالتوراة (ظ: الشیخ الطوسي، 3/ 579)، ورأی مجاهد (ظ: السیوطي، ن.ص) والعیاشي (1/ 323) أیضاً أن منزلتهم أدنی من الربانیین، کما قیل إن الربانیین والأحبار یحکمون بالحق، أو إن الربانیین هم الولاة والأحبارهم العلماء (الطبري، ن.ص). ویضیف السیوطي أن الربانیین هم المؤمنون، والأحبار هم القراء (ن.ص).واستناداً إلی الرأي الذي نقله المیبدي فإن الربّي أعم من الحبر، ولیس کل حبر ربیاً (3/ 129). ومن جهة أخری فقد أبدی الطبرسي في أحد المواضع رأیاً خاصً وقال إن الدحبارهم علماء أهل التوراة، والربانیون هم علماء أهل الإنجیل (2/ 218)؛ فیما یعرف في موضع آخر – نقلاًعن الزجاج- الأحبار بأنهم العلماء المصطفون (2/ 198). ورأی الراغب أن الحِبر هو الأثر المستحسن، والحَبر هو العالم و جمعه أحبار، وذلک لبقاء الأثر الحسن من العلوم والأعمال في قلوب الناس (ص 104). وباختصار فإن المفسرین وعلماء اللغة العربیة ذکروا معان عدیدة لـ «الحبر» - بأصله العربي – لایتلاءم أي منها مع الحبر – بأصله العبري – بمعنی عالم الدین.

ورأی البعض أن الحبر هو العالم سواء کان ذمیاً، أو مسلماً کان قبل إسلامه من أهل الکتاب (ظ: الأزهري، 5/ 33، 34).

وجاء في حدیث نقلته عائشة عن النبي (ص): من أخذ السبع الأول من القرآن فهو «حبر» (أحمد بن حنبل، 6/ 82). وجاء في حدیث آخر أن النبي (ص) وصف نفسه و علیاً (ع) بـ «نحن نوامیس العصر وأحبار الدهر» (المجلسي، 25/ 23).

وکانت کلمة الأحبار تطلق أیضاً علی العلماء النصاری، فقد جاء في حدیث أن اثنین من «الأحبار» النصاری قدموا إلی الرسول 0ص) لطرح مسألة علیه (م.ن، 21/ 341)، وجاء في حدیث آخر أن طائفة من أحبار الیهود و النصاری وقدوا علی النبي (ص) (م.ن، 9/ 70). ولأن الحبر کان یطلق أیضاً علی العلماء غیرالیهود، فربما وُصف ابن عباس بـ «حبر هذه الأمة» (ظ: الذهبي، 3/ 331، 339). ولکن هذه الکلمة کانت في أغلب الحالات تختص بالعلماء الیهود عموماً، وقد ذکرت أحیاناً بهدف الاستخفاف بهم، فقد جاء في حدیث أن أبلیس ظهر ذات مرة بهیئة حبر من أحبار الیهود (المجلسي، 21/ 9).

واستناداً إلی قول غایغر،فإن الحبر مشتقة من کلمة حَوِر العبریة و تعني المعلم (ظ: جفري، ن.ص)، و في اللغة «العضو»، وکانت تطلق علی من یتولی مسؤولیات خاصة في آداب و طقوس تقدیم القرابین و أداء النذور، و یحرص کل الحرص علی رعایة قواعد الطهارة و العشریة و أاء الواجبات الدینیة فو یتجنب من لم یراع مبادئ الطهارة و النجاسة (جودائیکا، VII/ 1489, XIV/ 642).

وکان علی من یرید الانضمام إلی صف هؤلاء المتدینین أن یجتاز دورة معینة و ینجح في الاختبارات النظریة والعملیة الخاصة (ن.م، VII/ 1440). وقد کانوا یکرسون أنفسهم لدراسة التوراة، و یؤدون مسؤولیاتهم في المعابد و المؤسسات التعلیمیة و التشریعیة الدینیة (ن.م، XIV/ 638)، ولذلک یجب اعتبارهم من الحسیدیین (ن.ص)، حیث کانوا یمثلون المؤمنین الیهود ذوي العقیدة الصحیحة والخطی الثابتة. وکان هذا المصطلح یستعمل أحیاناً کلقب یطلق بشکل عام علی الأستاذ، أو الأستاذ الکبیر (ن.م، VII/ 1491-1492).

المصادر

ابن منظور، لسان؛ ابن هشام، عبدالملک، السیرة النبویة، بیروت، دار إحیاء التراث العربي؛ أحمد بن حنبل، مسند، القاهرة، 1313هـ؛ الأزهري، محمد، تهذیب اللغة، تقـ: عبدالله درویش، القاهرة، الدار المصریة للتألیف والترجمة؛ الذهبي، محمد، سیر أعلام النبلاء، تقـ: شعیب الأرنؤوط، بیروت، 1406هـ/ 986م؛ الراغب الأصفهاني، الحسین، معجم مفردات ألفاظ القرآن، بیروت، 1932م؛ السیوطي، الدر المنثور، بیروت، 1403هـ/ 1983م؛ الشیخ الطوسي، محمد، التبیان، تقـ: أحمد حبیب قصیر العاملي، بیروت، دارإحیاء التراث العربي؛ الطبرسي، الفضل، مجمع البیان، قم، 1403هـ؛ الطبري، تفسیر؛ العیاشي،محمد، التفسیر، تقـ: هاشم الرسولي المحلاتي، طهران، 1380هـ؛ القرآن الکریم؛ المجلسي، محمدباقر، بحارالأنوار، بیروت، 1403هـ/ 1983م؛ المیبدي، أحمد، کشف الأسرار، طهران، 1361هـ؛ وأیضاً:

Jefferry, A., The Foreign Vocabulary of the Qurʾān, Baroda, 1938; Judaica.

فرامز حاج منوچهري – مسعود جلالي مقدم/ خ.