اَلْإثیر، کلمة معربة عن لفظة آیثر الیونانیة. وعلی حد قول أرسطو، فقد کان القدامی یعتبرون الأثیر جسماً خالد الحرکة، وله طبیعة إلهیة، ویختلف عن العناصر الأرضیة (متئورولوگیکا، الکتاب I، الفصل 3، ص 339b، السطر 25).

ومن بین فلاسفة الیونان القدیم کان پارمنیدس و أناکساغوراس والرواقیون یعتبرون الأثیر أسمی و أکثر طبقات السماء الناریة خلوصاً. وکان إمپدُکلس و أفلاطون یعتبران الأثیر أسمی و أکثر طبقات الضوء خلوصاً (ظ: أفلاطون، إپینومیس، 981C). ویری أرسطو أنه الجوهر، أو العنصر الخامس و یختلف عن العناصر الأربعة و ینفصل عنها. و یری أفلاطون (کراتولس، 410b، السطر 7) وأرسطو («حول السماء»، الکتاب I، الفصل 3، ص 270b، السطر 23) أن کلمة الأثیر مشتقة من aeithein (= خالد جار)، وذکر أرسطو أن القدامی کانوا یؤمنون بأن الجسم الأول هوشيء غیر التراب و النار و الهواء و الماء، وسموه الأثیر (متئورولوگیکا، ن.ص). کما صرح مؤرخو العقائد بأن أرسطو یری أن الأرواح و النجوم تتکون من هذا «الجوهر، أو العنصر الخامس»، أي الأثیر (شیشرون، الکتاب I، الفصل 10، القسم 22).

کان العالم یقسم حسب الفلسفة الأرسطیة إلی قسمین؛ قسم ما تحت فلک القمر، و قسم ما فوق فلک القمر. فالعالم مافوق القمر دائم الحرکة وبسیط وأزلي و أبدي ومادته تتناسب مع تلک الحرکة. وقد سمیت هذه المادة بالأثیر، أو العنصر الخامس إزاء العناصر الأربعة للعالم السفلي، أو ماتحت القمر (کرم، 148؛ بدوي، 222-223) وفي الحقیقة یمکن اعتباره جوهر العناصر.

استعمل مصطلح الأثیر في مؤلفات بعض حکماء العصر الإسلامي بمعنی الکرة الناریة في طبقات ما تحت القمر الأربع في نظام الکون أحیاناً، أي الطبقة الحارة ما تحت فلک القمر و مافوق کرة الهواء، و سمي أحیاناً مادة العالم العلوي و فلکیات الأثیر، أو العنصر الخامس (ظ: کرم، ن.ص؛ قا: نصر، 366). وعلی سبیل المثال، فإن ناصرخسرو اعتبر دائرة الأثیر مرکز النار و الهواء الحار تحت فلک القمر و فوق الزمهریر (جامع الحکمتین، 69، 92). کما اعتبره «دولاب النار» الواقع تحت «جسم الفلک» و فوق العناصر الأخری (ن.م، 193، 239)، ولکنه أقام في موضع آخر أدلة علی أن نار کرة الأثیر لیست حارة مضیئة (زاد المسافرین، 83-84).

وفي رسائل إخوان الصفا سمي الهواء الذي یلي فلک القمر و هو نار سموم في غایة الحرارة، بالأثیر (2/ 65). وجاء أن النجوم المذنبة تحدث في کرة الأثیر (2/ 85) ولذلک فإنها مشتعلة و تدور مع فلک القمر. وبالطبع فقد اعتبر العالم في هذه الرسائل متصلاً خلافاً لرأي أرسطو، ولایوجد فاصل بین الأفلاک، و أن الهواء و الأثیر کرة واحدة (ن.م، 2/ 26-28).

وقد قسم ابن سینا أجسام العلام إلی نوعین أثیري و عنصري، و قال: الجسم الأثیري هو مایقبل صورة واحدة لاضد لها و حدوثها علی سبیل الإبداع، لا التکوین من شيء آخر؛ و کما أن العناصر الأربعة هي أرکان عالم العناصر، فالأفلاک و الکواکب هي أیضاً أرکان عالم الأثیر («رسالة...»، 46، 48-49). والفلکیات لاتفقد صورتها (م.ن، الإشارات...، 2/ 153)، وهي دوماً متحرکة حرکة مستدیرة، و خارجة عن الطبائع الأربع، و تؤثر علی العنصریات، أي أن قوتها و طبعها هما مبدأ الأحوال العارضة علی عالم العناصر (م.ن، النجاة، 144-145، 150-151، «رسالة»، 57). ومن خصائص الأجسام الأثیریة أیضاً أحد الأنواع الثلاثة للحرکة الطبیعیة للأجسام البسیطة، فهي تتحرک دائماً في موضعها الطبیعي (ن.م، 49، 57).

وقسم السهرورأي أیضاً الأجسام إلی نوعین: عنصري کائن فاسد متغیر الصور، و أثیري ثابت الصور، و اعتبر العنصریات منفعلة عن الأثیریات (ص 12-13).

وذکر فخرالدین الرازي أیضاً الأثیر باعتباره کرة نار هي أقرب الأجسام إلی الفلک، وهي بدورها محیطة بکرة الهواء (2/ 81، 108). وبالطبع فإن هذه النار بسیطة (العلامة الحلي، 167؛ قا: قطب‌الدین الشیرازي، 4/ 23)، ولأنها متحرکة بحرکة الفلک، فإن الشهب و النجوم المذنبة التي تحدث في هذه الکرة، هي متحرکة أیضاً (الکاتبي، 561). ولکن بابا أفضل الکاشاني رأی أن جرم النار هو بعد فلک القمر و أقرب الأجسام إلی طبقات السماء، و تحت جمیع العناصر، و هو بسیط عدیم اللون و شفاف (1/ 160-161). ومن خصائص کرة النار الأخری اشتمالها علی طبقة واحدة تسمی کرة الأثیر (العلامة الحلي، 167-168). وفي موضوع العناصر الأربعة لم یعتبر بعض مفکري العصر الإسلامي النار عنصراً مستقلاً،و علی سبیل المثال فإن البیروني یری أن کرة الهواء اکتسبت إثر مجاورتها للفلک الحرارة منه، فاستحالت و تحولت إلی نار (الآثار...، 256-257). وقد شکل هذا المعنی نفسه أساس أحد أسئلته لابن سینا (الأسئلة...، 31؛ أیضاً ظ: لغت‌نامه، مادة أبوریحان).

المصادر

ابن سینا، الإشارات والتنبیهات، طهران، 1403هـ؛ م.ن، «رسالة في الأجرام العلویة»، تسع رسائل في الحکمة و الطبیعیات، القاهرة، 1326هـ/ 1908م؛ م.ن، النجاة، القاهرة، 1357هـ/ 1938م؛ باب أفضل، محمد، مصنفات، تقـ: مجتبی مینوي و یحیی مهدوي، طهران، 1331ش؛ بدوي، عبدالرحمان، أرسطو، القاهرة، 1953م؛ البیروني، أبوالریحان، الآثار الباقیة، تقـ: زاخاو، لایبزک، 1923م؛ م.ن و ابن سینا، الأسئلة والأجویة، تقـ: حسین نصر و مهدي محقق، طهران، 1352ش؛ رسائل إخوان الصفا، تقـ: بطرس البستاني، بیروت، دار صادر؛ السهرورأي، یحیی، «الألواح العمادیة»، سه رساله از شیخ إشراق، تقـ: نجف‌قلي حبیبي، طهران، 1356ش/ 1397هـ؛ العلامة الحلي، الحسن، کشف المراد، بیروت، 1399هـ؛ فخرالدین الرازي، المباحث المشرقیة، قم، 1411هـ؛ قطب‌الدین الشیرازي، محمود، درة التاج، تقـ: محمد مشکوة، طهران، 1317-1320ش؛ الکاتبي القزویني، علي، حکمة العین، شرح مبارکشاه البخاري، تقـ: جعفر زاهدي، مشهد، 1353ش؛ کرم، یوسف، ترایخ الفلسفة الیونانیة، بیروت، 1977م؛ لغت‌نامۀ دهخدا؛ ناصرخسرو، جامع الحکمتین، تقـ: هـ. کوربن ومحمد معین، طهران، 1332ش/ 1953م؛ م.ن، زادالمسافرین، تقـ: محمد بذل الرحمان، طهران، مکتبة محمودي؛ نصر، حسین، نظر متفکران إسلامي دربارۀ طبیعت، طهران، 1359ش؛ وأیضاً:

Aristotle, De Caelo; id, Meteorologica; Cicero, Tusculanae disputations; Plato, Epinomis; id, Kratylos.

جعفر سجادي/ خ.