الصفحة الرئیسیة / المقالات / دائرة المعارف الإسلامیة الکبری / الفقه و علوم القرآن و الحدیث / الإجماع /

فهرس الموضوعات

الإجماع

الإجماع

تاریخ آخر التحدیث : 1443/2/9 ۱۶:۰۲:۳۸ تاریخ تألیف المقالة

اَلْإجماع، مصطلح أولي یطلق علی نوع من اتفاق الآراء، ویعد الدلیل الثالث من أدله الفقه، ویأتي بعد الکتبا و السنة.

 

القسم الأول – عمومیات

رغم اختلاف تعرایف الإجماع عن بعضها، إلا أن الإجماع في أکثر التعاریف هو اتفاق آراء علماء کل عصر في أمر دیني (مثلاً ظ: الخوارزمي، 8؛ الجرجاني، 5). ورأی بعض الأصولیین المتأخرین في تعبیر عام للغایة و مهم في نفس الوقت تحاشیاً لکل موضع من مواضع الاختلاف، أن الإجماع هو: اتفاق خاص في الرأي علی أمر من الأمور الدینیة (ظ: صاحب المعالم، 199).

ویعد وجود الاختلاف في الآراء علی نطاق واسع في کیفیة الالتزام بالإجماع کدلیل فقهي، وکذلک تحاشي أتباع المذاهب الفقهیة لمخالفة حجیة الإجماع مخالفة صریحة،من أهم عوامل إصرار جمیع الاتجاهات المتنازعة علی حجیة الإجماع، فاتسعت حجیته من الناحیة العملیة من خلال تقدیم تعریفات مختلفة له، علی أن نطاقه ضاق في بعض الأحیان أکثر من اللازم. ول ذلک فإن الإجماع و خلافاً لدلیلي الکتاب والسنة، لیس أمراً معرَّفاً مسبقاً کي یکون الکلام فیه مقتصراً علی تمییز مواضعه القطعیة عن مواضعه الظنیة، وتعادیلها و تراجیحها، بل إن تعریف الإجماع و ماهیته هما جزءان لایتجزآن من نطاق حجیته. و حتی إذا اعتبرنا التعریف الإجمالي للإجماع بأنه «اتفاق خاص في الآراء...»، یلاحظ أیضاً اختلاف واضح بین ماهیة الدلیلین الأولین والإجماع؛ لأن الإجماع و خلافاً للکتاب و سنة النبي (ص)، لیس دلیلاً صادراً عن مصدر محدد کي یبحث الفقیه طریق الحصول علیه فقط، بل إن الإجماع هو تعامل إحصائي مع آراء فقهاء لاحصر لهم، أبدوا في عصر من العصور رأیاً في موضوع معین، أو قرروا حکماً. و مع الأخذ بنظ الاعتبار هذه الماهیة المتمیزة للإجماع، یمکن أن نتصور اطریق المليء بالمنعطفات الذي اجتازته حجیة الإجماع منذ بدایة فترة طرحها و حتی عصر تدوین الضوابط في کتب أصول الفقه. ویمکن القول بجرأة إن نظریة حجیة الإجماع، و تعریف الإجماع باعتباره دلیلاً فقهیاً، بل و حتی تسمیة هذا الدلیل الفقهي بکلمة «الإجماع»، کل ذلک هو حصیلة مجموعة من التیارات التاریخیة في القرون الإسلامیة الأولی.

 

لفظة الإجماع

کلمة الإجماع مشتقة من مادة «ج م ع»، وقد استخدمت بصیغ مختلفة في الآیات القرآنیة والاحادیث النبویة، وکذلک في نماذج قدیمة من الشعر العربي و نثره بمعنی «العزم» و «التصمیم»، ویمکن معادلة مصدر الإجماع مع مصدر «الإزماع» و هما یدلان علی أشکال مختلفة لکلمة مفترضة من ناحیة الاشتقاق الکبیر من خلال نقل الحرفین «ج» و «ز»، ولهما من ناحیة المعنی مضمون معادل (في المفهوم المذکور علی الأقل). وقد لفتت هذه العلاقة بین الإجماع والإزماع انتباه بعض اللغویین العرب القدامی، مثل الفراء (ظ: ابن منظور، مادةزمع). وتدل دراسة النماذج القدیمة و البحث فیها علی استخدام اللغویین القدامی وأقوالهم مثل الکسائي والفراء، علی أن المفهوم الغالب و المتبادر إلی الذهن من لفظة «الإجماع» في اللغة العربیة للقرن الهجري الأول هو مفهوم العزم واتصمیم (عن کلام اللغویین، ظ: الأزهري، 1/ 396؛ النووي، 2(1)/ 55؛ ابن منظور، مادة جمع). ولأن العلاقة المنظقیة بین مفهوم المصدر الثلاثي المجرد لـ «الجمع»، والمصدر الثلاثي المزید «الإجماع» (العزم)، والتطور المفهومي الحاصل في مسیرة هذه الصیغ، لیس واضحاً تماماً، فإن بعض علماء اللغة في الأعصار المختلفة، سعی من أجل أن یقرب هذا التطور المفهومي من الذهن من خلال طرح بعض التأویلات؛ وقد ترکز الحدیث في هذه المساعي علی أن التصمیم علی شيء لیس إلا «جمع الفکر علی رأي» (مثلاً ظ: الأزهري، 1/ 397، نقلاً عن أبي الهیثم؛ الراغب، 95). في حین أن نماذج مختلفة لاستعمال الإجماع تلاحظ علی نطاق محدود في القرن الأول و خاصة الأشکال المختلفة لاستخدام لفظة الإجماع مع المفعول به مثل «الأمر» و «الکید» و «الرأي» تؤید التأویلات المطروحة (مثلاً ظ: یونس/ 10/ 71؛ یوسف/ 12/ 102؛ طه/ 20/ 64؛ أیضاً ظ: ابن درید، 3/ 440؛ الجوهري، 3/ 1199؛ ابن منظور، ن.ص).

ومما یجدر ذکره أن ما طرح في الآثار اللغویة للقرون الإسلامیة الوسطی باعتباره المعنی الثاني للإجماع، واعتبار هذه الکلمة بمعنی «الاتفاق» (ظ: الفیومي، مادة جمع؛ الجرجاني، 5؛ القاموس، مادة جمع)، هو معنی نمولَّد» و مأخوذ من استخدامات المتشرعة.

وتشیر الدراسات التاریخیة إلی أن کلمة «الإجماع» حلت تدریجیاً في القرن 2هـ/ 8م محل کلمة «الاجتماع» في الاستعمالات الدینیة، في حین یلاحظ في النماذج الموجودة منذ أواخر القرن 1 هـ مثل روایة المسیب بن رافع و میمون بن مهران (ظ: السطور التلایة) کیف أن «الاجتماع» و «الإجماع» لم یطرحا في اتفاق الآراء الدینیة کمفهومین متعادلین، بل یستعمل أحدهما في عرض الآخر، وذُکر التجمع (الاجتماع) بهدف اتخاذ قرار فقهي (الإجماع).

 

الْأسس الْنظریة لحجیة الإجماع

بذل الأصولیون دوماً جهوداً متواصلة باتجاه إثبات حجیة الإجماع، من أجل العثور علی دلیل من الأدلة الثلاثة و هي الکتاب، والسنة، والعقل. وقدکانت الایة 115 من سورة النساء، الایة الأولی التي تمسکوا بها، و التي اعتبر فیها اتباع سبیل المؤمنین أمراً لایمکن التخلف عنه. و بالإضافة إلی ذلک فقد استشهدوا بآیتین أخریین (البقرة/ 2/ 143؛ آل عمران/ 3/ 110) أثنی الله فیها علی «أمة النبي (ص)»، وذلک کمؤید لحجیة إجماع الأمة. وعلی أي حال، فإن دلالة أي من الآیات المذکورة علی إثبات حجیة الإجماع لیست صریحة، وقد انتقدت طائفة من أصحاب الآراء التمسک بها (مثلاً ظ: الشیخ الطوسي، عدة...، 1/ 234 وما بعدها؛ ابن شهرآشوب، 2/ 156؛ الطوفي، 100 ومابعدها). کما طرحت آیات آخری من القرآن في هذا المجال کمستند و شاهد، إلا أن دلالتها علی حجیة الإجماع أضعف بکثیر من الآیات المذکورة (مثلاً ظ: العلامة الحلي، 192).

وأما فیما یتعلق بالاستدلال بالسنة، فیجب القول: إن الاحادیث المستند إلیها في إثبات حجیة الإجماع علی قسمین: القسم الأول، الاحادیث التي تتحدث عن «عدم اجتماع الأمة علی الضلال»، والتي تکون دلالتها أکثر صراحة بالنسبة إلی أحادیث القسم الثاني. وقد نقلت هذه الاحادیث بنصوص مختلفة بروایة عدد من الصحابة مثل ابن عباس وابن عمر و أنس بن مالک و أبي مسعود الأنصاري (ظ: أبوداود، سنن، 4/ 98؛ الترمذي، 4/ 466؛ ابن ماجة، 2/ 1303؛ الحاکم، 1/ 115-117؛ ابن حجر، 3/ 104). وأما القسم الثاني، فیمثل أحادیث عدیدة مدلولها وجوب اتباع «الجماعة»، وتدل بشکل مباشر علی حجیة الإجماع – بمفهومها الأصولي – ویلاحظا لتمسک بهذه الطائفة من الروایات حتی في الرسالة للشافعي (ص 403).، ویبدو أن له ماض بعید (أیضاً ظ: الحاکم، 1/ 113-120).

ومن جملة الأدلة العقلیة المقامة علی حجیة الإجماع أنه عندما یبذل عدد کبیر من ذوي العقل و العلم کل مافي و سعهم في الاجتهاد، و یبحثون عن حکم، ویتفقون علی رأي واحد، فإن اتفاقهم سیکون عادة بعیداً عن الخطأ (ظ: الطوفي، 106؛ أیضاً البزدوي، 3/ 260؛ علاءالدین البخاري، 3/ 260؛ الآمدي، 1/ 173). وأما الاستدلال الآخر الذي یلاحظ في الرسالة للشافعي (ص 472)، فهو أن سنّة رسول الله (ص) إن خفیت علی بعض العلماء، فسوف لاتخفی عن عامتهم، ولذلک یفترض أن عامتهم سوف لایجتمعون علی مایخالف سنته (ص)، وعلی الخطأ.

 

الْمجمعون

یتمثل أهم اختلاف موجود بشأن تعریف الإجماع في اختلاف أصحاب الآراء في هویة المجمعین. وتمثل بعض الأقوال الغریبة مثل النظر بعین الإجماع إلی اتفاق أهل الحرمین (مکة والمدینة)، واتفاق أهل الکوفة، واتفاق أهل المصرین (الکوفة والبصرة)، واتفاق الشیخین، أو اتفاق الخلفاء الأربعة، آراء متفرقة طرحت دوماً في کتب أصول الفقه باعتبارها حکآیات غریبة، والحالة الوحیدة التي کان الأصولیون یرون وجوب دراستها منذ عصر الشافعي وحتی العصور التالیة، هي نظریة حجیة إجماع أهل المدینة المنقولة عن مالک بن أنس (مثلاً ظ: الشافعي، ن.م، 533-535).

وبالإضافة إلی الاستثناءات المذکورة، تجب الإشارة إلی بعض الإجماعات المحدودة أیضاً والتي کانت معتبرة لدی بعض المذاهب الکلامیة – الفقهیة. ویعتبر إجماع طائفة الإمامیة لدی أتباع هذا المذاهب، وإجماع «أهل البیت» عند الزیدیة و بعض المعتزلة، والإجماعات الفرقیة المشابهة عند طوائف من المحکَمة، أهم نماذج هذه الإجماعات الفرقیة المشابهة عند طوائف من المحکَمة، أهم نماذج هذه الإجماعات (للتوضیح، ظ: الأقسام التالیة من هذه المقالة).

ویتبادر إلی الذهن السؤال الالي عند بحث مفهوم الاتفاق في الإجماع و هو: هل الإجماع هو اتفاق آراء جمیع الدمة، أو مجتهدیها علی رأي دیني، أم هو اتفاق آراء غالبیتهم؟ في حین أن بعض الفرق الإسلامیة مثل الإمامیة أکدت علی وجوب اتفاق جمیع الأمة لحصول الإجماع فیما یتعلق بوجهات النظر المطروحة من قبلها، وقد علقت حجیة الإجماع علی حصول الاتفاق بین جمیع الفرق الإسلامیة و علی الأقل بین أهل السنة و الإمامیة. ولم یکن یلاحظ أحیاناً مثل هذا الوجوب لدی الأغلبیة التي کانت تسمي نفسها «أهل السنة و الجماعة». وفي الحقیقة فإن الکثیر من الحالات المطروحة باعتبارها إجماعاً لدیهم، هي من اتفاق أهل السنة فقط، ولم یإخذ فیها بنظر الاعتبار اتفاق الإمامیة، و البعض الآخر من الفرق الإسلامیة.

وقد استند الشافعي في الرسالة (ص 402-403) في إثبات حجیة الإجماع إلی أمر النبي (ص) بـ «لزوم جماعة المسلمین». کما جاء التأکید في العدید من نصوص الاحادیث المشتملة علی «عدم اجتماع الأمة علی الضلال»، علی اتباع «الجماعة»، أو «السواد الأعظم» (ظ: الترمذي، 4/ 466؛ الحاکم، 1/ 115-116؛ ابن ماجة، 2/ 1303؛ ابن حجر، 4/ 266، عن مسند ابن راهویه). و من البدیهي أن طرح مسألة الإجماع في إطار اعتبار إجماع أهل السنة والجماعة، و عدم اعتبار آراء المذاهب الأخری في انعقاد الإجماع، کان یثیر معارضة أتباع الفرق المذکورة، ویدفعهم إلی أن ینقدوا التعریف المقدم عن «الجماعة» من قبل «أهل السنة و الجماعة». و في هذا الصدد، جاء في رایت عدیدة عن الإمامیة أن «الجماعة» هي «أهل الحق»، حتی و إن کان أهل الحق أقلیة من ناحیة العدد (ظ: البرقي، 220؛ ابن بابویه، معاني ...، 154-155؛ الدوریستي، 458-459). وتلاحظ بین المحکّمة حرکات مشابهة أیضاً؛ بحیث إن أبابکر البردعي (تـبعد 340هـ) أحد فقهائهم و متکلمیهم البارزین سعی في کتاب بعنوان السنة و الجماعة (ابن الندیم، 295) لتقدیم أتباع مذهبه کأهل السنة و الجماعة الحقیقیة.

 

الإجماع الکشفي

یختلف علماء الإمامیة اختلافاً أساسیاً عن المذاهب الإسلامیة الأخری من ناحیة أساس حجیة الإجماع في نفس الوقت الذي یعملون به. فقد أنکر الإمامیة حجیة الإجماع في نفسها، ولم یروها معتبرة إلا إذا کان الإمام المعصوم في عداد المجمعین؛ بمعنی أنه کلما اتفقت الأمة، أو طائفة الإمامیة علی أمر، فإن الإمام المعصوم سوف یکون حاضراً في عداد المجمعین من حیث إنه أشرف مصادیق علماء الأمة و طائفة الإمامیة أیضاً (للتوضیح، ظ: تتمة هذه المقالة). وقد أطلق علی هذا النوع من الإجماع الذي تعتمد حجیته في الحقیقة علی کشفه عن قول المعصوم، مصطلح «الإجماع الکشفي».

 

أنواع الإجماع

للإجماع من حیث کیفیة تحققه و الحصول علیه أنواع، من أهمها:

 

الإجماع المرکب

عندما یبدي مجتهد و عصر ما رأیین، أو عدة آراء مختلفة حول أمر، لایتحقق الإجماع العادي، أو مایصطلح علیه بـ «الإجماع البسیط»، ولکنهم إن اتفقوا بشکل ضمني علی نفي قول ثالث (أو رابع، أو...)، فسیکون هذا الاتفاق السلبي «إجماعاً مرکباً». ولایتفق جمیع القائلین بحجیة الإجماع علی حجیة الإجماع المرکب، ولذلک فقد اختلف الأصولیون في جواز، أو عدم جواز «إحداث قول ثالث» (أي القول الخارج عن المتفقین علی الإجماع المرکب). وفیما عدا المصطلح المذکور، قد یطلق «الإجماع المرکب» علی الإجماع الذي یحصل فیه الاتفاق علی الحکم، ویختلف المجمعون مع بعضهم في مستند الحکم فحسب (للتوضیح و طرح المثال، ظ: الجرجاني، 5).

الإجماع المحصّل والمنقول: «الإجماع المحصل» هو الإجماع الذي یحصّله الفقیه نفسه عن طریق استقراء آراء المجمعین في أقوالهم و فتاواهم و کتاباتهم، و بذلک یضمن اتفاقهم علی أمر من أمورالدین. أما إذا اطلع شخص علی تحقق إجماع معین، ولکن لیس باستقرائه، بل نقلاً عن مستقرئ آخر، فیسمی بـ «الإجماع المنقول»؛ و علی أي حال، فإن کل إجماع منقول یعود إلی إجماع محصّل.

و في الإجماع المنقول، تکون صحة طریق النقل موضع نقاش کأي نقل آخر. واستناداً إلی أحد التقسیمات النظریة، فإن طریق نقل الإجماع من الممکن أن یکون متواتراً،أو خبر آحاد، و في حالة أحادیة الإجماع، تطرح أیضاً جمیع المباحث المرتبطة بحجیة الخبر الواحد ونقده بشأن مثل هذا الإجماع المنقول (مثلاً ظ: البزدوي، 3/ 264-265؛ الأرموي، 2/ 65؛ الآمدي، 1/ 238).

 

القسم الثاني – تاریخ ظهور دلیل الإجماع

 

ألف- خلفیة الإجماع في القرنین الأولین

من الصعوبة بمکان، الدراسة التاریخیة لخلفیة الإجماع حتی نهایة القرن 2هـ، نظراً إلی قلة المصادر و الغموض الذي یلف المصادر المتبقیة. و من خلال نظرة مجردة عن التقاریر التاریخیة، یمکننا أن ندرک أن طرح «حجیة الإجماع» یعنی إضفاء الأصالة علی «اتفاق الآراء» و محاربة تفرق الآراء الدینیة، لم یکن أمراً مستبعداً، فقد کان في الحقیقة رد فعل طبیعي لأغلبیة المسلمین إزاء انفراد الأقلیات بالآراء و مظاهر تطرفها. و لعل هذا التأصیل للاتفاق، واتباع طریق الأغلبیة کان في البدء وبمقتضی نوع الاختلاف، یکتسب أهمیته، لاسیما فیما یتعلق بالقضایا السیاسیة لمجتمع المسلمین مثل طرد المحکّمة، وقد کانت هذه النزعة إلی الاتفاق، و محاربة الشذوذ تلاحظ في أدق المباحث الفقهیة منذ أواسط القرن 1 هـ/ 7م علی الأقل.

وکأول شاهد، تجب الإشارة إلی روایة مشهورة، تدل علی محاربة عائشة (تـ 58هـ/ 678م) زوجة النبي (ص) للشذوذ في مسألة جزئیة تتعلق بفقه الطهارة؛ ویشیر المضمون العام لهذه الروایة إلی أن عائشة أیدت صحة السنة الغالبة بین النساء المسلمات في عصرها (وهو عدم قضاء صلوات أیام الحیض)، و هاجمت الرأي المخالف الذي أبدته الحروریة (المحکّمة الأولی) (ظ: أحمد بن حنبل، 6/ 32،مخـ؛ الدارمي، عبدالله، 1/ 233-234؛ البخاري، 1/ 144؛ مسلم، 1/ 265).

ومن أقدم الأمثلة التي وصلتنا عن طرح حجیة الإجماع کرأي، روایة قصیرة علی لسان المسیب بن رافع الأسدي أحد الفقهاء التابعین في الکوفة (تـ 105هـ؛ عن ترجمته، ظ: ابن سعد، 6/ 205)، حیث ذکر فیما یتعلق بالأسس التي کان یستند إلیها السلف في الحکم: «کانوا إذا نزلت بهم قضیة لیس فیها من رسول الله (ص) أثر اجتمعوا لها و أجمعوا فالحق فیما رأوا» (الدارمي، عبدالله، 1/ 48-49). وتکمن في عبارة المسیب بن رافع هذه ملاحظتان مهمتان للغایة من حیث تاریخ الإجماع: الأولی أن المسیب تحدث عن اجتماع (علماءالدین) بقصد حل المسألة، خلافاً للرؤیة الشائعة عن الإجماع في آثار القرون اللاحقة؛ والأخری أن استعمال کلمة الإجماع في هذه الروایة یمثل حلقة بین المفهوم اللغوي والمفهوم الاصطلاحي لها، لأن «الإجماع» استعمل في هذه العبارة بمفهوم اتخاذ القرار،ومثل هذا «الإجماع» (القرا) لایمکن له أن یحصل إلا في مثل هذا الاتفاق في الآراء الحاصل عن الاجتماع، و من المحتمل کثیراً أن یکون اجتماع الآراء، دون اجتماع واتخاذ للقرارات، قد حل في الاستخدامات اللاحقة محل حالة «الإجماع» بسبب تغیر الظرف الزمانیة، و بذلک اکتسب «الإجماع» مفهوماً معادلاً لـ «الاجتماع».

ورغم أن المسیب بن رافع یتحدث في روایته عن نهج السلف، و لکن حدیثه لیس في الحقیقة تقریراً تاریخیاً، بل إبداءً لرأي أصولي؛ وتمکن مقارنة موقفه الرمزي من طریقة السلف، مع رأي میمون بن مهران بشأن حکم الخیفة أبي بکر باعتباره فقیهاً نموذجیاً.وقد وصف میمون بن مهران فقیه بلاد الجزیرة (تـ 117هـ) والذي کانت تحظی آراؤه باهتمام بالغ آنذاک في روایة تتمضمن موقفاً تصوریاً و غیر تاریخي بشکل کامل، حکم الخیفة أبي بکر بأنه کان ینظر أولاً في کتاب الله وسنة رسوله (ص)، وعندما لم یکن یجد لدی نفسه ولدی الصحابة الآخرین حکماً منهما، «جمع رؤوس الناس وخیارهم، فاستشارهم فإذا اجتمع رأیهم علی أمر قضی به» (ظ: الدارمي، عبدالله، 1/ 58؛ البیهقي، 10/ 114؛ أبوإسحاق، 425-426). وکما یلاحظ، یتوفر هنا أیضاً الرکنان «الاجتماع» و «القرار» کما هو الحال في روایة المسیب بن رافع.

وبالإضافة إلی الحالات المذکورة، فقد طرحت مسألة الإجماع أیضاً فة روایتین مهمتین نقلاً عن الخلیفة عم والصحابي ابن مسعود. وفي الروایة الأولی التي نقلت عن أبي اسحاق الشیباني من علماء الکوفة (تـ 129هـ) عن عامر الشعبي عن شریح القاضي عن الخلیفة عمر، وردت الأدلة علی الترتیب التالي: کتاب الله و سنة رسوله، وفي حالة عدم العثور علی حکم فیهما، فـ «ما اجتمع علیه الناس» (ظ: الدارمي، عبدالله، 1/ 60؛ ابن أبي شیبة، 7/ 240؛ البیهقي، 10/ 115). ویلاحظ هذا التعبیر في روایات أشخاص مختلفین مثل علي بن مسهر عن أبي إسحاق الشیباني، ولم یعتبر الدلیل الثالث «ما قضی به الصالحون» (ظ: السطور التلایة)، إلا في الروایة التي نقلها سفیان الثوري عن أبي إسحاق بدلاً من التعبیر المذکور (ظ: النسائي، 8/ 231). وقد نشر أبوإسحاق الشیباني هذا الحدیث في العقود الأولی من القرن 2هـ/ 8 م.

تسجیل الدخول في موقع الویب

احفظني في ذاکرتك

مستخدم جدید؟ تسجیل في الموقع

هل نسيت کلمة السر؟ إعادة کلمة السر

تم إرسال رمز التحقق إلى رقم هاتفك المحمول

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.:

التسجیل

عضویت در خبرنامه.

هل تم تسجیلک سابقاً؟ الدخول

enterverifycode

استبدال الرمز

الوقت لإعادة ضبط التعليمات البرمجية للتنشيط.: